q
ان المال بات جزء لا يتجزأ من كرة القدم، وبات الهدف الاساسي للاندية والرياضيين في العالم، بل انه بات الوسيلة الاكثر ربحاً لوكلاء اللاعبين والسماسرة الذين بلغت عمولاتهم الملايين في العديد من الصفقات، وهذا من شأنه ان يفسر الرغبة الكبيرة للعديد من اللاعبين بالانتقال من انديتهم الى اندية قد تكون أضعف واقل شهرة في سبيل تحقيق رغباته المالية...

لماذا تنفق أندية كرة القدم مئات الملايين لشراء اللاعبين؟، الجواب لان سطوة المال وكثرة العقود والاستثمارات حوّلت كرة القدم إلى سوق تجاري للأغنياء، فقد أصبح المال هو عصب الساحرة المستديرة، بعد أن كان محركها الرئيسي هو عشق الجماهير وشغب اللاعبين، ففي تسعينيات القرن الماضي بدأت تتشكل ملامح رأسمالية كرة القدم، وبعد أن كنا نشاهد الكثير من الأندية تنافس على الألقاب، وتقاتل على جميع الجبهات في مختلف الدول، أصبحت الألقاب محصورة بعدد محدود من الأندية الغنية، إلا من بعض الاستثناءات القليلة، والقليلة جدا.

يمكننا القول بأن المال الرياضي ان صح التعبير بات جزء لا يتجزأ من اللعبة الاكثر شعبية في العالم، وبات الهدف الاساسي للاندية والرياضيين في كافة ارجاء المعمورة، بل انه بات الوسيلة الاكثر ربحاً لوكلاء اللاعبين والسماسرة الذين بلغت عمولاتهم الملايين في العديد من الصفقات، وهذا من شأنه ان يفسر الرغبة الكبيرة للعديد من اللاعبين بالانتقال من انديتهم الى اندية قد تكون أضعف واقل شهرة في سبيل تحقيق رغباته المالية.

نشاهده في السنوات الاخيرة من ارتفاع مبالغ فيه لأسعار اللاعبين والصفقات الفلكية التي يتم عقدها هنا وهناك ما هو الا تأكيد لما نرمي اليه في ظل دخول المال بقوة في عالم كرة القدم، حتى باتت اللعبة الاكثر امتاعاً ومتابعة في كافة ارجاء المعمورة تسير في طريق مجهول لا ندري الى اين يمكن ان يصل بعد عدة سنوات.

رؤوس الأموال التي بدأت في السنوات الاخيرة غزو ملاعب كرة القدم الاوروبية تحديداً ساهمت الى حد كبير في توجيه الدفة وتغيير المفاهيم، هذه الاموال التي وجد اصحابها بأن كرة القدم هي الوسيلة الاكثر سهولة في سبيل الشهرة وتلبية حاجاتهم بأن يكونوا ضمن الصف الأول في عالم كرة القدم فبتنا نشاهد رؤوس الأموال الخليجية والشرق اسيوية والامريكية تتواجد بكثافة في الملاعب الانجليزية والاسبانية والايطالية وحتى الفرنسية، وقد تكون الاندية الألمانية هي الاقل تأثراً بهذه الظاهرة نظراً لاعتمادها المباشر والوثيق على رؤوس أموال ألمانية وشركاتها العملاقة.

لم يتوقف الامر عند هذا الحد، بل شهدنا في الآونة الاخيرة دخول السوق الاكبر عالمياً في عالم كرة القدم، ولكن بطريقة قد تكون مختلفة بعض الشيء، فدخلت السعودية هذا العالم برغبة كبيرة في تطوير اللعبة وتنميتها من خلال استقطاب نجوم اللعبة وكبار مدربي العالم الى الدوري السعودي. هذا بالتأكيد ساهم بشكل اضافي في تضخيم اسعار اللاعبين بشكل كبير، بل ان العديد من الاندية السعودية باتت تواجه كبار الاندية الاوروبية وتنجح في عقد صفقات للاعبين كبار بمبالغ ورواتب خيالية!

الميركاتو"..كيف بدأت فكرة "مواسم الانتقالات" في عالم الكرة؟

تعد "مواسم الانتقالات" أحد أهم الفصول المحببة لقلوب جماهير كرة القدم، لما تحمله من إثارة خاصة، وسط مئات التقارير الإعلامية التي ترصد حركة الملايين بين كبار اللعبة وصغارها، وأنفقت أندية كرة القدم على التعاقدات مع اللاعبين خلال الفترة من 2011 وحتى 2020، أكثر من 48 مليار دولار، وفقا لتقرير صادر عن "الفيفا".

وأجرت أندية أكثر من 200 دولة حول العالم ما يقارب 133 ألف تعاقد في صفقات بيع نهائي أو إعارة، وشهد عام 2019 أكبر عدد من الصفقات خلال ذلك العقد برصيد 18 ألف صفقة، وشارك في هذه التعاقدات أكثر من 8 آلاف ناديا، وشملت الصفقات قرابة 66 ألف لاعبا.

بداية الميركاتو

بالتزامن مع المحاولات الأولى لإنشاء نظام احترافي لكرة القدم في إنجلترا بمنتصف ثمانينيات القرن التاسع عشر، وتحديدا في 1885، عندما أصبحت مهنة "لاعب كرة القدم" رسمية ومعترف بها، وضعت اللبنة الأولى في نظام الانتقالات الذي نعرفه اليوم.

وقبل هذه الخطوة الهامة والمؤثرة في تاريخ اللعبة، كانت الأندية تدفع أجور للاعبين غير قانونيين، وقام مالكو الأندية بالعديد من حالات الدفع غير القانونية لإغراء النجوم، إذ لم يكن هناك نظام، وبوسع اللاعب أن ينتقل إلى أي ناد وقتما يريد.

هذه الفوضى حولت النجوم إلى مرتزقة مأجورين، يتحركون نحو من يدفع أكثر، استغلالا لرغبة الجميع في تحقيق الانتصار داخل الملعب، وحتى لو كان سببا في تكبد خسائر مالية كبيرة، وفقا لما جاء بتقرير صحيفة "ذا أثلتيك" البريطانية حول تاريخ "الميركاتو" بكرة القدم.

ميركاتو شتوي ساخن.. وكلمة السر الانتقال الحر

أدرك الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم، التأثير السلبي لهذا النوع من الانتقالات الفوضوية على نزاهة المنافسة، لذلك قرر اتخاذ الإجراءات اللازمة، وكانت النتيجة إضفاء الطابع الاحترافي على كرة القدم في 1885، الذي يتطلب تسجيل جميع اللاعبين المحترفين في الاتحاد، قبل بداية الموسم الكروي.

وعقب انطلاق الموسم، لا يجوز لأي لاعب مغادرة فريقه حتى موعد التسجيل المقبل، على أن تتم الصفقة بموافقة نادي اللاعب والاتحاد الإنجليزي، ومع شعور الأندية بأنهم يستحقون تعويضا ماليا عن رحيل لاعب ما، فقد أدى ذلك إلى وضع نظام جديد يمكّن الأندية من الاحتفاظ بلاعبيها، والفرق الرئيسي بين هذا النظام و"سوق الانتقالات" اليوم، هو أن اللاعبين آنذاك لم يتمكنوا من الانتقال مجانا بعد انتهاء مدة عقودهم، ما لم تدفع الأندية الجديدة مقابل الانتقال المطلوب.

وبسبب هذا القانون الجديد، انتقلت دفة القوة التفاوضية للأندية، حيث أصبحت تتمتع بالقدرة على المساومة، ما مكنها من الاحتفاظ باللاعب وعرض عقد (عادة ما يكون لمدة سنة واحدة)، أو الانتظار حتى يقدم ناد آخر عرضا مناسبا لشراء اللاعب.

كان الغرض الأساسي من هذه الخطوة هو مساعدة الأندية الصغيرة على الاحتفاظ بنجومها أو الحصول على مبالغ كبيرة في المقابل، وخلال هذه الفترة، كانت بريطانيا تضع القواعد العامة لكرة القدم، وانتشرت هذه القواعد تدريجيا في القارة العجوز، ومنها إلى القارات الأخرى.

فعلى سبيل مثال، أقيمت أول مباراة لمدة 90 دقيقة بإنجلترا بين فريقي لندن وشيفيلد في 1866، وأصبحت قاعدة عامة بعد ذلك، ومع تأسيس الاتحاد الدولي للعبة "فيفا" عام 1904، مُهد الطريق لتحول كرة القدم إلى لعبة عالمية بقواعد مشتركة نسبيا، وصولا إلى كونها الأكثر شعبية بالعالم من بين الألعاب الأخرى.

وفي خطوة لاحقة، قرر الاتحاد الإنجليزي أيضا وضع حد أقصى وأدنى للرواتب من أجل التحكم في أجور اللاعبين، وحماية الاستقرار المالي للأندية، ومع ذلك، كان المجد الكروي ما زال يطارد عقول مالكي الأندية، ما يعني أن الحد الأقصى للأجور كان يُكسر بشكل غير قانوني في كثير من الأحيان من قبل مديري الأندية لجذب المواهب القوية.

واتسمت العلاقة بين اتحاد اللاعبين، المعروف الآن باسم رابطة اللاعبين المحترفين، مع اتحاد كرة القدم خلال العقد الأول من القرن العشرين، بكونها غير مستقرة، الأمر الذي مهد لإضرابات وحملات كان لها تأثيرا ضئيلا على الزيادة المطردة والبطيئة في الحد الأقصى للأجور، ولم يكن من المفاجئ مغادرة لاعبين على مستوى عالٍ مثل جون تشارلز وجيمي جريفز إلى خارج إنجلترا في الخمسينيات من القرن الماضي، عندما تم إغراؤهم بأجور عالية.

واقعة إيستهام والهيبيز

في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين، ظهرت حركة شبابية تدعى "الهيبيز" في الولايات المتحدة الأميركية، ثم ببعض الدول المجاورة في القارات الأخرى، وكان الهدف من تأسيسها مناهضة للقيم الرأسمالية، حيث ظهرت بين طلاب بعض الجامعات في الولايات المتحدة كاحتجاج وتمرد على قيادة الكبار والمظاهر المادية والنفعية وثقافة الاستهلاك.

تأثرت بريطانيا بحركة "الهيبيز"، خاصة في عالم كرة القدم، إذ بدأت الاحتجاجات لإلغاء الحد الأقصى للأجور للاعبين إيقافا لنزيف المواهب المستمر الذي تعرضت له إنجلترا خلال هذه الفترة، واستجابت زارة العمل البريطانية لاعتراضات رابطة اللاعبين المحترفين، وأعلنت بشكل رسمي عام 1961، إلغاء الحد الأقصى للأجور في كرة القدم الإنجليزية، ما أعطى اللاعبين من جديد القوة التفاوضية مع الأندية من أجل الحصول على أفضل عرض ممكن.

مباراة كرة قدم بـ9 لاعبين

في العام 1963، مثلت صفقة انتقال اللاعب الإنجليزي، جورج إيستهام، إلى أرسنال نقلة نوعية في تاريخ الانتقالات في كرة القدم، قدم إيستهام طلب انتقال من نيوكاسل يونايتد في عام 1959، وبعد أن رفض النادي، قرر اللاعب عدم التوقيع على العقد الجديد المعروض عليه، وبمساعدة رابطة اللاعبين المحترفين ورئيسها جيمي هيل، حصل إيستهام على مراده وانتقل إلى أرسنال في 1960 بعد حرب دعائية.

ورفعت رابطة اللاعبين المحترفين قضية إلى المحكمة لإجراء مزيد من التعديلات على النظام القديم الذي بدأ في عام 1885، وحكم القاضي بارون ويلبرفورس لصالح إيستهام، ما اضطر سلطات كرة القدم إلى إعادة مراجعة النظام بحيث يمكن للاعبين الذين يصلون إلى نهاية عقودهم أن يغادروا بشكل مجاني إذا فشلت أنديتهم في تقديم عرض جديد مناسب.

ثورة بوسمان

من إيستهام إلى البلجيكي جان مارك بوسمان، الذي أحدثت صفقة انتقاله ثورة جديدة في عالم الانتقالات باللعبة، ففي العام 1992، وقع الاتحاد الأوروبي معاهدة "ماستريخت"، والتي سمحت بحرية الحركة العمالية في جميع أنحاء القارة.

وقعت هذه المعاهدة بالتزامن مع انتهاء عقد بوسمان مع ناديه البلجيكي "آر سي لييج"، والذي قدم عرضا مخفضا إليه، وهو ما لم يروق لبوسمان، ليبدأ البحث عن ناد آخر يقدّر خدماته بشكل أفضل ماديا، وقدم النادي الفرنسي "دونكيرك" عرضا مناسبا لبوسمان، إلا أن ناديه البلجيكي وقف في وجه الصفقة، بحجة تخوفه من عدم قدرة "دونكيرك" على تحمل قيمة الصفقة.

وقرر بوسمان اللجوء إلى القضاء، ورفع شكوى إلى محكمة العدل الأوروبية في لوكسمبورغ ضد ثلاث جهات: نادي آر سي لييج، والاتحاد البلجيكي لكرة القدم، والاتحاد الأوروبي لكرة القدم "يويفا"، على أساس أنهم قيدوا حركته بشكل غير قانوني في سوق العمل.

وجاء تصرف الجهات المذكورة مع بوسمان ضد المادة 39 من قانون العمل في المعاهدة الأوروبية "ماستريخت"، تلك المادة أصبحت نواة لـ "قانون بوسمان" المستند في جوهره على أن لاعبي كرة القدم تسري عليهم قوانين العمل الأوروبية بصفتهم عمالا يحق لهم حرية الانتقال والحركة، دون تعرضهم للابتزاز أو العزل أو التهديد.

وبعد سنوات من المداولات والشد والجذب، وتحديدا في 15 ديسمبر من عام 1995. فاز بوسمان بنزاعه، لينتصر جميع لاعبي كرة القدم حول العالم وليس في أوروبا فقط، وأتاح "قانون بوسمان" للأندية الأوروبية الاعتماد على عدد غير محدود من اللاعبين المنتمين لدول الاتحاد الأوروبي، واعتبارهم غير محترفين، كما فسح المجال لمغادرة اللاعبين لفرقهم بشكل مجاني بمجرد انتهاء عقودهم أو بالتفاوض مع الأندية الراغبة في التوقيع معهم قبل 6 أشهر من انتهاء عقودهم مع أنديتهم، هذه الإجراءات أدت إلى تقديم بعض الأندية عقودا طويلة الأجل على أمل استعادة بعض السيطرة.

ومؤخرا قام نادي أتلتيك بلباو الإسباني بتمديد عقد مهاجمه الشاب إيناكي ويليامز لمدة 9 سنوات، وظهور شروط جزائية ضخمة كالشرط الجزائي بعقد لاعب ريال مدريد الشاب فيديريكو فالفيردي والذي يصل إلى مليار يورو.

جدير بالذكر، أنه خلال تطور الانتقالات في كرة القدم، ظهر نظام "إعارة اللاعبين"، وحدثت أول صفقة على سبيل الإعارة في 1872 بإنجلترا، بانتقال اللاعب شيكوير إلى نادي واندررز.

محاربة الجنون

تطورت حركة الانتقالات أكثر وأكثر بمرور الأعوام، ما أدى إلى ظهور مهنة وكيل اللاعبين في 1991، ليصبح وجودها ضروريا بعد ذلك، مع ظهور أسماء كبيرة في هذا العالم مثل: مينو رايولا وخورخي مينديز.

ووفقا لتقرير "فيفا" عن الصفقات التي تمت من 2011 وحتى 2020، فإن الأندية أنفقت ما يقارب 3.5 مليار دولار أميركي على عمولات وكلاء اللاعبين خلال هذه الفترة، وأن هذا المبلغ في طريقه إلى الزيادة، وشهد العام 2009، تقديم قانون "اللعب المالي النظيف" من قبل "يويفا"، وهو قانون يتم العمل به من قبل الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، وهو يستهدف معادلة جميع الأندية المشاركة في البطولات القارية لليويفا للإيرادات والمصروفات، وألا يكون في ميزانيتها أي نوع من أنواع العجز المالي، وبدأ العمل به رسميا بموسم 2011 – 2012.

وبموجب هذا القانون فإن النادي الذي تزيد مصروفاته عن إيراداته يكون عرضة لعقوبات الاتحاد الأوروبي، والتي تبدأ من التوبيخ ولفت النظر، ويمكن أن تصل للمنع من المشاركة في المسابقات أو الحجب تماما، وجود "اللعب المالي النظيف" كان ضروريا مع ظهور صفقات أعلى من 100 مليون يورو، ومع اتهامات لكبار أوروبا بدفع بعض المال "تحت الطاولة" هربا من العقوبات، وفي التقرير الذي عرضه الاتحاد الأوروبي لكرة القدم في 2009، تبين أن نصف الأندية البالغ عددها 655 قد تحملت خسائر مادية في السنة السابقة، وأن 20 في المئة منها في وضع مالي خطير.

وفي الأشهر الأولى من عام 2012، أكدت البيانات الواردة أن ديون أندية كرة القدم تقدر بحوالي 1.6 مليار يورو، وبلغت نسبة النمو 36 في المئة، وحملت هذه البيانات كارثة تمثلت في أن 75 في المئة من الأندية غير قادرة على تحقيق التوازن المطلوب، دفع قانون اللعب المالي النظيف الأندية للبحث عن موارد جديدة للاستثمار وكسب المال، كما أجبرتهم على الاهتمام بقاعدة الناشئين وذلك لأن الاعتماد على شراء اللاعبين فقط سيسبب بطريقة أو بأخرى العجز في الميزانية، لكن ما زال الجميع يسعى للحصول على خدمات النجوم، حتى لو كانت التكلفة استثنائية، وظل "المجد الكروي" الهدف الأهم من اللعبة.

كرة القدم: هل يتجه الدوري السعودي نحو العالمية بعد تعاقده مع نجوم الساحرة المستديرة؟

تبدو خطة المسؤولين السياسيين والرياضيين السعوديين بشأن إعطاء قفزة نوعية لدوري كرة القدم المحلي ناجحة. فقد شدت انتباه عشاق اللعبة عبر العالم بقدر ما أثارت حصة خيالية من الاهتمام والمتابعة الإعلامية، من خلال تقارير مفصلة ومتسلسلة حول انتقال نيمار إلى نادي الهلال أو محرز إلى الأهلي عقب وصول رونالدو إلى النصر وبنزيمة إلى الاتحاد. والسؤال المطروح الآن، هل يتجه الدوري السعودي نحو العالمية بعد تعاقده مع النجوم الدولية؟

من كان يتخيل أن البرتغالي كريستيانو رونالدو، الفائز خمس مرات بجائزة الكرة الذهبية، والبرازيلي نيمار قائد منتخب "السيليساو" سيتنافسان يوما في مباراة رسمية بالدوري السعودي للمحترفين؟ ومن كان يتصور أن الفرنسي كريم بنزيمة، أفضل لاعب في العالم عام 2022، سيواجه الجزائري رياض محرز في ديربي مدينة جدة الساحلية؟

لقد تحولت هذه الفرضية الجنونية من الخيال إلى الواقع، وبالفعل سيخوض رونالدو ونادي النصر في 30 نوفمبر/تشرين الثاني مباراة حامية أمام نيمار ونادي الهلال على استاد الملك فهد بالرياض. وقبل هذا الموعد، سيلعب الاتحاد بقيادة بنزيمة في 5 أكتوبر/تشرين الأول مقابلة ملتهبة أمام الأهلي بزعامة محرز على ملعب مدينة الملك عبد الله الرياضية.

جدير بالذكر أيضا بأن رونالدو وبنزيمة، اللذين شكلا ثنائية رهيبة في ريال مدريد على مدى تسعة مواسم فازا خلالها بدوري أبطال أوروبا أربع مرات، سيتقابلان مع فريقيهما في 14 ديسمبر/كانون الأول في جدة ضمن منافسات الجولة الثالثة عشرة.

تطلعات كبيرة وتساؤلات مشروعة

بات حلم السعوديين واقعا ملموسا مع انطلاق الدوري المحلي في 11 أغسطس/آب بفوز الأهلي على ضيفه الحزم 3-1، وسط تطلعات المسؤولين السياسيين والرياضيين في المملكة الثرية بأن تصبح بطولتها تدريجيا ضمن أبرز الدوريات في العالم، وفي ظل تساؤلات مشروعة حول قدرته بأن تتجه نحو العالمية بعد تعاقدها مع نجوم دولية.

ومع هذا التحول في الدوري السعودي، اتضحت معالم إحدى المجالات المتنوعة التي تضمنتها "رؤية السعودية 2030" (خطة المملكة ما بعد النفط تم إطلاقها في أبريل/نيسان 2016) والتي سمحت إمكانية الاستثمار والتخصيص للأندية الرياضية عبر تحفيز القطاع الخاص وتمكينه من المساهمة في تنمية الرياضة والأنشطة الاقتصادية المرتبطة بها.

فقد أكد رئيس عمليات الدوري السعودي لكرة القدم كارلو نهرا على هامش تقديم نادي الهلال لاعبه الجديد نيمار أن التوسع الاستثنائي في كرة القدم يدخل ضمن "مشروع طويل الأمد". ولم يخف نهرا أبدا عزيمة السلطات العليا للبلاد على إنفاق ما ينبغي من الأموال لأجل استقدام الكفاءات الضرورية لتحقيق الهدف المسطر.

وقال في تصريح لوكالة رويترز "لتحسين كفاءة الملعب يتعين علينا إنفاق المال" وبالتالي "هناك التزام بإنفاق الأموال لتحقيق هذه الكفاءة، ولم يتم تحديدها كميا لمثل هذه الفترة الطويلة". وتابع قائلا: "نعم من أجل تحسين الكفاءة علينا أن ندفع ثمنها".

فتح قوائم أندية الدوري السعودي للاعبين الأجانب بدون حد أقصى

فهل صدقت بعض التقارير الإعلامية التي أفادت بأن حصة الدعم الذي تقدمه الرياض لأجل تدعيم أندية الدوري ضمن "رؤية 2030" لا يقل عن 17 مليار دولار؟ يبدو ذلك وهما، لكن مئات الملايين التي صرفها صندوق الاستثمارات العامة منذ 30 ديسمبر/كانون الأول 2022 (أي منذ تعاقد نادي النصر مع كريستيانو رونالدو) تؤكد صحة التقديرات.

وفي هذا المجال، يمكن القول إن المبالغ المعلنة تجاوزت الواقع لتصب في مجال الخيال والوهم. فكيف بلاعب أن يتقاضى 200 مليون يورو على امتداد عامين ونصف العام! على ما يبدو، هذا هو حال رونالدو وبنزيمة.

فصندوق الاستثمارات العامة هو أحد أكبر الصناديق السيادية في العالم، تتجاوز أصوله 600 مليار دولار، واستحوذ على أربعة أندية بارزة هي الهلال والنصر (فريقان من مدينة الرياض) والاتحاد والأهلي (فريقا مدينة جدة).

وكان الاتحاد السعودي لكرة القدم قرر فتح قوائم أندية الدوري للاعبين الأجانب بدون حد أقصى، "على أن يتم تحديد اللاعبين غير السعوديين بالحد المسموح به" (أي ثمانية لاعبين) خلال مهلة تمتد لغاية 15 سبتمبر/أيلول المقبل.

توالت التعاقدات وتسارعت وتيرة الصفقات

نتيجة لهذا القرار، توالت التعاقدات وتسارعت وتيرة الصفقات المبرمة مع نجوم الدوريات الأوروبية الكبرى، من إنكلترا إلى إسبانيا وإيطاليا. فقد عزز نادي النصر صفوفه بكل من السنغالي ساديو مانيه (من بايرن ميونيخ) والصربي مارسيلو بروزوفيتش (من إنتر ميلان) والبرازيلي أليكس تيليس (من مانشستر يونايتد) والبرتغالي أوتافيو (من بورتو).

من جانبه، اصطاد الهلال نجم كرة القدم البرازيلي نيمار بعد ستة مواسم قضاها في باريس سان جرمان، فضلا عن حارس مرمى المنتخب المغربي ياسين بونو (من إشبيلية) والمدافع السنغالي الدولي خاليدو كوليبالي والصربي ألكسندر ميتروفيتش من فولهام والبرتغالي روبين نيفيس من فولفرهامبتون الإنكليزي.

وكان الاتحاد تعاقد مع كريم بنزيمة قادما من ريال مدريد، ثم مع لاعب الوسط الفرنسي نغولو كونتي من تشلسي والبرتغالي جوتا من سيلتيك غلاسكو والبرازيلي فابينيو من نادي ليفربول. أما نادي الأهلي فتمكن من استقدام رياض محرز لصفوفه قادما من مانشستر سيتي حيث فاز بدوري أبطال أوروبا، كما أنه تعاقد مع الحارس السنغالي الدولي إدوار مندي (تشلسي) والمهاجم البرازيلي فيرمينيو من ليفربول والإيفواري فرانك كيسيه من برشلونة، إضافة إلى التركي مريح دميرل من أتلانتا الإيطالي.

ولأجل بث مباريات الدوري المحلي، وقع الاتحاد السعودي صفقة تجارية مع مجموعة "كنال+" الفرنسية، ما سيتيح للمشاهدين عبر العالم متابعة أطوار المواجهات بين النجوم الدولية، علما أن سوق الانتقالات في المملكة سيظل مفتوحا لغاية 8 سبتمبر/أيلول.

كرة القدم: صفقات بالمليارات، كيف يغير المال السعودي "موازين" الرياضة عالميا؟

أصبح اهتمام السعودية بالرياضة واضحا خلال السنوات الأخيرة، تجلى ذلك في عقد صفقات ضخمة في رياضات مختلفة بينها كرة القدم ورياضة الغولف.

كان آخرها الصفقة المفاجئة التي أبرمت بين أكبر كيانين في لعبة الغولف مع صندوق الاستثمارات العامة في المملكة العربية السعودية - الذي يمول دوري "ليف غولف" المنافس، وقبل أيام وقعت رابطة لاعبي الغولف المحترفين والجولة الأوروبية المعروفة باسم "دي بي وورلد تور"، اتفاقا مع الصندوق السعودي الذي يمول دوري "ليف غولف"، وينهي الاتفاق نزاعا قانونيا بين دوري "ليف" ورابطة لاعبي الغولف المحترفين.

في غضون ساعات من الإعلان عن توقيع الاتفاق بين رابطة لاعبي الغولف المحترفين وصندوق الاستثمارات السعودي، جاء التأكيد على أن لاعبا أسطوريا آخر - حامل الكرة الذهبية - كريم بنزيمة سينضم إلى كريستيانو رونالدو في دوري المحترفين السعودي.

واستحوذ صندوق الاستثمارات العامة السعودي للتو على أربعة من الأندية الكبرى في البلاد، مع توقع جولة جديدة من الإنفاق الآن.

في إحدى المراحل، كانت هناك تكهنات بأنه حتى أعظم لاعب في جيله - ليونيل ميسي - يمكن أن ينتهي به الأمر بالانضمام إلى الدوري السعودي. لكن البرغوث الأرجنتيني اختار إنتر ميامي الأمريكي في نهاية المطاف.

وتتزايد التوقعات بأن هذه الصفقات كلها مصممة لتمهيد الطريق أمام محاولة سعودية لاستضافة كأس العالم 2030، بقطع النظر عن الجدل الذي يمكن أن يحدثه ذلك.

بالنسبة لنشطاء حقوق الإنسان، فإن هذا يعزز ببساطة اعتقادهم بأن الحكومة السعودية تستخدم الجاذبية العالمية للرياضة، من أجل "الغسيل الرياضي"، وصرف الانتباه عن قضايا السمعة طويلة الأمد، بما في ذلك انتهاكات حقوق المرأة، وتجريم المثلية الجنسية، وتقييد حرية التعبير، واستخدام عقوبة الإعدام، ومقتل الصحفي جمال خاشقجي، والتدقيق في تورط البلاد في الصراع في اليمن.

يقول فيليكس جاكنز من منظمة العفو الدولية: "قد يبدو هذا مفاجئا لبعض عشاق الغولف، إلا أنه في الحقيقة مجرد دليل إضافي على مسيرة الغسيل الرياضي السعودية المستمرة".

"إنه مجرد جزء من جهد أوسع لتصبح قوة رياضية كبرى، ومحاولة تشتيت الانتباه عن سجل البلاد الفظيع في مجال حقوق الإنسان".

ومن بين القضايا الأكثر شهرة في البلاد والتي أثارت انتقادات حقوقية، إعدام 81 شخصا في يوم واحد، وسجن الطالبة السعودية في جامعة ليدز البريطانية، سلمى الشهاب، لمدة 34 عاما بسبب تغريدات اعتبرت منتقدة للدولة.

ترفض السلطات السعودية هذه الادعاءات باعتبارها "زائفة وغير منصفة"، وتصر على أن الاستثمار في الرياضة هو أحد الركائز الأساسية لـ "رؤية 2030'' المصممة لتحديث المملكة، والتي تهدف إلى إلهام الناس ليصبحوا أكثر نشاطا، وتعزيز السياحة وتنويع الاقتصاد استعدادا لعالم ما بعد النفط.

يُنظر أيضا إلى الجغرافيا السياسية والمنافسات الإقليمية على أنها عامل رئيسي في الاستثمارات السعودية، إذ تتنافس المملكة مع جيرانها الإمارات العربية المتحدة وقطر لترسيخ مكانتها كعاصمة للرياضة في الخليج.

في العام الماضي، أخبرني ياسر الرميان - محافظ صندوق الاستثمارات العامة السعودي ورئيس كل من نادي نيوكاسل يونايتد وكيان الغولف المدمج الجديد - أنه ليس على دراية بمصطلح "الغسيل الرياضي"، وذلك عندما سألته عما يواجهه من انتقادات في حفل افتتاح دوري "ليف غولف".

يشير المدافعون عن الاستثمار السعودي في الرياضة إلى التجارة التي تمارسها الدول الغربية مع المملكة، ويسألون لماذا الغولف.. على سبيل المثال، يجب أن يدير ظهره لتمويل غير مسبوق بينما تبيع بعض الحكومات ما قيمته مليارات الدولارات من الأسلحة للسعودية.

ويقول آخرون إن الشفافية والتدقيق المصاحبين للرياضة ربما لعبا دورا في بعض الإصلاحات، التي تم إدخالها في السنوات الأخيرة، مشيرين إلى استثمار المملكة في كرة القدم للسيدات.

وأشاد الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) مؤخرا بـ "التغيير الاجتماعي الأوسع"، الذي ألهمته اللعبة في السعودية. وخلال العقد الماضي، استضافت الصين الأولمبياد، ونُظمت نهائيات كأس العالم المتتالية في روسيا وقطر، لذا فإن السعودية بعيدة كل البعد عن كونها الدولة الوحيدة، التي لديها سجل "غير ناصع في حقوق الإنسان"، والتي تلقى إقبالا عليها من كيانات الرياضة العالمية.

ومع ذلك، ليس هناك شك في أن استعداد الرياضة لاحتضان الاستثمار السعودي يمثل تحديات كبيرة للمسؤولين، فضلا عن الفرص.

لقد أشاد جاي موناهان، رئيس رابطة لاعبي الغولف المحترفين، بالنمو والوحدة التي سيخلقها الاندماج الجديد مع صندوق الاستثمارات السعودي، لكن مصداقيته تخضع الآن للتدقيق بعد أن قالت جماعة مناصرة لضحايا أحداث 11 سبتمبر/ أيلول إن منظمته يجب أن "تخجل من نفاقها وجشعها".

كان موناهان قد أشار في السابق إلى الهجمات الإرهابية، عندما انتقد اللاعبين لتركهم جولة PGA إلى دوري "ليف" الممول من السعودية. كما واجه دعوات للاستقالة في اجتماع "حاد وساخن" للاعبين، إذ شعر العديد من لاعبي الغولف الذين ظلوا مخلصين لجولة PGA بالإحباط بسبب ما يراه البعض خيانة.

كما تتعرض سلطات كرة القدم لضغوط.

يأتي كل هذا بعد أن أخبر الرئيس التنفيذي للدوري الإنجليزي الممتاز، ريتشارد ماسترز، أعضاء البرلمان مؤخرا أنه لا يستطيع التعليق على ما إذا كان الدوري يعيد فحص موافقته على استحواذ صندوق الاستثمارات العامة السعودي على نادي نيوكاسل.

كان هذا بعد أن أثيرت شكوك جديدة حول "تأكيدات ملزمة قانونا" أعطيت للدوري الإنجليزي، تفيد بأن الحكومة السعودية لن يكون لها أي سيطرة على النادي.

في غضون ذلك، اضطرت الفيفا للتخلي عن دعم خطط مؤسسة iVisit Saud لتكون راعية لكأس العالم للسيدات، بعد رد فعل عنيف من أستراليا ونيوزيلندا المضيفتين للبطولة، إلى جانب اللاعبين، بشأن الصفقة المقترحة.

وقال رئيس الفيفا جياني إنفانتينو إن الانتقادات مشوبة بـ "الكيل بمكيالين"، مشيرا إلى التجارة التي أجرتها أستراليا مع السعودية، كما واجه مجلس الكريكيت الدولي تساؤلات حول شراكة بملايين الدولارات مع أكبر مصدر للنفط في العالم - شركة الطاقة الحكومية السعودية أرامكو - ما يعزز المخاوف بشأن الروابط الرياضية مع صناعة الوقود الأحفوري.

وقال المجلس إن الصفقة ستساعد الرياضة على أن تصبح أكثر استدامة، لكن نشطاء أصروا على أن اللعبة تستخدم من أجل "الغسيل الأخضر" أو تبييض السمعة باسم البيئة.

على الرغم من هذه المشكلات، يبدو اتجاه السفر في قطاع الرياضة واضحا بشكل متزايد - أي التمويل من دول الشرق الأوسط النفطية.

تم الإعلان عن الحقبة الجديدة في عالم رياضة الغولف، بينما يستعد فريق مانشستر سيتي بطل الدوري الإنجليزي الممتاز لمحاولة الفوز بدوري أبطال أوروبا ومن ثم تحقيق الثلاثية - بعد فوزه بلقب الدوري الإنجليزي ثم كأس إنجلترا - في ما سيكون تتويجا لمشروع مدته 15 عاما من قبل مالكي النادي في أبو ظبي.

في الوقت نفسه، حاز نادي باريس سان جيرمان المملوك لقطر على لقبه الحادي عشر في الدوري الفرنسي، بينما قام مصرفي قطري بأحدث عرض بمليارات الدولارات لشراء مانشستر يونايتد الإنجليزي.

إن فورة الإنفاق الرياضي في المملكة العربية السعودية هي جزء من اتجاه أوسع. إنها تجعل الكثيرين يتساءلون: ماذا بعد؟

وفي وقت سابق من هذا العام، ورد أن صندوق الاستثمارات السعودي يستكشف عرضا بقيمة 20 مليار دولار لشراء سباق فورمولا 1 بالكامل. وكانت هناك شائعات عن تحركات مماثلة في رياضة التنس.

في ديسمبر/ كانون الأول المقبل، تستضيف السعودية كأس العالم للأندية - وهي المرة الأولى التي تنظم فيها حدثا كبيرا تابعا للفيفا. كما وردت أنباء عن صفقة كبيرة لرعاية دوري السوبر الأفريقي الجديد. وسوف تستضيف خلال السنوات القليلة المقبلة كأس آسيا لكرة القدم، ودورة الألعاب الشتوية الآسيوية 2029.

تعمل موارد البلاد وطموحاتها على تغيير عالم الرياضة بطرق لا يمكن لأحد أن يتخيلها. وسوف تستمر في إجبار أولئك الذين اعتادوا على تولي زمام الأمور على مواجهة أسئلة صعبة.

كواليس صفقات انتقال اللاعبين في عالم كرة القدم

في صيف كل عام، تنتقل مبالغ كبيرة من الأموال من ناد رياضي إلى آخر، في إطار المنافسة المحتدمة بين أبرز أندية كرة القدم في العالم، للفوز بأفضل اللاعبين. في السطور التالية، تحليلٌ موجز يكشف عن تفاصيل وكواليس صفقات بيع وشراء اللاعبين، وكيف تُبرم في عالم الكرة.

تشتمل مثل هذه الصفقات على دفع مبالغ هائلة من المال. وفي الآونة الأخيرة، انتقل النجم البرازيلي نيمار من فريق برشلونة الإسباني إلى فريق باريس سان جيرمان الفرنسي مقابل 222 مليون يورو (265 مليون دولار أمريكي)، وهو ما يزيد على ضعف الرقم القياسي السابق الذي سُجل في هذا الصدد، عندما بيع اللاعب الفرنسي بول بوجبا مقابل 105 ملايين يورو (125 مليون دولار)، في صفقة أُبرمت العام الماضي.

ولا يوجد سقف على الأموال التي يمكن لنادٍ ما إنفاقها على شراء لاعبين جدد، وهو ما يجعلنا نتساءل عن المدى الذي يمكن أن تصل إليه مثل هذه الصفقات.

ماذا تعني انتقالات اللاعبين؟

يشكل عالم كرة القدم سوقا عالمية، يتنقل عبرها اللاعبون الكبار والمشاهير باستمرار من هذا النادي إلى ذاك. فلاعبٌ مثل ديفيد بيكهام لعب بقمصان أندية في بريطانيا وإسبانيا والولايات المتحدة وإيطاليا وفرنسا على مدار مسيرته الكروية.

متى تتم صفقات انتقال اللاعبين؟

تجري هذه الصفقات على فترتين سنوياً. وبحسب لوائح الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، يمكن للأندية شراء لاعبين أجانب خلال هاتين الفترتين، اللتين تُعرفان بـ"نافذتي الانتقالات" أو "موسمي الانتقالات".

الفترة الأطول بينهما هي تلك التي تحل بين الموسم المُنقضي والموسم المقبل، أما الأخرى الأقصر فتحل في وسط الموسم. ولكن يُترك لاتحادات كرة القدم الوطنية تحديد مواعيد بدء وانتهاء هاتين الفترتين. ففي الكثير من الدول الأوروبية، ينتهي موسم الانتقالات الصيفي في 31 أغسطس/ آب. أما في الولايات المتحدة، فينتهي الموسم نفسه في التاسع من الشهر ذاته.

هل هذا كل شيء؟

كلا. فعلى كلٍ من اللاعب ووكيل أعماله وناديه والمحامين الموكلين عن كل أطراف الصفقة الانخراط في نقاشاتٍ مكثفة من أجل صياغة العقد.

ويتضمن ذلك الاتفاق على التفاصيل الخاصة بالرواتب والمكافآت، مثل مكافأة توقيع العقد، والحوافز التي تُمنح للاعبين نظير ولائهم أو بقائهم في النادي. ويخضع اللاعبون المقبلون على التعاقد مع ناد جديد لفحوص طبية للتحقق من لياقتهم البدنية والصحية.

وقد تؤثر نتائج هذه الفحوص على قيمة رسوم الانتقال، إذا كشفت النقاب عن وجود إصابات أو مشكلات صحية لم تكن معروفة في السابق.

من أين تأتي هذه الأموال؟

هناك مبالغ ضخمة من المال يتم تداولها في عالم كرة القدم. فوفقاً لدراسة تحليلية أجرتها شركة "ديلويت" للحسابات والاستشارات المالية، بلغت أرباح الـ 20 نادياً الأكثر ثراءً في العالم - وكلها أوروبية بالمناسبة - 7.4 مليار يورو (8.9 مليار دولار) في موسم 2015-2016. وتربع نادي مانشستر يونايتد الإنجليزي على رأس هذه القائمة بأرباحٍ وصلت إلى 689 مليون يورو.

ويأتي الجانب الأكبر من هذه الأرباح، بنسبة تصل إلى 43 في المئة، من مصادر دخل ذات طبيعة تجارية، مثل حقوق الرعاية وبيع سلعٍ تحمل علامات تجارية خاصة بالنادي، أو صور للاعبيه.

لذا يمكن توقع طرح الكثير من قمصان فريق باريس سان جيرمان، من تلك التي تحمل رقم واسم نيمار. كما تحصل الأندية على 39 في المئة من أرباحها من بيع حقوق البث التليفزيوني لمبارياتها، بينما لا تتجاوز نسبة إسهام إيرادات بيع بطاقات دخول المباريات 18 في المئة تقريباً.

ولا تشمل هذه الأرقام ما تحصل عليه أندية كرة القدم من رسوم انتقالٍ عند بيع لاعبيها، وهو ما يعني أن عمليات البيع إلى أندية أخرى تشكل مصدراً آخر من مصادر دخل هذه الأندية.

ألا تنفق أموال طائلة "بحماقة" في عالم كرة القدم؟

لم يكن الوضع في هذا الشأن قط على الشاكلة التي بات عليها الآن. فقبل عام 1995، كان الكثير من الأندية الأوروبية مُقيداً بعدد معين من اللاعبين الأجانب الذين يمكن الاستعانة بهم. ولكن في ذلك العام صدر حكمٌ قضائي لصالح لاعب يُدعى جان مارك بوسمان، يمنع وضع أي قيود على عدد اللاعبين الأجانب الذين يمكن الاستعانة بخدماتهم، من جانب أندية الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.

وفتح هذا الحكم أبواب سوق دولية للانتقالات تتسم بتنافسية كبيرة. وهنا بدأت قيمة رسوم الانتقال في الارتفاع، بالتوازي مع تزايد عدد اللاعبين الأجانب الذين يُستعان بهم. وبحلول عام 2016، صار اللاعبون الأجانب يشكلون نحو 70 في المئة من لاعبي فرق الدوري الإنجليزي الممتاز على سبيل المثال.

وفي الوقت الحالي، تواصل أندية كرة القدم الكبرى في العالم اكتساب المزيد من الثروات. ومن بين أسباب ذلك، بيعها حقوق البث التليفزيوني لمبارياتها.

وفي عام 2016، وقعت الأندية العشرون المشاركة في الدوري الإنجليزي الممتاز اتفاقا مع قنوات تليفزيونية، تبيع بموجبه حقوق البث لمدة ثلاثة مواسم مقابل 10.4 مليار جنيه استرليني (13.4 مليار دولار)، في صفقة هي الأعلى على الإطلاق من نوعها في عالم كرة قدم المحترفين.

وفي المملكة المتحدة أيضاً، تدفع شبكتا "بي تي" و"سكاي" الآن أكثر من 10 ملايين جنيه إسترليني (12.9 مليون دولار) لفرق الدوري الممتاز في البلاد من أجل بث المباريات جميعها.

لكن هذه المقدرة الإضافية على الإنفاق، تُمْتص بفعل رسوم الانتقال الكبيرة التي باتت الأندية تدفعها لشراء لاعبين جدد، وهو ما تجسد في الموسم الماضي، الذي أنفقت فيه أندية العالم مبالغ غير مسبوقة في سوق الانتقالات الدولية. وبحسب أرقام "فيفا"، شهدت هذه السوق في عام 2016 إبرام 14591 صفقة، بلغت قيمتها الإجمالية مستوى قياسياً وصل إلى 4.79 مليار دولار، أي بواقع 328 ألف دولار تقريباً في المتوسط للصفقة الواحدة.

هل يهم أيٌ من هذه الأمور؟

يرى البعض أن ارتفاع رسوم انتقال اللاعبين وتزايد المبالغ المالية المخصصة لهذه الصفقات يضران بلعبة كرة القدم. وقد وصفت النقابة الدولية للاعبي كرة القدم المحترفين "فيفبرو" صفقة انتقال نيمار بأنها "مخالفة لقواعد المنافسة".

وقال الأمين العام للنقابة ثيو فان سيغلِن في بيان إن كرة القدم غدت الآن - وبشكل يفوق أي وقت مضى - ساحةً تهيمن عليها "مجموعة منتقاة من الأندية الثرية، أوروبية المقر في الغالب".

وأضاف فان سيغلِن أن الزيادة الكبيرة في قيمة رسوم انتقال اللاعبين خلال مواسم الانتقالات "ساعدت على تقويض التوازن التنافسي"، وذلك نظراً إلى أن حفنةً من الأندية الكبرى - مثل مانشستر يونايتد وريال مدريد وبايرن ميونيخ - هي فقط التي يكون بوسعها شراء لاعبين من الطراز الأول، وهو ما يجعلها تهيمن على بطولات الدوري في وقت لا تسنح للأندية الأقل ثراءً الفرصة لذلك.

المفارقة أن البيانات الخاصة بالاتحاد الدولي لكرة القدم تؤكد أن دفع رسوم انتقال باهظة في إطار الصفقات الخاصة بانتقالات اللاعبين ليس بالأمر السائد على الإطلاق على مستوى العالم.

ففي واقع الأمر، لم تُدفع هذه الرسوم سوى في 14 في المئة من الصفقات التي جرت على هذا الصعيد خلال العام الماضي. أما باقي الصفقات فكانت صفقات انتقال حر، في ضوء أنها جرت بعد انتهاء عقود اللاعبين المشمولين بها.

أغلى 10 صفقات في تاريخ كرة القدم

بات لاعب الوسط الإكوادوري مويسيس كايسيدو، بتعاقده مع فريق تشلسي الإنجليزي، مقابل 133 مليون يورو قادمًا من موطنه برايتون، ثالث أغلى صفقة في تاريخ كرة القدم، بعد البرازيلي نيمار، والمهاجم الفرنسي كيليان مبابي.

وفيما يلي أغلى 10 صفقات في تاريخ كرة القدم:

1- نيمار (البرازيل): من برشلونة الإسباني إلى باريس سان جيرمان الفرنسي، في 2017 مقابل 222 مليون يورو.

2- كيليان مبابي (فرنسا): من موناكو الفرنسي إلى باريس سان جيرمان موسم 2017-2018 مقابل 180 مليونًا.

3- مويسيس كايسيدو (الإكوادور): من برايتون الإنجليزي إلى تشلسي الإنجليزي في 2023 مقابل 133 مليونًا.

4- جواو فيليكس (البرتغال): من بنفيكا البرتغالي إلى أتلتيكو مدريد الإسباني في 2019 مقابل 126 مليونًا.

5- ديكلان ريس (إيرلندا-إنجلترا): من ويستهام يونايتد الإنجليزي إلى أرسنال الإنجليزي في 2023 مقابل 122 مليونًا.

6- إنزو فرنانديز (الأرجنتين): من بنفيكا إلى تشلسي في 2023 مقابل 121 مليونًا.

7- فيليبي كوتينيو (البرازيل): من ليفربول الإنجليزي إلى برشلونة في 2018 مقابل 120 مليونًا.

8- أنطوان غريزمان (فرنسا): من أتلتيكو مدريد إلى برشلونة في 2019 مقابل 120 مليونًا.

9- جاك غريليش (إنجلترا): من أستون فيلا الإنجليزي إلى مانشستر سيتي الإنجليزي في 2021 مقابل 117 مليونًا.

10- إدين هازارد (بلجيكا): من تشلسي إلى ريال مدريد الإسباني في 2019 مقابل 115 مليونًا.

اضف تعليق