الحملة ضد المحتوى الهابط حققت هدف الردع، وتراجع أصحاب محتوى التفاهة، وأخذ أمثالهم يفكرون قبل أن ينشروا، هذا لا يكفي، الآن يجب أن تنصب الجهود على تشجيع المحتوى البنّاء الذي يسهم ببناء الإنسان والمجتمع، خلال عقود طويلة، تعرّض البشر عندنا للتدمير أكثر من الحجر، أكثر من الاقتصاد والسياسة...

الحملة ضد المحتوى الهابط حققت هدف الردع، وتراجع أصحاب محتوى التفاهة، وأخذ أمثالهم يفكرون قبل أن ينشروا، هذا لا يكفي، الآن يجب أن تنصب الجهود على تشجيع المحتوى البنّاء الذي يسهم ببناء الإنسان والمجتمع، خلال عقود طويلة، تعرّض البشر عندنا للتدمير أكثر من الحجر، أكثر من الاقتصاد والسياسة.

الإنسان بسلوكه وإيجابيته وذوقه وتهذيبه تعرّض للتدمير، وبناؤه يشكل ركيزة أساسية في عملية بناء كل شيء، الإعلام يلعب دورا كبيراً في عملية البناء، فضلا عن العائلة والمدرسة والمنبر الديني.

الإعلام البنّاء حامل رسالة الإصلاح هو من يقوم بذلك، أما الاعلام الذي يلهث وراء المتابعين، إن لم يكن موجّها أساساً لتعميق الخراب، فسيكون معولاً لهدم ما تبقى، وسَوْق المجتمع إلى متاهة الابتذال والتحلل والسلبية، أي تدمير المدَّمَر في الإنسان، للأسف، بعض الإعلام عندنا يقوم بهذا الدور عن وعي أو جهل.

التقنيات الاتصالية الحديثة جاءتنا بأدوات جديدة تحقق سرعة انتشار أكبر، وإمكانيةٍ لأي كان لأن يصنع محتوى، وقوة جذب تفوق كثيراً ما هو موجود في الإعلام التقليدي، موجة التفاهة ذات البعد العالمي، والمخطط لها بخبث ودقة شديدين، شجّعَت الكثيرين على مماشاتها بمحتوى تافه، بالغ البعض في انحطاطها وهبوطها، سعياً وراء شهرة فارغة وربما مردود مالي سهل.

لماذا لا تُستثمر هذه التقنيات في نشر محتوى هادف يخدم المجتمع ويقدم له ما يساعده على الارتقاء؟، صحيح أنّ «التسفّل أيسر من الترفّع» كما يقول جمال الدين الافغاني، وإن مزاج المتلقين الحالي يُقبل على الضحالة لسهولتها وجاذبيتها، لكن ذلك يعود بشكل رئيس إلى صغر مساحة المحتوى الهادف والجدي وعدم اعتماده أساليب الجذب المشروع والأخلاقي.

اتساع نطاق النشر للمحتوى الهادف بقوالب جاذبة سيوسع دائرة المتلقين ويحاصر المحتوى الهابط، لا يجب الاعتماد على جهود فردية، هذا الامر يتعلق بعملية حماية مجتمع من التفاهة والضحالة، وإشاعة المحتوى الايجابي والنافع تحتاج إلى وتعاون وتكاتف بين أصحاب هذا المحتوى.

لا بد من إنشاء جمعيات أو منتديات تجمع هؤلاء، ولا بد من دعمهم من جهات عدة لتوسيع نشاطهم ورقعة اهتمامهم بآلاف القضايا، التي تحتاج إلى طرح وتحذير من السيئ منها بموازاة التشجيع على الإيجابي.

الحديث عن الاخلاق والقيم ليس ترفاً كما يصفه البعض، في غيابها مقتل الأمم والدول، وفي رواجها تقدم الشعوب وتطورها، ليست كل القيم نسبية كما يروج كثيرون، الصدق والإخلاص في العمل والأمانة والعفّة وغيرها كثير، هي قيم واخلاقيات تجمع عليها كل الأديان والشرائع السماوية والارضية، والشذوذ انحراف ومخالفة للطبيعة والخلق، ولا يغير من ذلك تبنّيه من منظمات أو حتى دول.

في الكثير من دول الغرب، تمنع الملابس الخليعة في العمل، لأنها ضد اخلاقيات العمل، ولو فرض ذلك في بلداننا لتعالت أصوات تحذر من «أسلمة» المجتمع وفرض القيود على الحريات.

الحاملون همّ البناء والقادرون على صنع المحتوى الهادف عليهم أن يتجمعوا ويتعاونوا من أجل خير الجميع، أما الانكفاء والانزواء فهو يحقق هدف صنّاع ثقافة التفاهة.

.............................................................................................
* الاراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق