q
إسلاميات - المرجع الشيرازي

العمل والدعاء قرينان متلازمان

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

الدعاء ركيزة على الناس أن يستندوا إليها، كي يكون عملهم مقبولا ومباركا فيه، كذلك يدعم الدعاء إرادة الإنسان نحو الإحسان، وهو بهذا يتجنب العداوات التي تكون النفس الإنسانية مصدرها، فالتمسك بإرفاق الأعمال بالدعاء أمر لا يجب أن ينساه الين يتطلعون إلى التوفيق في دنياهم وآخرتهم...

(الإحسان إلى المسيئين يحتاج إلى عزيمة قوية) سماحة المرجع الشيرازي دام ظله

تُبنى البلدان والأمم بالعمل، بل تُبنى الحياة كلها بالعمل، وهو يشمل جميع الأنشطة البشرية، المادية والفكرية والدينية والعلمية وسواها، ولكن مع التركيز الشديد على العمل هناك قرين آخر لابد من وجوده لكي يتوفق الإنسان في مساعيه ونشاطاته المختلفة، ونعني بالقرين الآخر (الدعاء) الذي يساعد العامل على قطف ثمار عمله.

لماذا يجب أن يكون العمل مقرونا بالدعاء؟، ألا يكفي العمل وحده، أو الدعاء وحده لكي يحصل الإنسان على التوفيق والنجاح اللازم في حياته؟، إن الدعاء وحده من دون أن يسنده المسعى والعمل لا يحقق للناس ما يصبون إليه، لأن الله سبحانه وتعالى وأهل البيت (عليهم السلام)، ألزموا الإنسان بالعمل والسعي، وحثّوه على أن يُرفق عمله بالدعاء المستمر.

الدعاء إلى الله تعالى بالتوفيق ونجاح العمل شرط أساس، ومن ينسى إقران أعماله المختلفة برفع اليدين إلى الله تعالى للتوفيق، كأنه يسير برجل واحدة، فتكون مسيرته في الحياة عرجاء، كذلك يمكن وصف من يعمل بلا دعاء كأنه يعمل بيد واحدة، وهذا يعني أن عمله باليد الواحدة لا تجلب له سوى 50% من الفائدة فيما لو عمل بكلتا يديْه، لذلك يمكن أن نصور اتحاد العمل بالدعاء كالعمل بكلا اليدين وكالسير بكلا الرجليْن.

هذا هو الوصف المبسَّط لأهمية أن يقترن عمل الإنسان بدعائه، وهناك أمثلة كثيرة في حياتنا الواقعية، نستطيع أن نراها بأعيننا، أو نسمع بها من مصادر موثوقة، فمن لا يعمل ولا يدعو لا يحقق ما يحققه الذي يعمل ويرفق عمله بالدعاء، وهو أمر مُثْبَت واقعيا.

سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) يقول في كتابه القيّم الموسوم بـ (حلْية الصالحين):

(الدعاء والعمل يكمل أحدهما الآخر ولا ينفع أحدهما من دون الثاني إلاّ إذا كان الإنسان عاجزاً إلاّ عن الدعاء؛ قال تعالى: ﴿وَأنْ لَيْسَ للإنْسَانِ إلاّ مَا سَعَى﴾. وقال أيضاً: ﴿قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلاَ دُعَاؤُكُمْ﴾).

قد يتساءل بعضهم، ما هو السبب في ربط العمل بالدعاء؟، وهل هناك مبرر لمثل هذا الإقران والتلازم بين الاثنين (الدعاء والعمل)، إن عمل الإنسان في الغالب يكون محط مراقبة الآخرين، لاسيما إذا كان عملا ناجحا مثمرا، وهذا النجاح يضع القائم بالعمل تحت عيون الآخرين وألسنتهم، فهناك من يحسده، وهناك من يسيء إليه ويسعى لإعاقة عمله، وهناك من لا يروق له نجاح الآخرين حتى لو كان هو ناجحا.

قاعدة الدفع بالتي هي أحسن

بينما هناك أناس فاشلون في الحياة، وهذا أمر متوقَّع وطبيعي، وهؤلاء حتما سوف يتحولون إلى أعداء للناجحين، ماذا يحتاج العامل الناجح (والعامل هنا نعني به كل إنسان ناجح في أي عمل كان)؟، إنه يحتاج إلى درء خطر (أهل اشنآن)، وهؤلاء هم أعداء النجاح والناجحين، لذلك فإن الدعاء يقوّض المساعي المضادة للعامل الناجح، ويحيّد أفعالهم وأقوالهم، ويجعلها غير ذات تأثير على من يُقرن عمله بالدعاء، ويدفع الأمور (بالتي هي أحسن).

يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):

(ينبغي للإنسان بمقدار علمه أن يسعى إلى جانب الدعاء، لكي يبدِّل أهل الشنآن إلى محبّين؛ كما في قوله تعالى: ﴿اِدْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أحْسَنُ فَإذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾).

وهناك إرشاد إلهي بيّن وواضح لكل البشر، يطلب فيه تعالى من الناس أن يمنعوا السيئات من أن تصل إليهم وتثبط همم وتلوث أعمالهم، لذلك عليهم أن يصدوا السيئات ويمنعوا حصولها قبل أن تصيبهم، أو تعطّل أعمالهم.

أما كيف يتمكن الإنسان من منع السيئة قبل وقوعها، فهناك سبل وطرائق كثيرة يمكن أن يتبنّها الإنسان ويقوم بها كي يتجنب وقع السيئة، من هذه الأساليب والطرق أن تمنع وقوع السيئة من خلال فعل الخير، أي أنك تُحسن لم يريد الإساءة إليك، وكان الإمام الكاظم (عليه السلام)، إذا عرف أن أحد الناس يريد أن يسيء إليه ويلحق الأذى به كان يرسل له (أموالا) ويُحسِن إليه كي يتجنب أذاه وعداوته غير المبرّرة أصلا.

لذلك على كل إنسان أن يدرأ خطر السيئات بمنع وقوعها، ويمكن له ذلك إذا تمسك بطريقة (الدفع بالتي هي أحسن)، وهي نصيحة ربّانية قدمها الله تعالى لكل العباد.

سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يقول:

(يرشدنا الله تعالى إلى دفع السيّئة (أي الحيلولة دون وقوعها) بالتي هي أحسن منها كفعل الخير والصلة وما أشبه).

قابلوا الإساءة بالإحسان

السؤال الذي يفرض نفسه هنا، ما هي نتيجة تمسك الإنسان بطريقة أو أسلوب (الدفع بالتي هي أحسن)؟، الجواب عن هذا التساؤل يرد في الآية القرآنية نفسها، كما أننا يمكن أن نلمسه في حياتنا وعلاقاتنا وواقعنا، فالإنسان الذي يريد أن يلحق بك شرا وتسبقه إلى تقديم الخير، فإنه يكف عن فعله ولا يُقدِم على إلحاق الأذى بك.

يُضاف إلى تجنبك الأذى والعداوة بهذه الطريقة، تلك القيمة الأخلاقية الكبيرة التي تنشرها عند الآخرين، وتأثرهم بها، وانتقالها من شخص إلى آخر، وهذا يسهم بطريقة فعالة في تمتين اللحمة الاجتماعية، فتسود العلاقات اللطيفة بين أفراد المجتمع، وتنتشر الثقة فيما بينهم، وتضمر السيئات إلى حد بعيد.

سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يؤكد على هذا النقطة في قوله:

(أمّا النتيجة من الدفع بالتي هي أحسن، فقد أشارت إليها الآية نفسها في قوله تعالى: ﴿فَإذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾، أي أنّه سيحبّك بقلبه ويدرأ عنك بجوارحه وطاقاته).

ليس من السهل أن يصل الإنسان إلى قناعة الإحسان لمن يسيء إليه، هذا الأمر يتعارض مع طبيعة النفس البشرية، فمن يبدأ بالعداوة مع الآخرين عليه أن يتوقع العداوة منهم وليس الإحسان، لذلك حين يُحسن الإنسان المُساءُ إليه للإنسان الذي أساء له، هذا يحتاج إلى قدرة كبيرة وقناعة هائلة للنفس، وعزيمة لا حدود لها.

وقد أشارت الآية القرآنية الكريمة إلى هذا الأمر، عندما أضفت على من يحسن لمن يسيء إليه (الحظ العظيم)، وهي مكانة أكدها القرآن الكريم لمن يحسن للمسيئين له، وكل هذا يدخل في باب تحسين العلاقات الاجتماعية وتمتينها، وسحب المسيئين إلى جانب الناس الصالحين في المجتمع.

كما يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):

(لا يخفى أنّ الإحسان إلى المسيئين يحتاج إلى عزيمة قوية؛ ولذلك عبّرت الآية نفسها عن هذه الخصلة بقوله تعالى: ﴿وَمّا يُلَقَّاهَا إلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيم﴾).

لذا كلما صبر الإنسان على من يسيء له، وأحسن إليه، كانت مكانته عظيمة، والنتيجة سوف تكون في صالحه بشكل كبير، وهذا النوع من الصبر، إذا تمكن منه الإنسان فإنه (ذو حظ عظيم)، وكل هذا يتعلق بإرادة الإنسان نفسه.

يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):

(بقدر ما يكون الصبر على الإساءة تكون النتيجة مُرضية، وإنّ هذا التوفيق الإلهي وإن كان يحتاج إلى حظّ عظيم إلاّ أنّ مفتاحه بيد الإنسان نفسه).

الدعاء ركيزة على الناس أن يستندوا إليها، كي يكون عملهم مقبولا ومباركا فيه، كذلك يدعم الدعاء إرادة الإنسان نحو الإحسان، وهو بهذا يتجنب العداوات التي تكون النفس الإنسانية مصدرها، فالتمسك بإرفاق الأعمال بالدعاء أمر لا يجب أن ينساه الين يتطلعون إلى التوفيق في دنياهم وآخرتهم.

اضف تعليق