صحيح.. أن الناس لم تعد بهم حاجة إلى التفجيرات بوصفها أدوات قتل ولكننا نواجه حقولا من الألغام التي تقتل الناس يومياً، سواء بالجوع أو الجهل أو المرض.. لكن ما العمل والخصوم الفاسدون ما زالوا يلوحون لنا بالعصا الغليظة الجوفاء؟...

يتمنى المرء أحيانا، أمنيات شبه مستحيلة، الاستحالة فيها تكمن في الذين يمسكون بالعصا الغليظة والذين يعرفون جيداً أنّها عصا فارغة، قصبة تخضع وتنحني لأول هبة ريح، لكنهم يبقون على هيبة هذه العصا، ويقبضون عليها بقوة، كما لو أنّهم يقبضون على حياتهم ويبقونها بعيداً عن كل مصلح غيور لا يتوكأ على عصا مفرغة؛ وإنّما هو يقبض على ما هو أبقى على الحياة الإنسانيّة السليمة، وذلك عن طريق المعرفة التي تقوى بها شجرة العافية ويتلاشى الجهل والأميّة ويسود الضوء.

الذين امسكوا بالعصا؛ يدركون جيداً أن غلظة العصا، لا تعني قوتها أبدا؛ وانما هي مظهر من المظاهر التي يتباهى بها قوم يعدون أنفسهم.. القوى التي لا تقهر!

إذن.. العصا، هي سلاح من لا يقوى على إقناع الآخر بحججه وبراهينه وكلامه الذي يتخفى وراءه ويشف عن معدنه، وعن مدى زيف هذا المعدن المخادع في لمعانه، لذلك يلجأ من يمسك بالعصا؛ إلى تهديد الناس وقتل أمنياتهم رافعاً شعار كل طاغية: “من لم يكن معي فهو ضدي” ومن كان على الضد مني لا بدَّ من الخلاص منه وتصفيته وكسب غنيمة لا يؤدي وجودها إلا إلى وجع في الرأس.

هؤلاء.. لا مكان لهم بين الناس الذين باتوا يعرفون جيداً؛ ان من يتسلح بالعصا، إنسان عاجز عن إثبات حضور بين الآخرين، لذلك يريد من الآخرين أن يخضعوا له ويستجيبوا إلى ارادته ويستسلموا إلى تعاليمه وافكاره الظلاميّة السقيمة.

هذا ما نتبينه أمامنا كل يوم وذلك عن طريق التعامل اليومي مع عدد كبير من المسؤولين، وكذلك عن طريق التصريحات والأكاذيب التي يكررونها حتى يصدق بها الناس، فيما الناس باتوا على معرفة تامة بأن لغة الوعود بجنات عدن على الأرض باتت مستحيلة، وهي أمنيات قتيلة، لا يمكن ان نشم نسمة منها أبدا، كما ان اللغة بالتهديد والوعيد بالعصا الغيظة، ما هي إلا أساليب عفا عليها الزمن وبات لا يشرب من مائها الآسن أبدا.. ذلك ان عطر الجنة لا يأتي من عفن الفساد والجريمة مثلما لا تقوى القوة على البناء، ما دامت لا تملك العدل.

ولو تسنى للمرء ان يحقق أمنياته؛ لكان قد امسك بما اسماه دوغلاس موراي في كتابه (جنون الحشود): “التفجيرات الودية” والتي يؤدي الإمساك بها “الى انفجار الشريط باندلاع حقل الألغام على مدى نصف قطر كبير” بمعنى ان يكون شريط هذه التفجيرات الودية قد أدى مهمته لصالح الشعب وعمل على تطهير حقول الألغام التي زرعها أعداء الشعب، أعداء الحياة.. أولئك الذين يعبثون بمقدرات وثروات البلاد والعباد وإنقاذ الناس من شرور ما زرعوه من ألغام لا يراد منها إلا إطفاء حياة البشر.

فهل يمكن أن يعاني شعب بكامله من أجل نفر من العابثين، لا صلة لهم بهموم وشؤون الناس إلا بقدر ما يجعل حياتهم وبقاءهم الظالم..؟

لاعلاقة لهم بقوت وحياة الاخرين؛ وانما له علاقة بالابقاء على وجودهم وهم يمسكون بالعصا الغليظة يهددون بها كل من يختلف معهم، ومن ثم يضطر الناس للبحث عن متفجرات ودية تحترم البشر وتعزز إرادة الناس في نضالهم الباسل للخلاص من هذه الفئة الفاسدة التي باتت تشكل ثقلا تدميريا على الحياة.

ترى.. هل نبقى نمني انفسنا بالوعود؛ أم نخضع لعصا الخضوع لهم؟!

وفي علمنا أن كليهما لا يستويان على ما يريده شعبنا من عيش رغيد وحياة آمنة ومستقبل زاهر لهم ولأجيال المستقبل.. ذلك ان الجميع باتوا لا ينظرون إلى الآتي من الأيام إلّا بمنظار العتمة التي تحيل المرء إلى النقمة.. نقمة لا تحققها إلا تفجيرات ودية تعمل على وفق الخلاص من الطغيان والفساد.. ويحقق المستقبل الزاهر للبشر.

صحيح.. أن الناس لم تعد بهم حاجة إلى التفجيرات بوصفها أدوات قتل ولكننا نواجه حقولا من الألغام التي تقتل الناس يومياً، سواء بالجوع أو الجهل أو المرض..

لكن ما العمل والخصوم الفاسدون ما زالوا يلوحون لنا بالعصا الغليظة الجوفاء؟

........................................................................................................................
* الاراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق