جلس السياسيون يتباحثون لفترات طويلة في مستقبل أطفال العراق وكانت نتائج الاجتماعات بدلا من إنشاء حدائق وملاعب للأطفال وادخالهم في دورات للرسم، السباحة، لتنمية مواهبهم أنشأوا معسكرات في ملاعبهم لتدريبهم على السلاح الخفيف والمتوسط في مناطق مختلفة من العراق.

إن مثل هذا الإجراء، بالإضافة إلى آثاره المستقبلية على نفسية الطفل كونه يعد نوعا من أنواع العنف ضد الاطفال، فهو مخالف للدستور العراقي النافذ والوثائق الدولية الخاصة بالطفل.

فمن جانب صحي يعد التدريب على السلاح لمن هم دون الثامنة عشر من العمر نوع من ممارسة العنف النفسي ضد الطفل مما يترتب عليه حدوث مضاعفات صحية ونفسية تهدد حياته حاضرا ومستقبلا. اذ إن العامل النفسي للإنسان هو الذي يُحدد شخصيته وتعامله مع نفسه أو مع الآخرين، ولذلك نجد أن العنف يؤثر على طبيعة الطفل في الحاضر والمستقبل.

ومن هذه المضاعفات أنَك تجده انعزالياً أحياناً وعديم الثِقة في نفسه، وهذا قد يؤثر على تقدمه في الحياة مستقبلاً. فلا تجد لديه القدرة على المبادرة لأنه يخشى الفشل والتأنيب أو الاستهزاء من الآخرين، وأيضاً يكون الإحباط متلازماً له والقلق في الطفولة وفي الكِـبر، وفي بعض الأحيان تكون المشاكل العاطفية لديه متفاقمة من ناحية التعامل مع شريك حياته، وهذا يكون إما من ناحية الخضوع أو من العدوانية.

ولذلك نرى بعض الأطفال لديهم صفات عدوانية في التعامل مع الآخرين، ناهيك عن السلوك غير المتزن في تصرفاتهم من حيث الأكل، والشرب، والمظهر الخارجي، واضطراب في الإدراك والفهم والتعلُّم. هذا من جانب علمي أما من جانب قانوني فقد أكد الدستور العراقي لعام 2005 على الاسرة بشكل عام والطفل بشكل خاص ومنع استخدام العنف تجاه الطفل بكافة أشكاله سواء داخل الأسرة أو المدرسة أو المجتمع استنادا إلى المادة (29) منه حيث جعل الدستور على عاتق الدولة حماية الطفولة من أي استغلال أو تعنيف:

المادة (29):

اولاً/

أـ الاسرة اساس المجتمع، وتحافظ الدولة على كيانها وقيمها الدينية والاخلاقية والوطنية.

ب ـ تكفل الدولة حماية الامومة والطفولة والشيخوخة، وترعى النشأ والشباب وتوفر لهم الظروف المناسبة لتنمية ملكاتهم وقدراتهم.......

رابعاًـ تمنع كل اشكال العنف والتعسف في الاسرة والمدرسة والمجتمع. )

وألزم الدستور الدولة بأن توفر للطفل حياة حرة كريمة استنادا للمادة (30) من الدستور:

المادة (30):

(اولاًـ تكفل الدولة للفرد وللأسرة ـ وبخاصة الطفل والمرأة ـ الضمان الاجتماعي والصحي، والمقومات الاساسية للعيش في حياةٍ حرة كريمةٍ، تؤمن لهم الدخل المناسب، والسكن الملائم....)

والواقع على خلاف النصوص الدستورية حيث إن الطفل يعاني من العنف داخل الاسرة عندما وجد من أيد هذه الأفكار من قبل أحد والديه أو كلاهما غير مبالي بمستقبل أبنه الذي هو أمانة الله عز وجل لديه وأيضا عنف المجتمع الذي تقبل الأمر وبدأ ينشر صور تدريب الأطفال على السلاح في أكثر من وسيلة اعلام وهم يتباهون بهذا الإنجاز السيء، ودور الأحزاب السياسية التي انشأت هذه المعسكرات بحجة تنفيذ فتوى (الجهاد الكفائي) مع إن الحرب على تنظيم داعش شارفت على الانتهاء.

من جانب دولي فقد اهتم مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بالقضايا المتعلقة بالأطفال المتضررين من النزاعات المسلحة منذ عام 1999، وأصدر منذ ذلك الحين 7 قرارات بهذا الشأن. وفي عام 2005 طالب مجلس الأمن في القرار رقم 1612 الأمانة العامة للأمم المتحدة بإنشاء آلية للرصد والإبلاغ تديرها قوات وطنية في الأساس بقيادة اليونيسف والممثل الأعلى للأمم المتحدة في البلاد، لتوفير المعلومات الموثوقة في الوقت المناسب عن الانتهاكات الستة الجسيمة لحقوق أطفال ومن هذه الانتهاكات هو (تجنيد الأطفال أو استخدامهم من قبل القوات المسلحة أو الجماعات المسلحة).

ووفق دراسة لمنظمة اليونسيف لعام 2014 تدرجت في تحديد وضع الاطفال في العالم من وضعية جيدة إلى وضعية خطيرة جدا، فكان وضع الاطفال في العراق وضعية صعبة:

واستنادا إلى اتفاقية حقوق الطفل وهي الاتفاقية الدولية التي حصلت على أكبر وأسرع عدد من المصادقات في التاريخ، تحدد حقوق الأطفال المدنية، السياسية، الاقتصادية، الثقافية. غيّرت الاتفاقية نظرة المجتمع إلى الأطفال وكيفية التعامل معهم - حيث أصبح يتم التعامل معهم على أنهم بشر يتمتعون بمجموعة خاصة من الحقوق بعد أن كانوا يعتبرون عناصر متلقية فقط تحتاج للرعاية والإحسان. وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على إدراج الاتفاقية من ضمن القانون الدولي في 20 تشرين ثاني/نوفمبر 1989؛ وقد دخلت حيّز التنفيذ في 2 أيلول/سبتمبر 1990، بعد أن صدّقت عليها الدول الموقّعة وبحسب هذه الاتفاقية يعرّف الطفل بأنه كل شخص تحت عمر الثامنة عشر لم يكن بلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب قانون الدولة، وقد التزم العراق بهذه الاتفاقية في 15يونيو 1994.

ومن ثم وضع البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن اشتراك الأطفال في المنازعات المسلحة المعتمدة بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 263 الدورة الرابعة والخمسون المؤرخ في 25 أيار/مايو 2000 ودخلت حيز النفاذ في 23 شباط 2002. وجاءت للتأكيد على عدم انخراط الاطفال في التدريب على السلاح الالزامي أو الطوعي ووصفه جريمة حرب في المنازعات المسلحة الدولية وغير الدولية على السواء، كما جاء في نص الاتفاقية:

(...وإذ تلاحظ اعتماد النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وخاصة إدراجها التجنيد الإلزامي أو الطوعي للأطفال دون سن الخامسة عشرة أو استخدامهم للاشتراك النشط في الأعمال الحربية بوصفه جريمة حرب في المنازعات المسلحة الدولية وغير الدولية على السواء، وإذ تعتبر لذلك أن مواصلة تعزيز إعمال الحقوق المعترف بها في اتفاقية حقوق الطفل يتطلب زيادة حماية الأطفال من الاشتراك في المنازعات المسلحة...).

وللحفاظ على أطفالنا لابد من حملات توعوية كبيرة لأولياء الامور ان تدريب الاطفال على السلاح يعد عنف ضد الطفل وان هذا التدريب لايزيد من صلابة الاطفال بل العكس. كذلك لابد ان يكون للمؤسسة التشريعية والمؤسسة التنفيذية موقف حاسم يمنع مثل هذه الممارسات ويحافظ على المجتمع من أن يتحول إلى مجتمع عدواني لايعرف أسلوب للتعامل غير العنف.

* مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/2004-Ⓒ2017
www.fcdrs.com

اضف تعليق