q
يمتلك وقود الأمونيا القدرة على الإسهام الفاعل في جهود إزالة الكربون من أنظمة الطاقة، إذ يمكن استعماله بكفاءة عالية في نقل الهيدروجين النظيف وتخزينه، ما يتيح نقله عبر مسافات طويلة وبسهولة أكبر، بالإضافة إلى كون الأمونيا وقودًا صديقًا للبيئة في حد ذاته...

بقلم: محمد عبد السند

يمتلك وقود الأمونيا القدرة على الإسهام الفاعل في جهود إزالة الكربون من أنظمة الطاقة، إذ يمكن استعماله بكفاءة عالية في نقل الهيدروجين النظيف وتخزينه، ما يتيح نقله عبر مسافات طويلة وبسهولة أكبر، بالإضافة إلى كون الأمونيا وقودًا صديقًا للبيئة في حد ذاته.

وبصفتها وقودًا، تساعد الأمونيا على تحقيق ما يُسمى "نموذج الاقتصاد الدائري"، إذ يمكن تخزينها بسهولة وشحنها على شكل سائل مضغوط، واستعمالها، بل وتحويلها مرة أخرى إلى العنصريْن الرئيسيْن المكونين لها: النيتروجين والهيدروجين.

ومن هذا المنطلق، يُنظر إلى الأمونيا التي تُستعمَل مكونًا رئيسًا في صناعة المخصبات، على أنها مصدر وقود منخفض الكربون، ومع ذلك وقبل أن يصير هذا واقعًا ملموسًا، يتعيّن أن تتحسّن تقنية إنتاج الأمونيا الخضراء، وفق ما أورده موقع إنرجي تراكر آسيا Energy Tracker Asia.

إنتاج الأمونيا

يبرز وقود الأمونيا خيارًا مثيرًا في قائمة خيارات الطاقة منخفضة الكربون، وفق معلومات طالعتها منصة الطاقة المتخصصة.

وبينما تشتهر الأمونيا باستعمالها واسع النطاق في صناعة المخصبات، وتنظيف المنتجات، فإن إمكان استعمالها مصدرًا للوقود، وحاملًا للهيدروجين وحاملًا للطاقة منخفضة الكربون، قد جذب اهتمام العديد من الصناعات.

ويتكوّن وقود الأمونيا -أساسًا- من النيتروجين والهيدروجين، إذ يجري تصنيعه عبر ما يُطلق عليها تقنية "هابر-بوش" التي تُعرض مزيج النيتروجين والهيدروجين لدرجة حرارة وضغط عاليين، مع استعمال عنصر الحديد عاملاً محفّزًا لتسهيل العملية برمتها.

وتشير تقنية"هابر-بوش" إلى طريقة تجارية لإنتاج الأمونيا من النيتروجين والهيدروجين، طوّرها الكيميائي الألماني فريتز هابر وكشف عنها النقاب للمرة الأولى في عام 1909، ويُنتَج الهيدروجين -أساسًا- من الغاز الطبيعي، في حين يأتي النيتروجين من الهواء، وفي الوقت الراهن تستمد عملية إنتاج وقود الأمونيا، الطاقة من الوقود الأحفوري، إذ يمثّل الغاز الطبيعي منها ما نسبته 70%، في حين يمثّل الفحم النسبة المتبقية، ويمثّل هذا ما نسبته 20% من الغاز الطبيعي الصناعي، و5% من الطلب على الفحم عالميًا، كما أنه يستهلك 2% من إمدادات الطاقة العالمية.

ويُصنف إنتاج الأمونيا من العمليات كثيفة الانبعاثات الكربونية، إذ تعادل انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون المباشرة من إنتاج الأمونيا، 450 مليون طن سنويًا، وهذا يعادل إجمالي كمية انبعاثات الطاقة في جمهورية جنوب أفريقيا بمفردها، كما تعادل الانبعاثات 2.4 طنًا من غاز ثاني أكسيد الكربون لكل طن من الأمونيا المُنتَجة، ما يزيد بواقع الضعفين على الانبعاثات الناجمة عن قطاعات أخرى مثل إنتاج الأسمنت.

ويوضح الإنفوغرافيك أدناه -من إعداد منصة الطاقة المتخصصة- دور الأمونيا الخضراء في تحقيق الحياد الكربوني:

لا تمثّل الأمونيا المُنتَجة من الوقود الأحفوري حلًا مجديًا من حلول الطاقة منخفضة الكربون، أو حتى وقودًا حيادي الكربون، ومع ذلك، تشهد الخيارات المستدامة تطورًا سريعًا لإنتاج الأمونيا الخضراء.

وتستعمل الأمونيا الخضراء المعروفة كذلك بـ"الأمونيا المتجددة" أو "الأمونيا حيادية الكربون"، الكهرباء المتجددة لإمداد عملية هابر-بوش بالطاقة، وعلاوة على ذلك، تُستعمل الكهرباء حيادية الكربون المولدة بطاقة الهيدروجين، مواد وسيطة، عبر جهاز التحليل الكهربائي الذي يعمل بمصدر للطاقة المتجددة.

وتُسهم تلك الطريقة كثيرًا في تقليص الانبعاثات الكربونية، وجعل الأمونيا خيارًا لتوليد الكهرباء منخفضة الكربون، ورغم أن صناعة الأمونيا الخضراء ما تزال في مراحلها الأولى، فإنها جذبت أنظار قادة الصناعة والحكومات حول العالم.

الأمونيا أفضل من الهيدروجين.. لماذا؟

تبرز الأمونيا وقودًا أفضل من الهيدروجين، إذ إنه وبخصوص الوقود منخفض الكربون، يشترك كل من الأمونيا والهيدروجين النقي في خصائص متشابهة، ويعزز هذا من تنافسية كلا الخيارين، ومع ذلك تمتلك الأمونيا خصائص عدة تجعلها أكثر جاذبية بالنسبة إلى بعض أغراض الاستعمال.

أولًا: تتميز الأمونيا بكثافة طاقة أعلى من الهيدروجين السائل؛ ما يتيح كفاءة تخزين عالية، ونقلًا أسهل.

ثانيًا: تتسم شروط تخزين الأمونيا بسهولة أكبر من حيث التطبيق، مقارنة بالهيدروجين السائل.

وفي هذا الخصوص لا يتطلب تخزين الأمونيا سوى درجة حرارة تلامس سالب 330 درجة مئوية، مقارنة بالهيدروجين السائل الذي يحتاج تخزينه إلى درجة حرارة تصل إلى سالب 2530 درجة مئوية.

وهذا يعني بنية تحتية أرخص تكلفة للنقل والتخزين، و-أيضًا- سهولة في عملية التصنيع، واستهلاك طاقة أقل، وأخيرًا، تُوجَه البنية التحتية العالمية للأمونيا لإنتاج المخصبات، من بين ذلك 120 ميناءً تضم محطات لإنتاج تلك السلعة الحيوية.

في المقابل، يفتقر العالم إلى البنية التحتية لإنتاج الهيدروجين، وهو ما يُعد حجر عثرة أمام تطوير اقتصاد الهيدروجين ونموه.

خصائص الأمونيا والهيدروجين

يتفوق الهيدروجين على الأمونيا في عدد قليل من الجوانب المهمة، أبرزها كثافة الكتلة-الطاقة. فكثافة الكتلة-الطاقة الخاصة بالهيدروجين تزيد على مثيلتها للأمونيا بأعلى من 6 أضعاف، وهذا يجعل الهيدروجين مصدر وقود أفضل، بفضل توليد كمية أكبر من الكهرباء لكل كيلوغرام يجري حرقه من ذلك الوقود.

ومع ذلك، يمكن أن يعمل الهيدروجين والأمونيا معًا في تناغم، إذ يمكن تحويل الهدروجين إلى أمونيا للتخزين والنقل، ثم إعادة تحويله مجددًا إلى هيدروجين لاستعماله بصورة نهائية، وُيبيّن التصميم التالي -من إعداد منصة الطاقة المتخصصة- مراحل إنتاج الأمونيا الخضراء:

تحديات بالجملة

إلى جانب المنافسة الشرسة التي تدخلها الأمونيا مع الهيدروجين، تواجه الأولى العديد من التحديات الإضافية التي تستلزم مواجهتها قبل استعمال الأمونيا خيار طاقة منخفض الكربون.

ولعل أبرز تلك التحديات هي انبعاث أكاسيد النيتروجين في أثناء عملية اشتعال الأمونيا، وهي أحد أشكال غازات الدفيئة المسببة للتغيرات المناخية.

وهنا يأتي دور البحث والتطوير من أجل الإسهام في إزالة أكاسيد النيتروجين قبل تسربها إلى الغلاف الجوي.

وهناك تحدٍّ آخر يعرقل استعمال الأمونيا مصدر طاقة مثاليًا يتمثّل في تطوير محفزات فاعلة وميسورة التكلفة لإنتاج وقود الأمونيا.

وتحتاج طريقة هابر-بورش التقليدية إلى درجة حرارة وضغط عاليين، ما ينتج عنه استهلاك كميات كبيرة جدًا من الطاقة.

وعليه، فإن استكشاف محفزات بديلة وظروف تفاعل مثالية يمكن أن يقود إلى طرق إنتاج أكثر استدامة وذات جدوى اقتصادية أعلى.

وأخيرًا، فإن الأمونيا مادة سامة للبشر، إذ إن التعرض لجرعات صغيرة منها يسبب التهيج، في حين أن المستويات العالية منها يمكن أن تُتلف الرئة، أو حتى تسبب الوفاة.

ولذا، فإن تطوير اشتراطات سلامة مناسبة، بالإضافة إلى توفير التدريب والبنية التحتية، عوامل أساسية لا غنى عنها لضمان الاستعمال والنقل الآمنين للأمونيا.

إمكانات بلا حدود

يمتلك وقود الأمونيا إمكانات كبيرة تؤهله إلى أن يصبح مكونًا حيويًا في أنظمة تحول الطاقة في العالم، إذ إن كثافة الطاقة المرتفعة التي يتمتع بها هذا الوقود إلى جانب سهولة تخزينه ومواءمته مع البنية التحتية القائمة، تجعله خيارًا جاذبًا في هذا الخصوص.

وعلاوة على ذلك، تستطيع الأمونيا -إلى جانب الهيدروجين- أن تحفّز جهود إزالة الكربون العالمية.

وتعتقد جمعية الطاقة الدولية أن الأمونيا الخضراء ستؤدي دورًا بالغ الأهمية في تحقيق أهداف الحياد الكربوني بحلول أواسط القرن الجاري (2050).

ومع ذلك، سيحتاج العالم استثمارات سنوية تزيد على 14 مليار دولار أميركي في إنتاج الأمونيا الخضراء للوصول إلى هذا الهدف الطموح.

هدف مناخي مُشترَك

لا يُصنّف الهيدروجين والأمونيا شكلين من أشكال الطاقة النظيفة فقط، وإنما تتضح أهميتهما القُصوى في مكافحة التغيرات المناخية، خصوصًا في ظل تواصل تنامي ظاهرة الاحترار العالمي دون هوادة.

وتبرز آثار التغيرات المناخية -مؤخرًا- في منسوب مياه البحر، وارتفاع معدلات الجفاف والفيضانات وتقلبات الطقس؛ ما فرض حاجة ملحة لتقليص الانبعاثات العالمية المُسببة للاحتباس الحراري بنسبة تبلغ 43% بحلول نهاية العقد الجاري (2030)؛ بهدف تحقيق مستهدفات الحياد الكربوني بحلول أوسط القرن الجاري (2050).

وهنا يتضح دور الهيدروجين والأمونيا بصفتهما بارقة أمل وبديلًا أكثر نظافة عن مصادر الوقود الأحفوري الأكثر انتشارًا وإطلاقًا للانبعاثات في الآونة ذاتها.

وفي ظل هذا التوجه العالمي السائد صوب مصادر الطاقة المتجددة والنظيفة (الذي بلغ مستويات قياسية خلال عامي 2020 و2021)، شهد الطلب على الهيدروجين عالميًا ارتفاعًا نسبته قد تصل إلى 5%.

وتتزايد الآمال والطموحات لاستعمالات واسعة النطاق للهيدروجين في قطاعات النقل بحلول نهاية عام 2030، إذ من المتوقع زيادة اعتماد الحافلات وقطارات السكك الحديدية وغيرها عليه بصفته وقودًا نظيفًا.

اضف تعليق