q
عادةً ما تُرافق الأحداث السياسية المهمة، والتطورات الأمنية الخطيرة، مفردات ومصطلحات لغوية يتم تكرارها باستمرار في وسائل الإعلام المختلفة، ومن تلك المصطلحات المتداولة هذه الأيام بكثرة يرد مصطلح الإبادة الجماعية، في إشارة إلى ما يتعرض له سكان غزة وعموم الشعب الفلسطيني من مجازر وحشية، وإبادة جماعية...

عادةً ما تُرافق الأحداث السياسية المهمة، والتطورات الأمنية الخطيرة، مفردات ومصطلحات لغوية يتم تكرارها باستمرار في وسائل الإعلام المختلفة، ومن تلك المصطلحات المتداولة هذه الأيام بكثرة يرد مصطلح الإبادة الجماعية، في إشارة إلى ما يتعرض له سكان غزة وعموم الشعب الفلسطيني من مجازر وحشية، وإبادة جماعية من خلال سياسة الأرض المحروقة التي تتبعها قوات الاحتلال، حتى تجاوز هذه الأمر جميع الخطوط الحمر، وهو انتهاك واضح وصريح لكافة المعاهدات والإتفاقيات الدولية المُتعلقة بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب.

وأزاء هذه التطورات الخطيرة والمتلاحقة لما يجري اليوم في قطاع غزة من إبادة جماعية، يستوجب على المجتمع الدولي أن يقف طويلاً أمام هذه الكارثة الإنسانية، وقفة جادة ومُستوعبة لكل حيثيات وتداعيات هذه الكارثة، فهي من الأهمية بمكان، بحيث سترتب عليها تداعيات آنية ومستقبلية ستنعكس سلباً على الوضع الإقليمي، والأمن الدولي عموماً.

ولكي نعي مضامين مفهوم الإبادة الجماعية، علينا أولاً تحديد فحوى مصطلح الإبادة الجماعية، حتى يتسنى لنا مقارنة مايحدث اليوم من مجازر بحق الشعب الفلسطيني مع دلالات هذا المصطلح وأبعاده القانونية والإنسانية.

فقد عُرفت الإبادة الجماعية (جينوسيد Genocide) بحسب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة المرقم (96) المؤرخ في 11 كانون الأول / 1946 وخصوصاً في المــادة الثانية بأنها (أياً من الأفعال التالية، المرتكبة على قصد، التدمير الكلي، أو الجزئي، لجماعة قومية، أو إثنية، أو عنصرية، أو دينية) كما صنفت الأمم المتحدة عام 1948 الإبادة الجماعية بأنها جريمة بمقتضى القانون الدولي، تتعارض مع روح الأمم المتحدة وأهدافها، ويدينها العالم المتمدن.

وهكذا يتضح من العرض المُتقدم لتعريف جريمة الإبادة الجماعية، والقصد الجنائي فيها، ومن خلال أحكام المحاكم الجنائية، أن الجرائم الجنائية التي ترتكب اليوم ضد أطفال ونساء وشيوخ غزة هي جرائم إبادة جماعية بمعنى الكلمة، حيث إن وصف جريمة إبادة جماعية ينطبق تماماً على ما جرى ويجري في قطاع غزة، إذ يخضع الإنسان في غزة لظروف معيشية يُراد بها تدميره كيانه المادي والمعنوي كلياً، وهذا ما يَرد في المادة الثانية من اتفاقية جريمة الإبادة الجماعية، من خلال الحصار، وفرض إدخال المواد الغذائية، بالإضافة إلى استهداف الإنسان، وتدمير كلِّ ما يمكن تدميره.

ومن الملاحظ أن جميع الاتفاقيات والمعاهدات والقرارات الصادرة عن مختلف هيئات الأمم المتحدة، وخصوصاً مجلس الأمن الدولي، قد تجاهلها الكيان الإسرائيلي بدعم من حلفائه في الغرب، إلاّ إنه من الضروري استخدام كل ما هو متاح من آليات لملاحقة مرتكبي الإبادة الجماعية وجرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، وكلها جرائم لا تسقط بالتقادم، جنباً إلى جنب مع جميع الأدوات والضغوط المشروعة ضد تصرفات هذا الكيان وحكومته العنصرية.

خصوصاً أن هناك اتفاقًا بين مختلف المراقبين والمحللين على أن ما يحدث في غزة من جرائم يندرج ضمن نطاق التعريف القانوني للإبادة الجماعية.

وبالتالي فإن هذه الجريمة يعاقب عليها القانون الدولي واتفاقية جنيف الرابعة، والتي أعطت حماية للأشخاص المدنيين في وقت الحرب، وحظرت التهجير والنقل الجبري، الجماعي أو الفردي للأشخاص المحميين أو نفيهم من الأراضي المحتلة.

لقد حان الوقت لوقف هذه الإبادة الجماعية، وهذه المشاهد المؤذية، التي تُرتكب بحق المدنيين، والتي لم يتعرض لها أي شعب من شعوب الأرض، على الرغم مما خلف لنا التاريخ البشري من مآسٍ وويلات.

اضف تعليق