توقّعت الولايات المتحدة تعاونًا وولاء من جانب السعودية في هذه المسألة، واستعدادًا لتحمّل عبء كبير من أجل المجتمع الدولي نظرًا إلى الأهمية المحورية للحرب الأوكرانية. أما السعودية فتعتبر أن حيويتها الاجتماعية الاقتصادية على المحك، لأن الفترة المتبقّية أمامها لبناء مستقبل اقتصادي قابل للحياة لمرحلة ما بعد الهيدروكربون...
بقلم: مايكل يونغ

حسين إيبش باحث مقيم كبير في معهد دول الخليج العربية في واشنطن. في 26 تشرين الأول/أكتوبر، نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالًا مهمًا عن تدهور العلاقات الأميركية السعودية، بعد الضغط المثير للجدل الذي مارسته السعودية لخفض الإنتاج النفطي في اجتماع لمنظمة "أوبك +" في تشرين الأول/أكتوبر، ويحدث ذلك في وقتٍ يزداد التضخم عالميًا. أجرت "ديوان" مقابلة مع إيبش حول هذا المقال، نظرًا إلى اطّلاعه عن كثب على التفكير السائد في الرياض وواشنطن، وقدرته على تقديم قراءة في مواقف الطرفَين حول قضية باتت تثير انقسامًا شديدًا في العلاقات الأميركية السعودية.

مايكل يونغ: يوم الأربعاء، نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالًا أوردت فيه أن الولايات المتحدة توقّعت أن يقود الاجتماع الذي عُقِد في تموز/يوليو بين الرئيس جو بايدن وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى زيادة الإنتاج النفطي، ما من شأنه أن يؤدّي إلى انخفاض أسعار النفط العالمية. بدلًا من ذلك، عمدت مجموعة "أوبك +" في تشرين الأول/أكتوبر إلى خفض الإنتاج، في خطوة قد تتسبّب بتحليق الأسعار فيوقتٍ يُسجّل التضخم أرقامًا مرتفعة عالميًا. ما الذي حدث برأيك وأفضى إلى سوء التفاهم هذا؟

حسين أيبش: يصعب جدًّا على مَن لم يشارك شخصيًا في الاجتماعات أن يشرح ما هو الخلل الذي وقع في سلسلة من الاجتماعات التي كان بعضها غير مباشر والتي عُقِدت على امتداد فترة طويلة. لكن انطباعي هو أن الأميركيين اعتبروا بصورة عامة أنهم حصلوا على التزام قوي من السعودية للحفاظ على الإنتاج والأسعار عند مستويات معيّنة على امتداد فترة زمنية طويلة، في حين أن السعوديين اعتبروا أنهم التزموا بعدم السماح بحدوث ارتفاع كبير في الأسعار بدلًا من الموافقة على الامتناع عن القيام بخطوات دفاعية في حال بدأت الأسعار في الانخفاض بشكل حاد في نظرهم. وربما اعتبروا أيضًا أنهم استوفوا التزاماتهم في ما يتعلق بحصص الإنتاج قبل انعقاد اجتماع "أوبك +" في 5 تشرين الأول/أكتوبر.

لكن المصدر الأكبر متعلق لسوء الفهم بالسياقات المتباينة. فالعام الغربي بأكمله – بما في ذلك روسيا – منقسم الآن إلى معسكر مؤيّد لفلاديمير بوتين وآخر مناهض له، ويسود انطباع مشترك في الغرب بأن الحرب الأوكرانية هي نقطة انعطاف تاريخية كبرى ذات أهمية هائلة، بما يعيد تعريف العلاقات الاستراتيجية والدولية في المستقبل المنظور. لذا يُتوقَّع أن يصطف الجميع في هذا الجانب أو ذاك.

لكن النظرة إلى النزاع مختلفة في العالم النامي، لا سيما في آسيا وأفريقيا، بما في ذلك السعودية. فعدد ضئيل جدًا من البلدان الآسيوية والأفريقية يتقبّل الحاجة إلى إعادة تقييم حساباته الاستراتيجية وإعادة هيكلة جزء كبير من سياسته الخارجية بسبب الحرب الأوكرانية التي تنظر إليها البلدان الآسيوية والأفريقية بأنها حرب حدودية محدودة في أوروبا الشرقية البعيدة. ويقف معظم هذه البلدان بكل طيبة خاطر إلى جانب أوكرانيا في الأمم المتحدة، ويقدّم مساعدات إنسانية عند الإمكان، وهو ما فعلته مؤخرًا السعودية التي قدّمت مساعدات بقيمة نحو 400 مليون دولار أميركي. لكن البلدان المتقدمة والنامية لا تلتقي ببساطة حول فكرة أن أوكرانيا هي الآن العدسة الأساسية التي يجب من خلالها الحكم على جميع جوانب العلاقات الدولية وقياسها. وهذا يقع في صلب سوء الفهم الأميركي-السعودي على خلفية مسألة أسعار النفط وحصص الإنتاج.

توقّعت الولايات المتحدة تعاونًا وولاء من جانب السعودية في هذه المسألة، واستعدادًا لتحمّل عبء كبير من أجل المجتمع الدولي نظرًا إلى الأهمية المحورية للحرب الأوكرانية. أما السعودية فتعتبر أن حيويتها الاجتماعية الاقتصادية على المحك، لأن الفترة المتبقّية أمامها لبناء مستقبل اقتصادي قابل للحياة لمرحلة ما بعد الهيدروكربون لا تزيد عن بضعة عقودٍ معدودة وقيّمة. إنه مشروع ذو إلحاحية شديدة. وقد تمحور التخطيط الاستراتيجي لإنجاز هذا التحول الجذري والفائق الطموح حول كارتل "أوبك +" القائم بحكم الأمر الواقع والذي أُنشئ مع روسيا في عام 2016، والسيطرة التي انتزعتها السعودية، بعد خوض معركة ضارية وتحقيق نصر ثمين، في حربها مع روسيا حول تحديد الأسعار والإنتاج في عام 2020.

إذا كان لدى الأميركيين ارتيابٌ من اصطفاف السعودية إلى جانب موسكو، فالرياض تنتابها شكوك بأن واشنطن تتوقع منها أن تتخلى عن مشروعها الإنمائي الوجودي وتتخلص بكل بساطة من علاقتها المحورية مع روسيا التي بُني المشروع حولها، من أجل الاصطفاف إلى جانب أوكرانيا. الانطباعان خاطئان في نظري، ولكن يبدو لي أن هذا التباين في وجهات النظر يقع في صلب سوء الفهم حول ما اتفقت عليه السعودية، أو لم تتفق عليه مع واشنطن في وقت سابق من العام الجاري بشأن أسعار النفط والإنتاج.

يونغ: أشارت بعض المقالات في وسائل الإعلام إلى أن القرار السعودي بخفض الإنتاج وجَّه في الواقع رسالة إلى الساحة السياسية الداخلية في الولايات المتحدة، بهدف تعزيز رصيد الجمهوريين في انتخابات الكونغرس المقبلة، والذين قد يحققوا مكاسب من عجز الإدارة الديمقراطية عن ضبط التضخم. ما رأيك في ذلك؟

إيبش: أجد ذلك غير مقنع البتّة. لا أعتقد أن عملية صنع القرارات في السعودية تتم بهذه الطريقة في مسألة بهذا القدر من الأهمية كقضية أسعار النفط، نظرًا إلى اقتناعهم المتيقّن كما يبدو بأن الأسعار كانت تتجه نحو 60 دولارًا أو حتى 50 دولارًا للبرميل، ما قد يتبيّن أنه كارثي لاستراتيجياتهم الإنمائية. لذا أنا على يقين تمامًا من أن القرار اتُّخذ لأسباب اقتصادية واستراتيجية. المشروع السعودي لبناء اقتصاد لمرحلة ما بعد الهيدروكربون هو تحدٍّ وجودي، كما قلت، لا يمكن تأجيله أو تأخيره من دون أن يشكّل ذلك تهديدًا كبيرًا لمستقبل البلاد.

إنها نرجسية نوعًا ما أن يعتقد الديمقراطيون أن الحكومة في الرياض تشاركهم هواجسهم في ما يتعلق بالروزنامة السياسية الأميركية. من جهة أخرى، وفي ضوء أهمية الشراكة القائمة منذ وقت طويل مع واشنطن، كان تصرفًا نرجسيًا من السعوديين أيضًا حين أغفلوا الروزنامة السياسية الأميركية، ما جعلهم على ما يبدو غير مستعدين لرد الفعل الغاضب المحتوم، لا سيما في أوساط الديمقراطيين. ولكن تجدر الإشارة إلى أن الرد الأميركي السلبي صدر عن الحزبَين، وفقًا لما يكشفه مثلًا الغضب الواضح الذي عبّر عنه السناتور تشاك غراسلي من أيوا.

يونغ: أُطلِقت دعوات في الكونغرس كي تتخذ الولايات المتحدة إجراءات انتقامية ضد السعودية ردًّا على خفض الإنتاج النفطي. هل تعتقد أن واشنطن ستنفّذ هذه التهديدات؟ وفي هذه الحالة، كيف سيكون ذلك؟

إيبش: يبدو أن الإدارة الأميركية اتخذت قرارًا حكيمًا بالتهدئة واستئناف الحوار مع السعوديين قبل القيام بأي خطوات لا يمكن العودة عنها أو خطوات غير متكافئة. إذًا، كانت ثمة إشارات صغيرة تعبيرًا عن الغضب، مثل إرجاء انعقاد مجموعة عمل بين الولايات المتحدة ومجلس التعاون الخليجي حول إيران ودمج الدفاعات الجوية والصاروخية، أو عدم تمكّن أي مسؤول في إدارة بايدن من حضور مؤتمر استثماري عُقِد مؤخرًا في الرياض، وقد عزا المسؤولون السعوديون الأسباب، بصورة غير مقنعة نوعًا ما، إلى عدم توجيه دعوات إلى جهات محددة. لكنني أعتقد أن الإدارة الأميركية تريد أن تترك الباب مفتوحًا لتحسين العلاقات، أو على الأقل تجنّب أي تعقيدات في المستقبل.

ثمة ثلاثة مؤشرات أساسية على الأقل يجب التنبّه لها في الأشهر المقبلة. أولًا، إذا مُني الديمقراطيون بالخسارة في مجلس الشيوخ في تشرين الثاني/نوفمبر، سيبحثون عن جهات يحمّلونها المسؤولية، وقد وضعت السعودية نفسها في قائمة الأهداف المحتملة. ثانيًا، يشكّل اجتماع منظمة "أوبك +" في 4 كانون الأول/ديسمبر المقبل فرصة أخرى كي تتحسن الأمور أو تزداد سوءًا، لأن تكرار ما حدث سابقًا من غياب للتنسيق وخطأ في التوقعات ستكون له تبعاتٌ سيئة جدًّا على العلاقات بين البلدَين. ختامًا، من المرتقب أن يزور الرئيس الصيني شي جين بينغ الرياض في الأشهر القليلة المقبلة، ما قد يثير سخط الأميركيين لسببَين مختلفَين: فإذا استُقبِل بحفاوة شديدة، قد تُقارَن هذه المشاهد مع الاستقبال الفاتر الذي لقيه بايدن في جدة في وقت سابق من العام الجاري (على الرغم من أن بايدن أراد أن تقتصر الأمور على أقل قدر ممكن من المظاهر الاحتفالية)، مع ما يصاحب ذلك من استنتاجات سلبية. ولا شك في أن نتائج ملموسة ستنبثق عن هذا الاجتماع، ويمكن أن تثير أيضًا الهواجس الأميركية. الأسبوع الماضي، وقّعت السعودية والصين اتفاقًا إضافيًا للتعاون في مجال الطاقة النووية، وهو تحديدًا من النوع الذي يمكن أن يتسبّب بمزيد من التدهور في العلاقات مع الولايات المتحدة. لن ترحّب واشنطن على الإطلاق بأي نتائج عملية قد تنبثق عن زيارة رسمية يقوم بها الرئيس الصيني إلى السعودية وتوحي بأنها تسهم في تعزيز المكانة الاستراتيجية أو العسكرية للصين في منطقة الخليج.

يونغ: كيف تتوقّع أن تتصرف السعودية حين ينعقد اجتماع "أوبك +" في كانون الأول/ديسمبر؟ هل ستأخذ الغضب الأميركي في الاعتبار، أم أنها ستصرّ أكثر على خفض الإنتاج لتجنّب إضعاف قدرتها على تمويل مشاريع التنويع الاقتصادي في الداخل؟

إيبش: ثمة عوامل كثيرة غير قابلة للتقدير بحيث يتعذّر القيام بتوقّع موثوق في هذا الاتجاه أو ذاك. تدرك السعودية تمامًا أن واشنطن غاضبة جدًا من الخيانة المتصوّرة لتفاهمٍ قائم حول أسعار النفط والإنتاج، والذي يبدو أنه أسيء فهمه من الطرفَين. وثمة خلافٌ قوي أيضًا بشأن ما إذا كانت منظمة "أوبك +" بحاجة إلى التحرك بصورة عاجلة لوقف الانخفاض في سعر البرميل، أو ما إذا كان تأجيل هذا القرار لشهر أو شهرَين لا ينطوي نسبيًا على مخاطر، كما ألحّت واشنطن. ويصادف أن التأجيل الذي سعت إليه الولايات المتحدة، لكنها لم تحصل عليه، يتناسب مع الروزنامة السياسة الأميركية.

لكن في الرابع من كانون الأول/ديسمبر، سيدخل عاملان جديدان على المحك، ولم يكونا موجودَين في 5 تشرين الأول/أكتوبر. أولًا، ستكون روسيا قد توقفت إلى حدٍّ كبير عن تزويد أوروبا بالغاز الطبيعي المسال، ما يؤدّي إلى ارتفاع كبير محتمل في تكاليف الطاقة. ثانيًا، ستصبح أوروبا بحلول ذلك الوقت تحت تأثير الانخفاض الشديد في درجات الحرارة خلال الشتاء. لذلك، إذا كانت السعودية ترغب في البدء بترميم العلاقات مع واشنطن من خلال التنسيق بفعالية قبل اجتماع كانون الأول/ديسمبر، وفي إظهار نفسها بأنها تبادر لإنقاذ أوروبا، أو على الأقل مساعدتها، فيما تبدّد أيضًا الشكوك بأنها تدعم روسيا في الحرب الأوكرانية، يتيح اجتماع "أوبك +" في كانون الأول/ديسمبر المقبل فرصة ممتازة للقيام بذلك.

إذا امتنعت الرياض عن التنسيق بفعالية مع واشنطن، ورفضت ببساطة ضبط الأسعار، لا سيما في سياق الخلاف الراهن، فسوف يُنظَر إلى الأمر على نطاق واسع بأنه استفزاز متعمد للولايات المتحدة. في تلك الحالة، سيكون من الصعب جدًا على أي جهة في الغرب أن تعترض على فكرة أن السعودية لا تكترث على الأقل لما يجري في أوكرانيا، أو في أسوأ الأحوال، تصطف فعلًا إلى جانب روسيا.

إذًا، النقطة الأهم التي يجب فهمها في ما يتعلق باجتماع 4 كانون الأول/ديسمبر هو أنه، خلافًا لاجتماع 5 تشرين الأول/أكتوبر، يدرك جميع الأفرقاء بوضوح الرهانات المطروحة. وبات الجمهور العام لدى مختلف الأطراف مدرِكًا الآن للسياق على نطاق واسع. تبعًا لذلك، لن يكون ممكنًا هذه المرّة تبرير الانطباع الذي يخلّفه سلوك أي فريق من الأفرقاء. فكل طرف متنبّه لما يفكّر فيه الطرف الآخر، ولذلك احتمالات وقوع سوء تفاهم متدنّية جدًا. لكن ذلك يعني أنه سيُنظَر إلى أي إساءة إضافية بأنها متعمّدة، وليست نتيجة سوء تقدير أو سوء فهم.

https://carnegie-mec.org

اضف تعليق