q
أثار قرار الولايات المتحدة الجمعة 7 تموز تزويد أوكرانيا بالقنابل العنقودية لمواجهة الغزو الروسي، ردود فعل كثيرة سواء من موسكو وبكين، أو حتى من بعض أنصار كييف الذين حظر كثير منهم هذا النوع من الأسلحة بالغة الخطورة على المدنيين، نسلط الضوء على هذا الجدل حيال استخدام هذه الذخائر وتداعيات الإعلان الأمريكي....

أثار قرار الولايات المتحدة الجمعة 7 يوليو/تموز تزويد أوكرانيا بالقنابل العنقودية لمواجهة الغزو الروسي، ردود فعل كثيرة سواء من موسكو وبكين، أو حتى من بعض أنصار كييف الذين حظر كثير منهم هذا النوع من الأسلحة بالغة الخطورة على المدنيين. تسلط فرانس24 الضوء على هذا الجدل حيال استخدام هذه الذخائر وتداعيات الإعلان الأمريكي.

قال الرئيس الأمريكي جو بايدن إن قراره تزويد الجيش الأوكراني بالقنابل العنقودية لمساعدته في إنجاح الهجوم المضاد على القوات الروسية، كان "صعبا للغاية" إلا أنه ضروري، لكن بقرارها هذا، خطت الولايات المتحدة خطوة جديدة الجمعة 7 يوليو/تموز في سياق دعمها لسلطات كييف. بحسب فرانس برس.

وقبل بضعة أيام من انعقاد قمة حلف شمال الأطلسي الهامة التي تشهدها العاصمة الليتوانية فيلنيوس اعتبارا من اليوم الثلاثاء والأربعاء 11 و12 يوليو/تموز، أثار إعلان واشنطن موجة من ردود الفعل المربكة في صفوف حلفاء كييف، حيث إن الكثير منهم حظر أصلا هذا النوع من الأسلحة لخطورته الكبيرة على المدنيين.

وبالنسبة لبايدن، فإن عمليات التسليم هذه قد تكون مفيدة للغاية لترجيح كفة المعارك على الأرض لصالح الأوكرانيين، الذين يواجهون صعوبات في تخطي الخنادق الروسية شرقا.

سلاح محظور في 120 بلدا

يمكن إطلاق هذه القنابل من سطح الأرض أو إلقاؤها من الطائرات قبل أن تنفتح في الجو وتبعثر عدة مئات من العبوات الناسفة الصغيرة في محيط محدد من المنطقة المستهدفة. لكن تلك العبوات لا تنفجر دائما عند الاصطدام الأولي، ما يعني أنها تتحول إلى ما يشبه الألغام الأرضية التي تبقى في تلك المناطق لسنوات أحيانا أو حتى لعقود.

لهذا السبب، حظر نحو 120 بلدا بما في ذلك عدة دول أوروبية إنتاج الذخائر العنقودية وتخزينها وتسويقها في إطار اتفاقية أوسلو التي باتت سارية في 2008. لكن لا الولايات المتحدة ولا أوكرانيا ولا روسيا هي طرف موقّع على هذه الاتفاقية.

وخلال السنوات الأخيرة، استمر استخدام هذه الأسلحة في العديد من النزاعات، مثل سوريا، اليمن، السودان، وأوكرانيا. وتقدّر منظمة مراقبة الذخائر العنقودية والتي تعنى بتقييم مدى تنفيذ اتفاقية أوسلو، بأن 97 بالمئة من ضحايا القنابل العنقودية هم في الواقع من المدنيين.

تعقيبا على القرار الأمريكي، حذر رئيس وزراء كمبوديا هون سين الأحد من الآثار المدمرة لهذا النوع من الأسلحة. حيث أدى إلقاء الجيش الأمريكي للملايين منها خلال حرب فيتنام في سنوات 1960 و1970، إلى سقوط عشرات الآلاف من الضحايا.

وذكّر هون سين أوكرانيا بـ"التجربة المؤلمة" لبلاده التي قُصفت بقنابل عنقودية أمريكية هي وأيضا لاوس خلال حرب فيتنام. وقال في تغريدة: "سيكون الخطر الأكبر على الأوكرانيين لسنوات وربما لمئة عام استخدام قنابل عنقودية في المناطق التي تحتلها روسيا على الأراضي الأوكرانية".

لكن وزير الدفاع الأوكراني أوليكسي ريزنيكوف رحب بالقرار الأمريكي. وقال على تويتر: "موقفنا بسيط، نحتاج إلى تحرير أراضينا المحتلة موقتا وإنقاذ أرواح شعبنا". وأضاف: "ستستخدم أوكرانيا هذه الذخائر فقط لتحرير أراضينا المعترف بها دوليا. لن تُستخدم هذه الذخائر في الأراضي الروسية".

ارتباك أوروبي

تثير هذه القضية قلقا واضحا وإرباكا في صفوف حلفاء كييف. حيث جدّد الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير التأكيد على أن موقف بلاده يبقى "ضد الذخائر العنقودية"، لكن مع تأكيده على أنه لا يمكن له "منع الولايات المتحدة" عن المضي في مسعاها. وقال شتاينماير: "إذا لم يعد لدى أوكرانيا وسائل للدفاع عن نفسها، أو إذا توقف أولئك الذين يساعدونها في الدفاع عن نفسها عند ذلك، ستكون تلك نهاية أوكرانيا".

من جهة أخرى، أدى الإعلان الأمريكي إلى إحراج آخر مع إبرازه لحجم الصعوبات التي تواجه صناعة الأسلحة الأوروبية وقدرتها على تزويد كييف بالمعدات العسكرية.

في هذا السياق، كان الجنرال دومينيك ترينكواند الرئيس السابق للبعثة العسكرية الفرنسية لدى الأمم المتحدة قد أوضح في فبراير/شباط، بأن "على مدار 30 عاما، كانت مكاسب السلام شعارا لكافة الدول الأوروبية. ومع انهيار الجبهة في 1990 [سقوط الاتحاد السوفياتي سابقا]، كنا نظن أنه لن يكون هناك المزيد من الحروب، حتى إن مواضيع أخرى باتت هي الأولوية، مثل القدرة الشرائية". مضيفا: "منذ عامين، تصاعدت الأخطار، وعادت الحروب الشديدة الكثافة، وأدركنا من ثمة أننا كنا في حالة ضيق، أي أننا لم نكن نملك مخزونا" من الأسلحة.

لمواجهة هذه الصعوبات، قررت بعض الدول زيادة إنفاقها العسكري بشكل كبير. هذا هو الحال بالنسبة إلى ألمانيا التي أنشأت صندوقا خاصا بقيمة 100 مليار يورو لتحديث جيشها، أو فرنسا التي أعلنت عن نقل خطوط إنتاج الذخيرة، كما قال الرئيس إيمانويل ماكرون إن مشروع قانون البرمجة العسكرية 2024-2030 الجديد يتضمن زيادة كبيرة في الميزانية العسكرية للبلاد والتي ستبلغ 400 مليار يورو.

بالموازاة، أجرى حلف الناتو عمليات شراء جماعية للمعدات الحربية من شركائه مثل كوريا الجنوبية واليابان للحصول بسرعة على المعدات بالنيابة عن أعضائه. رغم ذلك، لا تزال الصعوبات موجودة. ففي أوائل مايو/أيار، كشف المفوض الأوروبي تييري بريتون عن خطة بقيمة 500 مليون يورو لتعزيز إنتاج الذخيرة، معترفا بأنه لا يوجد خيار قصير الأجل سوى "الاستمرار في استنزاف مخزوننا" من الأسلحة.

الحل والملاذ الأخير؟

على الجانب الأمريكي، تُقدم إدارة بايدن استخدام الذخائر العنقودية كبديل بات لا غنى عنه. وسعى جيك سوليفان مستشار الرئيس الأمريكي للأمن القومي لتبرير قرار بلاده قائلا: "ندرك أن الذخائر العنقودية تشكل خطرا على المدنيين جراء الذخيرة التي لم تنفجر. هذا هو سبب تأجيلنا للقرار لأطول فترة ممكنة".

وأضاف سوليفان: "لكن يوجد أيضا خطر كبير يتمثل في إلحاق الأذى بالمدنيين إن اجتاحت القوات والدبابات الروسية مواقع أوكرانية واستولت على مزيد من الأراضي الأوكرانية وأخضعت المزيد من المدنيين الأوكرانيين لأن أوكرانيا لا تملك ما يكفي من المدفعية".

من جهته، أكد الرئيس الأمريكي على قناة سي إن إن بأن هذا الحل موقت. وقال بايدن: "يتعلق الأمر بحرب مرتبطة بالذخيرة، لقد نفذت ذخيرتهم، ذخيرتنا أيضا قد تنفذ. من أجل ذلك، قررت أخيرا بناء على توصية من وزارة الدفاع، عدم استخدامها (القنابل العنقودية) بشكل دائم. لكن السماح باستخدامها في هذه الفترة الانتقالية".

وقال بايدن أيضا: "الأمر الأساسي هو إما أن يمتلكوا هذه الأسلحة لوقف الروس الآن ومنعهم من وقف الهجوم الأوكراني (المضاد).. أو لا يمتلكونها. وأعتقد أنهم في حاجة إليها".

في المقابل، أثار السيناتور الأمريكي وعضو لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ تيم كين والنائبة باربرا لي من الحزب الديمقراطي الأحد، مخاوف بشأن قرار إدارة بايدن تزويد الأوكرانيين بالقنابل العنقودية. كما شككت جماعات حقوقية والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس في قرار واشنطن بشأن الذخائر.

وقال كين إن لديه "بعض الهواجس الحقيقية" بشأن القرار الأمريكي لأنه قد يدفع دولا أخرى لخرق اتفاقية الذخائر العنقودية التي تحظر استخدام هذه الأسلحة. وحول سبل استخدام أوكرانيا لتلك القنابل، قال كين لشبكة فوكس نيوز: "لن يستخدموا تلك الذخائر ضد المدنيين الروس".

خيارات استراتيجية

وبالنسبة للخبير العسكري السويسري ألكسندر فوترافيرز، ينبغي وضع ذرائع جو بايدن في منظورها الصحيح، رغم أنها تعكس صعوبات حقيقية. وهو يقول هنا: "الأمريكيون بعيدون عن نفاد مخزونهم لكن يجب عليهم تبني خيارات استراتيجية".

كما أوضح فوترافيرز: "الذخائر التي يحاولون استبدالها هي نوع محدد للغاية من التسلح: يتعلق الأمر بالمقذوفات الموجّهة، الحديثة، صعبة الإنتاج، وقدراتها محدودة. يريد الأمريكيون توفير حل مماثل بسرعة، لا يستوجب تحويل المعدات التي هي حاليا في الخدمة. مثلما هو الحال بالنسبة إلى الذخائر العنقودية التي لها فعالية أقل بأربعة أضعاف من القذائف الفولاذية التقليدية". يضيف نفس المتحدث: "يتخذ جو بايدن قراراته بناء على توقعات. لا يجب النظر إلى الإعلان عن إرسال هذه الأسلحة على أساس أنها مناورة يائسة، بل بالعكس كأسلوب للبقاء متقدما" على الروس.

من جانبها، انتقدت روسيا المتهمة أصلا بقصف أحياء سكنية أوكرانية لعدة مرات بهذا النوع من الأسلحة، الإعلان الأمريكي ووصفته بأنه "دليل ضعف" في مواجهة "فشل" الهجوم المضاد الأوكراني، وقالت إنه لن يؤثر على مسار الأعمال العسكرية لموسكو.

وقالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا السبت في بيان إن القرار الأمريكي "هو عمل ناتج من يأس ودليل ضعف على خلفية فشل الهجوم الأوكراني المضاد الذي تم الترويج له كثيرا".

بدورها، حذرت الصين الإثنين من "مشكلات إنسانية" قد يتسبب بها تزويد واشنطن "غير المسؤول" لأوكرانيا بقنابل عنقودية. وقالت المتحدثة باسم الخارجية الصينية ماو نينغ إن القرار الذي اتخذته واشنطن أثار "اهتمام المجتمع الدولي وعارضته العديد من الدول".

كما عبّر الخبير العسكري السويسري عن قلقه من رسالة الأمريكيين، من وراء قرارهم تزويد كييف بهذه القنابل. وقال ألكسندر فوترافيرز: "من البديهي أن استخدام القنابل العنقودية يستجيب لبعض الاحتياجات الحالية، إلا أنه يرسل إشارة مقلقة للغاية حيث إنه يجسد انتكاسة جديدة في سياسة نزع السلاح العالمي. لقد تطلب الأمر عقودا لإبرام اتفاقيات مثل تلك المتعلقة بالقنابل العنقودية أو معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية. اليوم، يتم التشكيك في هذه الخطوات بشكل متزايد في سياق الحرب في أوكرانيا. هذا مسار مقلق للغاية".

اضف تعليق