q
منوعات - تقارير منوعة

الحقيقة المؤلمة

تبشرنا تقنيات فحص الدماغ بالتوصل إلى وسيلة قياس موضوعية، لتحديد ما إذا كان الشخص يعاني من الألم، أم لا، لكن الباحثين يتساءلون عن مدى إمكانية الاعتماد على هذه التقنيات داخل ساحات القضاء، تتشابه الجهود التي تُبذَل لتقديم صور الألم في بعض وجوهها مع المحاولات التي جرت في العقد الماضي...
بقلم: سارة ريردون

تجيب آني على الهاتف وهي مستلقية.. تحاول أن تستريح من جولة قامت بها خارج المنزل، لا تتكرر كثيرًا. تشعر السيدة، صاحبة الخمسة والستين عامًا ـ نتيجةً للتنقل من مكان إلى مكان لفترة طويلة ـ بالإنهاك، فضلًا عن ألم مبرح يقرعها من منطقة الظهر حتى الكتف. ومن شدته تقول: «إنه فظيع حقًّا... بصورة لا تجعلك تشعر بالراحة مطلقًا».

بدأت الحكاية في عام 2011، حيث انزلقت قدم آني، التي غيّرت اسمها بناءً على طلب من محاميها، وسقطت على أرضية مبللة في مطعم، فتعرضت لإصابة في ظهرها ورأسها. وشعرت بألم حاد لا يهدأ أبدًا؛ فأرغمها على الرحيل عن وظيفتها في سوق البيع بالتجزئة.

وفي إثر ذلك الحادث، رفعت آني دعوى قضائية ضد المطعم، الذي نفى مسؤوليته القانونية، بهدف تغريم المطعم بضع مئات من آلاف الدولارات؛ لتغطية تكاليف العلاج، وتعويضها عن دخلها التي فقدته. وبهدف دعم قضيتها وإثبات أنها لا تدّعي المعاناة من ألم شديد، اقترح المحامي على آني أن تحصر خدمات شركة «ملينيوم ماجنتيك تكنولوجيز» (MMT)، المتخصصة في تصوير الجهاز العصبي، والكائنة في ولاية كونيتيكت، ولديها مركز في برمنجهام في ولاية ألاباما، حيث تعيش آني. فالشركة تقول إنها تستطيع أن تتعرف على مؤشرات الألم باستخدام التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI)، الذي يقيس مقدار تدفق الدم في الدماغ، كمؤشر للنشاط العصبي، ويرسمه.

هذا الفحص ليس بالرخيص، حيث يتكلف حوالي 4,500 دولار أمريكي، إلا أن ستيفن ليفي، الرئيس التنفيذي في الشركة، يقول إنه استثمار مجدٍ؛ حيث إن الشركة قَصَدَها عشرة عملاء تقريبًا منذ أن باشرت بتقديم هذه الخدمة في عام 2013، وجميعهم توصلوا إلى تسوية خارج قاعة المحكمة. وإذا اعترفت المحكمة بفحوص آني، التي من المقرر إجراؤها خلال الأشهر الأولى من هذا العام، فقد تغدو دعوتها سابقة قانونية في ولاية ألاباما.

وغالبية حالات الإصابات الشخصية يتم تسويتها خارج المحكمة، ولذا.. من المستحيل توثيق تواتر استعمال فحوص الدماغ التي تُجرى بسبب الألم في سجل القانون المدني. ومع ذلك.. يبدو أن هذا الإجراء يزداد شيوعًا، في الولايات المتحدة على الأقل، حيث لا توجد تغطية حكومية للرعاية الصحية، كما أن قضايا الإصابات الشخصية تزداد. وقد أُنشئت عدة شركات لهذا الغرض، وأعلنت جامعة واحدة على الأقل عن توفيرها لهذه الخدمة.

يستند هذا النهج إلى ازدهار البحوث التي تستخدم التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي لفهم طبيعة الألم، التي تعد تجربة شديدة الذاتية. ويأمل العلماء أن تتمكن الفحوص من توفير مقياس موضوعي لتلك التجربة، ويرون تطبيقات محتملة لها، كاختبار مسكنات الألم، لكن علماء أعصاب كثيرين يقولون إن التقنيات ما تزال بعيدة عن الدقة الكافية؛ من أجل الاعتراف بها داخل المحكمة. ويقول النقاد إن الشركات التي تستخدم هذه الفحوص لم يتحقق أحد من صحة اختباراتها، أو من امتناعها عن ممارسات الخداع أو التحيّز. وفي الوقت الذي يعتقد فيه البعض أن هذه التقنية ستجد لها مكانًا في الأوساط القانونية، يساور الآخرين قلق من أن هذه الممارسات ستؤدي إلى إساءة استخدام هذه الفحوص.

تقول كارين ديفيس، الباحثة في علم الأعصاب في جامعة تورونتو في كندا: «هناك رغبة حقيقية في التوصل إلى وسيط أكثر موضوعية للألم»، لكن مقاييس كهذه يجب أن تكون شديدة الدقة، لأن «احتمال الحصول على إجابة خاطئة شيء كارثي إلى حد كبير».

جذور عصبية

من الممكن أن تبدو المناهج التي غالبًا ما يطبقها الأطباء في تقييم الألم مناهج بدائية. حيث يطلبون من الأفراد تقييم درجة الألم الذي يشعرون به على مقياس (من واحد إلى عشرة)، أو اختيار أحد الوجوه الكرتونية من صف يضم رسمًا لوجه، تتدرج تعبيراته من سعيد إلى متألم بشدة. ويمكن لهذه المقاييس أن تساعد في توضيح درجة تغيير شدة الألم، خلال فترة تَعافِي الشخص من عملية جراحية، على سبيل المثال. والمشكلة هنا هي أن كل شخص سيشعر بالألم، ويقيِّمه تقييمًا مختلفًا. لذا.. قد تكون درجة 5 عند شخص ما أسوأ من درجة 7 عند غيره، والدرجة 9 في تقييم الألم قد تكون كافية لمنع شخص عن ممارسة عمله، أو العكس صحيح.

يجب أن توجد إجابة موضوعية قابعة داخل العقل، الذي تبدأ رحلة الألم من خلاياه. ومع أن كل تجربة تختلف عن التجربة الأخرى، إلا إن الألم يجب أن يشترك في بعض العناصر المشتركة. وقد دأب تور ويدجر ـ الباحث في علم الأعصاب من جامعة كولورادو بولدر ـ على محاولة فك رموز مؤشرات الإحساس بالألم في الدماغ، عن طريق وضع أفراد في جهاز التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي، مع لمس صفيحة ساخنة في الوقت ذاته. وعندما غيّر الباحثون درجة حرارة الصفيحة ارتفاعًا وانخفاضًا، سجّلوا نشاطًا في أجزاء مختلفة من الدماغ، بما في ذلك المناطق الحسية المرتبطة باليد. ومن واقع هذه الأنماط التجريبية، يقول ويجر، إنهم يستطيعون أن يتنبّأوا بدقة تزيد على %90 عن حالة الصفيحة الحرارية، سواء أكانت دافئة فحسب، أم ساخنة لدرجة الإيلام1.

إنّ هذا يقيس الألم الحادّ، أي الاستجابة الفورية لحافز واضح. أما الألم المزمن، كالذي تعاني منه آني، فيصيب مئات الملايين من الناس في جميع أنحاء العالم. وقد يكون سبب حدوثه واضحًا، لكن ليس أسباب الحدوث هي المشكلة. ومن ثم، عمدت فانيا أبكريان، من جامعة نورث وسترن في شيكاغو إلينوي، إلى فحص عشرات الأفراد في وقت مبكر، بعد إصابتهم في الظهر، ومرة أخرى بعد ذلك على مدار عام، أو أكثر. فاستمر الألم حتى تطوَّر وأصبح مزمنًا عند ما يقرب من نصف هؤلاء الأفراد، على الرغم من التشابه في وصف الألم طوال هذه الفترة. وتمكّنت أبكريان من الكشف عن تغيُر في مؤشرات الألم داخل أدمغتهم2، حيث تحول من إشارة نشاط في الجزيرة الدماغية، الذي يصاحبها ألم حاد، إلى نشاط في المنطقة أمام الجبهية من قشرة المخ، التي تشكّل السلوك المعرفي، وإلى اللوزة، التي تتحكم في انفعالاتنا. ويقول أبكريان إن «تفسيرنا لهذا الأمر هو أن الألم يتحول إلى مواضع أكثر توطّنًا».

يشير هذا وسواه من الأعمال إلى وجود عنصر انفعالي في حدوث الألم المزمن الذي لا يدخل بالضرورة في الشعور بالألم الحاد. وغالبًا ما يتعايش الألم المزمن والاكتئاب معًا، ويدعمان بعضهما البعض. ويمكن تخفيف بعض الألم المزمن بواسطة مضادات الاكتئاب، لكن ويجر يحذر من أن التركيز على هذه الارتباطات قد يكون خدعة. فالإشارة إلى أن الألم يتركز بأكمله في الدماغ ـ حتى لو بدت صحة ذلك من الناحية الفنية ـ لا يعني أنه ألم وهمي، أو مصطنَع. يقول ويجر إن «الأفراد سيمرُّون دائمًا بمواقف يَفصِل فيها بين التأييد أو المعارضة خط غير واضح».

تكشف أماندا بوستيلنك، الخبيرة القانونية في كلية الحقوق في هارفارد في كمبريدج – ماساتشوستس، عن أن هذا الخط يمثل تحديًا خاصًّا في الأوساط القانونية، حيث «لا يجوز إثبات إعاقة الشخص بسبب الألم، إلا إذا أشار هذه الفرد إلى سبب معين».

حالات منفردة

تشهد الولايات المتحدة عشرات الآلاف من دعاوى الإصابات القضائية كل عام. وينطوي معظمها على ادعاءات قضائية عالقة حول التضرر من الشعور بالألم. ربما تكون نسبة هذه الحالات مرتفعة بشكل غير عادي. فالبلدان ذات برامج الصحة الوطنية، مثل كندا، تشهد عددًا أقل من الدعاوى القضائية، كما تقول ديفيس. وحتى الآن، حالة الألم الوحيدة التي استعانت بتكنولوجيا فحص الدماغ حققت تقدمًا، وتحولت إلى مُحاكمة قانونية. وكان موضوعها هو أن سائق شاحنة، اسمه كارل كوخ، تعرَّض معصمه للحرق، بسبب كتلة من الأسفلت المنصهر في عام 2005؛ وبعد مرور عام على ذلك، قال إنه لا زال يتألم، ورفع دعوى قضائية ضد صاحب عمله السابق، وسترن إيملشنز في توكسون، أريزونا، للمطالبة بالتعويض عن الأضرار.

خضع كوخ لفحص دماغي، أجرته جوي هيرش، الباحثة في علم الأعصاب، التي كانت تدير مركز أبحاث الرنين المغناطيسي الوظيفي في جامعة كولومبيا في مدينة نيويورك. وطوّرت هيرش طريقة تقول إنها «تصل إلى» مناطق الألم المزمن، حيث أدت لمسة خفيفة للمعصم المصاب إلى إثارة إشارة في المناطق الحسية ومناطق دماغية أخرى مرتبطة بالألم، بينما لمس المعصم الآخر السليم لم يُحدِث الأثر نفسه. وهذا الاختبار ـ كما تقول ـ هو طريقة جيدة للتفريق بين الآلام الجلدية ـ الناجمة عادةً عن حافز غير مؤلم للجلد ـ والآلام الوهمية.

في أثناء المُحاكمة، طلبت وسترن إيملشنز حضور شون ماكي، الباحث في علم الأعصاب في جامعة ستانفورد في ريدوود سيتي بكاليفورنيا، كشاهد متخصص. وأصرّ ماكي على أن الألم شأن ذاتيّ جدًّا لقياسه بهذه الطريقة، وأن الأثر الذي كانت هيرش تتحراه كان من الممكن إنتاجه إذا كان كوخ قد توقّع أن يشعر بألم في معصمه المتضرّر، أو لو أنه كان مبالغًا في التركيز عليه عن عمد، أو غير عمد. وجادلت هيرش بوجود إشارات معروفة للألم الوهمي، لكنها لم تتضح في الفحص. وفي نهاية المطاف، اعترف القاضي بالفحوص، وتمت تسوية القضية مقابل 800,000 دولار أمريكي، وهو مبلغ يتجاوز عشرة أضعاف العرض الأوَّلِي للشركة، حسبما أفاد روجر ستراسبورج، محامي كوخ.

يكشف ماكي أن هناك مسألة أخرى ربما يتمكن الأفراد من خلالها من استعمال ممارسات الغش في الاختبار. ففي دراسة أجريت عام 2005، طلب من المتطوعين الاستلقاء على جهاز التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي ولمس صفيحة ساخنة في الوقت الذي كان يريهم فيه تسجيلًا مصوَّرًا لنيران، تزداد شدتها أو تنقص، استنادًا إلى نشاط أدمغتهم. وبناء على التقييم البصري، تمكَّن المتطوعون من التحكّم في كثافة النيران، عن طريق تخيُّل أن الألم أكثر شدّة أو أقل مما كان عليه في الواقع3. وينظر ماكي إلى هذه التقنية كوسيلة لرصد الألم المزمن، ولكنه يدرس أيضًا ما إذا كان بوسع الناس خداع جهاز التصوير، أم لا.

بعد قضية كوخ، بدأت الاستعانة بهذه التقنيات تزداد. وتقول هيرش، التي تعمل حاليًّا في جامعة ييل في نيو هيفن، كونيتيكت، إنها حينما كانت في كولومبيا، كانت تُجْرِي فحصين أو ثلاثة ذات صلة بالألم شهريًّا، وكان معظمها لتزويد الدعاوى القضائية بالأدلة، وتأمل في توفير هذه الخدمة في جامعة ييل.

الانتقاد الرئيس الموجَّه للتقنيات المختلفة المستخدمة في الدعاوى المدنية هو ندرة أبحاثها العلمية المكتوبة من أجل التحقّق من صحتها. فهيرش لم تنشر أي بحث عن طريقتها، ولكنها تقول إنها لا تعتقد أنه أمر ضروري. فالطريقة التي تتمثل بها أجزاء الجسم في الدماغ موضحة بالرسم توضيحًا جيدًا، والفحوص التي أجرتها لا تطرح أي رؤية جديدة، سوى الإجابة عما إذا كان الشخص يتألم، أم لا.

تطبِّق شركة «ملينيوم ماجنتيك تكنولوجيز» نهجًا مختلفًا إلى حد ما، فهي تقارن فحوص الشخص نفسه قبل انهماكه في نشاط مؤلم وبعده. فمثلًا، أخذت فحوص لآني قبل قيامها بإحدى جولاتها وبعدها، وادّعت الشركة أنها تمكّنت من الكشف عن إشارة واضحة للألم في الفحص الثاني، لكن المنشور الوحيد للشركة، بقيادة دونالد ماركس - الشريك المؤسس ورئيس القسم العلمي بالشركة، كان دراسة لحالة واحدة فقط، فبعد أن أدَّى الشخص عملًا مؤلمًا، كشف فحص الدماغ عن نشاط شديد بشكل خاص في الجزيرة الدماغية، التي تشارك في عمليات الإدراك، والتنظيم الذاتي، والقشرة الحسية الجسدية، التي تعالج الأحاسيس الواردة من مختلف أنحاء الجسم4.

تشارك هذه المناطق في الشعور بالألم، فضلًا عن أمور أخرى كثيرة. وتقول ديفيس إنك «إذا ذهبت إلى اجتماع لجمعية علم الأعصاب، ودخلت إلى أي جلسة تعرض رسومًا غير متصلة بالألم، فسترى المناطق نفسها التي يتحدثون عنها». ومن ثم، إذا طلبت من مريضة ـ كآني ـ أن تتجول بين توقيت إجراء فحصين، فهذا لن يُشعرها فقط بالألم، وإنما يزيد من إحساسها بظهرها، مما يحفز من نشاط الجزيرة الدماغية. وتكشف ديفيس ـ التي لا ترى ضرورة في استخدام تصوير مؤشرات الألم في المحكمة لهذا الغرض ـ أن استشهاد دراسة ماركس بعملها، الذي قاس نوعًا مختلفًا من نشاط الدماغ، أمر مزعج، « فمن الصادم بالنسبة لهم أن يستشهدوا بدراسات لا تدعم على الإطلاق التكنولوجيا التي يستخدمونها».

وبالإضافة إلى ذلك.. لا يمكن التحقق من صحة الاختبار من خلال شخص واحد، حسب قول ويجر، حيث يمكن لأي عدد من العوامل المربكة، كالانفعالات، أو التوقّع، أو حركة الرأس في جهاز الفحص بالرنين على سبيل المثال، أن تعطي تفسيرًا للإشارات التي تراها الشركة. ولإثبات صلاحية هذه الطريقة، يكشف ويجر أنه سيتعيّن على الباحثين أن يبينوا اختلاف الإشارات وقدرات التحمل بين الأفراد المتألمين وغير المتألمين، وأن يتوصلوا إلى آلية بيولوجية توضح السبب الحقيقي وراء هذه الإشارة. ومن دون ذلك، «سيكون الأمر كالتنبؤ بالمستقبل».

يجادل ماركس في ذلك، قائلًا إن دراسات عديدة، بما في ذلك دراسة ويجر، أظهرت أن الرنين المغناطيسي الوظيفي يمكن الاعتماد عليه في التمييز بين حالات الألم. ويقول: «إن عملي هو التطبيق على أساس فردي، وفقًا لجميع البيانات المتوفرة حتى اليوم، التي تؤكد صحة هذا النهج». والمقصد من هذا النهج ليس تحديد صدق مدّعِي الألم أو كذبه، «لأني أعمل مع الأفراد الذين يتفق الجميع على أنهم يتألمون، وأقدِّم تمثيلًا بيانيًّا بصريًّا لهذا الألم».

الاقتراب من التسويق

باستخدام تقنيات مختلفة، تعتزم شركة «كرونِك بين دياجنوستكس» (CPD) الكائنة في مدينة روزفيل بولاية كاليفورنيا، أن تُجْرِي فحوصًا بمقابل مادي للمتقاضين، حيث تقارن الشركة الفحوص المأخوذة لدماغ شخص بعد تلقيه صدمة كهربائية مع قاعدة بيانات مُجمّعة من فحوص مأخوذة من ثلاثين شخصًا، من المحتمل أن يكونوا مصابين أو غير مصابين بألم مزمن. ويتجاوب الأشخاص الذين يعانون من الألم المزمن للحافز بشكل مختلف عن مجموعة الأصحاء. وقد طورت الشركة مجموعة لوغاريتمات تتيح لها التمييز بين المجموعتين بدقة5 بلغت %92. يقول شون إنجلند، رئيس الشركة ومؤسسها المشارك، إنه يتوقع أن تتراوح تكلفة الفحص من خمسة وستة آلاف دولار أمريكي.

يقول ماكي إن التطبيق مثير للاهتمام، وقد يكون مفيدًا إذا تم تكرار التقنية على مجموعات أكبر. أما أبكريان، فتقول إن حجم العينة أصغر بكثير من أن يصلح لتحديد اختلافات ذات مغزى في هذه المرحلة. وكما هو الحال في تقنية شركة «ملينيوم ماجنتيك تكنولوجيز»، فالإشارات الخلفية مثل حركة الرأس يمكن أن تربك منهج تفسير مصدرها. ومن ثم، «إذا كنت ببساطة تستخدمها جزافًا، فثمة فرصة جيدة جدًّا أن تجد دومًا اختلافًا» بين المجموعات.

يقول دانييل كالان، مدير الأبحاث التنفيذي شركة «كرونِك بيين دياجنوستكس»، إن الشركة لديها طرق للتحكم بالعوامل الخارجية التي قد تؤثر على قاعدة بياناتها، مثل عشوائية ترتيب فحص المرضى والاستعانة بأشخاص من مختلف الأعمار، ومن الجنسين. ويوافق دانييل على الحاجة إلى مزيد من التجارب؛ لتحديد مدى نجاح عمل اللوغاريتمات في تقييم المريض. ويقول إنجلند إن الشركة تأمل في الشروع بدراسة أخرى قريبًا.

جاء على لسان مايكل فلومنهافت، محام في مدينة نيويورك ومتخصص في قضايا الألم المزمن وتصوير الأعصاب، أن قلق العلماء بشأن صحة فحوص الألم قد لا يشكل أهمية كبيرة بالنسبة لمحترفي القانون والمحاكم. ويضيف أن «هناك الكثير من المعلومات العلمية التي لا يمكن الإدلاء بها بدرجة اليقين اللازمة لتقديمها في مؤتمر علمي، ولكنها موثوقة وعالية القيمة في الأوساط القانونية».

ثمة دليل على أن فحوص الدماغ يمكن أن تكون مقنعة جدًّا بالنسبة إلى هيئة المحلفين. فقد أشارت الأبحاث إلى أن عامة الناس أكثر استعدادًا لتقبل الحجج الضعيفة، إذا كانت مصحوبة بأدلة علمية عصبية6. ويقول ماكي إنه في قضية كوخ، «انتهى المطاف بصور الدماغ الجميلة بأنها أصبحت شديدة الإقناع».

«إذا قبلنا المنطق القائل إنّ مصوّر المخ يعرف، إذن علينا أن نتقبل أنه سيكسب حتى في الحالات التي لا نريده أن يكسبها».

تتشابه الجهود التي تُبذَل لتقديم صور الألم في بعض وجوهها مع المحاولات التي جرت في العقد الماضي لاستخدام الرنين المغناطيسي الوظيفي كأداة لكشف الكذب. ويشكك معظم الباحثين في مصداقية هذه التقنية، لأن التحقق من صحتها صعب، كما أن المتطوعين في الدراسة لا يمتلكون الدوافع نفسها للكذب، كالمدَّعى عليهم جنائيًّا. وذلك الأمر لم يمنع عدة شركات من المحاولة ـ غير الناجحة حتى ذلك الحين ـ من أجل تقديم الدليل إلى المحاكم الأمريكية. وقد كان تصوير الألم أكثر نجاحًا بفضل ثراء البحوث حول هذا الموضوع. تبقى المخاطر أقل بكثير في القضية المدنية، مقارنةً بالمحاكمات الجنائية. وبالتالي، ما يحول بيننا وبين الوقوف على الدليل أمور أقل من ذلك، حسب تحليل نشر في دورية «القانون والعلوم الحيوية»7 Law and the Biosciences.

بعض العلماء والباحثين في علم الأخلاق قلقون من النتيجة التي قد يؤدي إليها القبول المتزايد لفحوص الألم. وتبدي بوستلنك قلقها من أنه قد يصبح نوعًا من اختبار النجاح أو الفشل، وليس مجرد إرغام المتقاضين على تقديم دليل لإثبات تضررهم من الألم، لكنه قد يهدف إلى جعلها شرطًا للحصول على وصفة بالأدوية المعالجة، أو تغطية التأمين. وترأس بوستلنك الآن مجموعة عمل في جامعة هارفارد، تسعى إلى وضع قائمة من المعايير الأخلاقية والعلمية للتقنيات، قبل أن يتوسع انتشارها.

يصرّ ليفي وماركس على أن تقنيتهما لا تقدر على ذلك. ويفيد ليفي بأننا «في الواقع، لا يمكننا إثبات أن المريض لا يتألم»، لأن الفرد قد يظل يعاني من الألم، حتى لو لم يفِد جهاز فحص الألم بذلك. وقد لا يكون هناك مفرّ من هذا الوضع، حسب قول ستيوارت ديربيشاير، الباحث في علم الأعصاب في جامعة سنغافورة الوطنية: «إذا قبلنا المنطق القائل إن مصوّر المخ يعرف، إذن علينا أن نتقبل أنه سيكسب، حتى في الحالات التي لا نريده أن يكسبها».

وحتى في هذه الحالات، يقول كثيرون إن البحث يجب أن يواصل جهود التطبيق، لا سيما داخل قاعة المحكمة. يقول ويجر: «إننا نتخذ بالفعل مسارات كثيرة من المعالجات والقرارات القضائية الخاطئة، التي تتعلق بالشخص الذي يتألم، أو لا يتألم، فضلًا عن الشخص الذي لا يجب تصديقه. وإذا كانت قد توافرت لدينا معلومات جديدة، فقد كان من الممكن أن نقوم بعمل أفضل».

اضف تعليق