q
مؤخرا كثر تساؤل الناس وهم يتابعون اخبار الحرب في أوكرانيا، عن (مجموعة فاغنر).. وظلت أشبه باللغز بالنسبة اليهم، فحين تندلع الحروب الدولية، تسمع الناس بأسماء الفرق والالوية وقادتها والى غير ذلك من مسميات الصنوف الأخرى، أما أن تسمع بشيء اسمه مجموعة أو جماعة ولها رئيس يتحدث باسمها...

يؤكد اهل الخبرة والوعي في السياسة على أن الدولة وحدها يجب ان تحتكر حيازة السلاح، لأن الدولة كيان معنوي يجمع الشعب بحدود معلومة، ويستوعب نشاطاته من خلال مؤسسات تتكامل في عملها لخدمته، والجيش أحد أهم المؤسسات التي تمثل الدولة وتحميها.. وهذه هي رسالة الجيوش والمؤسسات الأمنية الأخرى، التي تحمي الناس وتكرّس حكم القانون.

مؤخرا كثر تساؤل الناس وهم يتابعون اخبار الحرب في أوكرانيا، عن (مجموعة فاغنر).. وظلت أشبه باللغز بالنسبة اليهم، فحين تندلع الحروب الدولية، تسمع الناس بأسماء الفرق والالوية وقادتها والى غير ذلك من مسميات الصنوف الأخرى، أما أن تسمع بشيء اسمه مجموعة أو جماعة ولها رئيس يتحدث باسمها، وينتقد قيادة الجيش ويصرّح كما لو أنه خارج المؤسسة العسكرية التي تقود المعارك.

فهذا أمر غريب حقا وتسبب في إرباك للمتابعين، ممن لا يعرفون الكثير عن هذه المجموعة لحين قيامها بالتمرد على الدولة الروسية والذي شغل العالم وهو ينتظر ما الذي سيحصل لدولة كبرى مثل روسيا، وقد تحدّتها أو تحدّت مؤسستها العسكرية والامنية مجموعة من مقاتلين متطوعين في شركة، يقودها رجل طموح وغني يحارب بعقيدة رئيس الشركة، وليس بعقيدة عسكرية تقوم على الولاء للوطن والتضحية من أجله.

لا شك أن حكاية فاغنر ستكون درسا كبيرا، للكثير من الدول التي تعتمد هذا النهج في بناء مؤسساتها الامنية، وروسيا ليس بالدولة الضعيفة التي كانت بها حاجة ماسة لمثل هكذا ميليشيا، لكن ظروف تشكيلها وطبيعة مهماتها ما زالت غير مفهومة للكثيرين، لا سيما أن لهذه الشركة أو المجموعة فروعا اخرى تعمل في أكثر من بلد تتواجد فيه روسيا الدولة أو تربطها به مصالح معينة.

ولعل القيادة الروسية أخذت تعيد النظر بمجموعة فاغنر بعد تمردها الشهير، ومن المؤكد أنها لن تكون ضمن الجسد العسكري الروسي مستقبلا، بعد أن بات وجودها يمثل تهديدا ليس لأمن النظام وحده بل للدولة والشعب الروسي... مسألة خصخصة الحروب ليست جديدة وقد ابتدأت أواخر سبعينيات القرن الماضي مع التنظيمات المعروفة بـ(المجاهدين الأفغان) بعد الاجتياح السوفييتي لأفغانستان وقتذاك، وقد وقفت أميركا ومعسكرها ومن معها من الدول الاخرى في العالم، وراء تمويل وتسليح هذه التنظيمات.

لكن أحدا لم يسمّ هذا بالحلف، لان الحلف هو ان يتعاهد المتحالفون على ان يحقق كل منهم هدفه، وهو ما لم يحصل بشكل مباشر مع التنظيمات (الجهادية) كونها تكفّر اميركا والغرب مثلما تكفّر الشيوعية! وكانت تصلها المساعدات بشكل غير مباشر، وما حصل يمكن وصفه بالتخادم غير المعلن، لكن وإن كان هناك هدف مشترك للمتخادمين، لكنهم سيقفون في منطقة افتراق بعد تحققه وهو ما حصل، أي أن التنظيمات (الجهادية) لا تريد دولة مدنية تقيم علاقات مع اميركا وغيرها من دول العالم.

وإنما تسعى لإقامة دولة دينية يذكي تشرذمها الخلاف بين قادتها المتشددين، وان تفاوتت حدّة تشددهم، ولكن الاهم من كل هذا هو غياب القوة الرادعة التي يجب ان تحتكرها الدولة وحدها والمتمثلة بالجيش لكي تصحح المعادلة وتفرض هيبة الدولة على الجميع، وبغياب هذا الرادع اصبحت افغانستان في مهب الريح وإلى اليوم منذ اكثر من أربعة عقود.

نعم استطاعت روسيا أن تنهي التمرد، لكنه أحرجها امام العالم مرتين، الاولى لأنها كانت في حالة حرب، الأمر الذي هدد الأمن الداخلي وفتح الباب لحرب اهلية كادت تحصل، والثانية هو وجود مثل هكذا تنظيمات أو شركات في دولة كبيرة في عيون العالم مثل روسيا، لأن من المعقول أن يحصل مثل هذا في دولة من العالم الثالث، وفي ظروف معينة وليس في روسيا، وحتى في تلك الدول المتخلفة، يجب أن لا يستمر طويلا، لأن استمراره يعني استمرار غياب الدولة وتكريس للفوضى وهو ما باتت عليه دول مثل ليبيا واليمن والصومال وغيرها من الدول الضعيفة، أو التي أصبحت ضعيفة بغياب الدولة واحتكارها السلاح وحدها وتعدد مراكز القوى فيها.

لقد حذّر كثيرون من أن أية جماعة تمتلك السلاح، يصبح لديها طموح في الحكم لأنها تمتلك القدرة على اخضاع الآخرين، وإن تعدد هذه القوى، يعني أنها ستصطدم ببعضها عاجلا أم آجلا، ومتى ما اصبح أي منها مهدد بفقدانه لهذه القوة لصالح الآخر.. (الرد السريع) في السودان أنموذجا.. فالقوة امتياز ولا يمكن لأحد أن يتخلى عنها طواعية أو بناء على رغبة آخر حتى لو كان الدولة نفسها، طالما انه قادر على مواجهتها. وعليه فإن درس (فاغنر) هو الدرس الثاني بعد درس السودان، الذي على الدول التي توجد فيها مثل هكذا تنظيمات أن تقرأه جيدا وأكثر من مرة.. لان من لا يستفيد منه وهو يراه بكل تفاصيله من بعيد. سيراه ويعيش كل تفاصيله في بيته.. وعند ذاك لا ينفع الندم!

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق