q
لا يكمن سبب اهتمامي بالرأي العام الامريكي بتخصصي المهني فقط، بل الاهم من ذلك معرفتي أن مفتاح زوال الاحتلال الأسرائيلي وتأسيس الدولة الفلسطينية المستقلة يكمن في تغيير الموقف الرسمي الامريكي المنحاز كلياً للصهاينة. وهذا لا يمكن أن يحدث الا حينما يشعر ساسة أميركا بأن دعمهم المطلق هذا يمكن ان يكلفهم كراسيهم...

لا يكمن سبب اهتمامي بالرأي العام الامريكي بتخصصي المهني فقط، بل الاهم من ذلك معرفتي أن مفتاح زوال الاحتلال الأسرائيلي وتأسيس الدولة الفلسطينية المستقلة يكمن في تغيير الموقف الرسمي الامريكي المنحاز كلياً للصهاينة. وهذا لا يمكن أن يحدث الا حينما يشعر ساسة أميركا بأن دعمهم المطلق هذا يمكن ان يكلفهم كراسيهم سواء في البيت الأبيض أو داخل أروقة الكونغرس بمجلسيه.

ويبدو أن المذابح الصهيونية والمحرقة التي نصبوها لأهل غزة لم تحرك الضمير العالمي فقط، بل غيّرت وجهات نظر الجمهور الامريكي وجعلته يعي حقيقة هذا الكيان المجرم وزيف ادعائاته بتمثيله لمبادىء الحرية وحقوق الانسان والديموقراطية والليبرالية وسواها من المفاهيم التي طالما تشدق بها. لقد كشفت أحدث أرقام الرأي العام الأمريكي التي صدرت قبل يومين عن ورطة بات على بايدن وأدارته مواجهتها وهم يقرأون أرقام الرأي العام الأمريكي التي نشرت مؤخراً، وتحديداً الديموقراطي والشبابي منه. وتزداد هذه الورطة مع اقتراب موعد الاستحقاق الانتخابي الرئاسي في نوفمبر 2024.

لقد أنخفضت نسبة التعاطف مع الاسرائيليين بحسب أستطلاع الأيكونومست في 27 ت2 الى 38 بالمئة فقط بعد أن كانت 48 بالمئة قبل شهر. وتنخفض نسبة التعاطف بين الشباب الى 30 بالمئة فقط، وبين الديموقراطيين الى 36 بالمئة، وبات حوالي نصف الشعب الأمريكي لا يساند عدوان أسرائيل بحسب أستطلاع كالوب في بداية الشهر الماضي.

ناخبون شباب

والواقع فأن الارقام تشير الى أن اسرائيل وادارة بايدن خسرا الى حد كبير الناخبين الديموقراطيين. كما انهما خسرا الناخبين الشباب والليبراليين والسود والاسبان فضلاً عن المسلمين. وحتى بين المؤيدين بشدة لاسرائيل كالجمهوريين البيض والاميركان المحافظين عموماً، فأن الأرقام الاخيرة تشير الى تراجع في تأييد السياسة الامريكية الساندة لاسرائيل وفي دعم اسرائيل عموماً. وتبدو هذه الاتجاهات واضحة في أرقام مؤسسة بيو PEW المرموقة التي نشرت قبل أسبوع.

لقد أكد استطلاع مؤسسة بيو ان حرب غزة ما زالت تحظى باهتمام اعلامي أمريكي كبير مما يجعلها قضية رأي عام بامتياز. فقد قال حوالي ثلثي الأميركان (63 بالمئة) أنهم يتابعون أخبار الحرب سواءً بشكل حثيث أو الى حد ما.

وعلى الرغم من أن 65 بالمئة من الشعب الامريكي يحمّل حماس بشدة مسؤولية الحرب الاخيرة، الا أن هذه النسبة تنخفض الى 46 بالمئة فقط بين فئة الشباب أقل من 30 سنة. وعلى الرغم من أن 35 بالمئة فقط يحمّلون اسرائيل بشدة مسؤولية الحرب، الا أن النسبة تقفز الى 42 بالمئة بين الشباب عموما و 50 بالمئة بين الديموقراطيين. وفي الوقت الذي يرى فيه 39 بالمئة من الجمهوريين ان الحرب قد طالت، ترتفع النسبة الى 50 بالمئة بين الديموقراطيين. من جانب آخر فقد أنخفضت نسبة من يجيزون سياسة ادارة بايدن تجاه الحرب من 41 بالمئة في الشهر الماضي الى 35 بالمئة فقط في هذا الشهر، وتنخفض بين الشباب الى 19بالمئة فقط. وفي الوقت الذي يعتقد 27 بالمئة فقط من الاميركان ان الحرب ذهبت الى أبعد مما ينبغي، فأن النسبة تقفز بين الديموقراطيين الى 45 بالمئة وبين الشباب الى 56 بالمئة. لقد قادت هذه النتائج الى تزايد ملحوظ في نسبة المؤيدين لحل الدولتين بين الأميركان الى 52 بالمئة بعد أن كانت 35 بالمئة فقط في شهر أيلول الماضي. وتقفز هذه النسبة الى 62 بالمئة بين الديموقراطيين.

ينبغي التنبيه أخيراً الى ان تأثير اللوبي الصهيوني ما زال قوياً ومؤثراً في أروقة صنع القرار، لكن الساسة الاميركان وبخاصة الادارة الديموقراطية الحالية باتت تدرك أنه لا يمكن أن تكسب الانتخابات القادمة دون استعادة ثقة الشباب والليبراليين والاقليات العرقية والتي تصوت عادة للمرشح الديموقراطي. وتزداد أهمية تلك الفئات التي خسروها بسبب سياسة الادارة وانحيازها في حرب غزة اذا علمنا أن استطلاعات الرأي لا تشير الى تفوق حاسم لاحد المرشحين وأن فوز أحد المرشحين الاوفر حظاً (للآن) سواءً بايدن أو ترامب سيكون بفارق ضئيل.

أما على الجانب الجمهوري فيبدو أن هناك رأي عام كبير ما زال مؤيداً لاسرائيل وجرائمها في غزة. هنا لابد من الاشارة الى تأثير أجهزة الاعلام الاميركية المنحازة في تغطيتها على توجهات الجمهوريين وحتى الديموقراطيين الاشد تأييداً لأسرائيل. ففي الوقت الذي تظهر الارقام التأثير الكبير لوسائل الاعلام التقليدية على مؤيدي اسرائيل، فأنها أقل تأثيراً في الشباب الذين يعتمدون على وسائل التواصل والفضاء المفتوح كمصدر لمعلوماتهم. لذا أظهر الشباب الامريكي تعاطف أكبر مع الضحايا الفلسطينيين ومأساة غزة، مما أظهره كبار السن والمحافظين الذين ما زالوا يستهلكون التلفاز والراديو والصحف كمصدر لمعلوماتهم.

........................................................................................................................
* الاراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق