q
ما تزال شحنات اليورانيوم الروسي تشقّ طريقها إلى أميركا وأوروبا دون صعوبة، على عكس نظيرتها من النفط بعد غزو موسكو أوكرانيا في مطلع العام الماضي (2022)، كما تواصل شركة روساتوم المملوكة للدولة فرض هيمنتها على سوق الوقود النووي العالمية؛ إذ تلبي وحدها نصف الطلب العالمي على اليورانيوم المخصب، بحسب تقرير نشرته وكالة بلومبرغ...
أسماء السعداوي

ما تزال شحنات اليورانيوم الروسي تشقّ طريقها إلى أميركا وأوروبا دون صعوبة، على عكس نظيرتها من النفط بعد غزو موسكو أوكرانيا في مطلع العام الماضي (2022)، كما تواصل شركة روساتوم المملوكة للدولة فرض هيمنتها على سوق الوقود النووي العالمية؛ إذ تلبي وحدها نصف الطلب العالمي على اليورانيوم المخصب، بحسب تقرير نشرته وكالة بلومبرغ.

أثارت سيطرة روسيا غيرة دول الغرب لإعادة بناء قدرات معالجة اليورانيوم التي تراجعت في أعقاب كارثة فوكوشيما النووية باليابان عام 2011، وفق ما طالعته منصة الطاقة المتخصصة.

وفي هذا الصدد، يسلّط التقرير الضوء على الإمكانات الضخمة لدى شركة روساتوم النووية، وكذلك فرص نجاح دول الغرب في التخلّي عن الإمدادات الروسية التي طال اعتمادها عليها.

شركة روساتوم الروسية

يتجاوز انتشار اليورانيوم الروسي أمر الأرباح الاقتصادية التي تدرها الصناعة على الكرملين، بل تتعداها لتكون مركز ثقل جيوسياسي يمنح روسيا قوة لا تمتلكها أميركا وأوروبا.

تنخرط شركة روساتوم الروسية في كل مراحل سلسلة توريد الطاقة النووية، بداية من استخراج اليورانيوم الخام وتخصيبه وتسليمه.

كما يمتد نشاط الشركة إلى تصنيع المفاعلات النووية وتركيبها وتشغيلها وصيانتها في 54 دولة، من خلال 330 شركة تابعة وعدد كبير من المهندسين والفنيين والعمال.

وعلى عكس الشركات العالمية التي سارعت بالخروج من قطاع الطاقة النووية في أعقاب كارثة فوكوشيما، اقتنصت شركة روساتوم الفرصة.

وأفلست بعض الشركات الأوروبية ومنها "أريفا إس إيه " (Areva SA) الفرنسية وشركة "يو إس إنريتشمنت" (US Enrichment Co) وشركة ويستنغهاوس إلكتريك (Westinghouse Electric Co).

في المقابل، نجحت روسيا في بناء أسطول ضخم من المفاعلات النووية، كما قدّمت تمويلات سخية لمشروعات أجنبية.

ويوجد -حاليًا- 330 ألف عامل في روساتوم يعدّون اليورانيوم الروسي لتشغيل المفاعلات القديمة في شرق أوروبا وداخل روسيا، كما تقيم الشركة 33 محطة كهرباء جديدة في 10 دول، من بينها الصين والهند، حيث لا سبيل لإبرام عقود جديدة لعقود مقبلة.

وخلال العام الذي أعقب الحرب الروسية الأوكرانية، زادت صادرات روساتوم من اليورانيوم الروسي بأكثر من الخُمس، كما وُقعت عقودًا جديدة في أسواق الدول الناشئة.

نفوذ روساتوم في أوروبا

تلبي روسيا نحو 30% من الطلب على اليورانيوم المخصب داخل دول الاتحاد الأوروبي، وما زالت بعض دول الاتحاد السوفيتي السابق في شرق أوروبا تستعين باليورانيوم الروسي الذي تقدّمه شركة روساتوم في تشغيل مفاعلات القدرة المائية-المائية (VVER) -سلسلة من تصاميم عدّة لمفاعلات الماء المضغوط- التي أُقيمت خلال مدة الحرب الباردة.

وتجاوزت تلك المفاعلات عمرها التشغيلي المسموح به، وهو ما يعني أن فرص دخول شركات جديدة لمنافسة روساتوم هناك "ضئيلة"، بحسب التقرير.

في المقابل، نجحت شركة ويستنغهاوس الأميركية في إبرام عقود لتزويد مفاعلات "في في إي آر" الأوكرانية باليورانيوم.

إلّا أن أوكرانيا ما تزال تعتمد على على مخزونها من الوقود النووي الذي أمدّتها به روساتوم، ولذلك لن تتمكن كييف من تنويع إمداداتها بالكامل حتى وقت لاحق من العقد الجاري.

كما تبحث بلغاريا والتشيك وفنلندا عن مزوّدين آخرين، إلّا أن الأمر سيستغرق سنوات للخروج من القبضة الروسية.

التجارة النووية بي روسيا وأميركا

سجّل حجم التجارة النووية بين روسيا والولايات المتحدة نموًا في أعقاب الحرب الباردة؛ إذ زوّدت موسكو واشنطن بـ500 طن من اليورانيوم الروسي لتشغيل المفاعلات الأميركية.

وبعد ذلك، واصلت روسيا أداء دورها كونها المزوّد الرئيس لتعدين اليورانيوم وطحنه وتحويله وتخصيبه لصالح محطات الكهرباء الأميركية.

تفرض تلك الهيمنة الروسية مخاوف بشأن التوقف المحتمل للإمدادات على غرار توقّف إمدادات النفط والغاز الذي أسفر عن أزمة طاقة عالمية؛ إذ ما تزال واشنطن تعتمد على الصادرات بنسبة 95%.

وما يثير القلق أكثر هو الاعتماد الكامل على اليورانيوم الروسي منخفض التخصيب عالي التركيز المستعمل في الجيل الجديد من المفاعلات، وهي المفاعلات المعيارية الصغيرة.

وفي عام 2022 المنصرم، شكّل اليورانيوم الروسي المخصب نحو رُبع مشتريات المفاعلات النووية الأميركية، وفق بيانات حكومية أميركية.

وحلّت روسيا في المركز الـ3 على قائمة أكثر الدول المصدّرة لليورانيوم إلى أميركا خلال عام 2022 بنسبة 12%، وفق ما نشرته إدارة معلومات الطاقة الأميركية بموقعها في أغسطس/آب الجاري 2023.

وفي عام 2021، شكّل اليورانيوم الروسي نسبة 28% من إجمالي الوقود المستعمل في المحطات النووية الأميركية.

محاولات غربية للمقاومة

مع عودة الطاقة النووية للأضواء مؤخرًا لتلبية الطلب على الكهرباء وسط دعوات للتخلص من الوقود الأحفوري الملوث للبيئة، شهد القطاع في أوروبا وأميركا الشمالية نهوضًا بطيئًا للعودة إلى مسرح الوقود العالمي، وتعهدت الولايات المتحدة وكندا في مارس/آذار 2023 بإعادة بناء القدرات النووية، وتوصلت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا واليابان وفرنسا لاتفاقية لتطوير "سلاسل توريد منفصلة بمعزل عن روسيا".

كما يدرس الكونغرس الأميركي فرض قيود محلية على واردات اليورانيوم الروسي، وقدّم محفزات استثمارية لجذب مورّدين جدد.

كما تضمَّن قانون خفض التضخم الأميركي الذي أقرّه الرئيس جو بايدن في العام الماضي (2022) حزمة دعم بقيمة 700 مليون دولار لتطوير إمدادات وقود محلية للمفاعلات المتطورة.

وتعمل وزارة الطاقة الأميركية وشركة "سنترس إنرجي" (Centrus Energy) لتطوير مشروع استرشادي بشأن اليورانيوم المستعمل في المفاعلات المعيارية.

وفي أوروبا، أطلقت شركات تعمل بمجال الوقود النووي، ومنها "أونريكو ليمتد" (Urenco Ltd) و"أورانو إس إيه" (Orano SA)، لبناء قدرات جديدة لإبعاد المستثمرين عن الإمدادات الروسية.

وفق تقديرات الصناعة، من المتوقع أن يستغرق التخلّي عن الإمدادات الروسية نحو 5 سنوات.

في المقابل، استهزأت شركة روساتوم في يونيو/حزيران 2023 بمحاولات التخلّي عن الإمدادات الروسية، قائلة، إنها تشبه "وحش فرانكشتاين".

(رواية فرانكشتاين للكاتبة الإنجليزية مارى شيلي، تروي قصة فيكتور فرانكنشتاين، وهو عالم يخلق مخلوقًا متوحشًا، ثم يبحث عن سبيل للفرار منه).

وأكدت روساتوم الروسية على أنه لا يمكن لأيّ دولة غربية منفردة أن تنافسها تجاريًا، كما قالت، إنها تدرك المخاطر وستحمي مصالحها.

........................................................................................................................
* الاراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق