ان قوة العراق واجتماع مكوناته في هويته الوطنية الجامعة له من اقصى الشمال الى اقصى الجنوب، كانت عامل قوة وعافية لجسد العراق المعافى، لذا فان الاحزاب والكتل السياسية بعد سقوط الدكتاتورية، قد اخطأت، فلو احتكمت للدستور وواقع التنوع الاثني للعراق لعشنا النظام الديمقراطي الحقيقي، الذي يحترم الحقوق...

لو تطرقنا لماهية الهوية، لوجدنا الهوية تعني الضمير، أي صفات الانسان وحقيقته، وأيضاً تُستخدمُ للإشارةِ إلى المَعالم والخصائص التي تتميّزُ بها الشخصيّة الفرديّة، اي انّها مجموعةٌ من المُميّزات التي يمتلّكها الأفراد، وتُساهمُ في جعلهم يُحقّقون صفة التفرّد عن غيرهم، وقد تكون هذه المُميّزات مُشتركة بين جماعةٍ من النّاس سواءً ضمن المجتمع، أو الدّولة، وهذه الصفات المشتركة بين أفراد مَجموعةٍ مُحدّدة، أو شريحة اجتماعيّة، تُساهمُ في بناءِ مُحيطٍ عامٍ لدولةٍ ما، ويتمُّ التّعاملُ مع أولئك الأفراد وفقاً للهويّة الخاصّة بهم.

اذن الهوية الوطنية في كل أمّة هي الخصائص والسمات التي تتميز بها، وتترجم روح الانتماء لدى أبنائها، ولها أهميتها في رفع شأن الأمم وتقدمها وازدهارها، وبدونها تفقد الأمم كل معاني وجودها واستقرارها، بل يستوي وجودها من عدمه، وهناك عناصر للهوية الوطنيّة لا بد من توفرها، وقد يختلف بعضها من أمّة لأخرى، من هنا عانى العراق من صراع الهويات الفرعية على حساب الهوية الوطنية، لعلتين: الاولى، هم اعداء العراق الطامعين في خيراته، والثانية هي الأدارة العنصرية والتعسفية من قبل الحكومات المتعاقبة على البلد، بحيث ولدّ لوناً من عدم الأنسجام والتوافق بين المواطن والدولة.

والا فان العراق كما نعرف بلد عريق ومتعدد الهويات والثقافات والقوميات والديانات منذ قديم الزمان، مما أظفى عليه لوناً فسيفسائياً جميلاً يختلف عن كل الألوان الأخرى، فهو بلد لونه كألوان القوس قزح، وكانت هذه المكونات منسجمة مع بعضها نوعاً ما وبقيت ليومنا هذا، ولكن بعد التغيير في 2003م ضعفت الهوية الوطنية اكثر من السابق، كون الاحزاب والكيانات السياسية تتقوى بالعشيرة والسلاح ودول الجوار، دون الأحتكام للقانون والدستور والفكر السياسي المنظم، وبالتالي ولد بروز الهوية الطائفية والقومية والعنصرية لفترة معينة، كادت ان تنشب فيها حرب الهويات في هذا البلد الآمن.

وهذا الامر ادى الى تهديد السلم المجتمعي، لكن كما يذكر التاريخ ان قوة العراق واجتماع مكوناته في هويته الوطنية الجامعة له من اقصى الشمال الى اقصى الجنوب، كانت عامل قوة وعافية لجسد العراق المعافى، لذا فان الاحزاب والكتل السياسية بعد سقوط الدكتاتورية، قد اخطأت، فلو احتكمت للدستور وواقع التنوع الاثني للعراق لعشنا النظام الديمقراطي الحقيقي، الذي يحترم الحقوق والحريات وتعدد الهويات والأختلاف في أصوله الفكرية والفلسفية.

ولكن واقع الحال غير ذلك تماماً، حيث نصت المادة (14) : (العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الاصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي.)، وبحسرة نقول خالف هذا الامر الكتل السياسية الحاكمة، واسست لنفسها محاصصة بعيدة كل البعد عن الهوية الوطنية العراقية.

فكان ماكان سبباً مهماً في احتقان الشارع الشعبي العراقي وخروجه لاجل المطالبة بالحفاظ على الهوية الوطنية والتساوي بالحقوق، ومن هنا جاء شعار جموع الشباب المنتفض (نريد وطن) ورفعوا العلم العراقي كونه العلم الوطني، وهذا تأسيس لاستنهاض الشعور الوطني، ومن هذه النقطة على الاعلام والثقافة في هذه المرحلة الحرجة ان تتوحدا بالابتعاد عن روح الانقسام والعنف والتطرف والكراهية بين مكونات البلد الواحد، وابداء روح النقد والتقويم ورصد التحركات السياسية واعادة بنائها من جديد في ظل الجو الديموقراطي، وكذلك اذكاء خطاب ثقافي وطني ينمي فكرة التعددية والتسامح ويشجع الهويات والمكونات على احترام بعضها البعض، والتعاون الحقيقي بين الدولة والمجتمع والمواطن في تحقيق ثقافة المسؤولية، التي تساعد البلد على النهوض والتقدم، نحو فضاءات فاعلة في جميع مفاصل الحياة.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق