q

تعيش فرنسا مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية التي تجري على دورتين في 23 أبريل و7 مايو، معركة انتخابية مهمة تقول استطلاعات الرأي إنها ستكون حامية بين المرشح اليميني المحافظ فرنسوا فيون وزعيمة الجبهة الوطنية مارين لوبن، التي وعدت بعد تعزيز موقعها بفضل بريكست ووصول دونالد ترامب إلى سدة الحكم وكما نقلت بعض المصادر، بأن عام 2017 سيكون العام الذي تستيقظ فيه شعوب أوروبا في فرنسا وألمانيا وهولندا، مع انتهاء الجولة الأولى للانتخابات التمهيدية خرج الحزب الاشتراكي الفرنسي أكثر تشرذما مع صعود مرشحين على النقيض لبعضهما البعض، وتشير نسب المشاركة في الجولة الأولى إلى تراجع غير مسبوق في شعبية اليسار بفرنسا في مقابل الصعود الصاروخي لأحزاب اليمين المتطرف في كافة أنحاء أوروبا. الذي استفاد كثيرا من أزمة المهاجرين واللاجئين تصاعد موجة الإرهاب، وبالنسبة للناخبين الفرنسيين الذين ملّوا من رؤية الوجوه السياسية نفسها في كل دورة انتخابية يمنحهم السباق الرئاسي هذا العام بالطريقة التي يتشكّل بها أسباباً للتفاؤل. لا تزال مارين لو بان في الموقع الأقوى وستكون الأشهر القليلة المقبلة مرهقة للأعصاب لكن لو بان ليست المرشحة الوحيدة التي تؤيد القطيعة مع الماضي. فالناخبون الذين يريدون تغيير النظام باتت لديهم بدائل واضحة أخرى.

إلى الدورة الثانية

وفيما يخص اخر تطورات هذا الملف فقد تصدر بنوا هامون نتائج الجولة الأولى من الانتخابات التمهيدية لليسار التي نظمت في فرنسا بعد حصوله على 36.21 بالمئة من الأصوات مقابل 31.19 بالمئة لصالح مانويل فالس رئيس الحكومة الفرنسية السابق. هذا، وجاء أرنو مونتبور في المرتبة الثالثة بعد حصوله على 17.69 بالمئة من الأصوات. وزير الاقتصاد السابق في حكومة جان مارك إيرولت دعا مناصريه إلى التصويت "بكثافة" لصالح بنوا هامون في الجولة الثانية. وقال أرنو مونتبور:" سأصوت لصالح بنوا هامون وأدعوكم للقيام بنفس الشيء".

وستجمع الدورة الأخيرة كلا من بنوا هامون (49 سنة) الذي يمثل الجناح اليساري في الحزب الاشتراكي ومانويل فالس (54 عاما) الذي يمثل جناح اليمين، فيما يتوقع مسؤولون في الحزب الاشتراكي أن تستقطب الجولة الثانية عددا مماثلا من الناخبين. وفور الإعلان عن النتائج، شكر بنوا هامون ناخبي اليسار "الذين اتجهوا بكثافة إلى مكاتب الاقتراع للتصويت ولتكذيب السيناريوهات التي كانت تتوقع مشاركة ضعيفة في هذه الانتخابات التمهيدية"، يقول هامون.

وبعدما شكر كل المرشحين الآخرين الذين أثروا النقاشات والمناظرات التلفزيونية، دعا بنوا هامون إلى "طي صفحة الماضي وإنهاء السياسات القديمة التي لم تعد تأتي بأي شيء جديد وإيجابي". "يجب تغيير نظام التنمية والقيام بثورة بيئية"، يضيف هامون الذي التحق بمقره الانتخابي عن طريق سيارة أجرة. وأمام مناصريه الذين كانوا يحتفلون فوق باخرة بباريس، كرر بنوا هامون برنامجه الانتخابي محددا الأولويات التي ينوي الدفاع عنها في مناظرة التلفزيونية. وفي طليعة الاهتمامات، ذكر بنوا هامون إنهاء تشغيل السيارات بوقود الديزل بحلول عام 2025 وتقليص نسبة الطاقة المستخرجة من المحطات النووية.

على الصعيد السياسي، دعا إلى المرور إلى الجمهورية السادسة وإصلاح مؤسسات الدولة الفرنسية، موضحا "أن مناضلي اليسار صوتوا لي بقناعة"، معبرا عن سعادته "بتمديد النقاش لمدة أسبوع مع مانويل فالس حول مسائل تهم الفرنسيين". من جهته، بدا مانويل فالس غاضبا نوعا ما بعد احتلاله المرتبة الثانية في الانتخابات التمهيدية لكنه أكد أن "كل شيء ممكن في الجولة الثانية". "أنا مسرور بفتح النقاش من جديد مع بنوا هامون. حملة انتخابية جديدة ستبدأ وستستغرق أسبوعا كاملا. أمام الفرنسيين خياران، إما الخسارة الحتمية مع بنوا هامون أو الفوز المحتمل معي".

وأحصى فالس من جديد كل النقاط التي يتضمنها مشروعه الانتخابي الذي يرتكز على التغيير، مظهرا نفسه على أنه الشخص القادر على الفوز بالانتخابات الرئاسية في مايو/ أيار المقبل. وقال فالس:" أرفض أن أترك الفرنسيين وحدهم وجها لوجه مع اليمين المتطرف ومارين لوبان ومع اليمين القاسي والليبرالي الذي يمثله فرانسوا فيون. كما أرفض أن أترك الفرنسيين وحدهم وجها لوجه مع دونالد ترامب وسياسته ومع العولمة الاقتصادية". وأكد مانويل فالس أن تحسين الأوضاع في فرنسا يمر حتما بتغيير الاتحاد الأوروبي وإعادة توجيه سياسته، وبمحاربة الإرهاب وبالدفاع عن العلمانية والعدالة، والمساواة بين الرجال والنساء في جميع مجالات الحياة.

وأنهى الخطاب الذي ألقاه أمام أنصاره في دار "الكيمياء" بباريس قائلا :"أنا رجل شجاع وأحب النقاش والوضوح. نحن نحتاج إلى اليسار وفرنسا تحتاج إلى اليسار. سأقاوم حتى النهاية لأنني أحب فرنسا"، داعيا الفرنسيين إلى التصويت بكثافة لقلب المعادلة. "لا يتعلق الأمر فقط باختيار ممثل اليسار، بل الأمر يتعلق باختيار رئيس فرنسا المقبل".

وإثر حملة انتخابية دامت شهرا واحدا وتخللتها ثلاث مناظرات تلفزيونية، اجتذبت الدورة الأولى لليسار ما بين 1.7 إلى 2 مليون ناخب اختاروا بين سبعة مرشحين، كان أغلبهم وزراء سابقين في حكومة جان مارك إيرولت. وبهذا الخصوص، عبر كرستوف بورجيل رئيس اللجنة الوطنية لتنظيم الانتخابات التمهيدية لليسار عن ارتياحه بعد نجاح الجولة الأولى من الانتخابات. وقال في تصريح للصحفيين:"ما بين 1.5 إلى 2 مليون ناخب شاركوا في التصويت. هذا أمر جيد يتطابق مع توقعاتنا". بحسب فرانس برس.

وللتذكير، أكثر من 7000 مكتب تم تجهيزها لتمكين الفرنسيين وسكان أقاليم من وراء البحار من المشاركة في العملية الانتخابية التي جرت في جو هادئ، إذ لم تسجل أية خروقات هامة حسب اللجنة المنظمة. وأمام بنوا هامون ومانويل فالس أسبوع كامل للقاء الفرنسيين وناخبي اليسار. وسيحاول كل مرشح إقناعهم بالتصويت لصالحه، وتقديم شروحات وتوضيحات أوفر حول برامجه الانتخابية. ويرى المتتبعون للشؤون الفرنسية أن المناظرة الوحيدة التي ستنظم بين المرشحين ستكون حاسمة. فهل سيستغلها مانويل فالس لقلب المعادلة لصالحه أم ستكون فرصة لبنوا هامون لتعميق الفارق الذي يفصله بمنافسه؟

اليمين والانترنت

على صعيد متصل يملك اليمين المتطرف في فرنسا امكانات هائلة على مواقع التواصل الاجتماعي مع مئات آلاف المتتبعين ومواقع ناشطة جدا في السباق للانتخابات الرئاسية، تساعده على فرض وجهات نظر الحزب ومهاجمة خصوم مرشحته مارين لوبن. ومنذ تعيين فرنسوا فيون مرشح اليمين في نهاية تشرين الثاني/نوفمبر اطلقت الجبهة الوطنية حملة ناشطة بعنوان "فيون الحقيقي" من خلال نشر يوميا بعض تصريحاته حول الاسلام ووضع الاجانب واصلاح الضمان الاجتماعي بهدف الاضرار بسمعته.

كما يهاجم الحزب ايمانويل ماكرون الذي يعتبر الاوفر حظا في الاقتراع الرئاسي مع فرنسوا فيون ومارين لوبن. و غرد نيكولا باي امين عام الجبهة الوطنية "ماكرون وزير الاقتصاد يعني 400 الف عاطل عن العمل اضافي". وقال دافيد راشلين مدير حملة مارين لوبن "تسير الامور بشكل ممتاز اذ يجد المرشحون الاخرون صعوبة في الرد لانه يبدو ان فريق فيون غير معتاد على ذلك. انها عمليات سنكررها باستمرار". واضاف ان مواقع التواصل الاجتماعي تتيح اقامة "علاقة مباشرة دون رقابة مع الفرنسيين".

وهذا التواصل يندرج في استراتيجية قديمة لان الجبهة الوطنية كانت اعتبارا من 1996 اول حزب سياسي يقوم بانشاء موقعه الالكتروني للالتفاف على وسائل الاعلام التقليدية. واليوم كوادر الحزب تطلق تغريدات وتنشر آراء بانتظام. ومع اكثر من مليون متابع على فيسبوك والعدد نفسه على تويتر تجمع مارين لوبن جمهورا اكبر من المرشحين الاخرين للانتخابات الرئاسية ولا تتردد في استغلال هذا الامر "للتوجه مباشرة الى الشعب" الفرنسي.

وفي النمسا راهن حزب اليمين المتطرف ايضا على نشر كثيف لآرائه على فيسبوك للاقتراع الرئاسي في 2016 الذي هزم مرشحه فيه. وفي الولايات المتحدة فان "قلب مكان النقاش العام اثر على حملة دونالد ترامب"، حسب ما قال بونوا تيولان مؤسس وكالة اتصال رقمية. من جهته قال كريستيان ديلبورت الخبير في الاعلام السياسي ان "ميزة موقع تواصل اجتماعي هي غياب المعارضة. لديك رأيك ولن يزعجك صحافي قد يناقض خطابك".

ولتوسيع قاعدته يطلق حزب الجبهة الوطنية عملا مشتركا من خلال نشر الرسالة نفسها في الوقت نفسه على حسابات مختلفة كبث مؤخرا سلسلة صور لاثبات ان افكار مارين لوبن "تحظى بتأييد في فرنسا". واضافة الى شبكته الخاصة فان حزب الجبهة الوطنية يحظى بدعم حركة اليمين المتطرف الناشطة جدا على مواقع التواصل الاجتماعي بحسب دومينيك البرتيني، احد واضعي كتاب "لا فاشوسفير" (الوسط الفاشي) المخصص لهذا الموضوع.

ومن الامثال حملة "فريد فيون" التي تظهر فيون بانه مقرب من الاوساط الاسلامية وهي استراتيجية سبق ان استخدمت ضد رئيس الوزراء السابق الان جوبيه خلال الانتخابات التمهيدية لليمين مع هاشتاغ "علي جوبيه". وقال البرتيني "هذا ما يقوله حزب الجبهة الوطنية لكن بكلمات تم اختيارها بشكل افضل لكنها تذهب في الاتجاه نفسه". واضاف ان "منطق مواقع التواصل الاجتماعي" يتيح للجبهة الوطنية "الحصول على نتائج مع هذا النوع من العمليات لكن دون ان يظهر بانه طرف فيها". بحسب فرانس برس.

وتنمي مارين لوبن الجدل بنفيها بان يكون حزب الجبهة الوطنية وراء هذه الحملة. وقالت ردا على سؤال حول هذا الموضوع "السؤال الحقيقي الذي يطرح نفسه هو ما هي علاقة فرنسوا فيون بالاسلاميين الاصوليين؟". وخلال الحملة للانتخابات الرئاسية يتوقع الصحافيون المتخصصون في مواقع التواصل الاجتماعي ان يتضاعف عدد التغريدات والهاشتاغ لفرض آرائهم على وسائل الاعلام التقليدية. ومن الاستراتيجيات الاخرى التي ستعتمد نشر مقتطفات من تصريحات او وقائع مسجلة تسمح بالترويج لخطابات قومية او تنطوي على كراهية للاجانب. وقال نيكولا فاندربيست صاحب مدونة "ريبوتاسيولاب" انه "من خلال اطلاق عملية للتطرق الى موضوع الساعة في وقت محدد سينجحون في البروز خارجم شبكتهم الخاصة". واضاف "سيتساءل الناس ما هو هذا الهاشتاغ فسيكتشفونه وسيطلعون على الخبر".

الايمان والانتخابات الرئاسية

الى جانب ذلك اثار المرشح اليميني للرئاسة الفرنسية فرنسوا فيون المفاجأة والسخط باختياره شرح سياساته من خلال ايمانه الديني في خطوة تعتبر سابقة في هذا البلد العلماني. وقال قبل ايام "انا ديغولي ومسيحي علاوة على ذلك، ما يعني انني لن اتخذ ابدا قرارات تخالف احترام الكرامة البشرية والانسان والتضامن"، وذلك ردا على هجمات تتعلق بمشروعه لاصلاح الضمان الاجتماعي وبرنامجه الذي يصفه خصومه بانه "وحشي".

ويدافع فيون الكاثوليكي المتدين والمحافظ ورئيس الحكومة سابقا لدى الرئيس السابق نيكولا ساركوزي عن برنامج اقتصادي "جذري" لفرنسا يتضمن الاستغناء الواسع عن موظفين حكوميين واصلاح اسبوع العمل والنظام الصحي. ومنذ فوزه الواضح في نهاية الانتخابات التمهيدية لليمين في تشرين الثاني/ نوفمبر، فان اقتراحاته تثير مخاوف على النموذج الاجتماعي للبلد، خصوصا وانه المرجح للفوز في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية بمواجهة زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبن.

وبغية مزيد من الطمأنة، ابرز فيون الستيني مقولة غير متوقعة في الجدل السياسي وهي معتقداته الدينية. فقد اثار تاكيد ايمانه ضجة حتى داخل معسكره. وقال فرنسوا بايرو رئيس حزب الحركة الديموقراطية الوسطي غاضبا "مبدأ فرنسا هو اننا لا نخلط بين الدين والسياسة" مشيرا الى قانون العام 1905 الذي يفصل بشكل صارم بين الكنيسة والدولة. ودعا بايرو الى انهاء "هذا النوع من الانحراف". كما طالب النائب اليميني هنري غيانو بذلك ايضا، منددا ب "خطأ" وموضحا ان "الكاثوليكية ليست فئة انتخابية (...) فرئيس الجمهورية هو زعيم الامة، وعندما ننسى هذا، فان الامور لن تعمل كالسابق".

من جهته، قال المرشح للانتخابات التمهيدية لليسار، الاشتراكي فنسان بيون انه "غاضب كثيرا". واضاف لو ان "احدهم قال بصفتي يهوديا اريد القيام ب... ، لكنت رأيت ردود الفعل" على ذلك. واعتبر استاذ العلوم السياسية برونو جانبار ان تصريحات فيون تكشف عن استراتيجية سياسية "في بلد يعلن 55 في المئة من الفرنسيين انهم كاثوليك" وفي فترة تميزت بظهور النقاش حول الاسلام يغذيه التطرف الجهادي والهجمات الارهابية.

وقال جانبار "طوال سنوات، كان تاكيد انك مسيحي من المحرمات لان بناء الجمهورية تم من خلال انتزاع السلطة السياسية من الكنيسة الكاثوليكية". واضاف لكن مع "ظهور الاسلام، فان النقاش اصبح يركز على دين آخر، واختفى الشعور الذي مفاده ان التعريف عن نفسك كمسيحي يعتبر مشكلة فيما يتعلق بمنصب سياسي". ومع ذلك، اكد جانبار ان نسبة اصوات الكاثوليك المتدينين لا تتجاوز العشرة في المئة من الفرنسيين. بحسب فرانس برس.

وفي بلد شهد سلسلة من الهجمات الجهادية لم يسبق لها مثيل، كان الاسلام في صلب نقاشات محتدمة في الاشهر الاخيرة باسم احترام العلمانية. ورد فيون، وهو مؤلف كتاب نشر مؤخرا حول ما يطلق عليه تسمية "الشمولية الاسلامية"، على الانتقادات مؤكدا "صدقه" وقال "انا شفاف (...) اعتقد ان هذه هي الطريقة للعمل في السياسة". وحصل على دعم من بعض اعضاء معسكره، مثل النائبة الاوروبية نادين مورانو التي تعتبر ان فرنسا تصبح "مريضة عندما تكون مضطرا لشرح (حقيقة) كونك مسيحيا في بلد جذوره مسيحية". وخلال الانتخابات التمهيدية لليمين ادى اعلان فيون عن ايمانه الى اثارة جدل. وكان عليه بعدها ان يشرح انه لا ينوي تغيير القانون حول الاجهاض بعد ان كان اكد انه "لا يوافق" على الاجهاض من منطلق قناعاته الدينية.

اضف تعليق