بدأت المعارك الانتخابية في العراق بشكل مبكر كما هو معتاد، فهي الوقود الذي يلهب مشاعر الجماهير السياسية، ويحركها نحو الأهداف التي تريدها الكتل المهيمنة على الساحة العراقية، هذه هي الأجواء الديمقراطية والتنافس الانتخابي في جميع الدول التي تتبع نظام الانتخابات والتداول السلمي للسلطة...

بدأت المعارك الانتخابية في العراق بشكل مبكر كما هو معتاد، فهي الوقود الذي يلهب مشاعر الجماهير السياسية، ويحركها نحو الأهداف التي تريدها الكتل المهيمنة على الساحة العراقية، هذه هي الأجواء الديمقراطية والتنافس الانتخابي في جميع الدول التي تتبع نظام الانتخابات والتداول السلمي للسلطة.

السلوك غير المعتاد هو تغليب الصراعات ووضعها في مرتبة متقدمة في سلم أولويات القوى السياسية المهيمنة، والتغييب شبه الكامل للبرامج الانتخابية الواقعية، والمسألة صارت واضحة، خذ قضية معينة وفجرها في وقت مبكر قبل الانتخابات بحيث ينشغل بها الجمهور لأسابيع.

وإذا كنت حزباً سياسياً مهيمناً، احرص على أن تكون القضية التي أثرتها تدر عليك نقاشات إيجابية، وتجرف من عمق خصومك السياسين، لتجعلك أنت النظيف الذي لم يرتكب الأخطاء، وخصمك هو الفاشل المتسبب بالخراب والأزمات التي تعرضت لها البلاد.

هذه هي وصفة الفوز بالانتخابات في العراق، فقد كانت القضايا الطائفية هي الرائجة، والتربح السياسي يأتي من خلالها، إلا أنها باتت بضاعة غير مستساغة من قبل الجمهور، لقد أصابها العفن والمرض، لذلك بدأنا نسمع عن أساليب جديدة مثل نصرة القرآن الكريم، أو محاربة الجندر، أو الدفاع عن الحدود العراقية مع الكويت، وحتى إثارة الصراعات بين المسيحيين، ولا بأس إذا استخدمت بعض المتفجرات لتدمير أبراج الطاقة الكهربائية بهدف إظهار أطراف سياسية معينة بصورة الفشل وسوء الإدارة لأهم وأخطر ملف في العراق وهو ملف الكهرباء.

معركة الأحزاب الكبرى هذه الأيام، هي الوقوف بوجه الحملات الغربية لترويج فكرة ما بات يعرف بالجندر، القوى السياسية تبدو أشد الناس حرصاً على مصلحة المجتمع العراقي، وهم من يضحون بكل ما يملكون لمنع أي محاولات غربية لاستهداف النسيج المجتمعي العراقي، لم لا وهم من وقفوا بوجه النظام الصدامي البائد، وحاربوا تنظيم القاعدة، وهزموا تنظيم داعش الإرهابي.

هكذا تسوق الكتلة السياسية لنفسها، وتصور لناخب أن لا طريق له إلا عن طريق إعادة انتخابها بغية التخلص من فكرة الجندر التي باتت على الأبواب وتهدد بضياع مستقبل أبنائنا، لاسيما وأن من يشنون الحرب ضد الجندر قد الصقوا التهمة بخصومهم السياسيين ما يعني حرفياً محاولة لتقليل حظوظ خصومهم الانتخابية ورفع أسهم الفوز لمحاربي الجندر.

أنا لا انفي وجود فكر غربي لتشجيع الشذوذ الجنسي، وغيرها من الأفكار غير السوية، لكن الكيانات السياسية الحاكمة في العراق هي آخر من يحق له التحدث عن القيم المجتمعية وحماية الأسرة العراقية، لأنهم أساس الخراب في الدولة والمجتمع والأسرة والفرد، عبر استخدامهم أساليب غير إنسانية للتعاطي مع المواطن العراقي، وبشهادة أكبر زعمائهم والمؤسسات الرقابية الحكومية فضلاً عن شهادة المنظمات الدولية بحجم فساد المنظومة السياسية الحاكمة.

ومن يفسد بالمال ولا يتورع بحقوق الإنسان في مجال إدارة الدولة لا يمكن أن يؤتمن على حماية الأسرة والمجتمع من الأفكار الغربية الشاذة، وهو يعرف جيداً عدم أهليته لهذه المهمة بل يستخدمها لأغراض انتخابية لا علاقة لها بالدين والمجتمع.

وعلى نفس الطريقة فتحت كل جماعة سياسية جبهة حرب انتخابية تنفعها في اشعال حماس جماهيرها وتدمير سمعة خصومها، هناك من رفع لوء الدفاع عن القرآن الكريم وكأنها المرة الأولى التي يتعرض القرآن الكريم للتطاول من قبل أفراد وجماعات غربية، إلا أن الطريقة التي تدار بها معركة الدفاع عن القرآن الكريم لا تخلو من نفس سياسي انتخابي لا سيما وأن بعض الأطرف أشارت إلى هذا الأمر بوضوع من خلال تعظيم دورها ومدح نفسها في الدفاع عن كتاب الله العزيز وذم خصومهم السياسيين.

معركة أخرى على الحدود العراقية الكويتية، وتبدو هذه المعركة مركبة وغير مفهومة، إلا أنها لا تخرج عن إطار الحسابات الانتخابية، فالكل يعرف كيف فرطت القوى السياسية العراقية بسيادة العراق وبأساليب لا يرتضيها إي خائن لبلده، لكنهم فعلوا ما لم يفعله حتى أقل الناس وفاء لوطنهم.

وإذا كان ملف الطاقة الكهربائية هو الأكثر حساسية فلا بأس باستخدامه انتخابياً عبر تفجير أبراج الطاقة، أو إطفاء بعض الوحدات التوليدية للمحطات الكهربائية.

ماذا عن البرامج الانتخابية؟

إنها أوراق مكتوبة بأسلوب جميع توضع في رفوف مميزة داخل مكاتب الأحزاب والجماعات السياسية، لكنها لا تعبر حدود الورق الذي كتبت عليه، يبقى الصراع هو السمة المميزة للقوى السياسية العراقية، والموطن هو الضحية والبلد ساحة الحرب الكبرى.

اضف تعليق