q
أصبح من الواضح لي حاليًّا أنه مهما كنت شديدة الاقتناع بشيءٍ ما، فلا ينبغي أن يكون الهدف من النقاش هو الفوز مهما تكلف الأمر، باستخدام أسلوب التخويف أو الصدح بالحقائق أو الصراخ أو استخدام ألفاظ جارحة. فالنهاية الأفضل لأي نقاش والأكثر إرضاءً للجميع هي التوصل إلى أرضية مشتركة، حينها تكون أطراف النقاش كلها قد فازت...

عائلتي مثال مجسِّد للاختلاف السياسي؛ إذ تتنوع التوجهات السياسية لأفرادها، بدءًا من الهيبيز المتعاطفين مع الشيوعية إلى اليمينيين معتنقي نظرية المؤامرة المصابين بجنون الارتياب؛ وكلنا نتواصل معًا عبر موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك. وبسبب الاختلافات السياسية توترت العلاقات بيننا بشدة، حتى نفذ أخي كولين فكرة رائعة؛ فقد تعهد ألا يتحدث في السياسة على موقع فيسبوك، وسرعان ما سرنا على نهجه أنا ومعظم أفراد عائلتي الآخرين، ولم يقتصر التأثير الإيجابي لهذا على أنني أصبحت أحب عائلتي أكثر فقط، وإنما أصبحت أيضًا أكثر تقبلًا لآرائهم وأفكارهم. فإذا كنت تفكر مثلما أفكر، فإنك غالبًا ما تتناقش مع الآخرين بهدف إقناعهم برأيك، وأن تثبت أنك على صواب، وتضيء لهم الطريق. ولكن فكِّر في الأمر: هل حدث ونجح هذا الأمر معك؟ في الحقيقة لم يحدث هذا معي، ولحسن الحظ توضح الأبحاث أن هناك سبيلًا أفضل.

العقلية المتفتحة:

قبل بضع سنوات، نشر الباحثان في مجال الفلسفة هوجو ميرسييه ودان سبيربر بحثًا انتشر على نطاق واسع عن التفكير الإنساني والنظرية الجدلية، وكانت الفكرة الجوهرية، والتي نراها في كل مناظرة بين المرشَّحين، أن "كل مَن لديه رأي يدافع عنه لا يقيِّم حجج الآخرين بحثًا عن معلومات حقيقية، ولكنه يعتبر هذه الآراء من البداية آراء تتناقض مع قناعاته ويجب عليه تفنيدها". بعبارة أخرى، إذا كان كل ما يهمك هو الدفع بوجهة نظرك، فغالبًا ما ستكون لديك نزعة لتجاهُل الأدلة والحجج التي يقدمها خصمك، حتى أكثرها منطقية. ومن ناحية أخرى، كتب الباحثان يقولان: "في تجارب التفكير الجماعي حيث كان لدى المشاركين الاهتمام والرغبة في اكتشاف الرأي الصائب؛ ثبت أن الحقيقة هي التي تفوز". نعم، الحقيقة… هذا هو بالضبط ما أؤيده.

2- الأمل:

في منتصف نقاش محتدم، من الصعب أن تتصور أن الأمور ستكون على ما يرام مع خصمك في نهاية الأمر، لكن سوزان كراوس ويتبورن -أستاذ علم النفس بجامعة ماساتشوستس بأميرست، والباحثة في أنماط الشخصيات- تقول: إن التمسك بالأمل قد يساعد على هذا. وتشير إلى دراسات في حل النزاعات الدولية في مناطق الصراعات مثل شمال أيرلندا والشرق الأوسط، والتي توصلت إلى أنه عندما يكون الزعماء مؤمنين بأن السلام خيار ممكن، فإن هذه الرؤية تدفع إلى خلق تسويات وحلول وسط، وتولِّد استعدادًا للتسامح، وتُحجِّم الرغبة في الانتقام. باختصار، تقول كراوس ويتبورن: إن التمسك بالأمل يساعدك على التفكير بوضوح أكثر والابتعاد عن الأفكار التقليدية. قد لا تفوز في النقاش، ولكنك قد تتمكن من التوصُّل إلى نهاية عادلة.

3- التغيير:

توضح كراوس ويتبورن أيضًا أن بعض المناقشات قد ترتبط أكثر بردود أفعال حمقاء متسرعة أكثر من ارتباطها باختلافات حقيقية جوهرية، فثمة أنماط من الأفعال وردود الأفعال في أنظمة العلاقات الإنسانية التي تتكرر مرارًا وتكرارًا. وتضيف: "في نظرية الأنظمة، يحاول النظام الحفاظ على التوازن الديناميكي"؛ لذا فلحل هذه النوعية من المناقشات المبتذلة، علينا التخلص من قيود النظام من خلال التفكير والتصرف بصورة غير تقليدية، وتقول إن قول أو فعل شيء غير متوقع قد يبدو غريبًا أو مصطنَعًا للوهلة الأولى، ولكن "التصرف بأسلوب مغاير لما هو معتاد يجعل الطرف الآخر يخرج عن النمط بدوره، ومن ثَم يسمح بإعادة تحديد ملامح النقاش وتحديد إطار مختلف".

4- الابتسام:

المواقف الدفاعية قد تغيِّر اتجاه النقاش وتدفعه إلى سلسلة من المشاعر السلبية السيّئة؛ ولكن كراوس ويتبورن تؤكد أن مجرد ضحكة أو ابتسامة صادقة قد تنزع فتيل الموقف المتوتر، وتساعد على تحويله إلى الاتجاه المعاكس تمامًا. وقد نجح هذا الأسلوب معي؛ أتذكر مشاجرة حادة جرت بيني وبين زوجي قبل بضع سنوات، تبادلنا فيها الصراخ الغاضب، ثم حدث أنني انفجرت فجأة ضاحكة وقلت له دون تفكير وأنا أبتسم: "لقد سئمت رؤية وجهك! إنه أمامي دائمًا، لقد سئمت!"، فانفجر في الضحك بدوره، وأدركنا أنه لم يكن هناك سبب حقيقي لهذا الشجار من الأساس، كل ما في الأمر أن كلًّا منا يحتاج لبعض الوقت بمفرده.

أصبح من الواضح لي حاليًّا أنه مهما كنت شديدة الاقتناع بشيءٍ ما، فلا ينبغي أن يكون الهدف من النقاش هو الفوز مهما تكلف الأمر، باستخدام أسلوب التخويف أو الصدح بالحقائق أو الصراخ أو استخدام ألفاظ جارحة. فالنهاية الأفضل لأي نقاش والأكثر إرضاءً للجميع هي التوصل إلى أرضية مشتركة، حينها تكون أطراف النقاش كلها قد فازت.

اضف تعليق