عقد مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات ملتقاه الفكري تحت عنوان (آليات منع الإفلات من العقاب)، وذلك بمشاركة عدد من مدراء المراكز البحثية وبعض الشخصيات الحقوقية والأكاديمية والإعلامية والصحفية في ملتقى النبأ الأسبوعي الذي يُعقد كلّ سبتٍ بمقرّ مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام.

 وقد أدار الملتقى الدكتور علاء الحسيني التدريسي وأستاذ القانون الإداري في جامعة كربلاء- كلية القانون والباحث في مركز آدم، وابتدأ بالقول:-

 "لا بدّ أن نوضح معنى الجزاء أو العقاب وما هو الأساس الفلسفي والقانوني له ومعنى الإفلات أو الهروب من توقيع عقوبة الجزاء المناسب والملائم، ثم نبين ما هي الوسائل التي يتبعها البعض لكي يتخلص ويتملص من العقاب وما هي الوسائل المضادة التي يجب علينا أن نتبعها كمجتمع وكمؤسسات رسمية أو شبه رسمية في منع الإفلات من العقاب، وهو محور الورقة والذي سنعطيه وزنا اكبر".

 "فحينما نريد أن نعطي القاعدة القانونية تعريفا نقول بأنها:- (قاعدة تنظم شان اجتماعي أو شان اقتصادي أو شان ثقافي معين ولكنها لا تكتسب صفة قانونية، إلا إذا اقترنت بجزئيين جزء أول يسمى جزء التنظيم وجزء ثاني يسمى جزء الجزاء او العقاب)، حيث أنّ هذه القاعدة تنظم شيئاً معيناً أي شيء في الحياة لا على التعيين، لكن يعوزها دائما الجزء الثاني وهو جزء الجزاء أو العقاب فهي لإن خلت من هذا الجزء زالت عنها صفة القانونية، وأصبحت قاعدةً أخلاقيةً أو ربّما عرفية، لكن لا نستطيع ان نطلق عليها الصفة القانونية، فاليوم وحتى على مستوى فقهاء القانون الدولي يتساءلون كثيراً هل أنّ القانون الدولي قانون بمعنى الكلمة؟ البعض يُشكل على هذا الأمر بسبب كون ركن الجزاء غير واضح في قواعد القانون الدولي، فالدول حينما تخالف، ما هو الجزاء الذي يمكن أن نوقعه عليها؟ لذلك كانت هذه الإشكالية ولا تزال تُثار على قواعد القانون الدولي، فما رأيك بالقانون الوطني او الداخلي الذي يجب ان يقترن بعنصر الجزاء وإلا خلى من الصفة القانونية".

 "أما الإفلات من العقوبة فإنّهُ مصطلحٌ ظهر في نهاية السبعينيات من القرن الماضي، وحتى أنّ الأمم المتحدة أخذت تحتفي به بشكل سنوي في (2/11) كل عام كيوم عالمي لمنع الإفلات من العقاب، من خلال بعض الفعاليات التي تدعو الأمم المتحدة عبرها دول العالم والمنظمات الحقوقية إلى التذكير بهذا المبدأ السامي، وهو مبدأ منع إفلات المجرمين من العقاب بأي وسيلة كانت، فحينما يرتكب شخص ما مخالفة او جريمة من نوع ما فهو يستحق حتما جزاءهُ نتيجة هذه المخالفة، وحينما لا نتمكن من توقيع هذه العقوبة عليه لأي سبب كان فهذا معناه التملّص والتخلّص من العقوبة ومن الجزاء، الذي يجب أن يوقع على هذا الشخص كنوع أو جزء من العدالة، حيث أن القران الكريم والسنة النبوية الشريفة أرست مبدأ القصاص بإعتبار أنّ الإنسان الذي يخطئ ويرتكب جريمة معينة يجب الاقتصاص منه، ولذلك نرى العقوبات في الشريعة الإسلامية سواء على مستوى القصاص او الحدود جاءت جميعها من هذا المبدأ (الغنم بالغرم)".

 "من يرتكب جرما يجب أن يجازى عن هذا الجرم، وحينما يفلت من العقاب تكون هناك مشكلة وخلل في النظام الاجتماعي والقانوني، أضف إلى ذلك أن المتهم الذي يفلت من العقاب هو أولا ارتكب جريمة وهذه الجريمة بالتأكيد فيها نوع من أنواع الظلم والتعدي على الحقوق والحريات، تارة يكون التعدي على الحقوق والحريات بشكل مباشر كالجرائم الفردية وجرائم القتل والسرقة، وربما يكون فيها أثرٌ غير مباشرة على الحقوق والحريات كجرائم الفساد الإداري والمالي وهدر موارد الدولة، وبالتالي سينعكس هذا بشكل غير مباشر على حقوق وحريات الأفراد حينما لا يتمكنون من التمتع بخيرات البلد، بسبب ثلة من الفاسدين الذين يبددون موارد البلد هنا وهناك ويتخذون من المال العام مغنماً ومحطة لملذاتهم وغاياتهم الذاتية".

 وأضاف الحسيني، "من هنا نطالب دائما بوجوب أن يوقع الجزاء العادل بحق من ارتكب جرما معينا، الاّ إذا كان هذا الجرم ينصبّ على حق ذاتي وشخصي لأحد الأفراد فهذا الفرد من حقه الصفح عن الجاني، وهنا مسالة طبيعية جدا أرساها القران الكريم وأرستها حتى قانون المحكمات الجزائية العراقي وهي قضية الصفح عن الجانب، إذا لم يترتب على جرمه أثر أصاب المجتمع أو المصالح العامة، فبالتأكيد إنّ هذا النوع من أنواع إعادة الود للعلاقات الاجتماعية والفردية وهذا نوع من أنواع تجنب المضاعفات التي ربما تنتج عن العقاب، لكن نحن نتحدث الآن عن جملة كبيرة من الجرائم التي انعكست بشكل مباشر على الناس وعلى حياتهم وعلى حقوقهم وعلى حرياته كالجرائم الإرهابية والجرائم العابرة للحدود والجرائم التي لها طابع الخطر العام، ليس على صعيد شعب معين وإنما على صعيد كل شعوب المعمورة كجرائم الاتجار بالمخدرات والاتجار بالجنس وبالمواد التالفة وغيرها فهذه جرائم نسميها جرائم ذات خطر عام"

 "فهي لا تصيب شعباً من الشعوب او تصيب فئةً من الناس بل تصيب الجميع ويكون موضوعها ربما معرض له الجميع في أرجاء المعمورة. فبالتالي حتى قانون العقوبات العراقي صنف هذه الجرائم على اعتبارها ذات طابع عالمي، وحينها من الممكن محاكمة الجاني مهما كانت جنسيته فإذا وجد في العراق او عاد إليه ممكن محاكمته مهما كانت جنسيته او مكان ارتكاب الجريمة، استثناءاً من مبدأ الإختصاص الإقليمي الذي ورد في المادة (التاسعة) فالمادة (12) من قانون العقوبات، أقرت مبدأ عالمية قانون العقوبات العراقي في محاكمة مثل هؤلاء الجناة في مثل هذه الجرائم، لكن الملاحظ أنّ هنالك الكثير من الجناة يهربون من تلقي جزاء أعمالهم الإجرامية وهذا ما نسميه الإفلات من العقاب، وهنالك عدة وسائل بعضها ذو طابع قانوني وبعضها ذو طابع واقعي تؤدي بشكل أو بآخر إلى إفلات العديد من الناس من العقاب.

 فلو أتينا إلى الوسائل ذات الطابع القانوني التي تؤدي إلى إفلات بعض الناس من الجزاء، سنستطيع أن نبين ذلك في عدت فقرات:-

الفقرة الأولى: قانون العفو العام مثلا في العراق كثُر استعماله بشكل مبالغ فيه إلى الحد الذي ضيّع الغاية من تجريم بعض الأفعال، والكل يتذكر قانون مجلس قيادة الثورة المنحل الشهير (225) لسنة (2002)، الذي أطلق المجرمين والذين ارتكبوا جرائم واغلبهم كانوا محكومين بعقوبات كبيرة وهم يمثلون خطراً على المجتمع، ولقد أُعدّت إحصائية صغيرة آنذاك بينت اطلاق أكثر من (30) ألف محكوم عليه، كان من بينهم ستة آلاف من المحكومين عن جرائم السرقة، وكان من بينهم ثمانية آلاف من المحكومين عن جرائم قتل، وكان من بينهم أكثر من ثلاثة آلاف من مرتكبي الجرائم الأخلاقية وبعضها جرائم زنا محارم وأشياء من هذا القبيل، حتى أن النظام البائد ربما استفاد من بعض هذه الفئات التي أطلق سراحها، فيما بعد سقوطه حينما انتشرت على بعض القنوات التلفزيونية حالات السلب والنهب، وصور الشعب العراقي بأنه هو الذي يسلب دوائر الدوائر بينما كان من يتصرف هكذا تصرف هم مجموعة من الناس غير المنضبطين، وإلاّ فإنّ غالبية الناس ومعظم الشعب العراقي كان حريصا كل الحرص على المال العام وعلى بقاء دوائر الدولة سالمة كي تقوم بدورها الطبيعي في تسيير الحياة اليومية، بعد ذلك تعالت الأصوات من هنا وهناك وهي تدعو إلى العفو العام، وإلى أن صدر قانون العفو العام المرقم (19) لسنة (2008)، والذي استفاد منه أغلب الجناة الذين اعتاشوا على المال العام وارتكبوا جرائم خطيرة جدا في الفساد الإداري والمالي، والأخطر من ذلك في المادة (الثانية) من قانون (19) كانت قد أوقفت الإجراءات بحق من ارتكب جريمة ولم تحرك الدعوة الجزائية عليه".

 "وبالتالي فالكثير من الوزراء وأعضاء المجالس النيابية والمحلية والمحافظات كانوا متهمين بملفات كبيرة جدا وأوقفت الإجراءات فورا بحقهم، فضاع حق الشعب العراقي في ذلك وافلت هؤلاء من العقاب بشكل قانوني، وزاد الأمر سوءا عندما أُقرّ قانون العفو العام الأخير رقم (27) لسنة(2016)، والذي يجري الآن الحديث عن إمكانية تعديله وليس لدينا في الحقيقة إحصائية عن عدد المفرج عنهم أو عن عدد الذين أُوقِفت الإجراءات بحقهم ممن لم تكتشف جرائمهم أصلا، وبالتالي سيكون هذا أيضا مبرراً جديداً لهروب مجموعة كبيرة من العقاب دون أن توضع معايير حقيقية لشمول بعض الأشخاص ممن انساق إلى الجريمة بسبب عاطفة أو حادثة معينة، وإلا فالأشخاص الذين انساقوا إلى الجريمة من أجل تحصيل أموال أو من اجل نهب ممتلكات الدولة، المفروض أن لا يتم العفو عن هؤلاء نهائيا. نعم إستثنى قانون رقم (27) الجرائم الإرهابية الأخلاقية لكنّ هذا ليس كافيا، بل من المفروض أن لا تُستثنى الكثير من الجرائم ذات الخطر العام ومنها مثلا جرائم الاتجار بالمخدرات التي لم يرد ذكرها من ضمن الجرائم المستثناة بشمولها بقانون العفو العام، وهذا يعطي فرصة لبعض الجناة للتهرب من العقوبة في حين أنهم يرتكبون جريمة ذات خطر عام وهذه وسيلة قانونية".

 "وهناك وسائل أخرى للتهرب من العقاب منها ما ورد في المادة (73) من دستور العراق لعام (2005)، التي أعطت السيد رئيس الجمهورية بناء على توصية من السيد رئيس الوزراء إمكانية أن يمنح العفو الخاص عن الجرائم، نعم قيدها المشرع الدستوري بأنها لا تشمل جرائم الفساد الإداري والمالي والدولية والإرهابية والحق الخاص، ولكن بعض الجرائم الأخرى الخطيرة من الممكن لرئيس الجمهورية أن يمنح عنها عفوا خاصا، وبالتالي يوقف الإجراءات الجنائية بحق الجناة ويسمح لهم بالهروب من العقاب ويفلتوا بما ارتكبوه من جرائم بحق الشعب والحقوق والحريات العامة والخاصة في البلد، وهذا لابد ولا شك أن يقيد بقيود أكثر حول استعماله آلية العفو الخاص، وقد تردد في أكثر من مرة أنّه استعمل العفو الخاص للعفو عن بعض المجرمين بجرائم ويحملون جنسيات أجنبية ولكن لم يثبت، وبالتالي استعملت مراسيم العفو الخاص بكثرة عامي (2015 و2016)، وليس هناك إحصائية دقيقة عما هي أنواع الجرائم التي شملت بالعفو الخاص وعدد الذين شملوا أيضا. ليس لدينا إحصائية بهذا الموضوع، وذلك على اعتبار أن هذه المراسيم لا تنشر في الجريدة الرسمية وإنما تبلغ إلى دائرة الإصلاح بشكل مباشر فتطلق صراح المحكوم بشكل مباشر دون أن يعلم أحد ما هي طبيعة هذا المجرم وما هي طبيعة الجريمة التي ارتكبها،لا أحد يستطيع أن يعلن ذلك، وهذه وسيلة أخرى للتهرب من العقاب".

 "هناك وسيلة أخرى للتهرب من العقاب وهي الحصانات التي مُنِحت للكثير من السياسيين، منها على سبيل المثال أعضاء مجلس النواب العراقي وأعضاء مجالس المحافظات وكذلك رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء والوزراء وغيرهم، حيث لا يجوز إلقاء القبض عليهم مثل ما بين قانون مجلس النواب (50) لسنة (2007) أو قانون الجمعية الوطنية، الذي أشار له أيضا القانون (3) لسنة (2006) حول لا يجوز إلقاء القبض عليهم إثناء الدورة البرلمانية إلا عن جرائم الجنايات المشهودة، طيب والجنح المشهودة غير مشمولة بهذا الموضوع خصوصا وإن الجنح لا تقل خطورة عن الجنايات؟ والكثير من الجرائم هي جنح مثل جرائم السرقة والاحتيال وإعطاء صك بدون رصيد، وبالتالي هناك الكثير من الثغرات التي ترد. وحتى قانون المحافظات رقم (21) لسنة (2008)، منح أعضاء مجلس المحافظة مثل هذه الحصانة ولو خصصها في مسالة التعبير عن الرأي أثناء الجلسات، ولكن يفترض هذه الحصانات أن تقيد وتحدد وتوضع لها ضوابط تمنع إساءة استعمالها بما يسمح باستغلالها للإفلات من العقاب، أضف إلى ذلك ما منح من قانون مجلس النواب للنائب من جواز دبلوماسي هو وأولاده، وبالتالي سوف يعامل معاملة خاصة في المطارات، وسيجلس في مكان مخصص لأعضاء للسلك الدبلوماسي وهذا مما يسهل عليه الهروب، ولاحظنا في سنوات خلت هروب الكثير من النواب الذين كانوا متهمين بجرائم معينة مستغلين هذه الثغرة ليهربوا بجرائمهم مستفيدين من جوازات السفر الدبلوماسية التي منحت لهم والتي أعطتهم نوع من الحصانة في المطارات العالمية والوطنية"

 "كذلك هنالك نوع من الحصانة التي جاءت من القانون الدولي على سبيل المثال القوات الأمريكية في العراق والتي كانت ترتكب الكثير من المجازر كانت محصنة أي لا يجوز مساءلتها وهي محصنة بأمرين الأول قرار مجلس الأمن الدولي المرقم (1511) لعام (2003) وأمر آخر تشريعي أصدره بريمر تحت رقم (17) لسنة (2003)، بالتالي كانت هذه القوات تقوم بالعديد من الجرائم ولنا في جريمة ساحة النسور وجريمة سجن أبو غريب خير مثال، ولم كان بالإمكان مسائلتهم أو رفع الدعاوى ضدهم وكانوا يفلتون بسهولة من العقاب لأن القانون العراقي لا ينطبق عليهم، كذلك هناك نوع من الحصانة الأخرى كانت ممنوحة لموظفي الأمم المتحدة والذين عاث البعض منهم بالأرض فساداً بدليل أن برنامج النفط مقابل الغذاء شابته فضائح لاعدّ ولا حصر لها، والأنكى من هذا أنّ مجلس الأمن الدولي بقراره (1483) لسنة (2003) ألغى هذا النظام دون أن يقرر مساءلة الموظفين الذين استغلوا منصبهم من العام (1993) ولغاية العام (2003) وسواء قبل أم بعد إقرار هذا النظام، وتسوية الأمور مع الجارة الكويت حيث أعطى هذا القرار نوعاً من الحصانة لهؤلاء والذين هربوا في فعلتهم. وما شابه تلك الصفقات من جرائم فساد مالي وإداري خطيرة جدا وهذا أيضا نوع من أنواع الحصانة التي كانت ولا تزال ممنوحة لبعض موظفي الأمم المتحدة".

 "أيضا هناك أسباب واقعية قد تؤدي إلى إفلات الجناة من العقوبة منها على سبيل المثال لا الحصر في العراق مثلا النظام العشائري عندنا وهو أكبر مطية يمتطيها البعض من الجناة للهروب من الجرائم التي ارتكبوها، ولنا في جنوب العراق المثال البارز في ذلك فكثير من جرائم القتل والنهب والسلب والسرقة تحصل ويتم تسويتها خارج أطر القانون، وبدفع مبالغ معينة وأحيانا بضغوط عشائرية ويتم غلق هذا الملف بل أن ما نسبته (90%) من الجرائم الأسرية لاسيما جرائم الشرف لا يتم الإبلاغ عنها ولايتم معرفة الجناة أصلا وما هي أسباب ارتكاب الجريمة، وبالتالي فهذا نوع من أنواع الهروب من الجزاء العادل.

 وهنالك الكثير من جرائم في العراق ترتكب بسبب الطبيعة العشائرية والدينية أيضا ولا يتم إعلام السلطات المختصة ولا يتم الإبلاغ عنها، على صعيد بعض التطبيقات التي تحصل داخل العشيرة الواحدة أو مع العشائر الأخرى أثناء النزاعات حيث يعمدون إلى استباحة جميع أفراد العشيرة وتصفيتهم دون أن يتم تحريك مسؤولية هؤلاء وعندما تحصل الترضية العشائرية يتم سحب جميع الدعاوى وحتى القضاة -تملصا من المسؤولية- يسمحون بسحب او التنازل عن تلك الدعاوى وإسقاط الحق العام والخاص معاً بغية إستقرار الأوضاع وهذا خطر على تأسيس مجتمع مدني في العراق نسعى له".

 "أيضا من الوسائل الواقعية الكثير من الجرائم التي ارتكبت بسبب الإرهاب الذي عانى منها العراق منذ عام (2003) وإلى اليوم، وهناك الآلاف من الجرائم الإرهابية التي لا يجري التحقيق فيها والتي تُنسى وتذهب أدراج الرياح في حين هي جرائم خطيرة يندى لها جبين الإنسانية، ولنا فيما سلكته داعش والقاعدة في عدة محافظات من جرائم قتل ونهب وسلب إلى آخره، بعضها الآن ضاعت معالمها وضاعت أدلتها وحتى وإن شئنا أن نحرك دعوى جزائية فإن الجناة مجهولين والأدلة قد تم محوها ماديا وحتى البينة الشخصية من الشهود، ربما الكثير منهم يؤثر أن يسكت ولا يشهد بأي شيء خشية الإنتقام أو المطالبات العشائرية، فهذا سبب واقعي للإفلات من العقاب كذلك من الأسباب التي قد تؤدي إلى الإفلات من العقاب ما حصل عندنا من جرائم بسبب النظام الحزبي في العراق غير المقنن أو عدم تدخل الدولة ووضع الأحزاب وسلطة وحركات الأحزاب تحت أعين السلطات العامة في الدولة، مثلا هنالك ملفات فساد كبيرة أغلقت نتيجة صفقات سياسية بدون أن تصل إلى علم القضاء واتخاذ الإجراءات القانونية بحق الجناة".

 "ومن يتذكر أن السيد رئيس الوزراء السابق كان دائما ما يتحدث أن بجعبته ملفات على فلان وفلان وعلى الحزب الفلاني والجهة الفلانية وبالتالي هو لا يبوح بها إلى القضاء ولا يخبر أحداً ولا يتكتم عليها ويسكت وبالتالي هي مجرد وسائل ضغط وهي نوع من أنواع الفساد السياسي والمالي الذي كان مستشريا ويضرب أطنابه بقوة في أرجاء الدولة، والكثير الكثير من الأموال العامة ضاعت بسبب هذه التصرفات غير المسؤولة والمخالفة لأحكام القانون العراقي، لأن القانون العراقي في المادة (47) من قانون أصول المحاكمات الجزائية يقول: "يجب على الموظف أو المكلف بخدمة عامة ومنها رئيس الوزراء أن يخبر عن الجرائم التي تصل إلى علمه" بل إنّ قانون هيئة النزاهة رقم (30) لسنة (2011) يلزم هؤلاء ويحملهم المسؤولية الجزائية باعتبارهم قد أصبحوا شركاء في عدم الإخبار عن هذه الجرائم. ولنا في أحزابنا العتيدة الكثير من الأمثلة على التكتم على جرائم بعض قادتها الذين تبوأوا مناصب رفيعة في الوزارات وبعض المناصب في البرلمان والمناصب الحكومية والهيئات المستقلة واستولوا على المال العام وتحكموا فيها بشكل نافى الغاية الرئيسة لاستخدامه للمصلحة العامة".

 "أما الآليات التي تمنع ذلك فهي عديدة بعضها تشريعي وبعضها قضائي وبعضها إداري، أما ما يخص الجانب التشريعي فالبرلمان مطالبٌ بإقرار سلسلة من القوانين والحدّ من آثار بعض القوانين منها مثلا قانون العفو العام، وإقرار بعض القوانين التي من شانها أن تحدّ من إفلات المجرمين من العقاب، البعض الآخر إداري فعلى وزارة العدل العراقية أن تحرك الدعوى الجزائية في محاكم دول أخرى وليس في المحاكم العراقية لأن الكثير من الإرهابيين قد ارتكب جرائم فضيعة في العراق وهرب إلى دول أجنبية ويحمل جنسيتها بالتالي تلك الدولة لا تسلمه إلى العراق ولا تحاكمه، في هذه الحالة ولكي يمنع العراق هروب الشخص الجاني من العقوبة ينبغي أن يتحرك على صعيد تلك المحاكم،على اعتبار أنّ تسليم المجرمين في هذه الحالة غير ممكن لكن من الممكن أن نحرك الدعوى جزائيا ومن الممكن للدبلوماسية العراقية بطريقة أو بأخرى أن تضغط على ذلك ومن الممكن التحرك عن طريق مجلس الأمن لاستصدار قرارات أممية بهذا الخصوص لكي نمنع هروب هؤلاء الجناة بأفعالهم الإجرامية الخطيرة التي ارتكبوها في العراق وفي سوريا ".

 "ومن الوسائل التشريعية أن البرلمان العراقي مطالبٌ بإصدار قانون يسمى منع الإفلات من العقاب هذا القانون يستعرض فيه الحالات التي حصلت فيها حالات الإفلات من العقاب مثلا المادة (سبعة) من الدستور العراقي التي حظرت حزب البعث وترجمت إلى قانون اجتثاث البعث وترجمت إلى قانون هيئة المسائلة والعدالة لسنة (2008) ثم ترجمت إلى المطالبات في المصالحة وغض الطرف عن الجرائم التي ارتكبها أركان النظام السابق هذه لابدّ من مراجعتها بشكل كبير جدا وفتح كل الملفات في هذا الموضوع لمنع إفلات هؤلاء من العقاب، أمّا أنّه يتم السكوت عن كل تلك الجرائم والخروقات الكبيرة التي ارتكبت في الماضي فهذا هو الذي أسس لتلك الخروقات التي تحصل الآن بحق الشعب العراقي والتي نشهدها يوميا جهارا نهارا اذاً يجب على القضاء أن يتحرك في ثلاث محاور:-

 المحور الأول: إنه يجب أن يتم التحقيق في كل الجرائم وحفظ ما أمكن من أدلتها المادية من اجل سوق الجناة حتى ولو بعد حين إلى المحاكم العادلة.

المحور الثاني: تفعيل آلية المساعدة القضائية أي مخاطبة المحاكم في بعض الدول الأخرى من أجل إعانة القضاء العراقي في بعض الأشياء منها مثلا حينما يحمل الجاني الجنسية التونسية ويهرب إلى تونس بعد ارتكابه الجريمة في العراق من الممكن للمحاكم العراقية أن تطلب من خلال القنصليات العراقية معونة القاضي التونسي الذي بإمكانه وفق القانون الوطني أن يستجلب ذلك الجاني ويحقق معه ويستفيد من بعض المعلومات التي يمد بها القاضي العراقي والتي يمكن أن تكون ميدان لاكتشاف العديد من الجرائم.

 المحور الثالث: القضاء العراقي مطالب أيضا بأن يفتح سجلاً خاصاً بالجرائم المسكوت عنها أو التي ترتكب بالخفاء كجرائم الشرف، أو التي تُغطي عليها الأعراف العشائرية أو غيرها لأن هذه الجرائم من أكثر الجرائم ارتكابا وأكثرها انتهاكا لحقوق وحريات الشعب العراقي وهي من الجرائم الخطيرة جدا.

السؤال الأول: هل يسهم إقرار قانون العفو العام ومحاولة تعديله في إقرار وتأكيد سيادة القانون وضمان الحقوق والحريات أم إنه وسيلة للهروب من الجزاء وكذا الأمر لمحاولة البعض إقرار قانون للعشائر؟

- الأستاذ حيدر الجراح مدير مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث يجيب عن السؤال بتساؤلين، الأول هل لشكل النظام السياسي علاقة بالإفلات من العقاب، والثاني دور البيئة الثقافية والاجتماعية في تشجيع الإفلات من العقاب؟

وبعض الملاحظات حول ظاهرة (السلب والنهب) وعلاقتها بالواقع العراقي الممتد لأربعينيات القرن الماضي وليس لها علاقة بإطلاق سراح المجرمين من السجون، وحول قانون اجتثاث البعث، ولعل من اكبر الأخطاء التي ارتكبتها أمريكا حل الجيش العراقي وقضية اجتثاث البعث. ودائما ما يرافق التغيير العنيف إرتدادات دينية وقبلية وهذا ما حصل فعلا على الواقع العراقي اليوم قانون العفو العام جاء متأخرا".

أحمد جويد: تسييس القوانين

- يرى أحمد جويد مدير مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات، "أنّ الكثير من المنظمات الحقوقية أغفلت حقّ الضحية وذهبت للدفاع عن الجلاد من خلال دعمها مشروع العفو العام الذي ربما ينتزع الحرية لأشخاص صنفوا على أنهم قتلة ومجرمون وهذا ما لم يسع إليه مركز آدم للدفاع عن للحقوق والحريات، والغريب أن السياسية دخلت إلى القوانين واشتبكت معها لغرض الإفلات من العقوبة، والمشرع في العراق لم يكن غافلاً عن أن بعض التشريعات يوجد فيها نزعة ما للإفلات من العقاب ولكن ما هو سياسي مقدم على ما هو قانوني أو مؤسساتي في الدولة العراقية، فاليوم عندما يصدر قانون العفو العام فليس الهدف منه إنصاف الناس الأبرياء لكن الغاية تصفية سجلات بين أحزاب معينة لغرض أن تبدأ صفحة جديدة تتماشى مع الوضع لمدة أربعة سنوات قادمة. اليوم تطرح مسميات عديدة منها التسوية والمصالحة المجتمعية والغاية من هذه الدعوات إغلاق ملفات أشخاص مجرمين بعينهم".

 عدنان الصالحي: حزم في عدل ولين في قوة

 - يعتقد عدنان الصالحي مدير مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية "أنّ الإفلات من العقاب أصبح ثقافة حفزت المجرم على القيام بالجريمة وحفزت الوضع باتجاه السير نحو الانتقام الفردي، لذا ما ترسخ اليوم من ذهنية لدى الفرد العراقي أو الثقافة العراقية بأنك إن لم تستطع أن تأخذ حقك بيدك فإنَّ لا دولة ولا قضاء يستطيع أن يرد لك الحق بل على العكس قد يُبرّأ المتهم بشكل بسيط، هذه الثقافة ثقافة خطيرة جدا وتهدد بنية المجتمع العراقي وتنذر بخطر الانفلات والإًقتتال ويجب أن نستشعر حرارة قلوب ذوي الضحايا، فقضية العفو العام قد تعالج بعض الأخطاء التي ترتكب في القضاء بدون قصد، وقد تعالج الحالات الاستثنائية للدول وتمتد لفترات طويلة وليس لمدد قصيرة، الغاية من العفو هو معالجة الأخطاء التي يقع فيها القضاء بشكل غير مقصود ومراعاة الوضع الإنساني والوضع العام للدولة، ولكن عندما يصبح العفو العام جزءاً من سياسية الدولة ويصبح جزءاً من اللعبة السياسية هنا يكمن الخطر، الشيء الآخر إن إيقاع الحكومة العراقية الآن إيقاع سياسي محظ لا يبنى على الإطار الوطني او الاستراتيجي بل يبنى على المصالح السياسية وعلى التوافقات ولذلك فجزء من تشكيل حكومة السيد العبادي بُنيَ على أن يكون العفو العام مقراً في هذه الدورة".

 وأضاف الصالحي، "وبالتالي نستوضح بأن هناك ملفات مطروحة ويمكن التفاوض عليها في إطار سياسي لذا لابدّ من التركيز على قضية الإفلات من العقاب ومناقشتها مناقشة دقيقة وإلا سنتحول إلى دولة غير مستقرة أمنيا بسبب حالات الانفلات وعدم إيقاع العقوبة على الجناة وهذا ما تؤكده الآية الكريمة (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) وإنها قانون يجب، ن يطبق لأّن الجانب اللين اذا ما استمر في أداء الحكومة قد يرسل إشارات خاطئة إلى الجانب الآخر وأن الضعف والوهن هو من مرتكزات الحكومة بل يجب أن نرسل إشارات أخرى بأن هناك حزم في عدل ولين في قوة".

الشيخ مرتضى معاش: تحطيم فلسفة العفو

 - الشيخ مرتضى معاش رئيس مجلس إدارة مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام، "من المؤيدين للعفو باعتبار أنه من المؤمنين بنظرية اللاّعنف والتسامح لكن المشكلة لدينا أن العفو يشمل الجناة ويعاقب الضحايا، وهنا لابدّ أن نفرق بين العفو وبين الإفلات من العقاب وأن لا نضعهم في سلة واحدة، فكلا من العفو والإفلات من العقاب له جانب معين. بالنسبة للعفو لابدّ أن نلاحظ المخرجات، التي تسهم في قضية العفو، فالعفو هو لبناء السلم الاجتماعي والمصالحة الاجتماعية، ومن ثم تحقيق الوفاق الاجتماعي فنحن عندما نتكلم عن القصاص فهناك أحاديث تشجع ولي الدم على العفو عن الجاني، معناها أنّ الشريعة تريد أن تحقق نوعاً من التسامح والرحمة بين الناس، لذلك لابدّ أن نلاحظ هذا الشيء من أجل بناء إطار الرحمة والتسامح لبناء المصالحة المجتمعية، ولكن ما يحصل الآن هو استغلال تلك القضايا لمصالح فئوية او لصفقات سياسية حزبية تؤدي إلى إفلات الجناة من العقاب.

 "ومن ثم فالعفو عن من لا يستحق العفو يؤدي إلى المزيد من الجرائم ولا يؤدي إلى المصالحة والوئام الاجتماعي حتى نحقق السلم الاجتماعي الكامل، لكن سياسة العفو المتبعة الآن قد تؤدي الى الإفلات من العقاب الآن، وخصوصا الفساد وإفلات الفاسدين مع ان الفساد هو سبب الإرهاب والجريمة، لذلك فان الإفلات من العقاب قد يكون سبباً قويا في تحطيم فلسفة العفو، امّا بالنسبة للعشائر فلها دور كبير في السلم الاجتماعي وهي عبارة عن كتل تقليدية وهي واقعا تستطيع ان تساهم في بناء المجتمع المدني، ويجب أن لا نحطم هذه الكتل بل يجب أن نطور تفكيرها للذهاب نحو السلم الاجتماعي وتطبيق القانون وتطبيق الإنصاف خصوصا وإن العشائر ليس لها ثقة بالنظام، والعشائر تساهم في عملية المصالحة ويجب أن نستثمر الجوانب الإيجابية في قضية العشائر من أجل تحقيق السلم والمصالحة المجتمعية ومعالجة الثغرات".

الدكتور حسين أحمد: الشفافية والتمكين والرقابة

 - ويعتقد الدكتور حسين أحمد رئيس قسم الدراسات الدولية في مركز الدراسات الإستراتيجية جامعة كربلاء والباحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الستراتيجية "أن هناك عملية تكاملية في موضوعة سيادة القانون تبدأ من طبيعة وفلسفة النظام السياسي وأيضا ما يجسد هذه الطبيعة وهذه الفلسفة هو النظام الدستوري لذلك النظام، عليه أن يصل إلى مرحلة أنه بالإمكان وبعد الأساس الدستوري هي التشريعات التي تنطلق أساسا من النظام الدستوري إضافة إلى المؤسسات، ولما نأتي على المؤسسات هي التي تنفذ الأطر التشريعية الخاصة بسيادة القانون، وهنا نكون أمام مجموعة مقومات أساسية لابد من توفرها إضافة إلى عملها وهدفها، الآلية الأولى: هي قضية الشفافية. العنصر الثاني: هو قضية التمكين. والعنصر الثالث: هي قضية الرقابة وغيرها من العناصر، اذا العملية تكاملية وقد لا تتجسد بشكل كامل في موضوع قوانين العفو العام، الجانب الآخر من التجارب التأريخية للأنظمة السياسية على مستوى العالم نلاحظ أن الدول التي تلجأ لقانون العفو العام، تمر بنوعين من حالة النظام، الحالة الأولى قد تكون الدولة في حالة حرب وبالتالي هي تحتاج لموارد بشرية لإدامة زخم الحرب".

 "المرحلة الثانية بعض الدول التي شهدت تغيير سياسي تذهب بإتجاه مصالحة وطنية وهذه المصالحة لأننا انتقلنا من نظام ديكتاتوري إستفاد منه البعض وظلم منه البعض فتحتاج إلى مصالحة وطنية تبدأ من قضية العدالة الإنتقالية وأركانها الأربعة وقد يضاف لها ركن أساس وهو العفو العام، بوجود العفو العام قد يكون هناك تقدم يعطي زخماً اكبر لقضية المصالحة المجتمعية، وحقيقة فيما يخص قانون العفو العام فهو جاء نتيجة مجموعة اتفاقات سياسية جاءت على إثر سلة قوانين تخدم القوى السياسية العراقية".

 السؤال الثاني والموانع المانعة من تشكيل تحالف حقيقي ذو طابع عالمي

 السؤال الثاني: ما هي الموانع المانعة من تشكيل تحالف حقيقي ذو طابع عالمي وأن تكون من مقاصد تشكيله الإفلات من العقاب لاسيما إن علمنا أنّ الدول المشاركة الآن في التحالفات على صعيد الحرب على الإرهاب ومنها الولايات المتحدة الأمريكية والكثير من رعاياها الآن يحاربون في العراق وسوريا وغيرها من الدول، كذلك الأمر يشمل السعودية والإمارات فماذا صنعت هذه الدولة حتى تعطي معلومة استخبارية حقيقية للدول التي تكافح هذه الآفة الخطيرة وما هي العوامل التي منعت هذا التحالف الذي ننشده وأن يكون تحالفا حقيقيا وليس تحالفاً على الورق أو إعلاميا؟

 يجد الدكتور حسين أحمد "أنّ القضية الأولى هي مصالح سياسية معينة وبالتالي لا تريد بعض الدول أن تعطي صورة واضحة للرأي العام العالمي عن عدد ونوعية مواطنيها الذين التحقوا للقتال مع العصابات الإرهابية سواء في العراق أو سوريا، الجانب الثاني إن هؤلاء الرعايا يأتون بطرق غير رسمية والبعض يسافر إلى دولة جارة كتركيا أو غيرها ومن ثم يدخل إلى سوريا أو العراق ولكن نعتقد بأن الجوانب الأساسية وحتى لا تكون هناك زعزعة للرأي العام الداخلي لتلك الدول، وأيضا عدم إعطاء صورة واضحة للمجتمع الدولي عن عدد وطبيعة الأشخاص من المواطنين الذين التحقوا بالجماعات إرهابية ولربما يسبب لها حرج أمام الأنظمة الأخرى أو الحرج الإعلامي".

 يرى حيدر الجراح "أنّ العفو العام له شقين: الأول عن المتهمين بالجرائم في عهد النظام السابق قبل (2003) وله علاقة بالمصالحة الوطنية، والعفو العام عن جرائم أخرى كجرائم السرقة والقتل وهذه جرائم تحدث في أي مجتمع آخر، أضف إلى ذلك أنّ الشخص المتهم في العراق هل له الحق في محاكمة عادلة وهل تحصل فعلا المحاكمة العادلة، وما يسبقها من مثل المراقبة والتحري والدهم والقبض وانتداب محامي للدفاع عنه منذ لحظة القبض والخصوصية والسرية بين المحامي والمتهم، في العراق ومع وجود تأثيرات سياسية وثقافية واجتماعية وغيرها ولا يوجد متهم يخضع لهذا البند، وعادة ما تنزع الإعتراف نتيجة الضغط والضرب. كثير من الجرائم التي ترتكب تدخل فيها عوامل ثأرية وربما حتى تأثر على سير المتهم وموقفه من الجريمة".

 أحمد جويد "يجد أن طبيعة العلاقات الدولية هي علاقة القوي مع الضعيف وقد تأسست منظمة الأمم المتحدة على أعقاب عصبة الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية (1945) وبالتالي أصبحت القوة المنتصرة هي التي تفرض شروطها وقوانينها وبالتالي الجميع يعرف أنّ الطرف الأقوى هو الذي يفرض شرطه، وبالنتيجة الأقوياء لا يتعاملون إلا مع الأقوياء وحينما يطلب الضعفاء منهم أنْ يساهموا في متابعة الجرائم الدولية يتم فرض شروط عليهم وإدخالها في معاهدات خصوصا ونحن لا نعيش في عالم مثالي يريد أن يرسى مبادئ السلم العالمي والعدالة. العالم اليوم متصارع في كل شيء، وبالتالي ما دامت المصالح هي التي تحكم، لذلك فالدول القوية تعمل وفق ما يروق لمصالحها وعلى العراق أن يدخل في تفاهمات مع الدول الكبرى حتى تضمن له متابعة المجرمين خارج حدود العراق وهذه القضية تحتاج لمعاهدات وسعي حثيث وجدية من الدولة العراقية للتفاهم مع الدول القوية لعدم إفلات الجناة من العقاب".

 ويعتقد عدنان الصالحي "أنّ الأداء السياسي يطرح على المستوى العالمي، وهو ليس ملائكياً ويقيناً هناك الجانب الاقتصادي وهناك حسابات استراتيجية لكلّ دولة وهناك المصالح لدى بعض الدول، وبالنتيجة هي لا تنظر إلى قضية محاسبة المجرمين من خلال الشباك العراقي أو النافذة العراقية بل تنظر له من خلال نافذتها ولذلك هناك وجهات نظر تختلف في الأولويات بالنسبة لكل طرف من الأطراف فما تراه انت يراه غيرك بشكل مغاير، إذاً نحن أمام حالة من المساومة السياسية، ولذلك على الجانب العراقي أن يكون هو المحفز على ممارسة الضغط بشكل إقليمي ودولي لأنه المتضرر الأول هو ومن معه في هذا الخندق.

مرتضى معاش: النظام الدولي يساهم في الإفلات

 من جهته، يرى مرتضى معاش "أنّ هناك الكثير من الإشكالات في النظام الدولي أما بالنسبة للمؤسسات الدولية هي مؤسسات ضعيفة لأنها تعتمد بنفسها على مساهمات الدول الممولة وهي معرضة الآن للتحطم من مثل المحكمة الجنائية الدولية وأغلب الدول القوية التي هي أساس النظام الدولي هي دول استعمارية ومتحالفة مع دول مشاركة بحروب إبادة ولم يمارس ضدها أي قصاص كالإستعمار الفرنسي في أفريقيا والاستعمار البريطاني في الهند والعراق والأمريكان في فيتنام فمن يحاكم هؤلاء؟ فنفس النظام الدولي يساهم في الإفلات من العقاب ولكن هناك أشياء جيدة يمكن الاستفادة منها فإذا كان عندك إفلات من العقاب في الجانب الداخلي حتى تفكر بالجانب الدولي فالمشكلة في دخول الإرهابيين من فعل الواقع الداخلي فلابدّ أن تقوي الجبهة الداخلية وبالتالي ان تستثمر العوامل الخارجية".

التوصيات:-

- إستكمال الأطر التشريعية اللازمة لضمان عدم الإفلات من العقاب.

- أن تعمل الحكومة العراقية والدبلوماسية العراقية والتوقيع على اتفاقات دولية لتبادل المعلومات الإستخبارية.

- تعزيز سلطة القضاء وعدم التدخل في شؤونه.

- تحقيق مبدأ فصل السلطات.

- تشجيع المواطن على تحمل مسؤولية الوطنية.

- أولا لابد من توفير السلم الاجتماعي والذي يأتي متزامنا مع الثقة بالنظام السياسي.

- دعوة منظمات المجتمع المدني والمركز البحثية لرفع مستوى الوعي الثقافي الاجتماعي.

- عدم خلط القضايا السياسية مع القضايا القانونية والقضائية التي تخص الحق العام.

- دعوة المخلصين في البرلمان والحكومة لمتابعة موضوع الإفلات من العقاب.

{img_3}

اضف تعليق