q
سمح النزاع في أوكرانيا لقائد مجموعة فاغنر المسلحة يفغيني بريغوجين بفرض نفسه لاعبا أساسيا في روسيا، لكن بدعوته إلى التمرد ضد القيادة العسكرية تجاوز هذا الرجل المتهور الذي يصعب التنبؤ بتحركاته، خط اللاعودة. اتهم الملياردير الحليق الرأس الجيش الروسي بقصف معسكرات مجموعة فاغنر بطلب من وزير الدفاع الروسي...

استفاد فلاديمير بوتين على مدى الأعوام من أنشطة مجموعة فاغنر، لكن تمرّدها وقائدها يفغيني بريغوجين على القيادة العسكرية وضع الرئيس الروسي أمام تحدٍّ قد يضرّ بهيبته بشكل لا رجوع عنه، وفق محلّلين.

خلال عقود، خدمت الأدوار العسكرية لفاغنر في إفريقيا وسوريا وشرق أوكرانيا المصالح السياسية لبوتين الذي بدا مغتبطاً من التنافس الداخلي الذي تثيره نجاحات هذه المجموعة، عوضاً عن الخشية من تنامي دورها.

إلا أنّ فاغنر التي أفادت من دعم بوتين على مدى الأعوام، انقلبت عليه. وبريغوجين الذي كان حليفاً له، واكتسب لقب "طاهي بوتين" نسبة إلى توفير مجموعته خدمات الطعام لمقرّ الرئاسة، بات يدفع بقواته في اتجاه موسكو.

وعكست سرعة توجيه بوتين خطاباً إلى الأمة بعد ساعات من إعلان مجموعة فاغنر السيطرة على مقرات عسكرية في مدينة روستوف-نا-دونو، والحدّة التي اتّسمت بها كلماته وتعابير وجهه، جدّية التهديد الذي يمثّله ما أقدم عليه بريغوجين من منظار الرئيس الروسي.

وفي حين تحظى الدولة الروسية بمقدّرات عسكرية تتيح لها في نهاية المطاف التفوّق على هذا التمرّد المسلّح وحتى سحق فاغنر، الا أنّ الأزمة المتسارعة تهدّد بإلحاق ضرر دائم ببوتين الذي بنى على مدى أكثر من عقدين في السلطة، صورة الزعيم الأوحد الممسك بمفاصل هيكلية حُكم متماسكة.

وتقول مديرة شركة "آر بوليتيك" للتحليل السياسي تاتبانا ستانوفايا إنّ "موقف بوتين الواضح هو إخماد التمرّد"، مضيفة أنّ بريغوجين "محكوم عليه بالفشل" حتى في حال تطلّب إنهاء حركته المسلحة "وقتاً طويلاً".

وتتابع عبر قناتها على تلغرام أنّ "الكثيرين ضمن النخبة الروسية قد يلقون باللائمة على بوتين شخصياً لبلوغ الأمور هذا المدى، وأنّ الرئيس لم يقم بردّ فعل مناسب في وقت ملائم. لذلك هذه القصة هي أيضاً ضربة لمواقف بوتين".

ورأت وزارة الدفاع البريطانية في تقييم استخباري أنّ تمرّد مجموعة فاغنر يعدّ "أهم تحدٍّ للدولة الروسية في الزمن الحديث"، مضيفة "خلال الساعات المقبلة، سيكون ولاء القوات الأمنية الروسية وخصوصاً الحرس الوطني الروسي محورياً في مسار الأزمة".

واكتسبت مجموعة فاغنر دوراً رئيسياً في الغزو الروسي لأوكرانيا، وتولّت أخطر المهام على خطوط الجبهة في ظلّ تراجع أداء الجيش وتكبّده هزائم كبيرة في الأرواح وفق تقديرات المصادر الغربية.

ويقول الباحث في مركز كارنيغي روسيا-أوراسيا ألكسندر بونوف "لفترة طويلة تمّ السماح لبريغوجين بمهاجمة النخبة نظراً لفائدته على الجبهة، إضافة الى بعض الفائدة لبوتين بالذات".

لكنّ حرب أوكرانيا عزّزت موقع بريغوجين وثقته بنفسه، اذ أقر للمرة الأولى علناً بأنّه مؤسّس المجموعة بعد نفي ذلك لأعوام، وقيامه بشكل علني أيضاً بتجنيد مقاتلين من السجون الروسية.

وفي البداية، اعتُبِر تموضعه ودوره معزّزين للجهد الحربي للكرملين، قبل أن يتحوّل بشكل تدريجي إلى تحدٍّ نادر وعلني للرئيس الروسي الذي حاول الإبقاء على مسافة بينه وبين حليفه السابق، ولم يلتقه علناً منذ بدء الغزو في شباط/فبراير 2022.

وزاد بريغوجين في الآونة الأخيرة من انتقاداته اللاذعة للقيادة العسكرية ووجّهها بشكل مباشر الى وزير الدفاع سيرغي شويغو، أحد الأصدقاء الشخصيين المعدودين لبوتين في النخبة الروسية.

ويرى بونوف أنّ بريغوجين قرّر "تجاوز الحدّ" مع القيادة الروسية اعتباراً من 13 حزيران/يونيو، يوم أعلن بوتين أنّ مجموعات المرتزقة مثل فاغنر يجب أن تكون خاضعة لسلطة وزارة الدفاع، وهو ما سبق أن عارضه بشدّة لفترة طويلة.

ولفت المراقبين السبت أنّ بوتين لم يذكر في كلمته الى الأمة اسم بريغوجين، وهو تكتيك اعتمده في السابق أثناء التحدث عن ألدّ خصومه، مثل المعارض الموقوف أليكسي نافالني.

اهتزاز كرسي الحكم

ويرى جيمس نيكسي مدير برنامج روسيا-أوراسيا في مركز "تشاتم هاوس" للأبحاث في المملكة المتحدة، أنّ بريغوجين "هو أشبه بوحش فرانكنشتاين" قد يكون أجيز له في مرحلة سابقة "التسبّب بصدمة للجيش الروسي تدفعه الى تقديم أداء حربي أكثر فاعلية".

ويضيف لوكالة فرانس برس "لكنّ الأمر بلغ الآن (مرحلة هي) أبعد بكثير مما تخيّله بوتين على الإطلاق".

وفي حين يجزم نيكسي بأنّ بريغوجين يفتقد "العديد والقوات والدعم" الذي يتيح له السيطرة على موسكو، الا أنّ ما يقوم به "يبقى أول تحدٍّ جدّي مباشر لسلطة بوتين خلال 24 عاماً".

وتتناقض تصرفات بريغوجين مع ما يقوم به الزعيم الشيشاني رمضان قديروف الذي بنى بدوره ميليشيا قوية، الا أنّه بقي حليفاً وثيقاً للكرملين.

وأعلن قديروف إرسال وحدات الى "مناطق التوتر"، مشدّداً على ضرورة "إنهاء التمرد، وفي حال كانت إجراءات قاسية مطلوبة، فنحن مستعدون لذلك".

وتشدّد أستاذة العلوم السياسية آنا كولان ليبيديف على أنّ في حوزة موسكو كلّ ما يلزم "لاستعادة السيطرة".

وتضيف "لكنّ هذا الوضع غير المسبوق يؤكد للنخب أنّ زمن الاستقرار انتهى، وأنّ الدولة التي اعتقدنا أنّها قوية، لديها عيوب. كرسي الحكم اليوم هو أكثر اهتزازاً بقليل مما كان عليه بالأمس".

مندفع لا يمكن توقع تحركاته

سمح النزاع في أوكرانيا لقائد مجموعة فاغنر المسلحة يفغيني بريغوجين بفرض نفسه لاعبا أساسيا في روسيا، لكن بدعوته إلى التمرد ضد القيادة العسكرية تجاوز هذا الرجل المتهور الذي يصعب التنبؤ بتحركاته، خط اللاعودة.

اتهم الملياردير الحليق الرأس الجيش الروسي بقصف معسكرات مجموعة فاغنر بطلب من وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو الذي أقسم أن "يوقفه" بالقوة.

ويؤكد بريغوجين البالغ 62 عاما أن لديه "25 ألف" مقاتل يتبعون أوامره وقد دعا الجيش والمواطنين الروس إلى الانضمام إليه نافيا أن يكون أقدم على "انقلاب عسكري".

ردا على ذلك، باشرت الأجهزة الأمنية الروسية النافذة جدا تحقيقا في حقه بتهمة "الدعوة إلى تمرد مسلح" وهي تهمة خطرة يمكن أن تدخله السجن لفترة طويلة.

لكن ما من شيء مضمون عندما يتعلق الأمر ببريغوجين المتمرس في فن الاستفزاز وتغيير المواقف.

تقول المحللة الروسية المستقلة تاتيانا ستانوفايا "يبقى معرفة ما سيحدث" معتبرة أن السلطات تسعى "ربما إلى إخراج بريغوجين من اللعبة بمشاركة نشطة من هذا الأخير".

وتضيف "بالنسبة لجهاز الأمن الفدرالي وهيئة الأركان ما يحصل يناسبها تماما. على أقل تقدير، سيتعرض بريغوجين لضربة".

بدا أن النزاع في أوكرانيا وفر فرصة من ذهب لرجل الأعمال للخروج إلى دائرة الضوء بعدما عمل لسنوات في الظل، ليفرض نفسه لاعبا أساسيا في روسيا.

في أيار/مايو 2023 بعد معارك شرسة ودامية، وصل بريغوجين إلى القمة بإعلانه سيطرة فاغنر على باخموت في شرق اوكرانيا محتفيا بانتصار نادر للقوات الروسية على أرض المعركة.

لكن خلال هذه المعركة أيضا تفاقم التوتر مع هيئة أركان الجيش الروسي. فبريغوجين يتهم الهيئة بحرمان فاغنر من الذخائر ويكثر من اللقطات المصورة التي يشتم فيها القادة العسكريين الروس.

وهذا أمر لا يمكن تصوره من أي شخص آخر في روسيا التي تشهد قمعا شاملا.

بدأ بريغوجين يظهر إلى دائرة الضوء في أيلول/سبتمبر الماضي بالتزامن مع تكبد الجيش الروسي هزيمة تلو الأخرى في أوكرانيا ما شكل انتكاسة لقارعي طبول الحرب على غراره.

وأكد يومها للمرة الأولى علنا أنه أسس في 2014 مجموعة فاغنر المسلحة الناشطة في أوكرانيا وسوريا وإفريقيا كذلك. وفرض نفسه قائدا أساسيا.

وشدد على أن هؤلاء "الشباب، هؤلاء الأبطال دافعوا عن الشعب السوري وشعوب دول عربية أخرى وعن الفقراء الأفارقة والأميركيين اللاتينيين وأصبحوا إحدى ركائز وطننا".

في تشرين الأول/أكتوبر ذهب أبعد من ذلك عندما دشن بحفاوة مقر "شركة فاغنر العسكرية الخاصة" في مبنى زجاجي في مدينة سان بطرسبرغ في شمال غرب روسيا.

ونشر بريغوجين سيد الاستفزاز في شباط/فبراير مقطعا مصورا يظهره في طائرة حربية يقترح على الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي تقرير مصير باخموت خلال منازلة جوية.

ملياردير السجون

ولكي يبني جيشا على قدر طموحاته، راح بريغوجين المولود كما بوتين في سان بطرسبرغ، يجند آلاف السجناء ليقاتلوا في أوكرانيا في مقابل العفو عنهم.

ويعرف يفغيني بريغوجين أوساط السجون جيدا فقد أمضى تسع سنوات في السجن في الحقبة السوفياتية لارتكابه جرائم.

خرج من السجن العام 1990 عندما كان الاتحاد السوفياتي على شفير الانهيار وأسس شركة ناجحة لبيع النقانق.

وأرتقى السلم بعد ذلك وصولا إلى فتح مطعم فخم أصبح من أهم مطاعم سان بطرسبرغ، حين كان نجم بوتين يصعد.

بعد وصول فلاديمير بوتين إلى سدة الرئاسة في العام 2000 راحت مجموعة بريغوجين توفر خدمات طعام للكرملين فلقب ب "طاهي بوتين" وقيل إنه حقق المليارات بفضل عقود عامة.

ويبدو أنه استخدم هذه الأموال لتأسيس فاغنر وهو جيش خاص ضم في صفوفه أولا مقاتلين قدامى أصحاب خبرة من الجيش وأجهزة الاستخبارات الروسية.

في 2018، في حين كانت هذه المجموعة قد لفتت الانظار في اوكرانيا وسوريا وليبيا، بدأت تسري معلومات عن انتشارها في إفريقيا أيضا. وقد قتل ثلاثة صحافيين روس كانوا يجرون تحقيقا حول هذه المجموعة في جمهورية إفريقيا الوسطى.

من فرق الموت إلى ميليشيا متمردة

تم إرسال مجموعة فاغنر الروسية إلى كييف في بداية "العملية العسكرية الخاصة" التي أطلقتها موسكو ضد أوكرانيا وذلك لاغتيال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وكان من المفترض أن تكون السلاح السري لروسيا في "الحرب الخاطفة" التي كانت تتصورها موسكو في أوكرانيا. وتتكون هذه الميليشيا أساسا من مدانين في قضايا الحق العام، يستخدمون "وقودا للحرب". وطفا إلى سطح "التعاون" العسكري بين المجموعة والجيش خلافات عبر عنها علنا زعيمها بريغوجين، لينتقل اليوم إلى مرحلة خطيرة بإعلانه التمرد على قوات بلاده.

اكتشفت الحكومة الأوكرانية، في مذكرة من أجهزتها السرية في وقت سابق، الخطة الروسية لإسقاط كييف. ففي 27 شباط/ فبراير 2022، بعد أربعة أيام من بدء الهجوم الروسي، أفادت أوكرانيا بوجود 400 من مرتزقة مجموعة فاغنر بالقرب من العاصمة. هدفهم: الرئيس فولوديمير زيلينسكي، وكذلك أعضاء حكومته. كان على قائمتهم السوداء 23 اسما، بما في ذلك اسم رئيس بلدية كييف، فيتالي كليتشكو.

تشرح كارين فيليبا لارسن، الخبيرة الأمنية في المعهد الدانماركي للأبحاث الدولية، والمختصة في دراسة مجموعة فاغنر "كان المرتزقة في بداية الحرب خطرين للغاية. فقد كانوا أصحاب خبرة ومجهزين جيدا ومدربين على القيام بعدة مهمات في سوريا ومالي وأماكن أخرى".

تم إنشاء مجموعة فاغنر عام 2014، وبدأ الحديث عنها في نفس العام خلال المعارك الأولى في دونباس في أوكرانيا وفي سياق ضم شبه جزيرة القرم من قبل موسكو. وقامت المجموعة بتوسيع أنشطتها تدريجيا إلى حوالي ثلاثين دولة، لا سيما في سوريا وليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى ومالي. تُعرف الميليشيا بوحشيتها، وكانت إلى وقت قريب تعمل بسرية، ما يسمح لموسكو بإنكار تورطها الرسمي في النزاعات المسلحة بينما تعمل كأداة للتأثير الجيوسياسي.

فيما حافظت المجموعة على وجودها في أوكرانيا بعد عام 2014، أدى الهجوم الروسي إلى تدفق هائل لمرتزقتها. وفقا للمخابرات الأوكرانية، دخل ما بين ألفين وثلاثة آلاف عنصر جندتهم فاغنر البلاد في يناير/ كانون الثاني 2022، قبل أسابيع من اندلاع الحرب في 24 شباط/ فبراير.

تستذكر كارين فيليبا لارسن قائلة "في وقت مبكر من ديسمبر/ كانون الأول 2021، رصدنا أن فاغنر قد أطلقت حملة تجنيد جديدة. في ذلك الوقت، كنا نجهل ما الغرض منها، حتى بدأ الغزو".

في أعقاب التقارير التي كشفت عن وجود هؤلاء المرتزقة في كييف في بداية الصراع، قررت الحكومة الأوكرانية على الفور فرض حظر تجول لمدة 36 ساعة وفرض قيود صارمة على السكان. أي شخص يغامر بالخروج من منزله يمكن أن يشتبه في أنه عميل روسي ويواجه خطر الاعتقال، وأسوأ من ذلك.

أمام هزيمته من القوات الأوكرانية، عزز الجيش الروسي صفوفه بعناصر من فاغنر في القتال الذي دار حول العاصمة. وتم رصد تواجد مرتزقتها بشكل خاص في بوتشا، خلال الربيع، وهي مدينة "شهيدة" تقع على بعد 25 كيلومترا شمال غرب العاصمة، كانت مسرحا لجرائم حرب ارتكبت ضد المدنيين.

في أعقاب الانسحاب الروسي منها، بدأت الصور الأولى للشوارع حيث تناثرت جثث السكان تجوب أنحاء العالم. تم تقييد أيدي البعض خلف ظهورهم. وتشويه أو حرق آخرين. وبحسب السلطات المحلية، قتل 419 شخصا بينهم تسعة أطفال خلال سيطرة القوات الروسية. كما أشارت العديد من الشهادات إلى التعذيب والاغتصاب.

وإن لعبت القوات الروسية دورا رئيسيا في هذه الانتهاكات، فإن أعضاء من مجموعة فاغنر قد شاركوا أيضا في استراتيجية الإرهاب هذه، وفقا لأجهزة المخابرات الألمانية.

أقل تدريبا وأقل تجهيزا

كان صيف عام 2022 بمثابة نقطة تحول في الانتدابات داخل مجموعة فاغنر في أوكرانيا. بدل أن تكون مرتبطة بخدمات عسكريين محترفين، بدأ الجيش الشبح لدى فلاديمير بوتين بتجنيد مساجين روس.

في مقطع فيديو نُشر على تلغرام، يعد رئيس مجموعة فاغنر يفغيني بريغوجين -الملقب بـ "طباخ بوتين"- السجناء بالعفو مقابل عقد مدته ستة أشهر في أوكرانيا. تقول كارين فيليبا لارسن "لقد كان تغييرا هائلا غيّر طبيعة المجموعة"، مشيرة إلى أنه من بين 50 ألف مرتزق منتشرين في أوكرانيا، هناك 40 ألف سجين روسي.

وأضافت الباحثة "على عكس أعضاء فاغنر الأوائل، لم يتلق هؤلاء السجناء سوى بضعة أسابيع من التدريب. بالكاد يكفيهم الوقت للتعود على استخدام السلاح. كما أنهم أقل تجهيزا منهم بكثير".

وتوضح فيليبا لارسن قائلة إنه يتم إرسال هؤلاء السجناء المحتقرين من قبل المرتزقة الأكثر خبرة، إلى المناطق الأخطر على الجبهة، لا سيما بشرق باخموت، التي وصفها يفغيني بريغوجين بـ"المجزرة" مشيرا إلى أنه "يتم إرسالهم إلى الميدان ليكتشفوا المكان الذي يطلق عليه الأوكرانيون النار. بالنسبة لفاغنر، هم بمثابة وقود للحرب".

شهد هذا العام أيضا بالنسبة لفاغنر إضفاء الطابع الرسمي على وجوده. حيث اعترف بريغوجين، الذي ينفي منذ فترة طويلة صلاته بالميليشيا، في نهاية سبتمبر/ أيلول بأنه كان على رأس المنظمة شبه العسكرية، قبل أن يتم افتتاح مقر لها في مدينة سانت بطرسبورغ في نوفمبر/ تشرين الثاني.

هذه الاستراتيجية هدف منها بريغوجين إلى ترسيخ شرعيته ووضعه في المشهد السياسي الروسي في صورة أمير حرب ديناميكي، بحسب كارين فيليبا لارسن.

فيما كان الجيش الروسي يواجه صعوبات في أوكرانيا، على خلاف ذلك، زعمت مجموعة فاغنر تحقيق نجاحات في شرق أوكرانيا. تنافس متزايد بدأ بالبروز بين الميليشيا ووزارة الدفاع: بريغوجين بدأ يهاجم بشكل أكثر علانية "عدم كفاءة" الجيش.

تزايد التنافس

مع ذلك دفعت مجموعة فاغنر ثمنا باهظا مقابل "نجاحاتها" في الجبهة. وقدرت كارين فيليبا لارسن في وقت سابق أن 40 ألف مرتزق، أو 80٪ من عناصرها، قد انسحبوا أو استسلموا أو قتلوا أو أصيبوا. وتضيف الباحثة "لذلك لم يتبق سوى 10 آلاف مقاتل في أوكرانيا"، موضحة أن موسكو لم تحسب هذه الخسائر لأن هؤلاء الجنود لا ينتمون إلى الجيش النظامي.

في الأشهر الأخيرة، أظهرت العديد من الشهادات ومقاطع الفيديو وحشية سير المجموعة داخليا. في تشرين الثاني/نوفمبر، علق يفغيني بريغوجين ببرود على مقطع فيديو إعدام "منسحب من الحرب" بمطرقة: "كلب يستحق موت كلب".

خلال شهري ديسمبر/ كانون الأول ويناير/ كانون الثاني، كانت مجموعة فاغنر ستفقد معظم قواتها في معركة سوليدار من خلال مضاعفة موجات الهجمات اليائسة ضد الجيش الأوكراني. "لقد كانت مهمة انتحارية"، تشرح كارين فيليبا لارسن، التي بالنسبة إليها يُفهم أكثر سبب سقوط المدينة من خلال العدد المذهل للجنود الذين تم إرسالهم إلى الموت مقارنة بأي استراتيجية عسكرية.

في 11 يناير/ كانون الثاني، ادعت فاغنر السيطرة على سوليدار. لكن موسكو لم تؤكد الإعلان. في اليوم التالي، زعمت وزارة الدفاع الروسية أن المدينة سقطت لكن بدون ذكر مساهمة مرتزقة فاغنر. إثر ذلك، اتهم بريغوجين الجيش الروسي غاضبا بـ"سرقة النصر" من رجاله.

منذ ذلك الحين، استمرت العلاقة في التدهور بالفعل بين بريغوجين وهيئة الأركان العامة. في شباط/فبراير، أعلنت فاغنر وقف حملة التجنيد في السجون. وفقا لكارين فيليبا لارسن، من المحتمل أن يكون هذا القرار نتيجة لأمر مباشر من وزارة الدفاع الروسية، التي كانت المزود الرئيسي لفاغنر، وبالتالي كان لديها القدرة على عزلها.

وتوضح الخبيرة "تم أيضا تغيير القانون الروسي للسماح للجيش بتجنيد أشخاص ذوي سوابق إجرامية". طريقة للجيش الروسي للتخلص جزئيا من اعتماده على فاغنر.

اتخذ هذا التنافس مؤخرا منحى جديدا عندما انتقد بريغوجين في منتصف شباط/فبراير قيادة الجيش ووزير الدفاع، لعدم تقديمه دعما ماديا لأعضاء ميليشياته، وهو شكل من أشكال "خيانة للوطن"، على حد قوله.

نزع فتيل الانفجار

وبعد نحو 24 ساعة من الترقب عالميا بشأن مسار أحداث شهدت سيطرة مرتزقة فاغنر على مقرات قيادة للجيش الروسي وتقدم أرتالهم في اتجاه العاصمة، نزع فتيل الانفجار بتوصّل الكرملين وبريغوجين الى اتفاق يوقف بموجبه الأخير تمرده ويغادر الى بيلاروس إثر وساطة من رئيسها ألكسندر لوكاشنكو.

وتعهدت الرئاسة الروسية بوقف أي ملاحقات بحق المقاتلين وبريغوجين الذي كان من الحلفاء المقربين من بوتين، على رغم أن الأخير اتهمه السبت بـ"خيانة" بلاده وتوجيه "طعنة في الظهر".

ولم يتضح صباح الأحد مكان تواجد بريغوجين بعدما غادر ليلا على متن سيارة رباعية الدفع مقرا للقيادة العسكرية في مدينة روستوف-نا-دونو كانت قواته قد سيطرته عليه.

وأعلن ليل السبت تراجعه لتجنب إراقة "الدماء الروسية"، وأن قواته "تعود أدراجها إلى المعسكرات".

وأكد المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف إبرام اتفاق لتجنّب إراقة الدماء، بعدما تمّ تقدّم قوات فاغنر خلال النهار من دون قتال يذكر.

وشدد على أن "الهدف الأسمى هو تجنّب حمّام دم وصدام داخلي واشتباكات لا يمكن التنبّؤ بنتائجها"، مشيدا "بتسوية من دون مزيد من الخسائر".

وأكد وقف أي ملاحقة قضائية بحق مقاتلي المجموعة الذين "لطالما احترمنا أعمالهم البطولية على الجبهة" في إشارة الى قتالهم في أوكرانيا.

* المصدر: وكالات+فرانس برس

اضف تعليق