q
كأن طلاب المدارس كان تنقصهم وسيلة ابتكارية حديثة لتسهيل الغش في الاختبارات والفروض والامتحانات قبل أن تحمل تطبيقات الذكاء الاصطناعي البشري لهم على طبق من تكنولوجيا لتدغدغ مخيلة وألاعيب بعض الطلاب، وليلتبس على الأساتذة والمعلمين في المدارس والجامعات الأمر بهبوط الشطارة وتنظيم الأفكار وسلامة اللغة فجأة...

كأن طلاب المدارس كان تنقصهم وسيلة ابتكارية حديثة لتسهيل الغش في الاختبارات والفروض والامتحانات قبل أن تحمل تطبيقات الذكاء الاصطناعي البشري لهم على طبق من تكنولوجيا لتدغدغ مخيلة وألاعيب بعض الطلاب، وليلتبس على الأساتذة والمعلمين في المدارس والجامعات الأمر بهبوط الشطارة وتنظيم الأفكار وسلامة اللغة فجأة على طلاب عهدوهم خلال السنة الدراسية بأداء مختلف.

تتذكر الأجيال القديمة الغش في الامتحانات بالعيون الزائغة والحركات المترددة، وحين تتزايد الجرأة ترتفع معدلات الترقب والتريث قبل فتح الطالب (رشتة) أي ورقة مكتوب عليها بعض ما لم يحفظه، أو معادلة ما، أو رؤوس أقلام تهديه إلى الجواب الصحيح.

ولطالما تغيرت أساليب الغش من الكتابة على المساطر والمحايات والطاولات وتحت المقاعد إلى قصاصات أوراق ملفوفة مخبأة في زوايا الملابس أو الأحذية، إلى الكتابة داخل القمصان ومراويل (زي) المدارس، وعلى الجوانب الداخلية للأحزمة أو على أجزاء من الجسم، أو داخل المقلمة أو غلاف الآلة الحاسبة وسواها من الأماكن التي يستطيع كل قارئ لهذا المقال إضافتها بحسب ما أتيح لعصره من وسائل.

هذا بالطبع عدا الغش الذي يأتي من دون تحضير، ويكون على شكل اختلاس النظر لإجابات طلاب آخرين أو سؤالهم عن الإجابة بالهمس أو بلغة الإشارة إذا أتاحت ظروف المراقبة ذلك.

وما إن دخل الجوال إلى صفوف الامتحانات حتى تم رصد كثير من حالات الغش أولاً عبر الرسائل النصية، بعدها مع النسخ الذكية منه في نصوص رسائل البريد الإلكتروني (الإيميل) ثم باستخدام الوثائق المطبوعة أو المصورة المحفوظة وصولاً إلى السماعات البلوتوث، والساعات الذكية وسواها.

كيف يكشف عن الغش الاصطناعي؟

يستخدم الطلاب الذكاء الاصطناعي للغش في الامتحانات والمشاريع إما بإنشاء النصوص كاملة، أو الإجابة عن الأسئلة المطروحة. ويمكن أن يكون هذا مفيداً للطلاب العالقين في مشكلة معينة، ومساعداً للبحث، مثل استخدام البحث الإلكتروني على "غوغل"، أو المواقع المشابهة من دون الوقوع في السرقة العلمية، ولكن استخدامه للغش والنقل يمنح الطلاب المستخدمين ميزة أو علامة غير عادلة.

ويمكن للأساتذة استخدام الأدوات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي لاكتشاف الانتحال، لمنع الطلاب من الغش عن طريق نسخ محتوى من مصادر أخرى، ولكن في الوقت ذاته يمكن للطلاب أيضاً استخدام أدوات الكشف عن الانتحال التي تعمل بالذكاء الاصطناعي لتحديد المحتوى الذي يمكنهم نسخه من دون الإمساك بهم.

من هنا لا بد للمعلمين غرس ثقافة النزاهة الأكاديمية لثني الطلاب عن الغش، وتوعيتهم بأهمية الصدق الأكاديمي الذي يطور العلوم، ويزيد المعرفة أبعاداً أصيلة غير مفبركة أو منسوخة.

كما لا بد للمعلمين أن يكونوا على دراية بأحدث تقنيات الغش بالذكاء الاصطناعي لمواجهة هذه الآفة فيخضعون مشاريع البحث والفروض للتحري عبر برامج تكشف الكتابة الآلية عن الكتابة البشرية، بخاصة إذا كانت أنماط الكتابة مثالية جداً.

ولعل أبرز هذه التطبيقات (Originality.ai وGPTZero وCopyleaks) وغيرها التي تكتشف الانتحال وتعمل على معالجة اللغة الطبيعية والتعلم الآلي لكشف ما إذا كان المحتوى أنشئ بواسطة الذكاء الاصطناعي أم أنه نتاج بشري.

ChatGPT"" للغش

يعتبر النسخة الأحدث مما يواجهه المعلمون، والذي أصبح مصدرا للقلق، خاصة وأنه يسمح للمستخدمين بطرح الأسئلة، وبعدها بلحظات يجيب عليها بطريقة مكتوبة بلمسة بشرية "بشكل مخيف" على حد تعبير الصحيفة.

وبدأ معلمون يجرون تجارب على "ChatGPT"، ليتعرفوا على ما سيواجهونه، ليقر بعضهم أن الإجابات كانت قريبة جدا مما يتوقعونه من طلابهم.

مارا كوري، معلمة لغة إنكليزية في ولاية مينيسوتا الأميركية، قالت للصحيفة إنها ناقشت الأمر مع طلابها حتى يتمكنوا من فهم "كيف يمكن أن يؤدي استخدام هذه الأداة إلى إعاقة تعلمهم؟".

وأضافت "صدم بعضهم لأنني علمت بالأمر"، مشيرة إلى أنها ليست قلقة من أن "تزرع هذه المحادثة أفكارا سيئة في رؤوسهم".

ورغم حداثة "ChatGPT"، إلا أنه حصل خلال بضعة أيام من إطلاقه على أكثر من مليون مستخدم، وتراوحت الأسئلة بين كيفية الشرح لطفل أن بابا نويل (سانتا كلوز) ليس حقيقيا؟، واستفسارات معقدة مثل كيفية إنهاء "شيفرة برمجة".

وقال أحد الطلبة للصحيفة، شريطة عدم ذكر اسمه، إنه استخدم "ChatGPT" مرتين لحل واجباته المدرسية، مؤكدا أنه "ليس قلقا من اكتشافه، لأنه لا يعتقد أن الأستاذ قادر على أن يقول إن إجاباته ناتجة عن استخدامه لبرنامج حاسوب".

وظهر "ChatGPT" أول مرة، وسرعان ما أحدث صيحة في مجال التكنولوجيا، وأصبح حديث الساعة على مواقع التواصل الاجتماعي، بحسب تقرير سابق لشبكة "سي أن بي سي".

وأنشأ هذا البرنامج شركة أبحاث الذكاء الاصطناعي "OpenAI" التي يرأسها الباحث، سام ألتمان، ومقرها سان فرانسيسكو، بدعم من شركة "مايكروسوفت" والمؤسس المشارك لـ"لينكيد إن"، ريد هوفمان، وشركات كبيرة أخرى.

احرص على مستقبل أطفالك

منذ إطلاق "شات جي بي تي" العامين الماضية، كافحت المدارس في أنحاء العالم لمنع استخدام الطلاب هذا البرنامج الذي يعمل بالذكاء الاصطناعي، وسط مخاوف من استغلاله في الغش. وفي تجربة مدارس دانماركية، تشجع 5 مدارس ثانوية على استخدام هذه التكنولوجيا في بعض الفصول الدراسية كجزء من مشروع مدته سنتان.

وترى هذه المدارس في البرنامج فرصة تعليمية بدلا من كونها خطرا، وبدأت مشروعا لاستخدام البرنامج لغايات تعليمية.

وعن مدى نجاعة هذه التجربة، قال مدرس اللغة الإنجليزية ميتي مولغارد بيدرسن إنه في حال تم التمكن من تغيير الطريقة التي يستخدم بها الطلاب البرنامج، فإن ذلك سيكون نجاحا لهم عبر

منحهم أداة جديدة للتعلم، كما سيعزز العلاقة مع الطلاب، ويغير فكرة أن من المحرم عليهم الحديث مع الأساتذة بشأن هذه البرامج.

ورغم هذه المحاولات الإيجابية، فإن استخدام مثل هذه البرامج يثير أسئلة جديدة ومختلفة في ظل حرص الأكاديميين على التأكد من أن الطلاب لا يمكنهم الحصول على الإجابة الصحيحة فحسب، بل يستطيعون فهم كيفية القيام بواجباتهم.

ويرى بعض الأساتذة أن "شات جي بي تي" أداة مثل أي شيء آخر في العالم؛ مثل محرك البحث، ويظهر آخرون قلقا أقل؛ فيقولون إن بعض الطلاب وجدوا دائمًا طرقًا للغش، و"شات جي بي تي" ليس سوى الخيار الأحدث.

في حين يطلب بعض الأساتذة من الطلاب إظهار تاريخ التحرير والمسودات وأدلة لإثبات جهدهم في المهام الموكلة إليهم.

وفي إطار محاربة الغش عن طريق استخدام هذا البرنامج، أصدرت مجالس الامتحانات في بريطانيا مجموعة تعليمات للحيلولة دون قيام الطلاب باستخدام "شات جى بي تي" في الغش خلال أدائهم مهامهم الدراسية؛ بعد ازدياد المخاوف من انتشار هذه التقنية بين الطلبة بشكل واسع، وتحقيق تقييمات لا تعكس مستواهم الدراسي الحقيقي.

وفي الولايات المتحدة، وبعد حظر استخدام "شات جي بي تي" في البداية، أكدت وزارة التعليم في مدينة نيويورك أخيرا خططها لتكون "رائدة عالميًا" في جلب الذكاء الاصطناعي التوليدي إلى الفصول الدراسية، حسب ما ذكرته صحيفة نيويورك بوست.

وفي ظل اعتماد نسبة كبيرة من الطلاب على "شات جي بي تي"، يصر عدد كبير من المدارس والجامعات في العالم على منع استخدامه بشكل كلي، ليعتمد الطلاب على أنفسهم، لكن ذلك يوقعهم ربما في فخ إقامة حواجز بين الجيل الجديد وتقنيات الذكاء الاصطناعي.

في حين ترى مؤسسات تعليمية أخرى أنه بدلا من منع الطلاب من استخدام هذه البرامج، يجدر نشر الوعي بين الطلاب لاستخدامها بشكل صحيح.

لماذا الغش باستخدام ChatGPT فكرة سيئة؟

يشتكي المعلمون حول العالم من استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي، مثل ChatGPT، في الغش أثناء الامتحانات، إذ يعتقد الطالب أن الروبوت كنز من المعلومات والأجوبة يمكن أن ينقذه في أية لحظة.

لكنّ الذكاء الاصطناعي التوليدي، في نسخته الحالية على الأقل، يعاني عيوباً كبرى تجعله يورّط الطالب إن قرّر الاعتماد عليه في امتحان مصيري، كما أنّه قد يحرمه من فرص العمل ويضعف قدرته على المنافسة في السوق. 

وتعتبر الجامعات حول العالم استخدام ChatGPT نوعاً من الغش. بعد أن أبلغت وسائل إعلام عدة عن الاستخدام المتزايد للأداة من الطلاب في جميع أنحاء العالم، بتشجيع خاص من مقاطع فيديو على "تيك توك"، عمدت المدارس العامة في نيويورك إلى تقييد الوصول إلى ChatGPT عبر شبكاتها.

وأعلنت ثماني جامعات أسترالية أنّها ستعدّل اختباراتها، مصنفة استخدام الطلاب للذكاء الاصطناعي في خانة الغش.

معلومات خاطئة بطريقة منطقية

يُنتِج هذا الروبوت مزيجاً من الإجابات الصحيحة والخاطئة، لكن الإجابات الخاطئة تأتي في صيغة منطقية جداً، ممّا يجعل من الصعب رصدها بالنسبة للغشاش أثناء الامتحان، ويقع في فخ تقديم جواب خاطئ. 

من الأمثلة التي قدمتها "فرانس برس"، يحدث أن يُدرج برنامج الذكاء الاصطناعي سمكة القرش الحوتي بين الثدييات البحرية، أو أن يخطئ في مساحة بلدان أميركا الوسطى، أو "ينسى" بعض الأحداث التاريخية، مثل معركة أميان في فرنسا عام 1870، أو أن يفبرك مراجع غير موجودة في الأصل.

وأوردت "بي بي سي" أنّ ChatGPT، عند طرح أسئلة أكثر تعقيداً، يقدم إجابات بسيطة للغاية، بلا مصادر أو دليل.

ويبدو الجواب مثالياً، فهو يقدم أسماء مؤلفين ومراجع وعناوين معقولة، لكنّها في الحقيقة غير موجودة، لذا سينخدع الغشاش بسهولة لأنه غير مطلع على المعلومة الأصلية الدقيقة.

قد يحرم استخدام الذكاء التوليدي في الغش الطالب من فرص العمل، ويضعف قدرته على المنافسة في السوق، كما قد يحرمه من النجاح في الامتحان، حتى لو قدّم الإجابات الصحيحة.

ويفتقر الروبوت إلى المهارات الأساسية التي يدقّق فيها الأستاذ وينتظرها من طالب جامعي. هذه المهارات تكون أحياناً أهم من أفكار الجواب خلال الامتحان، ولا يقدر الروبوت على تقليدها أثناء الإجابة.  

كذلك، عند الذهاب إلى سوق العمل سيكتشف الغشاش أنّه يحتاج إلى مهارات أهمّ من المعلومات، وبالتالي سوف يعاني من منافسة شديدة سيخسرها أمام المجتهدين.

وتقول الناطقة باسم إدارة التعليم في نيويورك، جينا لايل، لـ"فرانس برس"، إنّ الأداة "لا تساعد في تطوير التفكير النقدي ومهارات حل المشكلات، وهي مهارات ضرورية للنجاح على الصعيد الأكاديمي وفي الحياة".

أداة لكشف المخالفين

كشفت "أوبن إيه أي"، مالكة ChatGPT، عن جهاز صُمم بغرض اكتشاف ما إذا كان النص قد كُتب بواسطة الذكاء الاصطناعي أم لا، ودرّبت الأداة الجديدة للتفريق بين النص المكتوب من طرف الإنسان والنص المكتوب بواسطة مختلف تقنيات الذكاء الاصطناعي الأخرى، وليس روبوت ChatGPT فقط، ويعني هذا أن المؤسسات التعليمية قد تستعين بهذا الجهاز من أجل كشف الغشاشين، وبالتالي تعريضهم لعقوبات صارمة.

اضف تعليق