قد يواجه الجيل الشاب من المؤرخين الذين ليسوا على استعداد للعمل مع تقنيات تكنولوجيا المعلومات المبتكرة، انفجار معلوماتي جديدًا في السنوات القادمة، ولذا فحين تتم دراسة المواد الأرشيفية التقليدية بشكل كامل ستظل المجموعة الإلكترونية المتزايدة بشكل كبير خارج نطاق البحث العلمي، مما يزيد من تحديات ثورة التاريخ الرقمي...

رقمنة المواد الوثائقية والتعرف على الأنماط والتصور والطباعة الرسومية والوسائط المتعددة وأنظمتها على الشبكة الرقمية، وتوسيع إمكانيات الطباعة النصية المكتوبة بخط اليد وأنظمة التسجيل الصوتي المؤكدة للمعلومات المباشرة والأنظمة الذكية وما إلى ذلك، ستتغير وستستمر في تغيير البيئة التاريخية، وإن هذا التطور السريع لتكنولوجيا المعلومات والرقمنة النهائية لجميع الأوراق والوثائق التاريخية الأخرى، وحتى في البلدان الأكثر فقراً سيضع على جدول الأعمال مسألة إعادة تسمية دراسات مصادر المعلومات للمصادر التناظرية والرقمية، وستكشف الطريقة الرقمية لمعالجة المعلومات وتخزينها ونقلها عن الكثير من المزايا مقارنة بالجوانب التناظرية، ولان المستندات التقليدية تشكل طبقة ضخمة من قاعدة الماضي، فلذا يجب أن يستمر في رقمنتها وإعادة كتابتها عدة مرات دون فقدان الجودة.

لكن ذلك كيف سيبدو؟ انه سؤال موجه اليوم للمنظرين التاريخيين، غير ان عمليات الرياضيات والحوسبة أثرت وبنطاق واسع على التغيير في مجال البحث والأدوات المنهجية للمؤرخين، ولذا فإن إضفاء الطابع المؤسسي على التاريخ الكمي والمعلوماتية التاريخية، وتعزيز المكونات البحثية التحليلية بدلاً من الأدوات القائمة على الأساليب الجديدة لمعالجة البيانات التاريخية، يسمح بالحصول على نتائج مهمة جديدة، كما وفي الوقت ذاته فقد ظهر تاريخ كمي بسبب التوسع في إمكانيات الباحثين لاستخدام أحدث تقنيات المعلومات التي تتجاوز حدود الحوسبة ومعالجة البيانات الكمية، وأصبح الأساس "القبلي" للمعلوماتية التاريخية أحد الأجزاء النامية ديناميكيًا.

التاريخ الكمي متعدد التخصصات وحاليا هو ملتحم مع علوم الكمبيوتر، ولديه بالفعل "رأس مال" متين للتطورات النظرية والتطبيقية، وبه المؤرخين اتقنوا معظم الأساليب الرياضية والإحصائية لتحليل المعلومات التاريخية، وقد جادلوا علميًا في إمكانيات وحدود استخدامها، وطوروا أساليب العمل البحثي باستخدام تقنية قواعد البيانات، والتي يمكن على أساسها تخزينها في اشكال قابل للقراءة آليًا، وتوفير بيانات من مصادر تاريخية، والبحث عن المعلومات ذات الصلة، ومعالجة صفائف البيانات القابلة للقراءة آليًا، وغيرها. وبالعقود الأخيرة من القرن العشرين كان الأساس لرقمنة التاريخ هو الجمع بين المعلومات ونهج هيكل النظم مع المبادئ التاريخية، والتي تتجلى كنظام للبحث عن اتجاهات وأنماط التنمية الاجتماعية، واكتشاف ظاهرة البيانات الجماعية والطرق المناسبة لتحليلها، وإدخال دراسات نظرية رقمية لفهم إمكانات المعلومات الكامنة بالمصادر التاريخية، وأساليب تحديد أساس لتطوير نظريات المعلومات، ومناهج جديدة لتحليل المعلومات النصية وغيرها من المعلومات التاريخية.

حاليا لا يتعلق الأمر بإتقان محو الأمية الحاسوبية، وانما حول تسريع وتيرة تطوير أمن الكمبيوتر والاتصالات المعلوماتية والعلمية، ويرجع ذلك إلى حقيقة أن المصادر الحديثة بأعداد كبيرة تتطور إلى شكل إلكتروني "قابل للقراءة آليًا"، واستنادًا إلى إدخال أجهزة كمبيوتر شخصية قوية بشكل متزايد، فقد لا يتم منح المؤرخين حق الوصول إلى حزم التطبيقات الخاصة بالبرامج الإحصائية فحسب بل أيضًا من خلال تطوير تقنيات الكمبيوتر والاتصالات وتقنيات الوسائط المتعددة وأنظمة المعلومات الجغرافية، وموارد الإنترنت التي تم إنشاؤها حول العالم، ولذلك احتلت المعلوماتية التاريخية بالفعل مكانة جديرة بالاهتمام في نظام العلوم، ومن المهم للغاية ليس فقط زيادة عدد الدراسات والمقالات العلمية القائمة على نتائج البحث، وانما إنشاء مناهج مبتكرة لفهم وادراك المصادر التاريخية، وايجاد أفكار إبداعية جديدة لمعالجة معلومات البيانات التاريخية، والدفع بآفاق العلوم التاريخية، وحل المشاكل ذات الصلة بنظرية المعرفة والدراسات الأرشيفية وأتمتة عمليات التخزين ومعالجة المعلومات بأثر رجعي وأصالة واكتمال وموثوقية المواد الأرشيفية والمنشورات الإلكترونية وطرق اختيار وعرض المواد التربوية. وقد يواجه الجيل الشاب من المؤرخين الذين ليسوا على استعداد للعمل مع تقنيات تكنولوجيا المعلومات المبتكرة، "انفجار معلوماتي" جديدًا في السنوات القادمة، ولذا فحين تتم دراسة المواد الأرشيفية التقليدية بشكل كامل ستظل المجموعة الإلكترونية المتزايدة بشكل كبير خارج نطاق البحث العلمي، مما يزيد من تحديات "ثورة التاريخ الرقمي" ويطرح تحديات جديدة لعلم التاريخ، فيستوجب معالجتها في المستقبل القريب.

........................................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق