q
ان الثقافة هي المدخل السليم للارتقاء، وانها العلاج لجميع المظاهر غير المرغوبة، وانها الضابط لسلوك الأفراد عندما تضعف سيادة القانون، وبإهمالها يتنمر المجتمع وتزداد وحشيته. وليس من جهة قادرة على غرس الثقافة غير المدرسة، ولا يمكن التعويل على غيرها أبدا، ولكن المدرسة مهملة، ومراجعة مسيرتها متوقفة...

علينا قول الحقيقة وان كانت مرة، هذا اذا أردنا الارتقاء ببلادنا وتوفير حياة هانئة لشعبنا كالتي تنعم بها المجتمعات من حولنا، فالبعض لا يريد مواجهة الحقيقة متذرعا بتشويه صورتنا في أنظار الآخرين، والنيل من قيمتنا ونحن الذين لنا من التاريخ أكثره اشراقا، ومن الشرف أشده اعتبارا، ومن الكرم أعظمه عطاء، نعم هذا رصيدنا الذي نريد استثماره لحاضر بهي ومستقبل آمن.

لا أدري ان كنت مخطئا، ولكن هذا ما أراه، قد تكون زاوية نظري مختلفة، ولا أرى من الأشياء الا أحطها، بينما هي ضيقة ولا تستوجب كل هذا الكلام، وربما أُتهم بالمبالغة. ما أراه شيوعا واضحا للمادي من القيم على حساب ما هو معنوي، بينما جمال الحياة ومعناها يكمن فيما هو معنوي بالدرجة الأساس، وان من شأن النزعة المادية تغذية روح التوحش والغلبة في النفوس ومنها : الصراع بين الناس على أتفه الأمور، عدم السماح لك بالمرور، التجاوز على دورك عند الشراء او مراجعة دائرة، يغشك بائع ببضاعته، ويتحايل عليك فتدفع أعلى من ثمنها، عدم الشكر لخدمة أسديتها وغيرها كثير.

بالمقابل ينزع الأطباء والصيادلة عن مهنتهم كل ما هو انساني، فلا ينظرون الى المريض الا كخزانة مال لابد من افراغها، يتآمرون عليه مع أصحاب الصيدليات والمختبرات، فيطلبون منه اجراء تحليلات لا يحتاجها، ومن الدواء ما لا يقتضيه مرضه، مع انهم يصنفون على النخبة الأفضل تعليما والأكثر وعيا، وهل رأيتم نخبة بهذا الشكل؟

ليس بمقدورنا الشعور بالمواطنة، وتعزيز الانتماء للوطن، مالم يكن سلوك رجل الأمن معنا مهذبا، وانه وجد لخدمتنا، لا أن يتعامل معنا بخشونة وبألفاظ مستفزة وتسلطية، وكأننا مجرمون، لا شك ان هذا سلوك فردي، وما توصي به المؤسسة الأمنية على عكسه تماما، ومعلومة جهودهم الكبيرة وظروف عملهم الخطرة، لكن الظاهرة تتسع، واتساعها يكّره الناس بالوطن، بينما نريدهم محبين له، ومستعدين للتضحية من أجله، فليس حكيما أن يأخذنا التحسب الأمني لمجرم واحد غير معروف أن نُذل آلاف المواطنين، فمئة مجرم خارج قضبان السجن أهون بكثير من بريء واحد داخله كما تقول حكمتنا، أظن ان اختيارنا لرجال الأمن يجب أن يكون محسوبا، والضرورة تتطلب تنظيم ما يكفي من الدورات التثقيفية الجادة والحقيقية، وليس للادعاء بالنشاط كما يجري في بعض مؤسساتنا.

بماذا نفسر الاعتداء على البيئة التي نعيش فيها، وماذا يعني ألا تخطر نظافة الأحياء والمدن في أذهان مواطنينا، ولِمَ يرم شاب علبة المشروبات والمناديل الورقية في الشارع من نافذة سيارته ؟ لا يمكن لأضخم بلدية ان تجعل من شوارعنا نظيفة وجميلة بلا تعاون المواطنين، او بلا مواطن نظيف.

ماذا يعني ان يتصارع السياسيون للوصول الى دوائر صنع القرار بهدف الاثراء والنفوذ والوجاهة وليس لخدمة المجتمع، ولا ثراء ونفوذ ووجاهة الا بسرقة الناس ونحر الوطن، والا لِمَ التقاتل على تلك المناصب حتى بين غير المختصين بالمجال السياسي؟، ومنهم ليسوا أكثر من مغامرين، ولا تتوافر أية قناعة لدى الناس بهم، ومع ذلك ينتخبونهم.

قد يزعج كلامي الكثير من الذين يرغبون بأن يظل المجتمع حبيس الوهم بالقول: ان بلادنا تتراجع ومجتمعنا يتخلف، وان مساحة الوعي ضئيلة، وعلى النقيض تتعاظم في بلادنا أكداس الشهادات الجامعية، أي تناقض قاتل هذا ؟، زيادة في كم الشهادات، بينما التخلف يتسع والوعي يتراجع والبلاد تراوح مكانها.

قلت سابقا وأكرر قولي: ان الثقافة هي المدخل السليم للارتقاء، وانها العلاج لجميع المظاهر غير المرغوبة، وانها الضابط لسلوك الأفراد عندما تضعف سيادة القانون، وبإهمالها يتنمر المجتمع وتزداد وحشيته. وليس من جهة قادرة على غرس الثقافة غير المدرسة، ولا يمكن التعويل على غيرها أبدا، ولكن المدرسة مهملة، ومراجعة مسيرتها متوقفة.

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق