q
يعيش أكثر من ثلاثة مليارات شخص في بيئة شديدة التأثر بتغير المناخ. ويؤدي هذا التغيير أيضًا إلى زيادة حالات هطول الأمطار الغزيرة، مع ما يترتب على ذلك من عواقب مدمرة: تدمير المحاصيل، واستحالة البَذر أو الحصاد، وتفاقم تآكل التربة مع جرف الفيضانات طبقاتها العليا الخصبة. ولوحظ حدوث هذه الظواهر...

من القرن الإفريقي إلى الأرجنتين، تتسبب موجات الجفاف والحرارة في معاناة البشر والحيوان والنبات: تفاقم التغيّرات المناخية التهديدات التي تتعرض لها المحاصيل الزراعية في العالم، حتى في المناطق التي كانت تُعتبر معتدلة سابقًا.

ويتوقع البنك الدولي في تقاريره أن تعاني دول شمال افريقيا والشرق الأوسط من "نقص فادح في الماء" بحلول العام 2030 بحصة أقل من 500 متر مكعب للفرد الواحد سنويا.

وفي العراق يعاني 60 بالمئة من الفلاحين في العديد من المحافظات جراء تقليص المساحات المزروعة وخفض كميات المياه المستخدمة.

وفي تونس بدأت تداعيات تغير المناخ بالتأثير بشكل مباشر على الزراعة وتوفر الغذاء والمياه ما يهدد الأمن الغذائي في البلد الواقع في شمال أفريقيا.

وفي الأردن تتزايد المخاوف من أن يلتهم الجفاف باقي المساحات الخضراء وأن يزحف التصحر في ظل ارتفاع درجات الحرارة وتراجع معدلات سقوط المطر.

عواقب مدمرة

ليس هناك أي قارّة بمنأى من ذلك. أدى الجفاف دورا في زوال حضارة بأكملها، عندما سرّع سقوط الإمبراطورية الحِيثِّية التي كان موقعها في هضبة الأناضول في القرن الثاني عشر قبل الميلاد، وفق دراسة حديثة نشرتها مجلة "نايتشر" البريطانية. وبات الجفاف راهناً يهدّد محاصيل دول زراعية كبرى مثل الأرجنتين التي شهدت تراجع محصولها من الذرة بأكثر من 30% خلال موسم حصاد 2022-2023.

والزراعة التي تمثّل 23% من انبعاثات غازات الدفيئة في العالم (جراء تربية الماشية واستخدام الأسمدة)، هي واحدة من أولى ضحايا الاحترار المناخي.

ويؤدي الاحترار إلى زيادة عدد موجات الجفاف وإطالة مدّتها، على غرار الموجة القياسية التي تشهدها منذ نهاية عام 2020 منطقة القرن الإفريقي، حيث أدى ارتفاع درجات الحرارة إلى نفوق الملايين من رؤوس الماشية وأصبح 23 مليون شخص مهددين بالجوع، وفق الأمم المتحدة.

في المجمل، يعيش أكثر من ثلاثة مليارات شخص في بيئة "شديدة التأثر" بتغير المناخ.

ويؤدي هذا التغيير أيضًا إلى زيادة حالات هطول الأمطار الغزيرة، مع ما يترتب على ذلك من عواقب مدمرة: تدمير المحاصيل، واستحالة البَذر أو الحصاد، وتفاقم تآكل التربة مع جرف الفيضانات طبقاتها العليا الخصبة. ولوحظ حدوث هذه الظواهر في السنوات الأخيرة في باكستان وأستراليا.

تُضاف إلى ذلك الظاهرتان المناخيتان "إل نينيو" و"إل نينيا"، المتكررتان لكن غير المنتظمتين، واللتان تزيدان من حدة الجفاف في إندونيسيا (أول منتج لزيت النخيل في العالم) وفي الأرجنتين (من أبرز الدول المصدّرة للذرة)، وتؤثران على الرياح الموسمية في الهند، الأساسية في الدولة الأكثر تعدادًا للسكان في العالم، وتفاقمان الأعاصير.

يؤكد المدير العلمي لقسم البيئة في المعهد الوطني الفرنسي للبحوث الزراعية (Inrae) تييري كاكيه الذي يعمل على تكييف الزراعة مع التغيّر المناخي، أن "إذا كان هناك نقص في المياه في وقت الإنبات - أو نمو النبات - أو قبل الإزهار مباشرة، فسيكون لذلك تأثير كبير على إنتاج الحبوب".

ويضيف أن "ارتفاع درجة الحرارة، مع أو بدون مياه، سيعزز ظاهرة توقف امتلاء الحبوب".

ويوضح أن من الناحية التخطيطية، سيكون للمياه تأثير على كمية السنابل وتاليا حجم المحصول، ولدرجة الحرارة تأثير على جودتها ومعدل امتلاء الحبوب.

ويؤدي نقص المياه أيضاً إلى نقص الأعلاف. فقد تخلى المزارعون الكاتالونيون عن زراعتها في أبريل/نيسان الماضي في وقت كانت تعاني فيه إسبانيا من جفاف تاريخي.

يؤدي جفاف نقاط تدفّق المياه ونقص العشب بشكل منتظم إلى القضاء على القطعان في منطقة الساحل والقرن الإفريقي. وحتى في المناطق التي تتمتع بطقس معتدل، مثل تونس وفرنسا، ينخفض إنتاج سلالات الألبان بسبب درجات الحرارة المرتفعة.

ويشرح كاكيه أن "الحيوانات المجترّة، التي تسخن أمعاؤها أثناء التخمير، حساسة بشكل خاص"، مشيرًا إلى أن "ذروة الحرارة البالغة 40 درجة مئوية يمكن أن تقتل بقرة".

"سوء التكيف"

يتمّ توفير 60% من الأغذية في العالم من خلال الزراعة البعلية، فيما يتمّ تأمين الباقي من الزراعة المروية.

مع ظاهرة الاحترار المناخي، يزداد الطلب على الريّ: تحتاج المحاصيل إلى مزيد من المياه لأنها تفقد أكثر من خلال التبخر.

ويقدر فقدان المحصول الزراعي بسبب الجفاف بنسبة 25% بين عامي 1961 و2006، بحسب الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (شباط/فبراير 2022).

وبحلول الفترة الممتدة من 2071 إلى 2100، إذا ارتفعت حرارة الكوكب بمقدار 1,5 إلى 2 درجة مئوية، فإن هذه الخسارة المرتبطة بالجفاف ستزيد بنسبة 9 إلى 12% للقمح وأكثر من 18% للأرز، مقارنة بفترة 1961-2016.

الحلول موجودة وهي وقف الزحف العمراني والإدارة المحسّنة والمستدامة للغابات والحفاظ على النظم البيئية ذات القدرة العالية على تخزين الكربون مثل الأراضي الخثية وتطوير الزراعة الإيكولوجية.

لكن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ تحذر أيضًا من "سوء التكيف"، مؤكدة على سبيل المثال أن "الإفراط في استخراج" المياه بغرض تخزينها لري المناطق القاحلة، يمكن أن "يؤدي إلى استنزاف المياه الجوفية"، الأمر الذي ستكون له آثار ضارة على المدى المتوسط.

الجفاف والنزوح المناخي في العراق

وفي العراق يعاني 60 بالمئة من الفلاحين في العديد من المحافظات جراء تقليص المساحات المزروعة وخفض كميات المياه المستخدمة، وفقا لاستطلاع أجرته منظمة "المجلس النروجي للاجئين" غير الحكومية، داعية السلطات الى إدارة الموارد المائية بشكل أفضل.

وكشف مسح أجراه المجلس أن دخل بعض المزارعين زاد في 2023 مقارنة بالعام 2022، عازيا الفضل في ذلك إلى هطول الأمطار بنسبة "أعلى من التقديرات" الأولية، مما أدى لتحسن معدلات المحاصيل.

وأجرت المنظمة الدراسة خلال تموز/يوليو وآب/أغسطس في أربع محافظات عراقية، بناءً على نتائج الحصاد وتأثير الجفاف على الأسر، وقابلت خلالها 1079 شخصا. وكانت 40 بالمئة من العيّنة من النساء، و94% من المستطلعين من سكان المناطق الريفية.

وخلال 2023، استمرت قضايا "الحصول على المياه" في "التأثير على الإنتاج الزراعي"، وفقا للمسح الذي أكد أن "60 بالمئة من المزارعين اضطروا لزراعة مساحات أقل من الأراضي أو لاستخدام كميات أقل من المياه بسبب أحوال الطقس القاسية" في محافظات شمال البلاد (نينوى، كركوك، صلاح الدين)، وفي الأنبار (غرب).

وأكدت المنظمة "اضطر أربعة من كل خمسة أشخاص من بين أولئك الذين شملهم الاستطلاع في المجتمعات الزراعية في نينوى وكركوك،إلى خفض إنفاقهم على الغذاء خلال الأشهر الـ12 الماضية".

وأتى نشر الدراسة قبل أيام من انطلاق مؤتمر الأطراف حول المناخ (كوب28) الذي تستضيفه دبي بين 30 تشرين الثاني/نوفمبر و12 كانون الأول/ديسمبر.

وفي ظل انحسار كمية الأمطار وارتفاع درجات الحرارة، يعاني العراق جفافاً للسنة الرابعة على التوالي. وتندّد السلطات العراقية بسدود تبنيها تركيا وإيران على نهري دجلة والفرات، تتسبب بانخفاض منسوب النهرين وروافدهما حينما يصلان إلى العراق.

الا أن المجلس النروجي للاجئين حمّل المسؤولية كذلك إلى "إدارة الموارد المائية" في البلاد خصوصا "ممارسات الري في العراق وعدم الكفاءة في استخدام الموارد المائية المتناقصة".

وذكر تقرير المنظمة بأن "نحو 70% من المزارعين الذين شملهم المسح" يقولون "إنهم يستخدمون الري بالغمر"، وهي طريقة تعتبر على نطاق واسع "الأكثر استهلاكاً للمياه" وغير مناسبة للمناطق "المعرضة للجفاف الموسمي".

واقترح المجلس النروجي للاجئين تحسين الامكانات الزراعية عبر "رصد وتنظيم وتوزيع الموارد المائية".

وحذّر مدير المكتب الوطني للمجلس أنتوني زيليكي من "تغيّر مناخ العراق بشكل أسرع من قدرة الناس على التكيّف".

وبحسب المنظمة الدولية للهجرة، لغاية منتصف أيلول/سبتمبر "ما زالت هناك 21798 عائلةً -أي 130788 شخصا نازحين بسبب ظروف الجفاف في 12 محافظات" في وسط العراق وجنوبه.

وتوضح المنظمة، أنّ 74% من النازحين بسبب المناخ، يذهبون إلى المدن. أما أبرز المحافظات التي يطالها هذا النزوح فهي ذي قار وميسان والديوانية والمثنى.

ويتحدّث معاون محافظ ذي قار لشؤون التخطيط غسان الخفاجي عن "هجرة داخلية" سببها "الجفاف وعدم توفر كميات كافية من المياه".

ويضيف أنه خلال خمس سنوات، بنيت "بحدود 3500 وحدة سكنية" في "محيط مدينة" الناصرية، نتيجة للنزوح من الأهوار وهي مساحات رطبة في جنوب العراق، صنّفتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) في 2016، تراثا عالميا، وتعاني حالياً من الجفاف.

ويمثل ذلك وفق المسؤول "20 إلى 25 ألف" شخص، مضيفاً أن هذه الهجرة الداخلية شكّلت "ضغطاً على فرص العمل المتوفرة"، فيما "لدينا أصلاً عاطلون كثر عن العمل".

ويضيف المسؤول أن الشباب الوافدين المعتادين على العمل في زراعة الحقول وصيد السمك وتربية الماشية يتحولون إلى "أعمال يومية بسيطة كالبناء والنقل على عربات".

وفي العراق الذي يبلغ عدد سكانه 43 مليون نسمة، يعيش شخص واحد من كل خمسة أشخاص في منطقة تعاني من نقص في المياه. ويشير تقرير للأمم المتحدة نشر في نيسان/ابريل، إلى خطر "الاضطرابات الاجتماعية" الناجمة عن العوامل المناخية.

ويشرح التقرير أن "الفرص الاقتصادية المحدودة المخصصة للشباب في المناطق الحضرية المكتظة، تزيد من خطر تفاقم الشعور بالتهميش والعزلة".

ويضيف أن "ذلك من شأنه تعزيز التوترات بين المجموعات المختلفة الاثنية والدينية وزيادة الأعباء على الدولة".

التونسيون مهددون بالعطش والنزوح

بدأت تداعيات تغير المناخ في تونس بالتأثير بشكل مباشر على الزراعة وتوفر الغذاء والمياه ما يهدد الأمن الغذائي في البلد الواقع في شمال أفريقيا.

وأثر تراجع الأمطار وعدم انتظامها خلال الفترة الماضية سلبا على المحاصيل الزراعية إذ أشارت التقديرات إلى انخفاض مستويات محاصيل الحبوب بنسبة 60 بالمئة عن مستوياتها المعتادة، وفق بيانات وزارة الزراعة التونسية.

وحسب بيانات الوزارة الزراعة فقد تم جمع 2.7 مليون قنطار من الحبوب فقط في موسم 2022، مقابل 7.5 مليون قنطار في الموسم السابق، و15 مليونا في 2020.

ويرجح مراقبون أن تظهر الآثار السلبية للظاهرة بشكل أوسع وأسرع في السنوات القادمة، من خلال أزمة في الغذاء والزراعة.

قال بيرم حمادة عضو مجلس نقابة المزارعين في تونس لرويترز إن أزمة الجفاف وارتفاع الحرارة ونشوب الحرائق وندرة المياه تسببت في خفض المساحات المزروعة وتراجع المحاصيل، مما كبد المزارعين خسائر مالية كبيرة.

وأوضح حمادة أن هناك تراجعا كبيرا تجاوز 50 في المئة في عدة زراعات بسبب شح المياه والتغيرات المناخية.

وأضاف أن إنتاج القوارص (البرتقال بأنواعه) تراجع إلى 300 ألف طن هذا الموسم بعد أن كان يتجاوز في مواسم سابقة 500 ألف طن، كما تواجه بقية الزراعات مثل الزيتون، والذي يمثل أهم صادرات تونس، بدورها خطر التراجع الكبير وبالتالي زيادة عجز الميزان التجاري الغذائي للبلد الذي يعيش وضعا اقتصاديا حرجا.

ويتوقع المزارعون واتحاد الزراعة حصادا هزيلا للحبوب هذا العام بسبب الشح الكبير في الأمطار.

ويواجه ما يقرب من 2.7 مليون أسرة في تونس نقصا في الخبز الذي يعتمد في الأساس على القمح الصلد واللين، وأمام نقص الإنتاج المحلي ليس من خيار أمام الدولة سوى زيادة واردات الحبوب من الخارج.

وبسبب الجفاف أيضا وندرة الأعشاب وغلاء الأعلاف، اضطر كثير من المزارعين للتخلي عن آلاف الأبقار مما خلف تراجعا كبيرا في إنتاج الحليب الذي اختفى من أغلب المتاجر. وغذى ذلك مخاوف السكان الذين يعانون صعوبات في الحصول على سلع أخرى مثل السكر، والزيت، والزبد، والأرز.

ومع نقص مواردها المائية، تتعاظم الخشية في تونس من العطش هذا العام، ولجأت الحكومة الشهر الماضي لرفع أسعار الماء الصالح للشراب للبيوت والفنادق سعيا لترشيده.

وذكر حمادة أن "الارتفاع في أسعار الغلال والخضر في الأسواق أدي إلى نقص كبير في المعروض وارتفاع كلفة الإنتاج في ظل هذه الأزمة، وفوق كل ذلك معضلة السماسرة والوسطاء الذين يشترون إنتاج الفلاحين الصغار بأقل الأسعار، ليعيدوا بيعه في الأسواق بأسعار باهظة في وقت يُشعل فيه الغلاء جيوب التونسيين".

تظهر التوقعات المناخية في تونس انخفاضا في هطول الأمطار إلى 22 مليمترا بحلول عام 2050 وهو ما يمثل انخفاضا بنسبة تسعة في المئة مقارنة بالمستويات الحالية، وسيبلغ 45 مليمترا في عام 2100 أي سينخفض 18 في المئة.

ويقول خبراء المناخ إنه رغم التزام تونس دوليا في مسألة تغير المناخ بما يتسق مع اتفاق باريس وبروتوكول كيوتو، لكن لم يتم الاهتمام بمسألة تغير المناخ بالشكل المطلوب، ولم يتم إدراجها في السياسات الحكومية، أو عبر وضع إستراتيجية واضحة الأهداف للحد من تأثيرات الظاهرة.

وبينما دعا خبراء إلى إعلان حالة الطوارئ المائية في البلاد بسبب الجفاف المستمر والتراجع المخيف لمنسوب السدود، شجعت الحكومة في قانون ميزانية 2023 السكان على حفر مخرات لتجميع مياه الأمطار.

وأوضح حكيم القبطني المدير العام لمركز بحوث وتكنولوجيات المياه ببرج السدرية أن شهري سبتمبر أيلول وأكتوبر تشرين الأول الماضيين شهدا انخفاض هطول الأمطار بنسبة 95 بالمئة مقارنة بالمعدلات العادية وفق دراسات محلية.

وأضاف أن شهر سبتمبر أيلول 2023 كان الشهر الأكثر جفافا منذ 53 عاما في تونس مما سبب جفافا شديدا وتأثيرات كبيرة على الزراعة.

ولفت القبطني إلى أن هذا الجفاف أثر أيضا على الجانب البيئي حيث تعيش بحيرة إشكل أكبر المحميات في تونس كارثة بيئية تسببت في مغادرة الطيور المهاجرة.

ودعا إلى ضرورة دعم المزارعين ووقف الاعتداءات على الموارد المائية "بطرق عشوائية وغير قانونية حيث تفيد الأرقام الرسمية أن 60 بالمئة من الآبار غير قانونية".

وأكد أن من الضروري تغيير الخارطة الزراعية في تونس "والتكثيف من محطات معالجة المياه على كامل البلاد التونسية بالإضافة إلى تحلية مياه البحر التي تعتبر الحل الأفضل والوحيد في الوقت الراهن".

وقال عبد الرؤوف العجيمي رئيس ديوان وزير الزراعة التونسية لرويترز إن تونس بصدد إعداد دراسات لبناء سدود ومحطات لتحلية مياه البحر في العديد من المحافظات ضمن المخطط التنموي الممتد من عام 2023 إلى 2025.

وذكر أن الوزارة تتبع استراتيجية خاصة تحمي الموارد المائية وتطلق حملات توعية لمجابهة الشح المائي مع التوجه الي موارد غير تقليدية كتحلية مياه البحر وزيادة الاستثمارات فيها.

ويتوقع البنك الدولي في تقاريره أن تعاني دول شمال افريقيا والشرق الأوسط من "نقص فادح في الماء" بحلول العام 2030 بحصة أقل من 500 متر مكعب للفرد الواحد سنويا.

وتونس المصنفة من بين 33 دولة في العالم مهددة بندرة المياه، وقد تراجع فيها نصيب الفرد إلى 450 مترا مكعبا سنويا، وفقا لمنظمة "ورلد ريسورسز انستيتيوت" الأميركية.

تبلغ نسبة امتلاء السدود في البلاد والتي تمثل المصدر الأول للزراعة والشرب 22%، فيما 20 من مجموع 37 سدّا خارج الخدمة خصوصا تلك المتواجدة في جنوب البلاد ذي المناخ الصحراوي.

ويشعر بعض القرويين أنهم مجبرون على النزوح إلى المناطق الحضرية أو حتى الهجرة إلى خارج البلاد بسبب عدم توافر مياه الشرب في المنازل لنحو 300 ألف شخص، بحسب منظمة "المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية" غير الحكومية والتي تعنى بالمسائل الاجتماعية.

التصحر يلتهم اراضي الأردن

وفي الأردن تتزايد المخاوف من أن يلتهم الجفاف باقي المساحات الخضراء وأن يزحف التصحر في ظل ارتفاع درجات الحرارة وتراجع معدلات سقوط المطر.

وتشكل الأراضي الصحراوية 80 بالمئة من مساحة البلاد البالغة نحو 89 ألف كيلومتر مربع.

ومع تفاقم تأثيرات التغيرات المناخية، يسعى الأردن جاهدا لمكافحة التصحر من خلال الاتفاقيات الدولية والتحالفات والمبادرات التي أطلقت على مدار الأعوام الماضية.

فالأجزاء الغربية من المملكة، بحسب تقرير البلاغات الوطني الرابع للتغير المناخي لعام 2023، ستتعرض لموجات جفاف بصورة أكبر، مع انخفاض في هطول الأمطار بنسبة تتراوح بين 15.8 بالمئة و47 بالمئة، مقابل زيادة نسبة سقوط المطر في المنطقة الجنوبية من المملكة وبمقدار 19 بالمئة.

وقال عمر الشوشان، رئيس اتحاد الجمعيات البيئية في الأردن، لرويترز، إن من أهم النتائج التي وردت في ذلك التقرير الصادر عن وزارة البيئة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أن هناك احتمالا كبيرا لأن "تتعرض المملكة إلى مزيد من موجات الحرارة بنسبة 120 بالمئة، مقابل ارتفاع في الجفاف بخاصة في المناطق الشمالية بنسبة 50 بالمئة".

ويشير الشوشان إلى تأثير أزمات اللجوء وارتباطها المباشر بإضعاف القدرة الحيوية للمملكة في مواجهة تداعيات تغير المناخ خاصة في قطاعات المياه والزراعة والطاقة وهي الثلاثية التي ترتكز عليها منظومة الأمن الغذائي.

ووفقا لتقديرات المجلس الأعلى للسكان للأردن تستضيف المملكة 3.7 مليون لاجئ غالبيتهم من الفلسطينيين والسوريين والعراقيين. ويبلغ إجمالي السكان في الأردن نحو 11 مليون نسمة.

ودعا الشوشان الحكومة إلى الإسراع في تنفيذ مشروع الناقل الوطني للمياه من خليج العقبة مع زيادة الطلب المتوقع نتيجة اتساع رقعة الجفاف وشح المصادر المائية واختلاف أنماط الهطول المطري.

وأكد الشوشان على دور المجتمع الدولي والجهات المانحة في دعم جهود الحكومة لتنفيذ مشاريع التنمية المستدامة ومن أهمها مشاريع البنية التحتية في المياه والطاقة المتجددة والنقل المستدام.

ووفقا لتقديرات البنك الدولي فإن المملكة تحتاج ما يقارب 9.5 مليار دولار للتعامل مع ملف التغيرات المناخية.

يقول البنك الدولي إن الأردن، الذي يعتبر أحد أكثر البلدان معاناة من نقص المياه في العالم، يشهد أزمة مائية شديدة تقوض التنمية الاقتصادية والبشرية في البلاد. ووفقا لتقديرات البنك يبلغ متوسط نصيب الفرد من الموارد المائية المتاحة 97 مترا مكعبا سنويا، وهو ما يقل كثيرا عن الحد المطلق لشح المياه، والبالغ 500 مترا مكعبا للفرد سنويا.

ويضيف البنك في تقرير له في يونيو حزيران الماضي "من المتوقع أن يتسبب تغير المناخ، بالإضافة إلى النمو السكاني، في نقص إضافي في متوسط نصيب الفرد من الموارد المائية المتاحة بنسبة 30 بالمئة بحلول عام 2040".

يقول بلال الشقارين مدير مديرية التغير المناخي في وزارة البيئة الأردنية إن النماذج المناخية تشير إلى أن المناخ في الأردن سيكون أكثر دفئا مع توقعات بتراجع معدل الأمطار وتغير أنماطها بالإضافة إلى زيادة في موجات الحرارة من حيث المدة والشدة وكذلك زيادة في موجات الجفاف.

وقال الشقارين لرويترز إنه من المتوقع أن "يلقي كل ذلك بظلاله على قطاعي المياه والزراعة بشكل أساسي وعلى باقي القطاعات التنموية الأخرى وخاصة القطاع الصحي" مع زيادة الطلب على مياه الري بالإضافة الى انخفاض الإنتاجية الزراعية بشكل عام بمقدار 20 بالمئة خلال السنوات الأربعة المقبلة.

وبين الشقارين أن وزارة البيئة تدعم حاليا بالتعاون مع مؤسسات تنموية دولية مثل منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي العديد من مشاريع الزراعة الذكية مناخيا ومشروعات حصاد مياه المطر والترويج لزراعات تتحمل الجفاف.

وذكرت رايا طاهر مديرة مشروع العدالة المناخية في منظمة (أوكسفام) بالأردن أن هناك ضرورة ملحة لاستخدام أنواع نباتية مقاومة للجفاف لتعزيز المرونة في مواجهة التأثيرات الناتجة عن تغير المناخ مثل انخفاض هطول الأمطار.

وأضافت أنه يجب تعزيز الممارسات الزراعية الذكية والمستدامة، بما في ذلك اختيار المحاصيل المستدامة والتي تكون عالية الإنتاج وتتحمل التغيرات في البيئة، وضمان إدارة أكثر شمولا للنظام البيئي والاجتماعي في قطاع الزراعة لتعزيز القدرة على مواجهة تغير المناخ.

وتشير إلى أنه في الأردن، يمكن رؤية مثال على ذلك في منطقة الشونة الجنوبية حيث يتم تنفيذ (مشروع تخضير الصحراء)، إذ تم إنشاء موقع كامل لممارسة الزراعة المستدامة في منطقة تأثرت بشدة بارتفاع درجات الحرارة وانخفاض الهطول المطري، وتم بناء نظام بيئي كامل يربط بين الحفاظ على المياه والزراعة العضوية والعيش المستدام.

* المصدر: وكالات+رويترز+فرانس برس

اضف تعليق