سوف يأتي أردوغان ويغادر ويحصد ثمار زيارته، بينما يقتل العطش المزيد من المحاصيل الزراعية، ويهدر العراق المزيد من براميل النفط، وتلعب الجماعات الكردية المسلحة شمال العراق، وغالبية العراق ينفقون بشكل متزايد على المنتجات والعقارات التركية، فلماذا يتفاوض أردوغان وهو المستفيد من العلاقة الحالية بين بغداد وأنقرة...

أعلنت الحكومة العراقية عن زيارة مرتقبة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى بغداد هذا الأسبوع، ولم تكشف عن يوم محدد للزيارة، إذ يأتي أردوغان وفي حقيبته جملة من الملفات التي يريد التفاوض بشأنها مع الحكومة العراقية، وهذه الأخيرة تملك حقائب من الملفات العالقة، وتريد وضع حد لبعضها والتفاهم بشأن الأخرى، ليحسب لها إنجاز في ظل فشلها بتحقيق أي منجز فعلي منذ تسنم السيد محمد شياع السوداني رئاسة الوزراء وحتى الآن.

هناك أربع ملفات رئيسية يتوقع أن يتباحث فيهما الطرفان، ومن الواضح أن تركيا سوف تفاوض من موقع الدولة المهيمنة والمقتدرة، بينما يتفاوض العراق من موقع الضعف والانكسار، وهذه هي الملفات التي كشف عنها مسؤول في رئاسة الوزراء العراقية لصحيفة العربي الجديد:

أولاً: تواجد حزب العمال الكردستاني وعلاقة السليمانية بهذه الجماعة المصنفة إرهابياً في تركيا، فالأتراك يعتبرون سياسة الإدارة الذاتية في محافظة السليمانية تخدم حزب العمال الكردستاني وتتعاطى معها بشكل لا يمكن القبول به، وهو ما دفعها لتمديد فترة الحظر الجوي على مطار السليمانية، وزيادة ضرباتها العسكرية ضد حزب العمال والمتعاونين معه.

بالنسبة إلى تركيا هذا الملف مصيري، لكنها هي من تملك مفاتيحه وليست بغداد، فهناك قوة عسكرية تركية شمال العراق، وأي تعنت من بغداد بشأن المطالب التركية، يعني لجوء أنقرة إلى الحلول التي تراها مناسبة بدون الحاجة إلى بغداد، ومن بين هذه الحلول هو تكثيف القصف الجوي، وزيادة التواجد العسكري شمال العراق، لا سيما وأن تركيا تعلم جيداً عجز العراق عن الرد على الانتهاكات المتواصلة لمجاله الجوي.

في هذه القضية يسجل لتركيا تفوقها بالمفاوضات بفضل الأوراق القوية التي تملكها.

ثانياً: ملف المياه، إذ لم يعد من الصحيح إطلاق تسمية بلاد ما بين النهرين، إذ تحولا إلى ما يشبه الساقيتين الصغيرتين، وبسبب شحة المياه اضطر العراق للتخلي عن محاصيل استراتيجية مثل محصول الرز (الشلب)، وهو العنصر الرئيسي في المائدة العراقية، كما أن أشجار النخيل والفواكه والمحاصيل الموسمية تعرضت لهزات عنيفة جعلت الفلاحين يهجرون مزارعهم باتجاه المناطق الأقل تضرراً من حالة الجفاف المنتشرة في أرجاء العراق ولا سيما في المناطق الوسطى والجنوبية.

لا يهم تركيا ما يحدث بالعراق، فهي ترى أن بغداد تتحمل مسؤولية عدم استخدامها لتقنيات الري الحديثة، لذلك لا يمكن توقع حصول اتفاق مائي لمصلحة العراق.

قد يبادر اردوغان باطلاق كميات من المياه لمدة شهر أو خمسة عشر يوماً كهدية من طرف واحد، كما فعل عند زيارة السوداني إلى تركيا في آذار مارس الماضي، إلا أن هذا يؤكد مرة أخرى أن مسألة الماء صارت بيد تركيا بشكل كامل وأن العراق لا يملك سوى التوسل إليها للحصول على الهدايا المائية.

ثالثاً: تصدير النفط عبر تركيا، إذ ترفض حكومة أردوغان تسليم العراق الغرامات المترتبة عليها نتيجة تصديرها للنفط دون موافقة الحكومة العراقية، وحصول بغداد على قرار من محكمة التحكيم الدولي في باريس بفرض غرامة على الأتراك قدرها مليار ونصف المليار دولار.

يعلم أردوغان أن بغداد تخسر يومياً ملايين الدولارات، وقد وصلت الخسائر إلى ما يزيد عن ملياري دولار منذ وقف التصدير وحتى الآن، ما يعني أن بغداد لو تنازلت عن الغرامة المفروضة على تركيا لربحت أكثر منها، وهو ما يجعل الموقف العراقي غير متشدد بشان استحصال الغرامة، وراغب بشدة في إعادة التصدير عبر ميناء جيهان التركي.

وحتى في هذا الملف نجد الأتراك يفاوضون من موقع الدولة المطمئنة، بينما يفاوض العراق من موقع الدولة المحتاجة إلى أي دولار يدخل خزينتها المالية.

ثالثاً: طريق التنمية والتجارة بين تركيا والعراق، ربما يكون هذا الملف هو الوحيد الذي نملك فيه حرية في التفاوض، ليس لأن وضعنا أقوى، بل لأن الملف غير جدي، ورغم ذلك يبقى الأتراك متفوقين في مجال إغراق السوق العراقية بمنتجاتهم وشركاتهم، وفيما يتعلق بطريق التنمية فإن بغداد لا تبدو واضحة حتى الآن فيما يتعلق ببناء طريق التنمية، ما يعني أن المفاوضات إن حدثت في هذا الملف سوف تكون أقل جدية من الطرفين ولا تتعدى الاستهلاك الإعلامي.

سوف يأتي أردوغان ويغادر ويحصد ثمار زيارته، بينما يقتل العطش المزيد من المحاصيل الزراعية، ويهدر العراق المزيد من براميل النفط، وتلعب الجماعات الكردية المسلحة شمال العراق، وغالبية العراق ينفقون بشكل متزايد على المنتجات والعقارات التركية، فلماذا يتفاوض أردوغان وهو المستفيد من العلاقة الحالية بين بغداد وأنقرة، وهي علاقة تبدو لصالح الأخيرة، ومن غير المنطقي أن يتفاوض المستفيد والمهيمن مع الضعيف والخاسر.

يأتي الطرف المهيمن ليلتقط الصور ويعزز موقعه في العراق لا أكثر.

اضف تعليق