q
منذ انطلاق رحلة الماراثون الانتخابي في العراق، حضرت اسماء المرشحين وصورهم الكبيرة جدا على البنايات العالية والأماكن الكثيفة سكانيا، بينما غاب صوت المواطن الذي يفترض انه العنصر الاهم في اي نظام ديمقراطي يعتمد معيارية مصلحة الناخب...

منذ انطلاق رحلة الماراثون الانتخابي في العراق، حضرت اسماء المرشحين وصورهم الكبيرة جدا على البنايات العالية والأماكن الكثيفة سكانيا، بينما غاب صوت المواطن الذي يفترض انه العنصر الاهم في اي نظام ديمقراطي يعتمد معيارية مصلحة الناخب، حيث تتحدث اغلب الشخصيات العراقية عن اهمية المشاركة الشعبية الكبيرة، فيما تبدو هذه الدعوات ارتجالية كونها لا تستطيع الوقوف على حقيقة التوجه الانتخابي الا في يوم الاقتراع.

مراكز استطلاعات الراي العام التي تمثل الرابط بين المرشح والناخب، لم تنشط في العراق رغم مرور ثلاث تجارب انتخابية نيابية مع اخرى لمجالس المحافظات، ما جعل بعض المراقبين يصفون التجربة العراقية بـ"العرجاء"، لان معرفة توجهات الناخبين تسهم في تحديد مسارات العمل السياسي، وتعزيز العلاقة بين متطلبات الناخب والبرامج السياسية التي تطرح للسنوات القادمة.

جهات مختصة بقياس الراي العام دقت جرس الإنذار من غياب معايير تقييم المرشحين من قبل الجمهور، واستقصاء اتجاهاتهم حول مسارات العمل السياسي الحالي وطموحاتهم المستقبلية، واعتبر مختصون ان الوضع السياسي الحالي يمثل امتدادا لسلسة من الفشل في بناء أسس صحيحة للدولة العراقية منذ سنوات، اذ ان الاعتماد العلمي وابحاث الميدان تعد من المحرمات في العراق كما هو الحال في بلدان الشرق الأوسط الأخرى.

فعملية اتخاذ القرارات الحكومية في البرلمان او مجلس الوزراء واي سلطة عليا في البلد يجب ان تعتمد على قياسات الرأي العام، بحسب ما يقول رئيس قسم الاعلام في جامعة بابل الدكتور كامل القيم، ويرى القيم في حديثه لـ"شبكة النبأ المعلوماتية" ان "هذا الامر يتناقض مع ما نص عليه الدستور العراقي الذي اكد على ضرورة اخذ اراء الجماهير في القضايا التي تتعلق بمصير الامة، وذلك عبر اجراء الاستفتاء الشعبي".

واكد القيم ان "الرجوع الى الجمهور غير مقبول لدى نواب البرلمان او الحكومة والأحزاب السياسية الأخرى، ولهذا السبب أصبح لدينا فئة من السياسيين الذين لا يؤمنون بـ"بارومتر" احساسات الناس واوجاعهم وتطلعاتهم كما في الدول الكبرى، التي تعتمد على رأي الجمهور في ابسط الأشياء، حتى في الوان البنايات لا تضع الا بعد معرفة مزاج الجمهور ومدى تقبله لها".

ويرى القيم ان "مراكز استطلاع الراي العام غير مؤهلة للقيام بمهماتها لان القائمين عليها لا يجيدون اساسيات البحث العلمي"، مؤكدا ان "اغلب الدراسات التي تجرى تكون منحازة للأحزاب والنخب التي تمولها، وهو جزء من الدعاية السياسية التي يراد منها إعطاء إحساس للناس على ان شخصية معينة لها أهمية اجتماعية وبالتالي التأثير على خيارات الناخب". ووصف القيم ان العمل الاستطلاعي العراقي بانه "غير برئ"، واذا ما أجريت دراسة وفق المعايير العلمية الصحيحة "فان الكتل السياسية سوف تتهمها بالتآمر لأنها تكشف حقيقة الراي الرافض لبرامج الأحزاب الفاشلة".

الفشل الذي يصيب مراكز استطلاعات الراي العام في العراق يمثل امتدادا للمشكلات التي تصيب هذه المراكز في الدول النامية الأخرى، لعدم استنادها الى قواعد علمية رصينة، كما ان جانبا من فشلها يتحمله الجمهور، بحسب ما يقول رئيس قسم الصحافة في جامعة اهل البيت الدكتور غالب الدعمي.

ويضيف الدعمي في حديثه الى "شبكة النبأ المعلوماتية"، ان "اكثر استطلاعات الراي العام عندما تقدم الى الجمهور فانه يملأها بروح غير مبالية وبطريقة عشوائية ومن ثم لا يمكن ان تعكس الراي الحقيقي له". ويستشهد الدعمي برأي احد علماء النفس الذي يقول بانه "من الصعوبة بمكان ان تأخذ راي الجمهور العراقي بشكل حقيقي دون ان تعرض عليه الفعل، بمعنى انه لو سألت شخص ما عن ردة فعله لو ضرب رجل فهذا لا فائدة منه الا اذا ضربته لتعرف ردة فعله الحقيقية".

وفي الجانب الاخر يلقي الدعمي باللوم على مراكز الاستطلاعات التي لا تختار العينات الممثلة للمجتمع، حيث تكون فيها نسبة الانحياز عالية لتتناسب مع وجهة نظر الباحث، ويحمل الدعمي نسبة عالية من الشك تجاه استطلاعات الراي العام، موضحا ان الكثير منها لم تعرض أصلا على الجمهور، انما يتم ملؤها في نفس مراكز الاستطلاعات.

وحول سؤال "شبكة النبأ" للدعمي عن إمكانية ولادة مراكز استطلاعات رصينة في المرحلة المقبلة، يقترح الدكتور غالب الدعمي والذي يملك خبرة في هذا المجال، اللجوء الى وسائل أخرى غير التي تستخدم الان والتي لم تستطع الحصول على إجابات حقيقة من المجتمع العراقي، واصفا المواطن العراقي بـ"العنيد"، لكنه يؤكد ان الامية التي تزداد يوما بعد اخر يصعب معها اجراء استطلاعات علمية رصينة.

ورغم ضبابية موقف الناخب العراقي من الأحزاب السياسية التي تعتمد على المحاصصة في تقسيم المناصب الا ان هذه الأخيرة لا تجد صعوبة في اصدار تقييمات لنفسها، عبر الاستعانة بوسائل اكثر سهولة واقل تكلفة، وذلك عبر الاستعانة بمحللين وخبراء يقسمون المناصب السيادية حسب الطلب، من خلال وسائل الاعلام والفضائيات التلفزيونية المملوكة للمرشحين وكتلهم.

أستاذ العلوم السياسية في جامعة النهرين، الدكتور احمد الميالي، يرى في حديثه الى "شبكة النبأ المعلوماتية"، ان "نسبة كبيرة من المحللين لا يقدمون تقييما صحيحا يعبر عن الواقع السياسي في العراق"، مؤكدا ان "هذه التحليلات تكون مقابل اجر مادي وحسب نسبة الاتفاق مع التوجه العام للقناة الفضائية".

ويوضح الميالي ان "المحلل السياسي لا يمكنه الإفلات من الانحياز لان قوله لرأيه المستند الى ادلة واقعية تدفعه لكشف الواقع المزيف للأحزاب السياسية، ما يعني عدم حصوله على استضافة أخرى في القنوات التابعة للأحزاب التي لا تلائمها الآراء العلمية الدقيقة". لكن الميالي يستثني أستاذة الجامعات المختصين في العلوم السياسية من هذه انتقاداته، لأنهم حسب رأيه يقدمون حججا منطقية تقترب كثيرا من الواقع.

فوضى التحليل السياسي تواجه الكثير من الانتقادات من قبل المختصين والمتابعين للشان العراقي، فالقدرة على صياغة الكلمات في التلفزيون لا تعني ان تستطيع قراءة الوضع السياسي، هكذا يقول عبد الهادي المهودر الذي يعمل في الفريق الصحفي لرئيس الوزراء حيدر العبادي، ويشير مهودر في منشور له عبر "الفيس بوك" الى ان "امتلاك بدلة انيقة وربطة عنق لا تكفي للتحليل السياسي"، فالحديث السياسي حسب مهودر "يجب ان لا يشبه الحديث في سيارات النقل العام، كما ان اطلاق الخيال ليس تحليلا سياسيا".

ويحذر مهودر من ان بعض المحللين هم عرضة لعيون الاخرين فحين "تحلل تذكّر ان كل العالم ينظر اليك بإعجاب او بإستخفاف ويقول هذا هو مستوى المحلل السياسي العراقي". ويعتقد مهودر الذي يدير حسابا نشطا في فيس بوك، ان التحليل يحتاج من القائمين عليه النزول الى الواقع وتحري المعطيات بدقة. ويقول مهودر ان التحليل السياسي "بحاجة لقانون لحمايته وحماية المجتمع".

اضف تعليق