أتعلمون شيئاً عن هذا السياسي.. لكأنه يريد أن يوحي لنا بأنه قادم من كوكبٍ آخر!! ربما يصدقه كثيرون، أما أنا فأحتاج إلى معجزة تخفف من رعبي حتى أتمكن من تصديقه، قد يتساءل ما فائدة تصديقي له مادام آخرون يصدقونه.. وقد لا يتساءل لفرط الكبرياء، ثم إنه سيمنح نفسه الإذن في ارتكاب جميع الحماقات في حق هذا الوطن، وسيدوس كل الأصوات الرافضة، غير أن الصوت مخلوق هلامي كالعدم، لا يفهم قوة الضغط، صبورٌ جداً ومن سيدوسه يتوجب عليه أن يتعلم السباحة في الفراغ..!

باختصار أنا مواطن مرعوبٌ من كل ما هو جديد لأنني أسكن في وطن عودني دائماً أن يأتيني بالقديم في ثوب الجديد، فالأمــور هنا لا تتغير في كنهها وجوهرها وإنما الأثواب هي التي تتبدل..! ففي وطني بعض رجال السياسة ليسوا سوى مصممي أزياء ومهندسي ديكور،.. إنهم خبراء في تنسيق الحدائق في حين يعجزون عن زراعة وردة واحدة!

ولأنني لم أعد أهتم لكل تلك الترهات، فعندما أقف على مشارف حديقة الوطن التي أرادوا أن يتخيل إلينا أنها يانعة مخضرة، لا أرى سوى تلك الحفر الطينية والبرك القذرة وآثار مخلوقات ضخمة تبعث في الخوف ورغبة في البكـاء، ورغبة أكبر وأقوى في الضحك!! ثم إنني لفرط التناقض ضحكت بمقلة يملأها الدمع..!!

أنا دائماً عاجز عن تصديقه، لأن عمره في أذني يزيد بقليل على بضع سنوات، وخلال هذه الفترة جعلني لا أثق به، فهو لم يترك محطة زمنية إلا وشغلها بما يشهد بأنه ليس أهلاً لثقة مواطن مرعوب مثلي.. وما أكثر أمثالي!! آخر ما خرج به علينا تلك (الحرب على الفساد!) وهو عنوان براق وجميل، إنه غاية في السمو والنبل لأن الفساد ممارسة كارثية تجتاح الدول فتنخر فيها وتجعل منها بلداناً هشة ومتهالكة، لا حظ لها في التقدم والازدهار وإنما قدرها أن تراوح مكانها في ذيل الركب الحضاري.

ليس من الجديد أن تٌعلن الحرب على (الفساد) في الدول التي تشهد التغيير في رأس هرمها السياسي، ومن تاريخ الديكتاتوريات التي شهدتها البشرية نرى أن (الفساد) كان الذريعة الأولى والأنسب التي يتشدق بها أي ديكتاتور جديد من أجل تصفية خصومه، مستغلاً بذلك فساد الطبقة التي كانت تحكم قبله، وحجم الغضب الذي تختزنه الشعوب مما يجعلها تلتف حوله بوصفه المخلص والمدافع عن حقوقها. إلا أن ورقة التوت ما تلبث أن تسقط عندما تستتب الأمور لتبين الوجه الحقيقي لهذا السياسي، فتدرك الشعوب ولو بشكل متأخر أن العملية ليست سوى تبدل في المواقع وخلق طبقة جديدة في الأسماء والأشكال، إلا أنها لا تختلف عن ما كان موجوداً من الناحية الفكرية التي تجعلها تعمل لحسابها الخاص..

فكعكة الوطن ستقسم ولكن بسكاكين أكثر جدة وأشد حدة! حينها تكون الحرب على الفساد هي الفساد بعينه، بل وفي أبشع صوره! ولأن (الفساد) سلاح متعدد الأسنة، متقلب الأوجه والتعريفات، يمكن أن يكون ذلك المصطلح الذي يجعلنا نتفق عليه إذا لم يكن للأنفس والحسابات الضيقة حظ فيه.

كما أنه من الممكن أن يكون ذلك الكائن المائع والمطاط تماماً كما (الإرهاب) الذي تشن باسمه الحروب، ويعتقل الإنسان تعسفاً وتسلب حريته ليس لأنه (ضد) وإنما لأنه فقط ليس (مع)! التعريف الأكثر شيوعا للفساد هو أنه (انتهاك مبدأ النزاهة!) ولأن النزاهة صفة من المفروض أن تلازم الإنسان أينما كان، ولأنها هشة ومعرضة للانتهاك نجد أن الباب مشرعاً أمام الفساد ليدخل جميع المجالات والميادين، فيكون سياسياً وإداريا: (عسكرياً ومدنياً)، ومالياً، وأخلاقياً..

ولعل الفساد الأخلاقي غير معني بالقصة لأن الأخلاق لدينا أصبحت تولد أمام المرآة، فكل شيء فيها بالمقلوب ولا داعي للقلق! مخطئ من يرى مشاكل هذا البلد كلها من منظور مادي بحت، نعم المادة مشكلة ولكنها ليست أم المشاكل ولا كل المشاكل، وذلك الخطأ هو المشكلة الحقيقية التي تستحق الأرق من أجلها، فنحن مصابون في أخلاقنا، وعلينا إعادة تأثيث دواخلنا بأخلاقيات جديدة.

من حقنا أن نتساءل عن النزاهة عندما يحاول هذا السياسي تحويل الوطن إلى ساحة يصارع فيها ظله ويسابقه، في حين يئن ذلك الوطن المنهك تحت دوامة من الانفلات الأمني والتسيب ؟!! أين هي النزاهة عندما يتحول الوطن إلى ساحة يتجاذب فيها رجال الأعمال ويستعرضون عضلاتهم، فيما يكون هذا السياسي أداة يستخدمها أحد الأطراف ضد الآخر، فيقف متبجحا أمام الإعلام ليصدر الحكم النهائي، فيلعب دور القضاء ضارباً بعرض الحائط أبسط أبجديات النزاهة في الفصل بين السلطات..!

أم أن النزاهة هي الأخرى كائن مطاط ومائع، يمكن تكييفه حسب الطلب وتطويعه وفقاً لمقتضيات السوق السياسي! هل يمكن أن النزاهة تم تعديلها وراثيا ليحملها البعض كصفة تبعده من المساءلة بل قد يتم تعيينه ممثلاً دبلوماسياً للوطن وهو يعلم المخفي والمعلن..؟؟ لله درك ايها المواطن البسيط المسكين لم يهدأ لك بال حتى تكتشف الحقيقة ، ولكن يا أهل.. السياسة للأعراب فسادهم.... ولكم فسادكم! والواقف عند نافدذة الشعب الصابر المظلوم... لن تخفى عنه رؤوس أخرى كثيرة قد أينعت وحان قطافها، فلا يمكننا التعرض للفساد دون التعرض لها، ولا التعرض لها من دون المرور بمن أراق الدم العراقي وهجر المواطن من أرضه قسراً، ليس لسبب وجيه سوى أن الأقدار شاءت أن يكون دينه ومذهبه واضحين وضوح الشمس...

كثيرة هي الملفات التي لا تحتمل التأجيل في أي حربٍ حقيقية على الفساد، وتأجيلها يجعل الحرب خاوية ومقلوبة رأسا على عقب! سمعت البعض يقول... إن من يريد أن يعلن الحرب على الفساد في هذا الوطن اثناء حكم السياسي (الفلتة) من الجيد له أن يكون قادما من كوكب آخرْ، أو على الأقل أن لا ينتمي إلى قائمة هذا السياسي الاعرج في كل شيء والله تعالى من وراء القصد...

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق