q
نمط الحياة، ونوع السيارة، وماركة الملابس، ليس هذا فقط ما يفرضه عليك مستواك الاجتماعي أو الحي الذى تسكن فيه، فالأمر قد يمتد للتأثير على صحتك أيضًا، فنظرة إلى جيرانك المحيطين بك في محيط السكن تحدد استعدادك للإصابة بالعديد من الأمراض، وعلى رأسها مرض السكري...
بقلم: عبير فؤاد

نمط الحياة، ونوع السيارة، وماركة الملابس، ليس هذا فقط ما يفرضه عليك مستواك الاجتماعي أو الحي الذى تسكن فيه، فالأمر قد يمتد للتأثير على صحتك أيضًا، فنظرة إلى جيرانك المحيطين بك في محيط السكن تحدد استعدادك للإصابة بالعديد من الأمراض، وعلى رأسها مرض السكري.

هذا ما انتهت إليه نتائج دراسة حديثة، نُشرت بدورية «ذا لانسيت للصحة العامة» في عددها الصادر في أغسطس/ آب الماضي؛ إذ تشدد على أن العيش في مستوى اجتماعي منخفض قد يزيد من خطر الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني في مرحلة البلوغ.

كشفت نتائج الدراسة التي أُجريت على مجموعة من مواطني فنلندا عن أن الجيرة وما تفرضه من نمط الحياة خلال مرحلة الطفولة والمراهقة يمكن أن تزيد من الإصابة بمرض السكر عند البلوغ. وذلك عقب متابعة ما يزيد عن 3400 مشارك على مدار 31 عامًا منذ أن كانوا في أعمار تتراوح بين 6 سنوات و18 سنة، مفسرةً ذلك بأن الحرمان الاجتماعي والمادي في الأحياء الفقيرة يُعد "مؤشرًا قويًّا" لمرض السكري.

وكان المشاركون الذين عاشوا طفولتهم بأكملها ومرحلة البلوغ في أحياء منخفضة المستوى الاجتماعي والاقتصادي هم الأعلى عرضةً للإصابة بمرض السكري بنحو 3.71 مرات أكثر من أولئك الذين تعرضوا للظروف ذاتها ولكن بشكل غير مستمر أو "تراكمي". في حين تراجع معدل خطر الإصابة إلى 1.3 في المشاركين الذين عاشوا طفولتهم في أحياء عالية الحرمان، ثم انتقلوا لاحقًا إلى أحياء متوسطة أو أقل من حيث معدلات الحرمان الاجتماعي والاقتصادي.

وتوصف الجيرة الفقيرة، أو الحرمان الاقتصادي والاجتماعي للحي السكني، كما تم تعريفه بالدراسة من خلال أربعة معايير، هي: وجود عدد معين السكان في مساحة لا تزيد عن 250 مترًا مربعًا، ونسبة البالغين الحاصلين على التعليم الابتدائي، ومعدل البطالة، وأخيرًا نسبة الأشخاص الذين يعيشون في مساكن مستأجرة.

ويرتبط الحرمان الاجتماعي والاقتصادي للأحياء السكنية بالاختلافات في المخاطر الصحية عبر مسار الحياة، بما في ذلك عوامل نمط الحياة الضارة من الطفولة والمراهقة وما بعدها، واستقلاب الجلوكوز الأسوأ worse glucose metabolism من مرحلة البلوغ المبكر. وفي منتصف العمر، يرتبط الحرمان الاجتماعي-الاقتصادي المتراكم بزيادة عوامل الخطر القلبية الوعائية وزيادة الإصابة بمرض السكري. ووفق نتائج الدراسة، يمكن للعيش في المناطق المحرومة اجتماعيًّا واقتصاديًّا تشكيل الصحة في مرحلتي الطفولة والبلوغ.

يقول البروفيسور "ميكا كيفيماكي" Mika Kivimäki بقسم علم الأوبئة والصحة العامة بجامعة كوليدج لندن والباحث الرئيسي للدراسة، في تصريحات خاصة لـ"للعلم": "على حد علمنا، فإن الدراسة واحدة من عدة دراسات قليلة عن تأثيرات المستوى الاجتماعي على صحة الأفراد وبخاصة مرض السكري".

ويضيف: ما يميز دراستنا هو كونها الأوسع والأطول، من حيث مدة متابعة المشاركين، وذلك بتجميع القياسات الطولية عن توزيع السكان وخصائصها وفقًا للأحياء السكنية، بالإضافة إلى التحاليل والفحوص الإكلينيكية المتكررة خلال المدى الزمني للدراسة، من أجل بيان كيف يؤثر الحرمان الاجتماعي والاقتصادي على عينة البحث في الفترة من الطفولة إلى سن الرشد.

من جهته، يشير "أحمد مراد"، أستاذ أمراض الباطنة والجهاز الهضمي بطب جامعة القاهرة، إلى الاهتمام المتعاظم بمرض السكري، بوصفه واحدًا من أهم التهديدات الصحية للعالم المعاصر. ويضيف: من هنا يصبح البحث عن مسببات المرض مقصدًا مغريًا للباحثين من أجل التوصل إلى آليات مكافحة المرض والسيطرة على انتشاره.

ويشدد على أن الكثير من العلاقات السببية للمرض قد تأكدت، مثل الاستعداد الوراثي للإصابة، أو حدوث رد فعل مناعي ليهاجم الجسم خلايا البنكرياس ويعوق عملها، أو بسبب العادات الغذائية الخطأ، أو العوامل البيئية والنفسية كالتعرُّض للحزن والإجهاد والضغوط النفسية الشديدة.

البُعد الاجتماعي للمرض

لجأ الباحثون في الدراسة إلى مقارنة عوامل الخطورة للإصابة بالمرض بين المشاركين في مرحلة الطفولة، من خلال فحص السجلات الصحية الإلكترونية لتحديد الاختلافات في عشرة عوامل هي: نوعية العادات الغذائية، النشاط البدني، معدل التدخين اليومي، مؤشر كتلة الجسم، قياس ضغط الدم الانقباضي، مستوى الكوليسترول مرتفع الكثافة "الجيد"، الدهون الثلاثية، مستوى الجلوكوز في الدم عند الصيام، قياس الإنسولين في مصل/ بلازما الدم، وأخيرًا حساب معامل مقاومة الخلايا للإنسولين "HOMA".

ويختص العامل الأخير بالكشف عن وجود اضطرابات التمثيل الغذائي "الأيض" نتيجة مقاومة الإنسولين، وهي حالة مرضية تتميز بنقص في الاستجابة الفسيولوجية للأنسجة الطرفية لعمل الإنسولين.

وكشفت نتائج المقارنة عن التزايد الواضح في نسب عوامل الخطر مع نمو المشاركين، على الرغم من نسبتها القليلة في بداية المتابعة؛ إذ اتسم المشاركون الذين ينتمون إلى الأحياء التي تعاني الحرمان الاجتماعي والاقتصادي بنمط حياة يعتمد على تناول منخفض للفاكهة والخضراوات، واستبدالهم بها الأطعمةَ السكرية والنشوية، ما يمكن أن يحسِّن الشبع لديهم، بالاضافة إلى انخفاض مستويات أداء التمرينات البدنية، وكذلك زيادة انتشار التدخين بدايةً من عمر 12 عامًا، ما جعل الباحثين يعتمدون الحرمان الاجتماعي بين الجيران في الحي بوصفه مؤشرًا قويًّا على الإصابة بمرض السكري.

استند الباحثون في إعطائهم لهذا التفسير على المسارات السيئة لعوامل الخطر في نتائج المشاركين، إذ أظهر سجل كلٍّ من الدهون الثلاثية ومستوى الجلوكوز في الدم تركيزات عالية لمستوياتهما بين ساكني الأحياء التي تعاني درجةً كبيرةً من الحرمان الاجتماعي والاقتصادي.

بينما لوحظ انخفاض في قياسات حساسية الإنسولين، مع الوصول إلى سن 27 عامًا في تلك المناطق ذات الحرمان الاجتماعي والاقتصادي العالي، مقابل أولئك الذين يعيشون في المناطق ذات الحرمان الاجتماعي الاقتصادي أقل. وذلك بالاعتماد على قياسات نسبة الأرجحية "Odds Ratio" التي تقيس مقدار الترابط بين المؤثِّر والنتيجة، لبيان ما إذ كان وجود هذا "المؤثِّر" وهو المستوى الاجتماعي والاقتصادي للسكن، مرتبطًا بحدوث "النتيجة"، وهي وجود عوامل الخطورة للإصابة بالمرض كما حددتها الدراسة الحالية.

يحدث مرض السكري إما عندما يكون البنكرياس غير قادر على إنتاج كمية كافية من الإنسولين في الجسم، فيما يُعرف بسكري النوع الأول. أو عندما يكون الجسم غير قادر على استخدام الإنسولين الذي ينتج بشكل فعال، وهو ما يُعرف بسكري النوع الثاني.

والإنسولين هو هورمون يتم إنتاجه في خلايا "بيتا" الموجودة في غدة البنكرياس، وظيفته إدارة "مخزون" السكر بالجسم. وعند تناول الطعام يؤدي ارتفاع مستويات الجلوكوز في الدم إلى زيادة إفراز الإنسولين؛ لإدخال الجلوكوز إلى داخل الخلايا، مما يؤدي إلى انخفاض مستوى الجلوكوز في الدم مجددًا، وهكذا تتكرر العملية بشكل مستمر.

ووفقًا لهذا التعريف، تشير تقديرات منظمة الصحة العالمية في تقريرها الدولي عن المرض إلى وجود 422 مليون مصاب حول العالم في عام 2014، مقارنةً بـ108 ملايين مصاب فقط عام 1980. هذه الزيادة المطَّردة في أعداد المصابين تجعل السكري بنوعيه من أهم عشر مشكلات صحية تهدد البشر بالوفاة.

ليس السكري وحده

أظهرت دراسة أمريكية نُشرت في فبراير/ شباط الماضي بدورية منع المرض المزمن، أن ضعف الخدمات مثل الوصول إلى الغذاء، وعدم القدرة على المشي في الأحياء السكنية يرتبط بعلاقة ذات دلالة إحصائية بخطر الوفاة المبكرة الناجمة عن الأمراض القلبية الوعائية أيضًا.

وعلى العكس، فإن الظروف الصحية لأماكن الإقامة ترتبط بزيادة الإقبال على السلوكيات الصحية التي تقلل من مخاطر الأمراض القلبية الوعائية، وذلك على خلفية تصدُّر مرض القلب والأوعية الدموية قائمة المسببات الرئيسية للوفاة في الولايات المتحدة، التي تؤثر بشكل غير متناسب على مجموعات الأقليات العرقية.

الدراسة التي جرى تمويلها من مركز مكافحة الأمراض والوقاية الأمريكي CDC، درس خلالها الباحثون بالمركز الوطني للرعاية الأولية بكلية مورهاوس للطب بأتلانتا، تأثير الفقر (على مستوى الحي) وقابلية المشي على معدلات الوفاة المبكرة لسكان مدينة أتلانتا في المرحلة العمرية 35 إلى 64 عامًا.

وهو ما يشدد عليه كيفيماكي أيضًا: كشفت نتائجنا عن خطورة هذه العلاقة التي تتجاوز مرض السكري إلى خطر التعرُّض لمشكلات القلب، نتيجة نمط الحياة غير الصحي، مشددًا على أنه بحلول نهاية مدة المتابعة، عندما بلغ عمر المشاركين نحو 33-48 سنة، كانوا قد أظهروا مؤشرات خطورة ترتبط بكلٍّ من السمنة وارتفاع ضغط الدم والكبد الدهني، كأهم مؤشرات الإصابة بأمراض القلب، بالإضافة إلى زيادة خطر داء السكري، إذ عانى نحو 21% من المشاركين من السمنة، و36٪ من ارتفاع محيط الخصر، وشُخص 19٪ منهم بإصابتهم بالكبد الدهني، بينما عانى 10% منهم من ارتفاع ضغط الدم.

ليس هذا فحسب، فقد استطعنا -والكلام للباحث الرئيسي- التوصل إلى أن تعرُّض الأفراد باستمرار لعوامل الخطر في الأحياء الفقيرة أدى إلى ارتفاع معدلات الخطورة النسبية لاحتمالات الإصابة بمرض السكري إلى ما يقرب من أربعة أضعاف. ولم تتأثر هذه النتائج بالتدنِّي الاجتماعي أو الاقتصادي عند الولادة، كمؤشر للظروف الاجتماعية والاقتصادية السابقة للولادة.

هذه النتائج -وفقًا للبروفيسور كيفيماكي- تسلط الضوء على أهمية تبنِّي سياسات لتحسين الموارد والفرص المتاحة لهؤلاء الذين يعيشون في المناطق المحرومة اجتماعيًّا واقتصاديًّا، موضحًا أن "أنماط الحياة المتسارعة التي نعيشها يكمن وراءها عوامل خطر متزايدة للإصابة بالسمنة وارتفاع ضغط الدم ومشكلات الكبد الدهني والسكر، وهو ما يعني ضرورة التحرك الفوري لمنع وقوع ضحايا ومرضى جدد".

البيئة والضغوط النفسية

ويتفق مراد مع الفرضية التي تقدمها الدراسة في أثر البيئة المحيطة على زيادة الاستعداد للإصابة بمرض السكري، مدللًا بالعلاقة الوثيقة بين المصابين بهذا المرض وسلوكياتهم ونمط حياتهم، والتي تكون عاملًا مساعدًا على تهيئة هذا الفرد دون غيره للإصابة بالمرض.

ويذكر منها الكسل والإفراط في شرب المشروبات المحلاة والغازية، وأيضًا تناول كميات كبيرة من النشويات والأطعمة الجاهزة والسريعة، وهي سلوكيات تفرضها العادات المكتسبة داخل المنزل، وكذلك الثقافة المحيطة خارجه.

ويقول: "عندما نضع نظامًا غذائيًّا لمريض السكر، ننصح الأسرة بمشاركته لتغيير نمط الحياة لتكون أكثرَ صحة، فلا يمكن لفرد أن يمتنع عن تناول الوجبات السريعة في حين أن باقي أفراد الأسرة مقبلون عليها".

ويستطرد: من شأن نتائج هذه الأدلة العلمية أن تثير نقاشًا عن شكل السياسات الصحية ومضمونها على الصعيد العالمي والمحلي من أجل الحد من انتشار المرض والسيطرة عليه من خلال التثقيف الصحي والتوعية بالمسببات وطرق الوقاية، فضلًا عن بذل مزيد من الجهد نحو تحديد الفئات في دائرة الخطر للإصابة واستهدافها بمزيد من برامج الاكتشاف المبكر للمرض.

وتماشيًا مع هذه الفرضية، أشارت دراسة سابقة نُشرت بدورية رعاية مرض السكري إلى أن السكان الذين يعيشون في الأحياء الأقل تفضيلًا للمشي أو الأنشطة البدنية الأخرى هم الأكثر عرضةً للإصابة بمرض السكري. وذلك بعد فحص ما يزيد عن المليون و214 ألف شخص من المواطنين الأصليين والمهاجرين الجدد إلى كندا، من أجل تحديد أثر إقامتهم في أحياء مرتفعة الدخل الاقتصادي، وما إذ كانت تساعدهم على ممارسة المشي بوصفه واحدًا من العوامل التي تساعد على مكافحة الإصابة بالسكر.

حددت الدراسة المناطق المساعدة على المشي بتلك التي تتسم بكثافة سكانية مناسبة، والشوارع المهيأة للمشي فيها للوصول إلى المدارس والوظائف، ووجود عدد من الوجهات التي يمكن السير إليها مثل البنوك ومراكز الرعاية الطبية والخدمات الثقافية والاجتماعية، ومعدل ركوب الدراجات مقابل استخدام السيارة.

وهي الفرضية التي تأكدت بعد متابعة استمرت خمس سنوات؛ إذ أظهرت النتائج أن تراجع القابلية للمشي في المنطقة السكنية يُعَد مؤشرًا قويًّا لحدوث الإصابة بداء السكري، وخاصة بين المهاجرين الجدد؛ إذ ازدادت نسبة خطورة الإصابة إلى 1.7 و1.2 بين الرجال والنساء المهاجرين على التوالي، وذلك بالمقارنة بالسكان الأصليين. ويعيش المهاجرون في مناطق تتسم بانخفاض القدرة على ممارسة المشي وقلة الدخل المادي.

وهكذا تبدو المتغيرات الاجتماعية والثقافية للصحة والمرض ميدانًا مشتركًا لاهتمام الأطباء وعلماء الاجتماع على السواء. فكما يرى "علي الدين القصبي"، أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب جامعة جنوب الوادي، تستحثنا هذه النوعية من الدراسات على متابعة دراسة طبيعة الأمراض التي تصيب الشرائح المختلفة للمجتمع لتوفير إجابات حقيقية عن العلاقة بين العوامل المسببة والآثار اللاحقة للأمراض الجسدية والنفسية والعقلية، وذلك في ضوء اتصالها بالعدالة الاجتماعية والوعي الاجتماعي، فضلًا عن الإجابة عن أسئلة من قبيل هل هناك تَركُّز لبعض الأمراض في مناطق بعينها، وهل يرتبط هذا بالبيئة الاجتماعية والسياق الثقافي السائد؟ وهو ما نحتاج إليه بشدة في مجتمعاتنا العربية.

يؤكد القصبي أن قضية المرض والخصائص الاجتماعية والسكانية مثل السن والنوع والمستوى التعليمي والمهني والمستوى الاقتصادي للسكان، أصبحت تستوجب مزيدًا من الانتباه من جانب الدولة والمؤسسات الأهلية؛ لترسيخ المساواة وكفالة الرعاية الصحية والاجتماعية في ضوء التنمية البشرية المستدامة.

المرض ظاهرة معقدة

البُعد الآخر للمرض -كما يراه علماء الاجتماع- يتعدى جانبه العضوي أو البيولوجي فقط، وإنما هو ظاهرة معقدة ترتبط بالعديــــد من المتغيرات الاجتماعية والثقافية. ولذا اهتمت بحوث علم الاجتماع الطبي بإثبات العلاقة بين الأمراض وبعض العوامل الاجتماعية التي يمكن اعتبارها مصاحبة، كما في حالات تصلب الشرايين، انسداد الأوعية الدموية، أمراض القلب والشرايين، القرحة، السكر، السمنة، السل، الأمراض العقلية.

ولكن ليس من الصواب اعتبار تلك العوامل والظروف الاجتماعية مسؤولةً وحدها عن إصابة الشخص بهذا المرض، وفقًا لحديث "علي المكاوي"، أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب بجامعة القاهرة، ضاربًا مثلًا بمرض السمنة الذي تتصل مسبباته بالعادات الغذائية والأنشطة البدنية، بالإضافة إلى التصورات الثقافية حول مفاهيم الرشاقة والسمنة والقيمة الجمالية لكلٍّ منهما.

وأشار المكاوي إلى العديد من الدراسات والأبحاث السابقة التي تناولت التداخلات الواقعة بين الخريطة الاجتماعية والصحية للبشر. تناول العديد منها العلاقة بين الفقر وسوء الأوضاع الصحية؛ فالجماعات الفقيرة والمهمشة تشكل الفئات ذات الدخول غير الثابتة نظرًا لعملها في القطاع "غير الرسمي"، وتفتقر إلى المهارات والمكتسبات التعليمية اللازمة للحصول على وظيفة، في حين يعمل الأطفال والنساء نظير أجور منخفضة لإعالة أسرهم.

 كما نجد هؤلاء يعيشون في مناطق فقيرة تعاني نقص الرعاية الصحية وسوء الأوضاع السكنية، مما يعرض ساكنيها للعديد من الأمراض الناجمة عن التلوث وسوء التغذية، وأكثرها شيوعًا الأنيميا وأمراض الجهاز التنفسي والهضمي على سبيل المثال، كما يزداد الوضع سوءًا مع الامتداد العشوائي للمدن بحثًا عن فرص عمل أفضل كما هو الحال في العديد من الدول العربية والأفريقية، وفق المكاوي.

ويضاف إلى ما سبق ارتباط تدني الخصائص الاجتماعية للسكان بتراجُع جودة الحياة الصحية، نظرًا لارتفاع معدلات الأمية، وضعف الوعى الصحي، وتراجُع طلب المشاورة الطبية من ممثلي الخدمة الصحية، واللجوء عوضًا عنها إلى المداواة والعلاجات والوصفات الشعبية.

يقول المكاوي: "لا بد أن نقف وقفةً متأنية أمام انتشار بعض الأمراض في مناطق جغرافية ولدى شرائح اجتماعية معينة في مناطق بعينها، سواء كان في العالم الثالث أو العالم المتقدم صناعيًّا، والقضية في نظرنا لا تكمن في تحديد الخصائص السكانية المتصلة بالمرض والإطار البيئي فقط، بل تمتد أيضًا لتشمل كلًّا من السياسات الصحية والاجتماعية".

اضف تعليق