آراء وافكار - مقالات الكتاب

هل تصادق المحكمة الاتحادية العليا على نتائج الانتخابات

لعام 2021 مع حرمان بعض العراقيين من ممارسة حق الانتخاب؟

تعد المصادقة على الانتخابات من وظائف السيادة، وأصبحت وسيلة من وسائل الرقابة الدستوريّة في الدولة، والتدقيق الذي تجريه المحكمة يكون بتقليب العملية الانتخابية من كل زواياها وجوانبها حتى لو لم يكن هناك أي اعتراض أو طعن فيها، لان الدستور جعل من هذه المحكمة الرقيب المحايد والضامن للحقوق...

الإرباك في المشهد الانتخابي من جراء تصرف الإدارة الانتخابية في الإعلان غير المكتمل لنتائج انتخابات مجلس النواب لعام 2021، وانعكاسه على المشهد السياسي والاجتماعي، حتى وصل إلى حد الخشية من الإنحدار نحو الفوضى في وجود السلاح المنفلت، حيث ظهرت ادعاءات كثيرة بوجود تزوير أو تلاعب في النتائج.

وحاول مجلس المفوضين تدارك الأمر وبث رسائل الاطمئنان إلى الجميع بان إجراءاتها كانت بشفافية وحيادية ولم تخضع لأي تأثير، وأعلنت بان ما حصل قد يكون من جراء خطأ بشري غير مقصود أو خلل تقني وانها مهتمة بمعالجته، إلا ان تلك الرسائل لم تؤثر في حالة الغليان والاحتقان الشعبي لجميع الأطراف سواء التي ادعت بانها فائزة بأكثر الأصوات أو التي ادعت إنها خسرت أصوات ناخبيها بعمليات غير شرعية.

فالأولى تخشى على مكاسبها التي حصلت عليها والاخرى تبحث عن معالجة لما تدعي، وهكذا استمر السجال حتى وصل إلى مستوى القواعد الجماهيرية التي لا يمكن السيطرة عليها بشكل كامل خصوصاً في ظل خطاب الجهات المشاركة في الانتخابات، فإنها خطابات انفعالية فيها عنصر التحدي والغلبة اكثر من لغة التنافس الشريف والروح الرياضية التي تتقبل الخسارة، وهذه الأحداث والإرهاصات كانت من أسباب توفير الدستور والقوانين اكبر قدر من الضمانات القانونية والدستورية لسير العملية الانتخابية، ومنها وجود مفوضية مستقلة، وكذلك وجود طرق طعن رسمها القانون والدستور.

ومن بين هذه الضمانات ما ورد في المادة (93/سابعاً) من الدستور التي منحت المحكمة الاتحادية العليا صلاحية المصادقة على النتائج النهائية للانتخابات العامة لعضوية مجلس النواب وعلى وفق النص الاتي (المصادقة على النتائج النهائية للانتخابات العامة لعضوية مجلس النواب)، وهذه الصلاحية الحصرية تعد من اهم وآخر الضمانات لعملية الانتخابات، حيث تقوم المحكمة الاتحادية العليا بتدقيق كافة الإجراءات التي اتخذتها المفوضية وغيرها من المعنين بالانتخابات والتحقق من مدى مراعاتها للقواعد والأسس الدستورية والقانونية، لان المصادقة وكما عرفها الفقه الدستوري (هي إجراء يتمّ بموجبه إقرار أو تأكيد ما اقترح أو تقرّر من جانب طرف آخر بهدف إسباغ قيمة قانونيّة عليه).

وتعد المصادقة على الانتخابات من وظائف السيادة، وأصبحت وسيلة من وسائل الرقابة الدستوريّة في الدولة، والتدقيق الذي تجريه المحكمة يكون بتقليب العملية الانتخابية من كل زواياها وجوانبها حتى لو لم يكن هناك أي اعتراض أو طعن فيها، لان الدستور جعل من هذه المحكمة الرقيب المحايد والضامن للحقوق الدستورية للمواطن، فإنها تنظر في مدى تمكين المرشحين من ممارسة حقهم دون أي عارض أو قيد أو منع، وكذلك في مدى تمكين جميع المواطنين الناخبين من ممارسة حق التصويت والاقتراع في يوم الانتخابات، وبذلك فان عملها عند المصادقة يكون على وفق الصور الآتي :

1. ان تقرر المحكمة الاتحادية العليا المصادقة الكلية على جميع النتائج النهائية عندما تجد ان الإجراءات كانت على وفق الإجراءات التي رسمها الدستور والقانون ولا يوجد أي خرق لحقوق الناخب والمرشح.

2. المصادقة الجزئية على نتائج الانتخابات، ويكون ذلك بالمصادقة على بعض النتائج دون غيرها، ومثال ذلك ما حصل في المصادقة على انتخابات عام 2014 عندما استثنت المصادقة على نتيجة بعض المرشحين الفائزين لوجود قيد جنائي عليهم وعلى وفق ما ورد في قرارها المتخذ بتاريخ 16/6/2014 المرفق طي الكتاب الصادر عنها بالعدد 31/ت.ق/2014.

3. ان تقرر رفض أو عدم المصادقة على النتائج وهذا ما يسمى بحق الاعتراض او كما يسميه الفقه الدستوري (الاعتراض الإسقاطي أو رفض التصديق)، ويكون ذلك عندما تجد المحكمة الاتحادية العليا بان الانتخابات لم تجري على وفق الآليات الدستورية والقانونية، سواء من الناحية الإجرائية أو الموضوعية، فالمحكمة تدقق عملية الانتخابات من حيث الجهة القائمة عليها والتي يجب ان تكون من قبل المفوضية حصراً.

وكذلك ان تكون النتائج قد استكملت كافة طرق الطعن فيها التي رسمها قانون الانتخابات او قانون المفوضية، وكذلك لها ان تبحث في مدى توفر الضمانات الدستورية لتمكين الناخب والمرشح في ممارسة حق الترشح والانتخاب، لان هذه من الحقوق الدستورية التي وردت في المادة (20) من الدستور النافذ التي جاء فيها الاتي (للمواطنين رجالاً ونساءً، حق المشاركة في الشؤون العامة، والتمتع بالحقوق السياسية، بما فيها حق التصويت والانتخاب والترشيح)، ويكون بحثها ليس في تفاصيل الممارسة الفردية فحسب، وإنما في القرارات والإجراءات التي اتخذتها المفوضية تجاه الناخب او المرشح،

لذلك فان من الأمور التي ستبحث بها المحكمة الاتحادية العليا والتي افترض أنها لن تكون خافية على هيئتها الموقر، هو المنع الذي قامت به المفوضية العليا المستقلة للانتخابات عندما حرمت ومنعت أعداد كبيرة من العراقيين المؤهلين لممارسة حق الانتخاب، وهم العراقيون من الفئات الآتية:

1. المقيمون في خارج البلاد حيث إن المفوضية وعلى وفق ما جاء في بيانها الصادر في حينه بعدم قيامها بانتخابات الخارج وعلى وفق البيان الاتي (المفوضية واجهت عدة معوقات فنية ومالية وقانونية وصحية أهمها أن إكمال عملية تسجيل الناخبين العراقيين في الخارج بايومترياً بمراحلها كافة تحتاج الى (160) يوماً تقريباً في الظروف المثالية، بينما المدة المتبقية هي (40 يوماً) فقط لذلك لم يسمح لهم بالانتخابات) وفي هذا القرار خرق واضح وصريح لحق دستوري، وليس للمفوضية ان تمنع أو تقيد أي مواطن من ممارسة حقه وإنما تقوم بتنظيم العملية حتى يتمكن المواطن من ممارسة هذا الحق، والتنظيم هو الآلية التي ترد على كيفية استعمال الحق، ولا تتضمن عدواناً عليه بالانتقاص منه أو منع ممارسته، أما التقييد فهو يرد على اصل الحق فينتقص منه ويمنعه وهذا ما أشار اليه فقهاء القانون الدستوري.

2. كررت المفوضية الخرق الدستوري مرة أخرى عندما منعت المنتسبين في الحشد الشعبي من حق التصويت الخاص إسوة بأقرانهم من منتسبي القوات المسلحة، معللة ذلك بان الأسماء لم تقدم اليها خلال المدة القانونية، وهذا عذر غير مقبول لان مهمة المفوضية تنظيم عملية الاقتراع وعليها يقع عبء تنظيم العملية والحصول على كافة المعلومات بحكم صلاحيتها الممنوحة لها بحكم القانون، وهذه ليس من مسؤولية منتسب الحشد الشعبي، فلا يجوز حرمانه بسبب لا يد له فيه، مع ان الدستور منحه حق في الانتخاب باعتباره جزء من القوات المسلحة وعلى وفق ما ورد في المادة (9/أولا/ج) من الدستور، والحشد الشعبي من تشكيلات القوات المسلحة على وفق ما جاء في المادة (1/أولا) من قانون هيئة الحشد الشعبي رقم (40) لسنة 2016 التي جاء فيها الاتي (أولا: تكون هيأة الحشد الشعبي المعاد تشكيلها بموجب الأمر الديواني المرقم (91) في 24/12/2016 تشكيلا يتمتع بالشخصية المعنوية ويعد جزء من القوات المسلحة العراقية ويرتبط بالقائد العام للقوات المسلحة.)

لذلك فان هذه الخروق تعد من كبائر الأخطاء التي حصلت في العملية الانتخابية والتي من الممكن ان تعدم دستوريتها لان فيها مخالفات عديدة لمبادئ دستورية منها ما اشرث اليه في منع الناخب من ممارسة حقه الوارد في المادة (20) من الدستور، وكذلك خرق مبدأ المساواة الوارد في المادة (14) من الدستور، وارى ان المحكمة الاتحادية العليا سوف تنظر في هذه الخروق وتتخذ القرار المناسب وقد يكون قرارها بتعطيل المصادقة لحين إكمال عملية الانتخابات بتمكين الجميع من ممارسة حقهم سواء من منتسبي الحشد الشعبي والمهجرين والمقيمين خارج العراق.

وعلى أطراف العملية الانتخابية والمساهمين فيها من الكتل والأحزاب والمستقلين اخذ دورهم في الطعن أمام المحكمة الاتحادية العليا تجاه هذه الخروق الرئيسية التي تشكلاً نقصاً كبيراً في الممارسة الديمقراطية ومخالفة جسيمة لمبادئ الدستور مع الالتفات إلى ان كاتب الدستور أعطى مهمة حماية الدستور والحقوق الواردة فيه إلى المحكمة الاتحادية العليا دون غيرها حصراً. لإن القضاء الدستوري يعتبر من أهم الضمانات التي وفرتها الأنظمة الدستورية لحماية الحقوق والحريات الواردة في الدساتير ذات النهج الديمقراطي، ولم يكن ذلك بالأمر اليسير وإنما جاء عبر نضال مرير قامت به الشعوب على مدى قرون.

* قاضٍ متقاعد

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق