q
تجري في عام 2024 انتخابات عامة في المملكة المتحدة والولايات المتحدة على حد سواء، للمرة الأولى منذ عام 1992. ومن الوارد أن يطاح بالإدارتين الحاليتين. هل ستكون الانتخابات مجهول معلوم أم معلوم مجهول؟ وإن لم ينتج من هذه الأحداث زعزعة كافية، نضيف إليها أن هذا العام سيشهد مشاركة...
بقلم: ريان كوغان

سوف يتجه أكثر من نصف العالم إلى صناديق الاقتراع وقد تأتي النتائج على شكل قاس وصادم بقدر ما هو مزعزع. إليكم سبل الاستعداد النفسي للقادم من الأمور

لدى دونالد ترمب حظوظ كبيرة ليصبح أول رئيس أميركي يتولى الرئاسة في ولايتين غير متتاليتين منذ غروفر كليفلاند

غالباً ما تلف فترة رأس السنة عباءة من الغموض، أشبه بمساحة لم تسبر أغوارها بعد في خريطة لعبة الفيديو. فالمجهول يحمل في طياته الاحتمالات والاحتمالات تحمل الفرص. ويصاحب ذلك قسط من التوتر النفسي والقلق، لكنه قد يحفز الحماس كذلك.

أما هذا العام، فسيكون مختلفاً أيما اختلاف. نحن نعرف مسبقاً كيف سيدور جزء كبير من الأحداث، وأنها قد تنتهي بتغييرات مزلزلة تغير المناخ العام كلياً.

تجري في عام 2024 انتخابات عامة في المملكة المتحدة والولايات المتحدة على حد سواء، للمرة الأولى منذ عام 1992. ومن الوارد أن يطاح بالإدارتين الحاليتين. هل ستكون الانتخابات مجهول معلوم أم معلوم مجهول؟

وإن لم ينتج من هذه الأحداث زعزعة كافية، نضيف إليها أن هذا العام سيشهد مشاركة أكبر عدد من الناس على الإطلاق في التاريخ في عمليات انتخابية، إذ يدلي أكثر من أربعة مليارات شخص، أي ما يزيد على نصف سكان الكوكب، بأصواتهم في 64 بلداً في الأقل. انطلاقاً من الهند (وعدد سكانها 1.4 مليار نسمة) وإندونيسيا (280 مليوناً) ووصولاً إلى باكستان (245 مليوناً) وروسيا (144 مليوناً).

في يونيو (حزيران)، من المزمع أن يقرر الاتحاد الأوروبي برمته التشكيلة الجديدة للبرلمان الأوروبي في أول اقتراع منذ "بريكست"، والصعود المخيف للعناصر اليمينية المتشددة داخل دول أعضاء أساسية بدءاً من اليونان وإيطاليا وألمانيا حتى رواد الليبرالية الاجتماعية مثل السويد وهولندا. وتشق الأحزاب الشعبوية التي تنادي بسياسات مناهضة للهجرة طريقها نحو الفوز بربع المقاعد التي يبلغ عددها 705. من المتوقع كذلك أن تنحو الانتخابات في النمسا وبلجيكا والبرتغال بتركيبة القوى نحو اليمين.

ويبدأ "الترفيه" الأسبوع المقبل، في السابع من يناير (كانون الثاني)، مع الانتخابات العامة في بنغلاديش، وهي من الأشد تعقيداً وجدلاً هذا العام، فقد وقعت أعمال عنف في الشوارع وهجمات على المرشحين أدت إلى إعلان حزب المعارضة الرئيس مقاطعته الانتخابات.

كما أن احتمال السير نحو المجهول هذا العام، والاضطرابات التي قد يحدثه كذلك، هائلة ومقلقة، إذ، إضافة إلى إعادة انتخاب فلاديمير بوتين شبه المؤكدة، يلوح طيف عودة دونالد ترمب. وإن نجح ترمب في انتزاع ترشيح الحزب الجمهوري له وفاز على بايدن في نوفمبر (تشرين الثاني)، سيصبح أول رئيس أميركي يتولى الرئاسة في ولايتين غير متتاليتين منذ غروفر كليفلاند. سيشكل ذلك ضربة قاضية في الحرب في أوكرانيا ومن المرجح أن ينهي الدعم الأميركي لكييف.

يحمل هذا العام في جعبته احتمال تغيير الأوضاع السائدة بشكل لم نره منذ عام الرعب، في 2016. فكل صحيفة ونشرة أخبار حتى عيد الميلاد 2024 ستعج بأخبار جنون الانتخابات وكل تغيير حكومي قد يغير التوازن الجيوسياسي.

أما في المملكة المتحدة، فالرابح المرجح، وهو كير ستارمر، قد يعد مرشحاً سيواصل النهج الحالي نوعاً ما، فقد بنى استراتيجيته لفترة ما قبل الانتخابات على عدم تمييز نفسه كثيراً عن المسؤولين الحاليين ولا الاعتراض على أسوأ تجاوزاتهم، خوفاً من خلق قضايا سياسية "مثيرة للجدل" بدءاً من مسألة تغير المناخ، إلى مهاجري القوارب الصغيرة، ومن "الحرب على سائقي السيارات" إلى حقوق المتحولين جنسياً.

ومن وجهة نظر السياسة البحتة، أنا لا ألومه. فهذا البلد محافظ جداً ولو بشكل غير رسمي، وقد يعتبر أي حديث عن "التغيير الاجتماعي الإيجابي" قد يؤدي إلى فتح أبواب الاضطهاد السياسي. لكن ما يدعو إلى القلق هو أن يكون جدياً بهذا الموقف، وأننا نتجه بالفعل نحو استمرارية لنفس النهج الذي خذلنا طوال عقد ونصف مضى.

ماذا نفعل إذن؟ كيف نحافظ على هدوئنا أمام عالم سيغرق على الأكيد في معركة عقائدية دفاعاً عن روح الأمة في قوتين عالميتين عظيمتين، إضافة إلى أنظمة مستبدة مثل إيران وبيلاروس، طوال 12 شهراً قادماً؟

إن كنتم تشبهونني، فلا ريب أنكم قضيتم الأعوام الثمانية الماضية، وما بعدها، في حالة مستمرة من القلق في شأن الأمور الخارجة عن نطاق سيطرتكم تماماً. والعام 2024 هو عام إدراك حدود تلك السيطرة وإما القبول بها أو تخطيها.

وأعلم أنني على وشك التفوه بقول مبتذل لكن ها أنا أنطقها: بدل القلق على مصير الكوكب، حاولوا التركيز على حياتكم قليلاً. خططوا لقضاء مزيد من الوقت مع عائلتكم. فلتكن لديكم هواية مختلفة عن التصفح اللانهائي لما تبقى من تطبيق ينازع وتنخره الروبوتات لمدة ست ساعات يومياً. شاهدوا كل حلقات مسلسل "ضياع" Lost منذ البداية لتروا إن كان سيستمر بنفس القوة والوتيرة (وهو ما لا يحصل). التقوا بأصدقائكم. قدموا طلبات لوظائف جديدة. اقضوا وقتاً مع أطفالكم. اكتبوا الشعر.

أو افعلوا العكس، ولمَ لا؟ إن كنتم ستقلقون على أي حال، فلتوظفوا القلق بطريقة جيدة. انشغلوا بمشاريع داخل مجتمعكم المحلي. إن كنتم تظنون أنه لديكم قصص تستحق النشر، راسلوا صحيفتكم المحلية.

أكنتم تعلمون أن معظم الأشخاص قادرون على الانخراط بالعمل السياسي المحلي لو أرادوا ذلك؟ انضموا إلى مجموعة من الأشخاص الذين يشبهونكم في توجههم الفكري، واكتبوا عريضة للمطالبة بالتغيير رسمياً بدل التحديق في الفراغ والتمتمة عن نايجل فاراج. اعرضوا أن تقدموا يد العون عبر وضع المنشورات في صناديق البريد خلال الانتخابات المحلية والبلدية والعامة. وإن شعرتم بأن هذه الخطوة مجنونة، يجب ألا تعتقدوا ذلك لأن هذا ما يحصل عادة في الديمقراطية السليمة.

قد ينفجر الوضع كلياً. وربما يفاجئنا وتتحسن الأمور. في أي حال، لقد سئمت من انتظار الأحداث، وعليكم أن تسأموا أيضاً. عام 2024، لن نسمح لهذا الوضع أن يغلبنا، هذا ما نفعله منذ سنوات وهو غير مفيد لأحد. حان الوقت للقيام بشيء جديد.

© The Independent

اضف تعليق