q
إن مفهوم المواطنة يستوعب كل هذه التعدديات والتنوعات، ويجعل المناخ السياسي والثقافي والاجتماعي مؤاتياً لكي تمارس كل هذه التعدديات دورها ووظيفتها الحضارية والوطنية في إثراء الواقع الوطني ومده بأسباب الاستقرار والانسجام الاجتماعي، وبهذا يتضح أن المواطنة هي حقوق وواجبات، منهج وممارسة، آفاق وتطلعات، وحقائق دستورية وسياسية، ووقائع اجتماعية وثقافية...

إن المواطنة كمفهوم يحتل موقعاً مركزياً في الفكر القانوني والدستوري المعاصر. إذ إن المواطنة بما تشكل من شخصية اعتبارية لها حقوق وواجبات، وهي أحد الأعمدة الرئيسة للنظريات الدستورية والسياسية المعاصرة، حيث يعتمد الفكر السياسي الحديث في البناء القانوني للوطن على هذا المفهوم، ويحدد له جملة من الإجراءات والإعتبارات.

من بين أهم المفاهيم التي لم تُحسم في تاريخ العراق الحديث والمعاصر هو مفهوم المواطنة، وكيفية تحديد الهوية، وهذا الأمر لا شك يرجع إلى جملة من العوامل والمبررات، ومن بين هذه العوامل والمبررات هي تلك التشويهات السياسية والفكرية والثقافية المتعاقبة التي أحاطت بهذا المفهوم، وكذلك لطبيعة النظام السياسي، ولا سيما الحكم الأحادي الذي يؤسس لثقافة سلبية ترمي هنا وهناك تناقضاتها وانفعالاتها، مما تسبب في مسخ وتغيير مفهوم المواطنة، حتى أصبح تارة يتماهى مع النظام السياسي وتارة أخرى يعني المؤسسة التنفيذية أو المؤسسة الحزبية.

إن المواطنة كمفهوم يحتل موقعاً مركزياً في الفكر القانوني والدستوري المعاصر، إذ إن المواطنة بما تشكل من شخصية اعتبارية لها حقوق وواجبات، وهي أحد الأعمدة الرئيسة للنظريات الدستورية والسياسية المعاصرة، حيث يعتمد الفكر السياسي الحديث في البناء القانوني للوطن على هذا المفهوم، ويحدد له جملة من الإجراءات والإعتبارات.

لذلك فإننا نعتقد أن تطوير واقعنا السياسي والقانوني اليوم، مرهون إلى حدٍ بعيد على قدرتنا على المستويين النظري والعملي لبلورة هذا المفهوم، وتوفير المناخ السياسي والقانوني والثقافي، لكي يتبلور هذا المفهوم كحقوق وواجبات في الفضاء الاجتماعي والوطني.

ومن الطبيعي القول في هذا الإطار، إن الواقع الذي نعشيه اليوم لا يمكن أن يخرج من أزماته وتوتراته الداخلية، إلا بإعادة الاعتبار في السياسات والإجراءات والتشكيلات إلى مفهوم المواطنة والعمل على صياغة فضاء وطني جديد، قوامه الأساس ومرتكزه الرئيس هو المواطنة، بصرف النظر عن المنابت الأيديولوجية أو القومية أو العرقية.

إذ إن التنوع المتوفر في هذا الفضاء بعناوين متعددة ومختلفة، لا يمكن أن يتوحد في الفضاء الوطني إلا بمواطنة حقيقية، يمارس كل مواطن حقه ويلتزم بواجبه بدون مواربة أو مخاتلة، فالمواطنة بكل ما تحتضن من متطلبات وآليات هي حجر الأساس في مشروع البناء الوطني الجديد.

إن أهم ما يميز هوية الدولة الحديثة هي المواطنة كثابت جوهري تتشكل على أساسه الدولة، والمواطنة علاقة عضوية متبادلة تمثل الرابط القائم على المشاركة والاعتماد والاعتراف والتمثيل المشترك والمتبادل بين الدولة ورعاياها، من هنا كانت المواطنة وحدة انتماء ذات محتوى ثقافي، قانوني، سياسي، اجتماعي، تسمو عن وحدات البناء والتماسك التقليدي القائم على الوحدات الفرعية، المذهبية، والعرقية، والعشائرية، والجهوية، وفيما لو غلبت الوحدات الفرعية على وحدة المواطنة، فلن تنتج دولة وفق مقومات الهوية الحديثة للدولة.

وبهذا فان المواطنة صفة موضوعية بذاتها، لا تقبل التفاوت ولا تتقبل التفاضل على أساس الهويات الفرعية أو أي امتياز آخر، وكل تعريف أو إضافة لصفة المواطنة سيقود إلى نزع الهوية الوطنية عن مواصفاتها الموضوعية، فيدخل الدولة في مأزق التشتت على صعيد المفهوم والوظيفة، ففي دولة المواطنة ليست هناك مفاضلة بين مواطن وآخر بسبب عرقي أو طائفي أو سياسي، وحتى لا مكان لمقولات الأغلبية والأقلية في دولة المواطنة.

إنَّ أيَّ امتياز يخلُّ بمنظومة الحقوق والواجبات الوطنية وشموليتها وعدالتها تجاه جميع المواطنين يضرب مفهوم واستحقاق المواطنة بالصميم، ولذلك فإن الكثير من الأزمات والتوترات المتوفرة في العديد من البلدان، هي في المحصلة النهائية من جراء تغييب مفهوم المواطنة والإعلاء من شأن عناوين خاصة على حساب الإطار الوطني العام.

إن هذا النهج الذي غيب أو ألغى المواطنة لصالح ولاءات خاصة، هو الذي عبره وعبر متوالياته وتأثيراته الذي فاقم التوترات وزاد من الاحتقان السياسي وأدى إلى هشاشة الاستقرار الاجتماعي في العديد من الدول، وأفضى إلى خلق جزر اجتماعية معزولة عن بعضها البعض، لا يجمعها إلا الاسم والعنوان العام، من هنا فإن الخطوة الأولى في مشروع الحل والإصلاح هي تأسيس العلاقة بين مكونات المجتمع والدولة على أسس وطنية تتجاوز كل الأطر والعناوين الضيقة، بحيث يكون الجامع العام لكل المكونات والتعبيرات والأطياف هو المواطنة، التي لا تعني فقط جملة الحقوق والمكاسب الوطنية المتوخاة، وإنما تعني أيضاً جملة الواجبات والمسؤوليات العامة الملقاة على عاتق كل مواطن.

وهذا بطبيعة الحال لا يعني أن تكون رابطة المواطنية رابطة قسرية قهرية، وإنما هي رابطة طوعية اختيارية قائمة على الإختيار الحر والتعايش السلمي بين جميع المكونات، وتأخذ هذه الرابطة فعالياتها وقدسيتها من طبيعة العقد الوطني والمضامين السياسية والثقافية الاجتماعية التي يتضمنها ويحتضنها، فليس من شروط المواطنة الاتفاق في الرأي أو الاشتراك في الدين أو المذهب أو القومية.

إن مفهوم المواطنة يستوعب كل هذه التعدديات والتنوعات، ويجعل المناخ السياسي والثقافي والاجتماعي مؤاتياً لكي تمارس كل هذه التعدديات دورها ووظيفتها الحضارية والوطنية في إثراء الواقع الوطني ومده بأسباب الاستقرار والانسجام الاجتماعي، وبهذا يتضح أن المواطنة هي حقوق وواجبات، منهج وممارسة، آفاق وتطلعات، وحقائق دستورية وسياسية، ووقائع اجتماعية وثقافية.

اضف تعليق