q

تعد مهنة الخياطة من أقدم المهن، إذ يعود إستخدامها الى العصور الحجرية (30000 سنة قبل الميلاد)، وقد سبقت الخياطة نسج الملابس، وإرتبط تطوّر هذه الصناعة دائماً بتطوّر النسيج.

الخياطة هي عملية ربط الملابس أو الجلود أو الفرو أو المواد المرنة الأخرى ببعضها البعض بإستخدام إبرة وخيط، وفي معاجم اللغة نجد (خَاطَ الثَّوْبَ) أي (ضَمَّ أجْزَاءهُ بِخُيُوطٍ تَحْمِلُهَا إِبـْـرَةٌ)، فيكون الثوب (مَخِيط ومَخْيُوط).

أما الخياط هو الشخص الذي يتّخذ من الخياطة مهنة له، ويُقال أن أول من عمل خياطاً هو النبي إدريس (عليه السلام)، وإرتبط تطوّر هذه الصنعة دائماً بتطوّر النسيج، وتُستخدم الخياطة أساساً لإنتاج الملابس والمفروشات المنزلية وغيرها، وتُستخدم أيضاً من أجل أشرعة السفن، والأعلام، والبُنى الأخرى المكوّنة من مواد مرنة مثل الجلود.

التقت شبكة النبأ المعلوماتية مع عدد من أصحاب هذه المهنة ذات الصيت الطيّب والمُحترم في كافة المجتمعات، كان لنا هذا التحقيق عن عالم الخياطة الجميل في ظل تراجعه الكبير وتلاشيه المُستمر).

تقول أم دعاء (37 سنة) "كانت مهنة الخياطة مُقتصرة على ربّة المنزل التي كانت تُخيّط المُلابس لأولادها وزوجها وجميع أفراد أسرتها، فكانت حكراً على عنصر النساء أو تكاد، أما اليوم فلم تعد الخياطة مُجرّد مهنة تقليدية بل تجاوزت هذا المفهوم لتضع بعض من يحترفها في صفوف الفنانين والمبدعين، حيث إرتقت بالكثير من مصمّمي الأزياء من مصمّمين عاديّين يعملون في محلات صغيرة الى مُصمّمين عالميّين ذائعي الصيت، ولكن هذا الأمر ليس في العراق طبعاً وللأسف".

الكهرباء أحـد الأسباب

من جانبها تقول (س.ر 28 سنة) "إن مهنة الخياطة وبالرُغم من بساطتها تحتاج لمهارات عالية وصبر ودقّة ومال، وتلعب الخبرة فيها دوراً كبيراً في جذب الزبائن، ولكن بعد أن غزت السوق المحلية كافة أنواع الملابس ومن مناشىء عالمية وبأسعار مُنافسة لما يتم إنتاجه محلياً، بدأت تتلاشى شيئاً فشيئاً".

أما أبو علاء الربيعي (75 سنة) يقول "عانت مهنة الخياطة شأنها شأن المهن من تطوّرات الزمن، وتأثّرت بشكل كبير وتراجعت الى الوراء بعد أن كانت من المهن المرموقة، فالمُعوّقات كثيرة لمُمارسة هذه المهنة، كالوضع الأمني وإنقطاع التيار الكهربائي وإقبال الناس على البضائع الجاهزة، لكن السبب الرئيس يعود الى البضائع المُستوردة التي لا تشملها ضرائب ولا رسوم جمركية ودخولها الى السوق لا يخضع لضوابط وتدخّل الجهات المعنية في الرقابة وحماية المُنتجات المحلية".

انتكاسة تحت سطوة المستورد

وعن تلاشي مهنة الخياطة، يقول مهدي عباس (22سنة) وهو صاحب محل خياطة تركه له والده بعد وفاته، إن"مهنة الخياطة بدأت تتلاشى نوعاً ما، فإرتداء الجينز والملابس الضيّقة والموديلات الأخرى هي الرائجة اليوم في الأسواق، وأصبحت المحلات تعج بالبضائع المُستوردة ومن مُختلف المناشئ والماركات العالمية، وإذا أردت أن أفصّل قميصاً وأخيطه وأبيعه كما كان يفعل أبي (رحمه الله)، فإنّه يطلّب ما يُقارب عشرين ألف دينار أو أكثر، فيما القميص الذي يلبسه الشباب اليوم لا يتجاوز سعره الخمسة آلاف دينار في محلات مُتواضعة و(بسطيّات) الشارع العام، فالشاب بات يُفضّل الملابس المُستوردة على ملابس الخياطة".

أما رعد أبو مريم (38 سنة) فيقول "كنت أعمل في الخياطة مُنذ أكثر من 20 عاماً، وخلال السنوات القليلة الماضية تعرّضت مهنة الخياطة للكثير من الصعوبات بحيث فقدت روادها يوماً بعد آخر ولجأ العديد من المواطنين الى المُستورد، إضافة الى هذه الصعوبات هُناك صعوبات أخرى أثّرت على مهنة الخياطة وهي كثرة البطالة وعدم وجود فرص العمل وهذا الأمر دفع بأغلب المواطنين لاسيما الشباب الى الألبسة الجاهزة التي تمتاز برخص أسعارها".

ويُشير أبو حسين العبودي (48 سنة) عن سبب غلق معمله إن "تكاليف الإنتاج أصبحت سبباً في تدهور مهنة الخياطة، إذ إن تكاليف إنتاج الملابس في معامل الخياطة أصبحت لا تُوازي أسعار بيع تلك الملابس، فبدءً من شراء الأقمشة ومُستلزمات خياطتها وأجور العمال ومن ثمّ عرضها في الأسواق تكون التكاليف عالية جداً بحيث إن ما تُحقّقه من أرباح لا يُساوي جهود الخياطين فتكون الخسائر الجهد الأكبر".

تبقى الحلول بيد من يُخيط ثوب الحياة للمواطن العراقي وهي الدولة فعليها أن تهتم بقطاع الصناعة وتطويره وتنميته أولاً سواء القطاع العام أو الخاص، وإصدار وتنفيذ القوانين التي من شأنها حماية المُنتج العراقي وتشجيعه.

اضف تعليق