ان القوة أو السلطة التي تمنحني حق إيذاء الآخرين أو سلب حقوقهم الأساسية بحجة تفوقي العددي أو النوعي أو قدرتي على تمرير التشريعات هي سلطة ديكتاتورية وليست ديموقراطية. لذا يتم تضمين النظام السياسي مواثيق وقوانين كالدستور، وقوانين حماية حقوق الأنسان وغيرها من الآليات التي تمنح الحماية للأقلية وتمنع تجبر الأغلبية...

يعني مفهوم الديمقراطية حرفياً حكم الشعب، وليس الأغلبية كما يعتقد البعض، والشعب مفهوم أوسع بكثير من الأغلبية لأنه يعبر عن الإرادة الشاملة أو المطلقة للأمة وليس الإرادة العامة للأمة كما يسميها جان جاك روسو.

صحيح أن الإرادة العامة يتم التعبير عنها من خلال صندوق الانتخابات لكن هذا الصندوق هو واحد فقط من وسائل التعبير عن الإرادة العامة. وهذا الصندوق ينتج لنا هيأة منتخبة موكلة بالحكم وليس بالتحكم بالشعب، والفرق واضح بين الأثنين.

والحكم هنا يعني (ادارة) الشأن العام وليس السيطرة عليه. بمعنى أن الفائزين بالانتخابات سيكونون موكلين، بشكل منضبط ومسيطر عليه، وليس مطلق لإدارة شؤون الناس وأنفاذ مصالحهم.

لذلك فالدول الديموقراطية تصمم نظمها لكي تضمن ما يسمى بالموازنة والمراقبةcheck and balance لكل سلطات الدولة الثلاث بحيث توجد دائماً سلطتين أخريين يراقبان السلطة الثالثة كي لا تنفرد بفرض أرادتها على كل الشعب تحت ذريعة الفوز بالانتخاب.

ولكي يتم منع دكتاتورية الأغلبية وتسلطها فأن المفهوم الحقيقي والمتفق عليه للديموقراطية أنها: ((حكم الأغلبية وحماية الأقلية))، وهذه جملة لا يمكن اجتزاؤها أو اختيار شطر واحد فقط منها. وحماية (الأقلية) تعني شعورهم التام بأن حقوقهم لن تهضم مهما تفوقت (الأغلبية) في عددها، ومهما صغر حجم (الأقلية) فأصل الديموقراطية كما يقول المفكر جون ستيوارت مل هو أن تضمن “أن تكون الغاية الوحيدة -وليست فقط الرئيسة- لممارسة السلطة أو القوة بشكل صحيح على الآخرين بدون رضاهم هي شعورهم أنها ستمنع وقوع الضرر على الآخرين”.

أي أن القوة أو السلطة التي تمنحني حق إيذاء الآخرين أو سلب حقوقهم الأساسية بحجة تفوقي العددي أو النوعي أو قدرتي على تمرير التشريعات هي سلطة ديكتاتورية وليست ديموقراطية. لذا يتم تضمين النظام السياسي مواثيق وقوانين كالدستور، وقوانين حماية حقوق الأنسان وغيرها من الآليات التي تمنح الحماية للأقلية وتمنع تجبر الأغلبية.

كما أن الدساتير تفرض عادة نسب معينة من التصويت (وليس الأغلبية البسيطة فقط) لإجازة تشريعات معينة. هذا كله لضمان المعنى الدقيق، وليس الشائع على ألسن البعض عندنا، عن مفهوم الديموقراطية والذي يعني حكم الشعب وليس حكم الأغلبية.

وعلى الرغم من رفضي التام لمصطلحي (الأغلبية والأقلية) لما يتضمنانه من مصطلحات تفضيلية وتمييزية تصنف أبناء المجتمع الواحد لفئات الا أني أود التنبيه لمغالطة كبرى يقع فيها الكثيرون عندنا، بقصد أو دون قصد، وهي اعتقادهم أن الأغلبية في السياسة هي مصطلح ديني أو عرقي أو طائفي، في حين أنها مصطلح سياسي بحت يرتبط بصندوق الانتخاب تحديداً وليس بأي صفة اجتماعية أو دينية.

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق