بعد ظهور مواقع التواصل الاجتماعي، بدأ بعض الإعلاميين بإظهار جانب صغير من الاحداث، عبر التسويق لوثيقة واحدة، أو استضافة شخصية واحدة حول قضية تحتاج إلى استضافة جميع الأطراف لتوضيح القصة كاملة، وهذا أسلوب غير مهني، إذ لا يجوز نشر معلومات غير مكتملة حتى لا يتعرض الجمهور لمعلومات تجعله لا يثق بالمؤسسات الحكومية والخاصة...

انتشر في الشهور الماضية أسلوب جديد في عمل وسائل الإعلام العراقية، يتمثل بنشر أخبار وتقارير غير كاملة لأسباب مقصودة وغير مقصودة، مرفقة بجملة "حق الرد مكفول"، إذ تزعم وسائل الإعلام أن هذا الأسلوب مهني ويندرج ضمن جوهر عملها.

في البدء لا بد من الإشارة إلى أن حق الرد هو حق مكفول وفق القانون العراقي لأي شخص يرى بأن رواية صحفية كانت خاطئة وتمسه بشكل مباشر سواء كان هذا الشخص طبيعي أم معنوي، وسواء كتبت هذه الجملة أم لا، والمشرع حينما نظم حق الرد إنما أراد لوسائل الإعلام أن تكون رقيبة على عملها قبل النشر، عبر اعتماد المعايير المهنية حتى لا تقع في حرج نشر الرد الذي قد يخالف القصة الخبرية المنشورة.

فالحق في النشر جزء من حرية الرأي والتعبير، وهو مكفول في القانون العراقي، ولضبط هذا الحق من الاستعمال غير السليم، وضع المشرع ضابطة أخرى تتمثل في حق الرد بالنسبة للأطراف الذين لديهم ما يثبت أن القصة المنشورة كانت ناقصة أو تعرضهم لاتهامات غير صحيحة، أو تنال من سمعتهم أو كرامتهم.

ونصت المادة 15 أ من قانون المطبوعات العراقي رقم 206 لسنة 1968 المعدل ما يلي: "على مالك المطبوع الدوري أن ينشر الرد الوارد إليه ممن قذف في مطبوعه أو شهر به".

المسؤولية هنا تقع على مالك المطبوع في هذه المادة، إلا أن قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 وفي المادة 81 قد حمل رئيس التحرير والمحرر المسؤول حملهم المسؤولية بصفتهم فاعلين للجريمة التي ارتكبت في صحيفتهم.

أما مساحة حق الرد فقد بينها المشرع العراقي في قانون المطبوعات المادة 15 ج فاشترط أن لا يشغل الرد حيزاً أكبر من ضعف حيز الخبر أو المقال المنشور، ويكون هذا النشر مجاناً.

وفي حال امتناع صاحب المطبوع عن نشر حق الرد يتعرض لعقوبة قانونية حددها قانون المطبوعات بعقوبة الحبس التي لا تزيد عن ثلاثين يوماً أو بغرامة مالية.

كما حدد القانون الحالات التي يجوز فيها الامتناع عن نشر الرد إذا كانت تحتوي على أي شيء مخالف للقانون، أو يؤثر على المصلحة العامة.

نستخلص مما سبق أن حق الرد مكفول بالقانون العراقي، ولا داعي لكتابة هذه الجملة على كل خبر أو تقرير ينشر في الصحف ووسائل الإعلام العراقية.

ماذا يعني تأكيد وسائل الإعلام العراقية على ضمان حق الرد؟ وهل هناك شيء مخفي خلف هذه الجملة؟

تعرف وسائل الإعلام العراقية بأنها لا تلتزم بالمعايير المهنية، ولا أخلاقيات الصحافة، فالبرنامج التلفزيوني الذي يمتد لساعة تلفزيونية يقطع إلى أجزاء قصيرة جداً، وحسب ما تقتضيه سياسة القناة الفضائية، ثم تنشر المقاطع المجزأة عبر مواقع التواصل الاجتماعي بصفتها حقائق كاملة، وخلال عمليات التقطيع للبرنامج، يتم حذف المقاطع التي لا تناسب سياستها، والتركيز على المقاطع التي تستهدف طرفاً سياسياً.

بهذه الطريقة يفقد البرنامج التلفزيوني السياق الذي وضع فيه، بحيث يظهر وكأن هناك متهم واحد في القصة، بينما لو عرضت الحلقة كاملة لما حصلت هذه الإشكاليات.

وفي حالات أخرى، تقوم وسائل الإعلام العراقية باستضافة شخصيات غير متوازنة تتحدث عن قضية معينة، بحيث تضمن الغلبة لطرف على حساب طرف آخر، وهو سياق غير مهني، يجعل بعض الشخصيات والمؤسسات وكأنها غير نزيهة.

وبعد ظهور مواقع التواصل الاجتماعي، بدأ بعض الإعلاميين بإظهار جانب صغير من الاحداث، عبر التسويق لوثيقة واحدة، أو استضافة شخصية واحدة حول قضية تحتاج إلى استضافة جميع الأطراف لتوضيح القصة كاملة، وهذا أسلوب غير مهني، إذ لا يجوز نشر معلومات غير مكتملة حتى لا يتعرض الجمهور لمعلومات تجعله لا يثق بالمؤسسات الحكومية والخاصة.

إذا هناك تقصير من قبل وسائل الإعلام فيما يتعلق بعرض الحقائق وهذا التقصير لا يمكن تبريره بحجة وضع علامة حق الرد مكفول، بل الواجب الأول أن تسعى وسائل الإعلام إلى نشر قصص وأخبار وتقارير كاملة.

أما حق الرد فهو مكفول بالقانون ولا يحتاج إلى وضعه على الشاشة، بل يحتاج إلى تقليل حالة عدم التوازن في استضافة الشخصيات، وزيادة الجهد في نشر التقارير غير المنقوصة.

الحقائق الكاملة تحتوي حق الرد بداخلها، ولا يمكن للآخرين التشكيك بها، أما التقارير المنقوصة فلا يعالجها حق الرد، لأن القصدية في إلحاق الضرر لا يعالجها هذا الأسلوب.

اضف تعليق