q
ما ينتظر القوات البرية الإسرائيلية في غزة هو شبكة أنفاق حركة حماس الممتدة لمئات الكيلومترات ويصل عمقها إلى 80 مترا، ووصفتها رهينة أُفرج عنها بأنها شبكة عنكبوت. وذكر مسؤول أمريكي أن القوات الخاصة الإسرائيلية ستواجه تحديا لم يسبق له مثيل إذ سيتعين عليها خوض قتال مع حماس مع...

نفّذ الجيش الإسرائيلي الليلة الماضية عملية توغل في قطاع غزة شارك فيها رتل من الدبابات وقوة من المشاة، وفق متحدث عسكري، ضد أهداف "عديدة" قبل الانسحاب، في وقت تواصل الدولة العبرية استعداداتها لشن هجوم بري رغم التحذيرات الدولية.

وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في بيان بثه التلفزيون يوم الأربعاء إن إسرائيل تستعد لشن هجوم بري على قطاع غزة، لكنه أحجم عن تقديم أي تفاصيل عن توقيت العملية أو معلومات أخرى عنها.

وقال المتحدث العسكري إنه تم ضرب "عدد من الخلايا الإرهابية والبنى التحتية ومنصات إطلاق الصواريخ المضادة للدبابات".

وأضاف أن العملية تندرح "في إطار التحضيرات للمراحل المقبلة من القتال"، مضيفا أن "الجنود خرجوا بعدها من المنطقة وعادوا إلى الأراضي الإسرائيلية".

ونشر الجيش الإسرائيلي مقاطع فيديو بالأبيض والأسود يظهر فيها آليات مدرعة وجرافات تتجه نحو ما يبدو أنه سياج حدودي وتخترقه. وتحققت وكالة فرانس برس من الموقع على أنه جنوب مدينة عسقلان الإسرائيلية، وكان الرتل يتجه غربا، لكن لم يكن في الإمكان التأكد من تاريخ مقطع الفيديو وتوقيته.

وأظهر مقطع فيديو آخر ضربة جوية وبعدها إصابة مبان وتطاير حطام في الهواء مع تصاعد دخان كثيف.

وأضاف أن القرار بشأن موعد دخول القوات إلى القطاع الفلسطيني المحاصر الذي تسيطر عليه حركة المقاومة الإسلامية (حماس) سيتخذه مجلس وزراء الحرب الذي يضم زعيم أحد أحزاب الوسط المعارضة.

وقال نتنياهو "قتلنا بالفعل آلاف الإرهابيين وهذه مجرد البداية".

واضاف "إننا في وسط حملة من أجل وجودنا".

ومضى يقول "في الوقت نفسه، نحن نستعد لغزو بري. لن أفصل القول عن الموعد أو الكيفية أو الكم. لن أفصل أيضا الحسابات المختلفة التي نجريها والتي لا يعرفها العامة غالبا، وهذه هي الطريقة التي يجب اتباعها".

وقال نتنياهو الذي لم يعلن حتى الآن مسؤوليته عن الفشل الأمني الذي سمح بهجوم حماس إنه سيتم محاسبة جميع المتورطين.

وأضاف "سيجرى تحقيق كامل في الفضيحة... سيتعين على الجميع تقديم إجابات، وأنا أيضا. لكن هذا لن يحدث إلا بعد الحرب".

وإذ أكد أن الاستعدادات جارية لعملية برية، أضاف "لا يمكنني الخوض في تفاصيل متى وكيف وأين والأمور التي نأخذها في الاعتبار" قبل هذه الخطوة، في وقت يحشد الجيش الإسرائيلي 360 ألفا من جنود الاحتياط على حدود قطاع غزة.

ويواصل الجيش الإسرائيلي قصفه المركز على مناطق عدة في قطاع غزة البالغة مساحته 362 كلم مربع والخاضع لـ"حصار مطبق" منذ بدء الحرب يحرم سكانه الـ2,4 مليون نسمة من المياه والطعام والكهرباء.

ويحذر الجيش الإسرائيلي منذ 15 تشرين الأول/أكتوبر سكان شمال قطاع غزة بوجوب إخلاء المنطقة والتوجه إلى الجنوب، فيما نزح ما لا يقل عن 1,4 مليون فلسطيني من منازلهم في غزة منذ بداية الحرب، بحسب الأمم المتحدة.

وفي وقت سابق، نقلت صحيفة وول ستريت جورنال عن مسؤولين أمريكيين وإسرائيليين، قولهم إن إسرائيل وافقت على تأجيل الهجوم البري على غزة في الوقت الحالي، حتى تتمكن الولايات المتحدة من إرسال دفاعات صاروخية إلى المنطقة.

وجاء في تقرير لرويترز أن واشنطن نصحت إسرائيل بوقف الهجوم البري وتواصل إعلام قطر، الوسيط مع المسلحين الفلسطينيين، بهذه المحادثات في الوقت الذي تحاول فيه الإفراج عن مزيد من الرهائن والاستعداد لحرب إقليمية محتملة أوسع نطاقا.

وأضاف أن التهديدات التي تتعرض لها القوات الأمريكية تمثل مصدر قلق بالغ.

ويعتقد الجيش الأمريكي ومسؤولون آخرون أن قواتهم ستستهدفها جماعات مسلحة بمجرد بدء غزو الأراضي الفلسطينية التي تديرها حماس.

وذكرت الصحيفة أن الولايات المتحدة تسارع لنشر نحو عشرة أنظمة دفاع جوي في المنطقة.

وذكرت رويترز أن واشنطن نصحت إسرائيل بالإحجام عن أي هجوم بري على قطاع غزة، بينما تسعى لإطلاق سراح المزيد من الرهائن وتتأهب لاحتمال اتساع رقعة الصراع في الشرق الأوسط.

جبهة تحت الأرض.. مدينة أنفاق

تقول مصادر أمنية إن ما ينتظر القوات البرية الإسرائيلية في غزة هو شبكة أنفاق حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) الممتدة لمئات الكيلومترات ويصل عمقها إلى 80 مترا، ووصفتها رهينة أُفرج عنها بأنها "شبكة عنكبوت".

ووصفها خبير بأنها "أكبر بعشرة أمثال من أنفاق فيت كونج"، أو الجبهة الوطنية لتحرير جنوب فيتنام.

وقالت مصادر مطلعة في الغرب والشرق الأوسط إن حماس لديها أنواع مختلفة من الأنفاق الممتدة أسفل قطاع غزة الساحلي الذي تبلغ مساحته 360 كيلومترا مربعا وأسفل حدوده، بما في ذلك أنفاق للهجوم والتهريب والتخزين والعمليات.

وذكر مسؤول أمريكي أن الولايات المتحدة تعتقد أن القوات الخاصة الإسرائيلية ستواجه تحديا لم يسبق له مثيل إذ سيتعين عليها خوض قتال مع حماس مع محاولة تجنب قتل الرهائن المحتجزين تحت الأرض.

وأشار وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن أيضا إلى أن معركة العراق التي استمرت تسعة أشهر لاستعادة مدينة الموصل من قبضة تنظيم الدولة الإسلامية قد تكون أسهل مقارنة مع ما ينتظر أن يواجهه الإسرائيليون، فمن المرجح أن تكون هناك "كثير من العبوات الناسفة وكثير من الأفخاخ الملغومة وعمليات طاحنة حقا".

وعلى الرغم من أن إسرائيل أنفقت كثيرا على وسائل كشف الأنفاق، بما في ذلك حاجز تحت الأرض مزود بأجهزة استشعار أطلقت عليه اسم "الجدار الحديدي"، ما يزال يُعتقد أن حماس لديها أنفاق تصلها بالعالم الخارجي.

وبعد جولة التصعيد في 2021، قال يحيى السنوار القيادي في حماس "بدأوا يحكوا أن 100 كيلومتر دمروا من أنفاق حماس. أنا أقول لكم إن ما لدينا من أنفاق في قطاع غزة يزيد على 500 كيلومتر. يعني لو صحت روايتهم فهم دمروا بس إيش 20 بالمئة".

لم يتسن التأكد من تصريحات السنوار الذي يعتقد أنه لجأ إلى الأنفاق قبل الهجوم البري الإسرائيلي المتوقع.

لكن التقديرات بامتداد الأنفاق لمئات الكيلومترات تحظى بقبول على نطاق واسع لدى المحللين الأمنيين، على الرغم من أن طول الشريط الساحلي المحاصر لا يتجاوز 40 كيلومترا.

وفي ظل سيطرة إسرائيل الكاملة على المداخل الجوية والبحرية لغزة وعلى 59 كيلومترا من حدودها البرية البالغ طولها 72 كيلومترا، إذ تسيطر مصر على 13 كيلومترا في الجنوب، توفر الأنفاق إحدى السبل القليلة أمام حماس لجلب الأسلحة والعتاد والأفراد.

وبينما تتكتم هي والجماعات الفلسطينية الأخرى على المعلومات بشأن شبكاتها، قالت يوشيفيد ليفشيتز (85 عاما) الرهينة الإسرائيلية التي أُفرج عنها هذا الأسبوع "بدت مثل شبكة العنكبوت، أنفاق كثيرة جدا، سرنا كيلومترات تحت الأرض".

وتعتقد حماس أنه مع التفوق العسكري الإسرائيلي سواء بالقدرات الجوية أو بالآليات العسكرية المدرعة، فإن الأنفاق هي وسيلة لتقليص بعض هذه المزايا من خلال إجبار الجنود الإسرائيليين على التحرك تحت الأرض في مساحات ضيقة يعرفها مقاتلو حماس عن ظهر قلب.

وقال متحدث عسكري إسرائيلي "لن أتحدث عن عدد الكيلومترات التي تمتد عبرها الأنفاق لكنه عدد كبير، تم حفره تحت المدارس والمناطق السكنية".

وحث الرئيس الفلسطيني محمود عباس مجلس الأمن الدولي على الوقف الفوري "للعدوان" على غزة والتحرك نحو "حل سياسي بدلا من الحلول العسكرية والأمنية".

وتقول مصادر أمنية إسرائيلية إن القصف الجوي المكثف ألحق أضرارا طفيفة بالبنية التحتية للأنفاق إذ تمكنت وحدة من الضفادع البشرية التابعة لحماس من شن هجوم عبر البحر هذا الأسبوع استهدف تجمعات سكنية ساحلية بالقرب من غزة.

وقال أمير أفيفي القائد السابق بالجيش الإسرائيلي "على الرغم من هجومنا المكثف لأيام وأيام، فإن قيادة (حماس) ما تزال متماسكة إلى حد كبير وقادرة على توجيه الأوامر والسيطرة، بل وحتى قادرة على محاولة شن هجمات مضادة". وتقلد أفيفي مناصب كبيرة منها نائب قائد فرقة غزة المكلفة بالتعامل مع مسألة الأنفاق.

وأضاف "توجد مدينة بأكملها أسفل غزة على عمق يتراوح ما بين 40 و50 مترا. ثمة مخابئ ومقرات ومخازن وبالطبع هي متصلة بأكثر من ألف موقع لإطلاق الصواريخ".

وتقدر مصادر أخرى عمق الأنفاق بما يصل إلى 80 مترا.

وقال مصدر أمني غربي "تمتد لأميال. إنها مصنوعة من الخرسانة وبشكل جيد جدا. تخيل أنها تبلغ عشرة أمثال أنفاق فيت كونج. كانت لديهم أعوام وكثير من المال لحفرها".

وقال مصدر أمني آخر من إحدى الدول المجاورة لإسرائيل إن أنفاق حماس من مصر ما تزال نشطة.

وأوضح أن "سلسلة الإمداد ما زالت تعمل دون تأثر هذه الأيام. الشبكة المشاركة في تسهيل التنسيق تشمل بعض ضباط الجيش المصري. ليس واضحا إذا كان الجيش المصري على علم بهذا".

وأفاد مصدران أمنيان وتاجر في مدينة العريش المصرية بأن عددا صغيرا من أنفاق التهريب الضيقة والعميقة كانت لا تزال تعمل حتى وقت قريب بين مصر وغزة، لكنها تباطأت جدا منذ اندلاع الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين.

ولم يرد مسؤولون مصريون بعد على طلب للتعليق. وقال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يوم الأربعاء خلال تفقده للوحدات العسكرية في السويس إن دور الجيش هو تأمين الحدود المصرية.

تأسست حماس في غزة عام 1987 ويُعتقد أنها بدأت حفر الأنفاق في منتصف تسعينيات القرن الماضي حينما منحت إسرائيل رئيس منظمة التحرير الفلسطينية الراحل ياسر عرفات بعض الحكم الذاتي في غزة.

وشبكة الأنفاق من الأسباب الرئيسية في قوة حماس في غزة عنها في الضفة الغربية المحتلة حيث تعوق المستوطنات والقواعد العسكرية وأجهزة المراقبة الإسرائيلية إدخال أي شيء من الأردن.

وصار حفر الأنفاق أسهل في 2005 حينما سحبت إسرائيل الجنود والمستوطنين من غزة وفازت حماس في انتخابات 2006.

وبعد ذلك بفترة وجيزة أسرت كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحماس، الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط وقتلت اثنين آخرين بعد حفر نفق لمسافة 600 متر لمداهمة قاعدة كرم أبو سالم على حدود غزة.

وعلى الرغم من أن الأنفاق العسكرية ظلت بعيدة عن الأعين، فقد تباهى المهربون في غزة خلال تلك الحقبة بأنفاقهم التجارية التي بالكاد كانت مخفية تحت الحدود مع رفح.

كان عرض الأنفاق نحو متر واحد واستُخدمت محركات الرافعات لنقل البضائع على طول الأرضيات الرملية في براميل وقود.

وقال أبو قصي الذي يشغل أحد أنفاق رفح إن حفر نفق طوله نصف ميل يستغرق من ثلاثة إلى ستة أشهر ويدر أرباحا تصل إلى 100 ألف دولار يوميا. وذكر أن أكثر المواد المربحة هي طلقات الرصاص التي يبلغ سعر الواحدة منها دولارا في مصر فيما يصل سعرها إلى ستة دولارات في غزة. وأضاف أن بندقيات الكلاشنيكوف يبلغ سعرها 800 دولار في مصر وتُباع بمثلي ذلك الرقم.

ويُعتقد أن كتائب القسام في 2007 أدخلت قائدها محمد الضيف إلى غزة عبر نفق من مصر. والضيف هو العقل المدبر لهجوم حماس في السابع من أكتوبر تشرين الأول على إسرائيل الذي أودى بحياة 1400 شخص وأدى إلى احتجاز رهائن.

مطاردة في الأنفاق

قال جويل روسكين عالم تضاريس الأرض والجيولوجيا بجامعة بار إيلان الإسرائيلية إن من الصعب رسم خريطة دقيقة لشبكة الأنفاق من السطح أو الفضاء، مضيفا أن المعلومات شديدة السرية ضرورية من أجل وضع خريطة ثلاثية الأبعاد وتخيل الصور.

ومن بين وحدات النخبة المكلفة بالنزول تحت الأرض وحدة ياهالوم، وهي وحدة قوات خاصة من سلاح الهندسة القتالية الإسرائيلي، وهي الوحدات المتخصصة في كشف الأنفاق وإخلائها وتدميرها.

وزار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في وقت سابق هذا الأسبوع مقاتلي ياهالوم وقال لهم "أعتمد عليكم، شعب إسرائيل يعتمد عليكم".

وقالت مصادر إسرائيلية إن ما ينتظرهم أمر جسيم وإنهم يواجهون عدوا أعاد تنظيم نفسه وتعلم من العمليات الإسرائيلية السابقة في 2014 و2021.

وقال أمنون سوفرين القائد السابق لسلاح الهندسة القتالية "سيكون هناك الكثير من الأفخاخ الملغومة. لديهم أسلحة حرارية لم تكن لديهم في 2021 وهي أكثر فتكا. وأعتقد أنهم حصلوا على الكثير من أنظمة الأسلحة المضادة للدبابات التي سيحاولون أن يضربوا بها ناقلات الجنود المدرعة والدبابات".

وأضاف سوفرين، الذي كان أيضا رئيسا سابقا لإدارة المعلومات الميدانية في الموساد، أن حماس ستحاول أيضا اختطاف جنود.

وقالت دافني ريتشموند باراك الأستاذة بجامعة رايتشمان الإسرائيلية ومؤلفة كتاب "حرب الأنفاق" إن الصراعات في سوريا والعراق غيرت الموقف.

وأضافت "على الأرجح أن ما سيواجهه الجيش الإسرائيلي داخل الأنفاق هو أيضا جميع الخبرات والمعرفة التي اكتسبتها جماعات مثل تنظيم الدولة الإسلامية و... جرى نقلها إلى حماس".

* المصدر: وكالات+رويترز

اضف تعليق