النقطة الأبرز فهي خوفهم من قانون سانت ليغو المعدل والذي قد يجعلهم يخسرون مقاعدهم التي حصلوا عليها سابقاً بفضل قانون الانتخاب الفردي، ومن ثم فهم بحاجة إلى بناء قاعدة جماهيرية اوسع من السابق لتحقيق الفوز في الانتخابات المقبلة التي تحتاج إلى أصوات أكبر للوصول إلى العتبة الانتخابية...

من الطبيعي اختلاف الرؤية والقرارات بين القوى الشيعية التقليدية والحزب الديمقراطي الكردستاني، فقد تعودنا على هذا الصراع بين الطرفين طوال مدة الحكم لما بعد صدام حسين، لكن الجديد أن تكون الخلافات عميقة بين طرفين من القوى الشيعية بشأن التعاطي مع إقليم كردستان وحصص المحافظات الجنوبية من الموازنة، وهذه الخلافات بين القوى السياسية الشيعية التقليدية، وبعض النواب والحركات السياسية الصاعدة.

فحركة حقوق الجناح السياسي لكتائب حزب الله برئاسة حسين مؤنس والنائب المقرب من الحشد مصطفى سند وزميله الآخر والمقرب من الحشد أيضاً الدكتور يوسف الكلابي، ومعهم بعض النواب من محافظة البصرة قد وقفوا بقوة ضد إقرار مشروع الموازنة الاتحادية بالصيغة التي أرسلتها الحكومة.

وسبب رفضهم لهذه الموازنة أنها تعطي امتيازات كبيرة لإقليم كردستان في أمور لا يستحقها الإقليم بحسب وجهة نظرهم، ومن جانب آخر تهمش المحافظات الجنوبية ولا سيما المحافظات المنتجة للنفط مثل البصرة وذي قار وواسط، والمحافظات الفقيرة مثل الديوانية والمثنى.

وبسبب نفوذهم في اللجنة المالية استطاع هؤلاء النواب عقد تفاهمات مع نواب آخرين بعضهم أكراد وأجبروا اللجنة المالية على إجراء تعديلات ومناقلات، أثارت امتعاض رئيس وزراء إقليم كردستان مسرور برزاني الذي اعتبر التعديلات انتهاكاً للاتفاق السياسي، ملوحاً باستخدام ادوات سياسية لمنع تمرير الموازنة.

أما الحكومة فقد اعلنت عن وجهة نظرها صراحة عبر وزيرة المالية طيف سامي التي قالت بأن تمرير الموازنة بالصيغة والتعديلات التي أقرتها اللجنة المالية سيدفع الحكومة للطعن فيها بالمحكمة الاتحادية ما يعني تأخيرها لمدة أطول وعرقلة مشاريع الحكومة.

أما السياسي العراقي المخضرم والمنحاز للقوى السياسية التقليدية عزت الشابندر فقد وصفت تحركات النواب الشيعة الجدد بانها حركات صبيانية تريد تخريب اتفاقات الكبار.

هل هي صراعات ما بعد استقالة التيار الصدري؟

جزء منها صراعات ما بعد استقالة نواب التيار الصدري، لأن الوصول إلى السلطة دائماً ما ينتج تزاحماً بين الاطراف المشاركة في إدارة الحكومة ومجلس النواب، وهذا التزاحم بدأ منذ وصول نواب الإطار التنسيقي إلى مجلس النواب وهو خالٍ من نواب التيار الصدري، وعلى إثر هذا أعلن النائب مصطفى سند أنه سيكون الصوت المعارض داخل مجلس النواب لكل التحركات الحكومية المشبوهة.

وبالفعل فقد كسب دعوى قضائية ضد إرسال الحكومة 400 مليار دينار إلى الإقليم واستمرت خلافاته ومبدياً عدم اعترافه بجميع بنود الاتفاق السياسي.

وبالطبع هو يمثل مجموعة أكبر من النواب الصاعدين الجديد في مجلس النواب العراقي.

لكن إصرارهم على تسجيل حضورهم في كل فقرة من فقرات الموازنة الاتحادية يأتي بحسابات انتخابية، لأن الشريحة الاجتماعية التي انتخبتهم، هي انتخبتهم على أساس خطابهم السياسي الشعبوي والمتشنج في دفاعه عن الحشد الشعبي وجمهوره، وهم يعتقدون أن ما يعملونه الآن في الموازنة جزء من عملهم الطبيعي لتحقيق مصالح جمهورهم.

أما النقطة الأبرز فهي خوفهم من قانون سانت ليغو المعدل والذي قد يجعلهم يخسرون مقاعدهم التي حصلوا عليها سابقاً بفضل قانون الانتخاب الفردي، ومن ثم فهم بحاجة إلى بناء قاعدة جماهيرية اوسع من السابق لتحقيق الفوز في الانتخابات المقبلة التي تحتاج إلى أصوات أكبر للوصول إلى العتبة الانتخابية.

وأسهل طريقة لتوسيع القاعدة الجماهيرية هي الاستفادة من الصراعات السياسية داخل البرلمان وعلى رأسها تكون الموازنة الاتحادية.

ومن خلال استخدام وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي يمكن بناء جسور الثقة مع الجمهور، بحيث يظهرالنواب المعارضون لحصة الإقليم بكونهم الصقور الذين وقفوا مدافعين في الساحات السياسية، وتلك فائدة انتخابية قد تظهر نتائجها قريباً.

أما على مستوى القوى السياسية التقليدية، فهي تعمل لشيء أكبر من الانتخابات، واكبر من تحصيل أصوات الناخبين، فهم ضامنين لقاعدة جماهيرية ثابتة تزيد أو تنقص بعدد بسيط من النواب، لكنها تبقي الحزب التقليدي في مجلس النواب كقوة سياسية رئيسية لا يمكن تجاوزها، مع حصولها على عدد من الوزارات والدرجات الخاصة.

وهذا ما يميز الاختلاف الأساسي بين القوى التقليدية والقوى الصاعدة، ان التقليدية يهمها تقديم ضمانات سياسية للاحزاب القوية في البرلمان، وهذه الضمانات تقابلها ضمانات أخرى، بحيث تضمن لنفسها مكانة في المنظومة السياسية القائمة.

فائتلاف دولة القانون مثلاً يهمه أن يقدم نفسه للحزب الديمقراطي الكردستاني بكونه الحزب القادر على توفير ما يريده الديمقراطي، ليضمن علاقة قوية تدفع الديمقراطي لعدم التخلي عن دولة القانون بغض النظر عن زيادة مقاعده في البرلمان أو انخفاضها.

وقد فعلها دولة القانون في أكثر من مناسبة ووقف مع الديمقراطي الكردستاني وحقق له مصالحه، من بينها تصويته على كوتا المسيحيين في انتخابات مجالس المحافظات المقبلة والتي تخدم الكردستاني.

المسألة إذن تتعلق بمن يعول على بناء قاعدة جماهيرية وهذا ما تعمل عليه القوى الصاعدة، وبين من يريد العمل من الأعلى وتعزيز موقعه السياسي وضمان تحالفات استراتيجية مع القوى التقليدية الاخرى، وهذا ما تعمل عليه قوى ائتلاف دولة القانون وعصائب أهل الحق وتحالف الفتح.

من خلال هذه المعادلة نعرف لماذا يبقى تيار انتخابي مثل ائتلاف دولة القانون مؤثراً في الساحة السياسية؟

الجواب لأنه استطاع بناء قاعدة تفاهمات علوية مع قوى سياسية من المكونات الاخرى بحيث يضمن عدم تجاوزه سياسياً بغض النظر عن عدد مقاعده في البرلمان.

اضف تعليق