احمد فؤاد

 

القاهرة - تتجدّد فكرة الحوار بين الأديان والمذاهب دوماً، ورغم أنّ الجمود يسيطر على ملف الحوار السنيّ – الشيعيّ، إلاّ أنّ العديد من المراقبين يؤمنون بأنّ الحال لن تبقى على ما هي عليه مهما طالت المدد، ويتجدّد ذلك الأمل عندما يشهد المراقبون تطوّراً على صعيد الحوار بين الأزهر والفاتيكان أو الفاتيكان والكنيسة الأرثوذكسيّة، كما حدث خلال زيارة البابا فرنسيس الأوّل لمصر في 28 نيسان/إبريل، رغم سنوات من القطيعة والخلافات، كما هي الحال بين السنّة والشيعة.

ويذكر أنّ البابا فرنسيس التقى خلال زيارته شيخ الأزهر أحمد الطيّب، وتعتبر الزيارة تطوّراً ملحوظاً في علاقة الأزهر بالفاتيكان، بعد مقاطعة بدأت خلال عام 2011 بقرار من الأزهر، ردّاً على دعوات بابا الفاتيكان السابق بنديكتوس السادس عشر لحكّام العالم لحماية مسيحيّي مصر، بعد تفجير كنيسة القديسين بالإسكندرية في كانون الثاني/يناير من عام 2011، وهو ما اعتبره الأزهر تدخلا في الشئون المصرية. كما التقى فرنسيس بابا الإسكندريّة وبطريرك الكرازة المرقسيّة تواضروس الثاني، ووقّعا إعلاناً مشتركاً يوم 28 إبريل ينصّ على السعي إلى عدم إعادة سرّ المعموديّة بين طائفتي الكاثوليك والأرثوذكس، وهي بداية لإنهاء خلاف بدأ منذ 16 قرناً.

وفي تقرير لموقع "دوت مصر" في 4 أيّار/مايو بعنوان: "بعد عودة حوار الفاتيكان.. متى يجلس السنّة والشيعة على مائدة حوار واحدة؟"، تساءل الموقع: "هل يستعيد الأزهر الحوار مع الشيعة، ويتوصّل الطرفان إلى توافق من أجل حوار هادف؟ ومتى سنشهد حوار تقريب بين السنّة والشيعة؟".

حظيت زيارة فرنسيس باهتمام بعض القيادات الشيعيّة، التي ربّما قصدت التلميح إلى فرص قيام حوار سنيّ - شيعيّ تحت رعاية مصر، إذ أشار أمين الأوقاف في المجلس الإسلاميّ الشيعيّ الأعلى بلبنان حسن شريفة في بيان رسميّ بـ29 نيسان/إبريل إلى أنّ مصر تمثل واحة للتواصل والتلاقي وتبادل الثقافات، وقال: "حبّذا لو يستفيد بعض السياسيّين من عظمة الزيارة الجريئة تجاه السلام".

ولفت رئيس دائرة التنمية البشريّة في الفاتيكان الكاردينال بيتر توركسون لوكالة أنباء "سير" الإيطاليّة الكاثوليكيّة في 28 نيسان/إبريل إلى أنّ زيارة البابا فرنسيس لمصر مفتاح لحلّ مشكلة التطرّف وحال الرعب الذي يسبّبه الإرهاب في المنطقة، مشيراً إلى أنّ إحدى الخطوات التي يجب اتّخاذها لحلّ مشكلة الإرهاب من جذورها هي تشجيع الحوار بين الأسر الإسلاميّة الكبرى السنّة والشيعة.

الدعوات إلى حوار سنيّ - شيعيّ ليست الأولى من نوعها، إذ أنّها مرّت بمراحل عدّة، وكانت أولى هذه المراحل دار التقريب بين المذاهب الإسلاميّة، التي تأسّست في عام 1947 لمحاولة إنهاء الخلافات بين المذاهب الإسلامية بدعوة من وزارة الأوقاف المصرية بعضويّة 16 عالماً دينيّاً، من بينهم 9 من شيوخ الأزهر، إلى جانب مؤسّس جماعة الإخوان حسن البنا ومفتي فلسطين أمين الحسيني كممثلين عن المذهب السنيّ، فضلاً عن الشيوخ محمّد تقيّ القمي ومحمّد حسين آل كاشف الغطاء وعبد الحسين شرف الدين وعلي بن إسماعيل المؤيّد ومحمّد بن علي الله العمري كممثلين عن المذاهب الشيعيّة، بما فيها الزيديّة في اليمن.

قادت دار التقريب الحوار السنيّ - الشيعيّ إلى محطّته الثانية في عهد تولّي محمود شلتوت مشيخة الأزهر، وكان أيضاً أحد أعضاء دار التقريب، إذ أعلن شلتوت والقمي ممثلاً لمذهب الشيعة الإماميّة، الإتّفاق على قضايا عدّة، الأمر الذي دفع بشلتوت إلى إصدار فتوى أثارت جدلاً واسعاً خلال عام 1959 أجاز فيها التعبّد على مذهب الشيعة الإماميّة (المذهب الجعفريّ) كأحد المذاهب التي يعترف بها أهل السنّة. كما قرّر تدريس مذهب الشيعة الإماميّة في الأزهر، وأوقف تدريسه مع تولّي جاد الحقّ عليّ جاد الحقّ منصب شيخ الأزهر خلال عام 1982، وأعلن تجميد كلّ محاولات التقريب بين المذهبين حتّى يتوقّف الشيعة عن إهانة الصحابة وسبّهم.

وجدّد محمّد السيّد طنطاوي عند تولّيه مشيخة الأزهر عام 1996 الدعوة إلى حوار بين السنّة والشيعة بوصف الخلاف بين المذهبين في الفروع، وليس في الأركان الأساسيّة للإسلام، إلاّ أنّها ظلّت مقتصرة على بعض اللقاءات مع شيوخ وباحثين دينيّين من شيعة إيران. كما دعا أحمد الطيّب أكثر من مرّة إلى حوار سنيّ - شيعيّ، في بيان رسميّ له في تمّوز/يوليو من عام 2015 وفي حوار مع جريدة "الأنباء" الكويتيّة في تمّوز/يوليو من عام 2016 من دون أن يسفر ذلك عن نتائج ملموسة.

من جهته، قال الداعية الأزهريّ أحمد البهي لـ"المونيتور": "نحن في أمس الحاجة إلى فتح حوار سنيّ - شيعيّ للردّ على التطرّف في المذهبين، لأنّ المتطرّفين لدى الجانبين يتمّ توظيفهم من قبل دول معادية للمنطقة في صراعات سياسيّة لا علاقة لها بالخلافات المذهبيّة، أيّ كما توظّف إيران الشيعة في السعوديّة، أو كما توظّف تركيا الجماعات السنيّة في العراق وسوريا".

وقال أحد أعضاء مجلس إدارة الدعوة السلفيّة بمحافظة بني سويف، فضّل عدم ذكر اسمه، لـ"المونيتور": "إنّ دعوات الحوار السنيّ - الشيعيّ هي دعوات مسمومة، وتسعى إيران من خلالها إلى نشر التشيّع في الوطن العربيّ ومنطقة الشرق الأوسط لتزيد من قاعدة المتبعين لمذهبها، والذين تستطيع توظيفهم لإثارة القلاقل في الدول المعادية لها، كما تفعل مع السعوديّة. ولو سمح بحوار مفتوح بين السنّة والشيعة، وانتشر المذهب الشيعيّ في مصر، فلن تكون مصر في أمان من مكائد الشيعة".

من جهته، قال الرئيس السابق لمكتب رعاية المصالح المصريّة في إيران محمود فرج لـ"المونيتور": "إنّ التقارب المذهبيّ لا علاقة له بالسياسة، فعلى المذاهب أن تسعى إلى التقريب لتعطي بذلك مثالاً عن التسامح والقدرة على الحوار للمتطرّفين في كلّ مذهب، الأمر الذي يدفعهم إلى مراجعة حساباتهم. ولا خوف على مصر من تقريب المذاهب السنيّة والشيعيّة لأنّ تنظيمات عدّة معادية لمصر مثل داعش والإخوان محسوبة على المذهب السنيّ، فالخوف على مصر من أيّ تطرف سواء أكان سنيّاً أم شيعيّاً أم حتّى غير إسلاميّ".

واتفق مع البهي في الرأي حول التوظيف السياسي للخلافات السنية الشيعية قائلا: "لا أستبعد أن المؤسسات الدينية في العديد من الدول التي بها صراع سني شيعي تتعرض لضغوط من الأنظمة السياسية المذكية للصراع لتحقيق مكاسب سياسية وإحداث قلاقل في بعض الدول، إلا أن الإرادة المستقلة لبعض المؤسسات كالأزهر قادرة على إقامة ذلك الحوار، إلا أني أتوقع أن التنظيمات المتطرفة المدارة بشكل سياسي ستعلن التمرد على ذلك الحوار"

ورغم دعوة الأزهر إلى الحوار وتمييز العديد من الأزهريّين والمراقبين الفارق بين استخدام الخلاف المذهبيّ كورقة ضغط ضمن الصراع السياسيّ بين إيران والدول العربيّة وبين حقيقة ذلك الخلاف الذي يمكن احتواؤه بالحوار، إلاّ أنّ خروج الحوار السنيّ - الشيعيّ بنتائج يجمع عليها كلّ الأطراف يبدو أمراً مستحيلاً، في ظلّ وجود الرافضين للفكرة من أساسها كالدعوة السلفيّة في الجانب السنيّ، ومن المؤكّد أنّ الجانب الشيعيّ يضمّ من يرفضون مثلهم.

http://www.al-monitor.com

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق