q
مشروع الإمام المهدي الذي سيظهر ليقيم دولة الحق والعدل بحيث أنه سيلغي كل أنواع الظلم والجور والطغيان، ويبني كل المؤسسات العالمية على أساس العدل والحرية والرفاه والأمن والسَّلام العالمية، وهذه الدولة أو هذا المشروع الكوني والدولة أو الحكومة العالمية ستكون وتُبنى على أساس العلم، والعقل...
تحرير: حسين علي حسين

عقد مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث حلقته النقاشية الشهرية، ضمن النشاطات الفكرية المتواصلة لملتقى النبأ الأسبوعي، تحت عنوان (عالمية مشروع الإمام المهدي وتحقيق العدالة الإنسانية) وذلك في مقر مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام، وقد حضر الحلقة مجموعة من مدراء المراكز البحثية، والأكاديميين، وقد قدم الباحث في المركز محمد علاء الصافي، ورقة بحثية جاء فيها:

لقد تواتر في الكتب والرسالات السماوية والمذاهب المختلفة عن وجود منقذ عالمي يقود البشر نحو الخلاص وإيجاد مجتمع بشري قائم على العدالة والحرية والحق. وهذا ليس مجرد خطاب مذهبي او شعار ديني بل هي حقيقة فطرية تعيش في أعماق العقل البشري ويحسها الضمير الإنساني، ويؤمن بها الإنسان الذي يعيش الألم والعذاب اليومي والقلق والخوف واللاأمن.

ذلك ان العقل يدرك في كينونته ان العالم هذا قائم على العدل والتوازن وليس من خصائصه الظلم والفوضى، فإذا كان هناك فوضى فإنها من حصاد الظلم البشري بحق البشر. فلابد من تحقق العدل والا فان العدالة الإلهية تصبح لغوا وعبثا. ولذلك كانت بعثة الأنبياء وتواتر الرسل وقيام المصلحين من إيجاد مجتمع إنساني واحد يعبد الله عز وجل ويحقق عدالته.

وهذا هو هدف الأديان جميعا، وهدف الرسالة الإسلامية التي تخاطب البشر جميعا بلا استثناء لأنها تملك قدرة قوية على إيجاد الوحدة العالمية بما تحمله من مبادئ مثل الاخوة والسلام والتسامح والعفو والوحدة، يقول نعوم تشومسكي: في هذا الجزء من العالم سيكون الإسلام بسبب تأييده المطلق للمقهورين والمظلومين اكثر جاذبية، فهذا الدين المطرد في الانتشار على المستوى العالمي هو الديانة الوحيدة المستعدة للمنازلة والكفاح.

فالإسلام دين عالمي يحمل مقومات بناء المجتمع العالمي، يخاطب الله تعالى رسوله: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)، (وما أرسلناك الا كافة للناس). ولكن هذا الدين الذي أنقذ العالم من فوضى الجاهلية وظلماتها سوف يعود يوما بإذن الله لإنقاذ العالم وقيادة المستضعفين نحو الخلاص كما بشر بذلك القرآن الكريم: (ونريد ان نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين). ويروى عن الإمام علي (عليه السلام) في نهج البلاغة: (لتعطفن الدنيا علينا بعد شماسها عطف الضروس على ولدها). ثم تلا (عليه السلام) الآية. ويقول ابن أبي الحديد في شرحه على النهج: ان أصحابنا يقولون انه وعد بإمام يملك الأرض ويستولي على الممالك.

وفي اية أخرى يقول الله تعالى: (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ان الأرض يرثها عبادي الصالحون).

وكذلك بشر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بظهور المهدي (عليه السلام) حيث روى عنه سعيد ابن جبير عن ابن عباس انه قال: ان خلفائي وأوصيائي وحجج الله على الخلق بعدي لإثنا عشر أولهم أخي وأخرهم ولدي. قيل يا رسول الله من أخوك؟ فقال: علي بن أبي طالب، قيل ومن ولدك؟ قال: المهدي الذي يملؤها -أي الأرض- قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا، والذي بعثني بالحق بشيرا لو لم يبق من الدنيا الا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج فيه ولدي المهدي فينزل روح الله عيسى بن مريم فيصلي خلفه وتشرق الأرض بنور ربها ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب. 

الله -سبحانه وتعالى- جعل للناس أملاً موعودا بالتحقيق، وعلى العباد أن يتمسكوا بهذا (الأمل) لأنه الطاعة والتوفيق والنجاح في الدنيا والآخرة، فالإنسان بلا أمل إيجابي يشعر بالكسل والخمول والإحباط واليأس والاستسلام للواقع الذي يعيش فيه، فتكون النهاية الضياع والخسران في الدنيا والاخرة.

عندما يكون الإنسان مريضا أو فقيرا أو معتقلا أو مظلوما بلا أمل..، يعيش في ألم ويأس واستسلام للواقع السلبي..؛ حيث ان الصبر والتحمل والصمود يتحقق بالأمل؛ فمع الأمل يأتي الإيمان والتوفيق والتفاؤل بأن هناك الأفضل، وان هناك نهاية لهذا الواقع المأساوي مهما اشتد، وأن هناك علاج للمرض ونهاية للمشكلة مهما كانت.. فعندما يكون هناك أمل بالفرج ونهاية الأزمة والمشكلة، يمكن للمنتظر تجاوز الأزمة.

الله سبحانه وتعالى الرحمن الرحيم العادل المنتقم، وعد المؤمنين المنتظرين الثابتين على مبادئ الحق، والمتمسكين بالأمل- الانتظار الإيجابي- بالفرج عبر ظهور الإمام -عج- ليتحقق على يديه الوعد الإلهي ويملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا.

العالم في أسوأ الحالات

الامة العربية والاسلامية في هذا العصر في أسوأ حالتها من الضعف والاستسلام والتشتت والضياع والبعد عن القيم والمبادئ المهدوية،.. فقد ازداد فيها الظلم والاستبداد والجوع والفقر والأمراض بأنواعها، وانتشار عادات معادية للطبيعة البشرية ومخالفة أحكام الرسالات السماوية، من قبل أعداء الإنسانية والإيمان والسلام الذين يعبثون في الأرض.. وهناك من يروج لأفكار هدامة على أساس انها من الدين، وهناك من يطالب بالتنازل عن بعض الواجبات باسم التحضر والتطور، ومواكبة الموضة والاعلام، ضمن مشاريع تدار بأيدي أعداء الإنسانية والاديان السماوية، بينما يمنع صوت من يتمسكون بالإيمان والحق والعدل وبالأمل الموعود الإمام المهدي المنتظر (عج) من التعبير عن ارائهم واظهار الحق والحقيقة والدعوة لمنهج الإمام المهدي!. فيصبح من يثبت على الحق ويتمسك بالإمام المهدي كالماسك بيده الجمرة.

إلى متى يستمر هذا الظلام والظلم، وما المطلوب من عشاق الإمام المهدي، أصحاب الحق والحقيقة، ومن المتمسكين به كمخلص وأمل لتحقيق العدالة؟.

حول عظمة فضل انتظارُ الفَرَجِ بظهور الإمام الحجة المنتظر (عج) وتعجيل ظهوره، هناك روايات كثيرة، منها ما روي عن خاتم الأنبياء والمرسلين رسول الله -ص-انه قال: "أفضل جهاد أُمَّتي انتظار الفرج".

وروي عن أمير المؤمنين الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام): "انتظروا الفرجَ ولا تيأسوا من روح الله فإنَّ أحبَّ الأعمال إلى الله عزَّ وجلَّ انتظار الفرج".

الانتظار الإيجابي يعني الترقب والتهيّؤ والاعداد والاستعداد لما ينتظره المنتظر بالعمل والسعي والأمل، لا الانتظار السلبي بدون حراك وبلا عمل وجهود.. والوقوف مكتوف الأيدي نتيجة اليأس والاستسلام.

ان عالم اليوم الذي يتخبط في أزماته وصراعاته وحروبه والعولمة تسير في الاتجاه المعاكس لتحقيق السعادة البشرية، لدليل على ان العدالة حلم بشري تسعى لتحقيقه. ومن هنا فان هذا الحلم البشري لا يتحقق إلا عند ظهور المنتظر الذي يحمل راية نشر العدل والقضاء على الظلم، لأننا وببساطة شهدنا تجربة جميع النماذج من اشكال الحكومات والأنظمة والنظريات وجميعها حتى الان لم تحقق العدالة والسعادة والاستقرار للإنسان بل على العكس نشهد اليوم تنامي الانانية عند البشر وتقديم المصالح الخاصة والآنية على حساب المصلحة العامة وانتشار الفساد وتكدس الأموال والثروات عند فئة قليلة جدا من البشر ليتحكموا بمليارات البشر دون إكتراث لما يحدث للكوكب من تغيرات كارثية في البيئة والمناخ وما يترتب على ذلك من كوارث طبيعية لا حصر لها يدفع ثمنها الجميع.

 "كذلك مشكلة تفاوت الدخول بين مواطني البلد الواحد أصبحت ظاهرة عالمية تعاني منها الدول الغنية والفقيرة".

"التفاوت الكبير في الدخول يخلق مشاكل اجتماعية واقتصادية كثيرة سوء على نطاق الفرد أو المجتمع ويؤدي إلى زيادة السرقات ومعدل الجريمة، الحسد والكراهية بين أبناء البلد الواحد".

يبدأ مشروع العدالة العالمي عند الامام المهدي (عليه السلام) من تحقيق التكامل المعرفي والعقلي عند الإنسان، لان معظم الشرور تنشأ من الجهل وعدم المعرفة، فعن الباقر (عليه السلام): (إذا قام قائمنا وضع يده على رؤوس العباد فجمع بها عقولهم). وهذا الجمع يعني أمرين: الأول ان التكامل الحضاري لا يعتمد على مستوى التقدم المادي والتكنولوجي والمعلوماتي بل يعتمد على التكامل العقلي والتركيز المعرفي من اجل بناء النفس والذات، والحضارة المادية هي وسيلة وليست غاية. والثاني: هو الحوار العقلاني والفكري الذي يعتمد على الثقة والتفاني فيتم التواصل والتقارب وهذا ما يحققه المهدي عليه السلام.

والمرحلة الثانية من مشروع الحكومة العالمية تنطلق من خلال إيجاد التوازن الاجتماعي والاقتصادي وإلغاء الاستغلال والاحتكار والتفرد في السيطرة على موارد الأرض. يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله): (فيجيء إليه الرجل يقول يا مهدي اعطني اعطني اعطني، فيحثى له في ثوبه ما استطاع ان يحمله. وعنه ايضا: ابشروا بالمهدي... ويقسم المال صحاحا بالسوية ويملأ قلوب أمة محمد غنى ويسعهم عدله حتى انه يأمر مناديا ينادي من له حاجة اليّ... وتكثر الماشية وتعظم الأمة... وتزيد المياه في دولته وتمد الأنهار وتضاعف الأرض اكلها..، ويطبق الإمام قانون الإسلام الذي قال فيه رسول الله (ص): من أحيا أرضا مواتا فهي له. وهذه هي قمة العدالة التي تعطي الحق للإنسان في امتلاك الأرض كالآخرين. لذلك تزدهر الأرض وتموج بالنشاط والعمل.

وبتحقيق العدالة والعدل ينتشر الأمن وتختفي الجريمة ويتحقق الأمان، يقول الإمام الباقر (عليه السلام) في حديثه عن الأمن والامان في عصر المهدي: (... وتخرج العجوز الضعيفة من المشرق تريد المغرب لا يؤذيها أحد).

وتتكامل دولة الإمام المهدي (عليه السلام) العالمية بإلغاء الحدود الجغرافية وترفع الحواجز المصطنعة ويصل البشر الى مبتغاهم في حرية العمل والحركة والحياة، يقول فكتور باش: حق كل إنسان بوصفه إنسان في امتلاك حقوق، وهو الذي يخول لكل مواطن دولة ان يدخل أراضي دولة أخرى، وهذا الحق في التجول بحرية على الارض وفي عقد اتفاقيات قانونية مع سائر الناس يقوم حق المواطن العالمي.

ان المجتمع البشري لايصل الى طريق الوحدة الحقيقية التي تقضي على الحروب والأزمات والعواصف إلا بعد ان يرجع الى العوامل الواقعية المشتركة التي تجمع العنصر البشري، ولاشك ان العامل المادي لا يمثل غير عنصر للاختلاف والتنازع والاستغلال. أما العقل والفطرة فهما العاملان اللذان يقودان البشرية لاستجماع ذاتها والوصول الى حقيقتها، وهذا لا يكون بوجود الا قيادة واقعية تقودها نحو التكامل العقلي والتأصل الفطري والتنكر عن الدوافع الأنانية المميتة وهو عصر العدالة والحرية والامان والسعادة عصر الإمام المنتظر المهدي (عليه السلام) وفقنا الله لرؤية نور وجهه الكريم والامتثال والعيش تحت راية عدالته العالمية الإلهية.

نفتح باب النقاش من خلال طرح السؤالين الآتيين:

السؤال الاول: مع تزايد التشابك العالمي والتقدم التكنلوجي لماذا تتفاقم الصراعات؟

السؤال الثاني: كيف يمكن للمشروع المهدوي أن يحقق التقارب العالمي؟

المداخلات

البحث عن العدالة المفقودة

الشيخ الحسين أحمد كريمو:

هذا التقدم الهائل والمضطرد في الثورة الرقمية، أدخل الشعوب والأمم في دوامة حقيقية، وأدخل الدول والحكومات في متهات مظلمة لا يهتدون للخروج منها، ولذا راحت تعصف بالجميع -دولاً، وحكومات، وشعوباً- أزمات ما كانت تخطر على بالهم قبل عقد من الزمن، وذلك لما سببته هذه الثورة الرقمية من طفرة -بل طفرات- على كل المستويات، العلمية والعملية، فأربكت الجميع حقاً.

لا سيما وأنها ترافقت مع ثروة هائلة عند أصحابها حتى صاروا الآن يتباهون ويتسابقون ليس على المليونير ولا على الملياردير، بل على الترليونير فكم من هؤلاء صارت ثروته تعدُّ في التريليون وليس بالمليار، وهذا مكمن الضَّعف وسيكون هنا المقتل في الحضارة الرقمية، التي راكمت الثروات في أيدي أشخاص وصار هؤلاء يملكون أكثر من شعوب وأمم ودول كاملة، وهذا ما فجَّر الصراعات حتى صارت عالمية وستزداد أكثر، وكلما زادت الفجوة بين الفقراء والأغنياء، وبين الضعفاء والأقوياء، وبين الشمال الغني المترف، والجنوب الفقير المستضعف أكثر، وذلك لأن أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) يقول: (مَا جَاعَ فَقِيرٌ إِلاَّ بِمَا مُتِّعَ بِهِ غَنِيٌّ)، وإلى متى يصبر الفقير على الجوع وهو يرى ويسمع أن الآخرين يسرقونه وينهبونه جهاراً نهاراً؟

فالصراع اليوم ازداد لأن الثورة الرقمية حوَّلت العالم إلى قرية إلكترونية الجميع يرى ويسمع ويشارك فيها، وقديماً قالوا: (لا عين ترى، ولا قلب يحزن)، وأما الآن فالجميع يرى ويسمع، ويعرف أصحاب الحقوق المسلوبة مَنْ يسلبهم حقوقهم ولذا راح هؤلاء يبحثون عن حقوقهم ويحاولون أن ينتزعونها من سارقيهم وظالميهم وناهبي ثروات العالم وعقولهم ومقدراتهم من أجل السيطرة عليهم أكثر. 

والحقيقة فإن الأغنياء ما شبعوا من دماء وأموال وثروات الفقراء، والفقراء ملُّوا من ظلم الظالمين وجور الجائرين ولذا راحوا يهبُّون ويلهبون العالم بالصراع من أجل المصالح، والثروات، والسياسات الجائرة.

وبكلمة: الظلم والجور والطغيان استفحل في الظالمين، والتوق إلى الحرية والكرامة والعدالة عند المظلومين هو الذي سبَّب زيادة هذا الصراع العالمي والذي يشتد ضراوة ويزداد حدَّة، وأتوقع أن يتَّسع أكثر لأنه لأول مرة تترنَّح دولة الشيطان وإمبراطورية الشَّر العالمي وستسقط ولكن سقوطها سيكون كارثياً على الكرة الأرضية إلا إذا تدخلت يد الغيب في سقوطها وتسقط بلحظة كما سقطت إمبراطورية الإلحاد الشيوعية في نهاية القرن الماضي.

تتفاقم الصراعات لتضارب المصالح، وتتشابك النزاعات لتشابك الأحلاف والمحاور، فالواقع يقول: بأن العالم اليوم يشهد ثورة رقمية حولته إلى سوق عالمي مفتوح أمام كل شيء وليس أمام البضائع عند الأغنياء والدول الصناعية، بل حتى بالثقافات والأفكار والعلوم والنظريات بل وكل شيء موجود ومباح ومعروض في هذا السوق وعلى هذه الشبكة العنكبوتية، وصدق مَنْ سمَّاها بهذا الاسم (عنكبوتية) لأنها منظَّمة، ومتشابكة وتظهر أنها قوية جداً كخيوط العنكبوت ولكنها أوهى الخيوط، وبيته أوهن البيوت، وكذلك الحضارة الرقمية اليوم، فإنني أسمِّيها حضارة العنكبوت -واستفدت ذلك من سورة العنكبوت المباركة- والحقيقة العجيبة بالعنكبوت أن الأم عندما يلقِّحها الذَّكر تقتله وترمي به خارج البيت أو تأكله، والأبناء يبقون على ظهر الأم، وعندما يخرجون يقتلونها ويأكلونها وهكذا ستفعل الحضارة الرقمية بأمها أمريكا، كما فعلت أمريكا بأوربا من قبل، وسيقتلها أفراخها التي صنعتهم على ظهرها وحمتهم حتى قووا وتعلَّموا الطغيان والإجرام منها.

الأزمات العالمية تكبر وتزداد وتتفاقم، والظلم والجور والقتل والتَّعدي على الحرمات وعلى الشعوب والأمم سيزداد اتساعاً أيضاً، وسيصل العالم إلى اللحظة الحاسمة التي سيصرخ فيها الجميع (أين المخلِّص)، و(أين المنقذ)، وسيبحث أكثر أهل الأرض عن العدالة المفقودة في الحكومات، وعن القسط المدفون في المجتمعات، وعند ذلك سيكون الفرج بإذن الله تعالى.

وهو ما نطلق عليه بمشروع الإمام المهدي المنتظر (عج) الذي سيظهر ليقيم دولة الحق، والعدل العالمية بحيث أنه سيلغي كل أنواع الظلم والجور والطغيان، ويبني كل المؤسسات العالمية على أساس العدل والحرية والرفاه والأمن والسَّلام العالمية، وهذه الدولة أو هذا المشروع الكوني والدولة أو الحكومة العالمية ستكون وتُبنى على أساس العلم، والعقل وليس على أي أساس غيرهما ولذلك (عندما يظهر يمرِّر يده على رؤوس أصحابه فتكمل لهم عقولهم وأحلامهم)، وهؤلاء العقلاء والحكماء سيحكمون العالم بقانون ودستور السماء الذي أنزله على خاتم الأنبياء (صلوات الله عليه وآله) ألا وهو القرآن الحكيم.

فمشروع الإمام المهدي (عج) سيبني الحكم على أساس العدل، والمجتمع على أصل الأخوة الإيمانية، وستنتفي الحاجة للبشر بتوفر كل الحاجات اللازمة والضرورية وتقسَّم عليهم بالعدل لا سيما المال وسينعدم الفقر والحاجة بين الناس وعندها ستنعدم الصرعات والمنازعات بينهم بل تتحول الدنيا إلى جنَّة ولكن في الأرض قبل أن ينتقلوا إلى جنة السماء الموعودة.

فمشروع الإمام المهدي سيعالج أساس وأصول وأسباب المشاكل والصراعات في العالم وعلى رأسها السياسية، والاقتصادية، وسيُقدِّم للعالم حكومة عالمية عادلة بكل معنى الكلمة وتفاصيلها المختلفة، ولذا سينعدم الصراع والنزاع حتى بين البهائم والحيوانات لأنها جميعها ستشبع ولن تحتاج أن تعتدي على غيرها.

التقارب عبر القيم الانسانية

الباحث صادق الطائي:

لم اجد نصا يتكلم عن التقدم التكنلوجي والكلام عن الصراعات، ضمن معسكرات تحمل روح التقدم العلمي والتكنلوجي بل الأمر متروك، اعتقد ان التقدم العلمي صاحب اوراق حساسة وخطرة، حدثت حروب تكون لها انعكاسات خطرة هذا النوع من الحروب له تأثير وقدرة على حياة الناس، صحيح ليس فيه قصف واصوات تفجيرات، لأنه كلما نتقدم تتفاقم الازمات والصراعات.

لا يمكن للمشروع المهدوي ان يحقق نوعا من التقارب بين الاطراف التي تريد ان تغزو الاسواق العالمية، وتسعى بعنجهية للتحرك بسرعة وبوسائل دعائية عديدة حتى تحقق الهدف، لان الفرص لا تعوض ابداً، والكل يعتبر هذه الفرص لا تعوض او تعود مرة اخرى.

يمكن ان يحُدث المشروع المهدوي نوعا من التقارب والتأخي العالمي وفرض حالة من الانشراح والسرور، اذا امكن استعمال القيم الانسانية الحقة وتحويل الصراع من اجل تقديم الخدمات والاستهلاك السهل، هذه الصورة الملائكية يبدو انها جداً بعيدة او لنقل خيالية من برامج شركات الانتاج العالمية.

نظرية العولمة العادلة

الباحث حسن كاظم السباعي:

مما لا خلاف فيه فإن أي تقدم أو تطور في أي مجال كان لابد وان يصحبه أسسا أخلاقية لئلا يتحول ضده. فلا شك مثلا أن التطور العلمي الذي أدى إلى صنع القنبلة الذرية كان قفزة علمية كبيرة إلا أن القائمين على صنعها كانوا فاقدين لأبسط قواعد الأخلاق فحصل ما حصل من كوارث إنسانية وتهديدات على مستوى انقراض الجنس البشري. ‎وكذلك الأمر بالنسبة للتقدم الحاصل في العالم وتعارف البشر وتقريب العلم للمسافات بينهم وربطهم ببعض وتحول العالم إلى قرية يعرف سكانها بعضهم البعض؛ فإن فقد المبادئ الإنسانية او اختلاف الفلسفات الأخلاقية التي تفرقت فيها المادية من مصالح البشر على الأنانية المقيتة؛ فصارت العولمة البرَّاقة في ظاهرها وسيلة لاستيلاء القوي على الضعيف، وليس عهد الكوفيد الذي غزى العالم ببعيد حيث رغم أنه كان فرصة ليجمع شعوب العالم إلى جانب بعضهم البعض، باعتبارهم شركاء في البلاء إلا أنه تحول إلى منافسة بين الطامعين والجشعين حين أبرزوا أزمة التطعيم والغذاء.

من هنا فإن الأسس الإسلامية الأخلاقية هي المقدمة على التقدم العلمي، ولابد للمبادئ الإنسانية أن تحكم على العلاقات العامة لا المصالح العابرة. 

ولذلك فلقد ورد في الروايات أن الإمام صاحب الزمان سيخرج بالسيف في زمن نرى التطور الهائل والكبير في وسائل الإبادة مما يعني أن الأساس والأولوية في حركته هي مبادئ العدالة والإنسانية.. فهو يسير بسيرة جده صلى الله عليه وآله وسلم الموصوف من قبل السماء: "فبما رحمة من الله لنت لهم، ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك".

وفيما يرتبط بالارتباط العالمي فإنه سلام الله عليه قد جسّد حديث جده أمير المؤمنين (عليه السلام) القائل: "ليس بلد بأحق منك من بلد، خير البلاد ما حملك"؛ وهي نظرية العولمة العادلة حيث ألغى الحدود وجعل الملاك على تلكم المبادئ التي تحمل المسؤولية الإنسانية.

وكيفية التجسيد أن ولي العصر قد ورث من بني هاشم وهم سادة الخلق، ومن فارس وهي والدة الإمام السجاد عليهما السلام، ومن النوبة التي تنتمي إليها والدة الإمام الجواد عليهما السلام وحتى السيدة نرجس الرومية التي جمعت سلام الله عليها إضافة إلى رمزية القارة الأوربية. 

فإنها رمز لتجمع الأديان باعتبارها من نسل شمعون الصفا وصي السيد المسيح (عليه السلام)، وكذلك من نسل النبي داوود (عليه السلام) وهو من أنبياء بني إسرائيل ومن هنا فإن نهضة الامام عجل الله فرجه قد جمعت جميع الأديان الإلهية.

من هنا وبناء على هذا التقارب النسبي والجغرافي والديني فإن المشروع المهدوي يحقق التقارب العالمي باعتباره خلاصة لجميع الأديان والأعراق.

العصمة الاجتماعية

الباحث عدنان الصالحي، مدير مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية:

كان هناك نقاش يدور حول الصراعات، ولماذا تتصارع الدول؟، بغض عن كل الأبعاد والتفسيرات، الأسباب هي المصالح، والاستئثار بالموارد، كل دولة أو كل شخص يحاول أن يكون له من المصالح ما يستطيع أن يحميه، والأنانية هنا تأخذ دورها في هذا الجانب، فليس كل إنسان يحصل على رزقه يقتنع وينتهي الأمر، ويتوقف عند طموحه المشروع، كلا فهناك من يحاول أن يكون مشروعه توسعيا وليس مشروع مصالح فقط.

مع تزايد التشابك العالمي تتفاقم الصراعات لأن المصالح تتضارب، وبالنتيجة حتى التقدم العلمي أصبح جزء من الصراعات حول المصالح، وصار جزءا من منظومة المصالح التي يدور حولها الصراع، نحن نتحدث هنا عن دول أو قيادات قد لا تمك البعد الديني، ولا تملك البعد الأخلاقي، وغالبا ما تكون السياسة هكذا، فيكون كل شيء لديها مباح على أساس قاعدة الغاية تبرر الوسيلة.

فترى الناس تُقتَل والأراضي تُحرق والبيوت تُهدَّم كلها في سبيل جهة من الجهات، أو دولة من الدول تحاول أن تثبت أركانها حتى ولو على أشلاء دول أخرى، وأناس آخرون، إذن هي قضية مصالح، وهذه المصالح قد تكون في بعض الأحيان مشروعة، ولكنها عندما تكون خارج نطاق العقل تصبح توسعية، وعندما تأخذ من حقوق الآخرين تصبح محرّمة.

هذا التشابك العالمي هو الذي فاقم الأمر، فسابقا كانت الصراعات محدودة التوسع، لأنه لم يكن هذا التوسع الكبير في المجال الالكتروني، ولا هذا العالم الافتراضي الذي يجمع العالم حتى أصبح قرية واحدة، بحيث من يكون في الشمال يرى من في الجنوب وهكذا.

كيف يمكن للمشروع المهدوي أن يحقق التقارب العالمي، الأمر واضح، فإنه في عهد الإمام المهدي كما يروي أصحاب الاختصاص من أساتذتنا ومشايخنا، أنه يصبح الإنسان مطمئنا على رزقه، بل حتى الحيوان، فإذا اطمئن المخلوق على رزقه لم تعد هناك مشكلة، حتى أصحاب النوايا السيئة يتم كشفهم، لأن الإمام يعرف ما في دواخلهم ويقرأ ما في قلوبهم.

هنا ينتهي الأمر، ويُقال أن المجتمع يصل إلى مرحلة العصمة الاجتماعية وليس العصمة الموجودة عند أهل البيت، حيث يكون المجتمع صادقا في كل تصرفاته، يطمئن على رزقه، يطمئن على أمواله، يطمئن على عياله، فبالنتيجة يحقق المشروع المهدوي التقارب العالمي، لأن الجميع يصبحون في مأمن على أرزاقهم وأموالهم وعيالهم.

وحينما يتوسع المشروع المهدوي في العالم، سوف يكون جزء أساسيا في استقرار المنظومة الإنسانية ويصبح كل إنسان مطمئنا في بيته وأمواله وعياله، هنا سوف تسود العدالة العالمية، ويكون المشروع المهدوي مطلوب من كل دول العالم، وبذلك تتلقّفه الناس سواء في العالم الإسلامي أو خارجه.

لابد أننا نتحدث باللغة العالمية، بعودة العدالة الإنسانية في كل أرجاء المعمورة، فالفكرة موجودة، بعضهم قد يسميها المهدي، والبعض يقول الشخص الموعود، والبعض يسميه الشخص المنقذ، فنحن فقط نحتاج لترويج المنظومة التي يأتي بها الإمام المهدي (عجل الله فرجه). 

المهدوية نابعة من حتمية العدل الإلهي 

الشيخ مرتضى معاش: 

هذا الموضوع ليس مختصا بالمذهب الشيعي، فهي قضية عالمية في العمق، فلو أننا ندخل في عمق الثقافات العالمية، وحتى ثقافات ما بعد الحداثة، فهم يطرحون قضية المنقذ بأشكال مختلفة، فمنهم من يقول المنقذ، وآخرون يقولون المصلِح، والغرب لديهم مصطلح (ذا وان) يعني المختار، فهذه القضية تجدها موجودة في عمق الثقافة الإنسانية، حتى أن أحد الكتاب الإسلاميين كان يقول: هذه قضية فطرية. وسبب وصفها بالفطرية، لأنها نابعة ومنبثقة من قضية العدل الإلهي، فلابد أن يحقق العدل الإلهي وهو الغاية الأساسية، فمثلما ظهر الأنبياء بالنتيجة يظهر الإمام الحجة كمنقذ يرسم ويعطي للناس رؤية عن مشروع إلهي قائم على العدل والإنصاف.

أنا تابعت مؤخرا ما بعد كورونا الكتابات الغربية، خصوصا الكتابات الليبرالية، فهم يعتقدون الآن بأن العالم وصل إلى حد كبير من السوء في الصراعات والاستنزافات والمشكلات فيه دلالة على فشل العولمة، وانهيار النظام العالمي إلى حد كبير جدا، وهم بذلك قد اعترفوا بفشلهم.

هناك رواية حول هذا الموضوع، عن الإمام الصادق (عليه السلام) يقول: (ما يكون هذا الأمر حتى لا يبقى صنف من الناس إلا وقد ولوا على الناس حتى لا يقول قائل: إنا لو ولينا لعدلنا، ثم يقوم القائم بالحق والعدل)، بمعنى إن الكل يجرب وتنتهي التجارب بالفشل وتصل إلى طريق مسدود.

كان العالم سابقا قائما على بعد أساسي في التشابك العالمي، وهو التجارة حيث كانت أساس التواصل بين البشر، ولكن التجارة بدلا من أن تصبح عملية للانتفاع المتبادَل، أصبحت وسيلة للهيمنة والاستعمار والهيمنة والسيطرة والتجارة بالعبيد، واستغلال الناس، وإشعال الحروب، فكما يقول الخبراء الغربيون اليوم أن كل الصراعات الجيوسياسية هدفها الهيمنة في التجارة، حتى هذه المعارك التي نلاحظها اليوم حول الممرات المائية في البحر الأحمر والبحر الصيني الجنوبي وغيره.

كل هذه الأحداث دلالة على وجود النفَس الاستعماري القديم نفسه، والذي يهدف إلى الهيمنة، وبدلا من أن يستفيد من التجارة لتحقيق العدالة والإنصاف، يحدث العكس، فنلاحظ فئة معينة من أصحاب المصالح الخاصة من المستبدين واللوبيات، الذين يريدون السيطرة على كل موارد وثروات العالم.

هناك 60% من ثروات العالم، يمتلكها أقل من 1% من البشر، في مقابل 99% يمتلكون 40% من ثروات العالم، فهذا التفاوت يعني بأن التكنولوجيا اليوم أدت إلى مزيد من المشكلات، سابقا كانت مشاكل استعمارية والآن أصبحت مشاكل نفسية اجتماعية، حيث أخذت التكنولوجيا تصدّر كل شيء سيّئ إلى النفوس.

وأخذت التكنولوجيا تستفز الغرائز المتوحشة، وتفرز الأفكار السيئة، وتبرز الشعور الخبيث الموجود عند الإنسان، أما التكنولوجيا بحد ذاتها هي ليست خبيثة ولكن بسبب الدوافع التي تقف وراءها جعلتها تحرك كل النوازع السيئة عند الإنسان، ولم تصبح عاملا للبناء الإنساني، وبناء العدالة، وبناء الإنصاف في المجتمعات.

وهذا الأمر دلالة على فشل الحتميات الليبرالية والماركسية التي تنبّأت بنهاية التاريخ، وحتمية الانتصار الماركسي او الليبرالي، ولكن فشلت في خلق مشروع أساسي مهم يحتاجه العالم، لأن هذا النظام لم يقم على ضوابط محددة، ولم يرتبط بالقواعد والقوانين الإلهية.

فلا يستطيع احد أن يخرق القانون الإلهي التكوينية، مثل القوانين الفيزياوية، بل لابد أن تنسجم معها حتى تستفيد منها، كذلك القوانين الإلهية في جوانب التشريع للمجتمع والنفس، فهي قوانين ثابتة لابد للإنسان أن يتلائم وينسجم مع هذه القوانين حتى يستطيع أن يحقق الغاية المطلوبة التي يحتاجها الإنسان، في حياته، وأن يحصل على السعادة والاستقرار والهناء والاطمئنان.

لكن الإنسان اليوم كلما يتقدم تزداد عنده حالة الشك والخوف والقلق والهلع، وعندما نقرأ الأخبار فإنها تتنبأ بظهور وباء جديد كما أعلنت منظمة الصحة العالمية، وهذا يعني أن البشر يعيشون في عالم خائف جدا، حتى هذا التقدم التكنولوجي والرفاه كل لم يحقق الامن والاطمئنان، بل مجرد استهلاك أعمى للغرائز بكافة أشكالها.

لذا فإن فالمشروع العالمي للتقدم البشري السليم لايقوم على التقدم التكنولوجي، المشروع العالمي يقوم على قضية أساسية، وهي التقارب الإنساني، والتحول الإنساني نحو الإنسان، وهذا التحول يبدأ عندما يستطيع العقل البشري أو الإنساني أن يهيمن على غرائزه ويسيطر عليها.

بالتالي تتحول هذه الغرائز وتشارك في البناء الإيجابي، لكن الرأسمالية تريد أن تحقق الكثير من الأرباح من خلال عملية استفزاز الغرائز، بجعلها مندفعة ويكون لديها إقبال وشوق الى اللّذات والمتع والنهم للتسلع في الاسواق الرأسمالية.

لكن الإسلام والمشروع المهدوي يأتي من أجل بلورة النضج الانفعالي والعقلي عند البشرية، فعن الإمام الباقر (عليه السلام) يقول: (إذا قام قائمنا، وضع يده على رؤوس العباد، فجمع بها عقولهم، وكملت به/ا أحلامهم) التفسير العقائدي الموجود لهذه الرواية بشكل عام يعبر عن السبب التكويني، وأن هناك قوة كونية أعطاها الله سبحانه وتعالى للإمام الحجة بحيث بمجرد أن يضع يده على رؤوس العباد تجمع عقولهم وتكتمل أحلامهم.

ولكن هناك رأي في إطار التفسير العقلاني يرى إن كل معجزة هي في إطار الأسباب والمسبّبات الكونية، إلا استثناءات خاصة، لأنه نحن لا ندرك الغيب، مثل العمر الطويل للإمام الحجة (عجل الله فرجه)، قد يكون معجزة، وقد يكون أيضا نوع من الأسباب والمسببات لكن نحن لا نعرف معنى هذا الامر.

كمثال فقبل 300 سنة حين تقول لأي إنسان أن هناك طائرة سوف تطير وتنقل الناس فسوف يعتبر هذه القضية معجزة أو أسطورة، فالكثير من الأسباب والمسببات الكونية هي خافية عن الإنسان.

 لذلك فإن عملية اكتمال العقول تعني السياسة الحكيمة، في إدارة البلاد، مع وجود الاستعداد عند البشر، نتيجة تطورهم ودخولهم في تجارب وامتحانات كثيرة، وخوض التجارب السيئة، وتعلمهم من أخطائهم، بحيث يكون لديهم استعداد نفسي وعقلي لقبول واقع عقلاني جديد، يختلف عن الوقائع السابقة.

فالإمام المهدي يقوم بجمع العقول المتروكة والمهملة، أو العقول التي تستغل لتأدية أجندات خاصة شريرة، فالعالم الفيزيائي يقوم بإنتاج قنبلة نووية، أو يصنع أسلحة، أو أشياء تخدم المصالح الكبرى للشركات أو المصالح الكبرى للدول.

يستفيدون من كل العقول في إطار أجندات خاصة سيئة كتصنيع الفايروس أو أي شيء آخر، بينما الإمام الحجة يأتي ويجمع العقول كلها في إطار إيجابي ويحولها إلى طاقة كبيرة لإصلاح الإنسانية، وإنقاذ الإنسان من هذا الواقع المتخلف، والحلم هو العقل العملي، فيُقال الإنسان الحليم، فقد استطاع أن يتحكم بغضبه ويدير عنفوانه، ويدير شهواته لذلك يسمى حليما.

هذا الحلم هو تطبيق العقل عمليا، لذلك نلاحظ أن الإنسان عندما يصل إلى مستوى تعقلي جيد، يستطيع أن يسيطر على غرائزه ويتحكم بها، فالانسياق وراء الشهوات والغرائز يعني انه يفتقر للتعقل، بينما مع استمرار التطور النفسي والعقلي للإنسان يصبح لديه عقل عملي قادر على التحكم بغرائزه، وينظر للعالم من خلال رؤية أخرى، فحتى الماشية تكون آمنة في الحصول على علفها، وتمتلئ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا، ولا تمنع السماء شيئا من قطرها ولا الأرض شيئا من نباتها.

الآن سوء إدارة العالم يؤدي إلى حصر الأمطار، لذلك يعيش العالم الآن كارثة الجفاف، وهي أسوأ كارثة سيواجهها البشر، بسبب الجشع الذي تمارسه الصناعات في العالم، والطمع الشره من أجل أن تستمر المحافظ الرأسمالية في عملية تجميع الأموال وارتفاع أسعار الأسهم وتكنيز أرباحها.

واخيرا فإن الإمام الحجة (عجل الله تعالى فرجه الشريف) يظهر (ويسير بسيرة رسول الله (ص) وسيرة أمير المؤمنين (عليه السلام)، سيرة قائمة على العدالة والرحمة: (يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة) البقرة 166. (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) الأنبياء 107. (بِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) آل عمران 159. 

الإمام الحجة يظهر بهذه السيرة، ولذلك يلتف حوله الناس، لأن الناس لا يجتمعون حول رجل الحرب، ولو كانوا يجتمعون حول رجل حرب لكانوا اجتمعوا حول هتلر، أو حول طغاة آخرين، لأن رجال الحرب فاشلون. القوة الحقيقية هي لأهل البيت (عليهم السلام) وهي تكمن في قوة المنطق والقيم والعدالة والرحمة عندهم. قوة هذا الإطار الذي يجمع الناس، فتراهم يلتفون حولهم.

(عن ابن أبي الخطاب، عن جعفر بن بشير ومحمد بن عبد الله بن هلال، عن محمد قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن القائم إذا قام بأي سيرة يسير في الناس؟ فقال: بسيرة ما سار به رسول الله صلى الله عليه وآله حتى يظهر الاسلام قلت: وما كانت سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله؟ قال: أبطل ما كانت في الجاهلية، واستقبل الناس بالعدل كذلك القائم عليه السلام إذا قام يبطل ما كان في الهدنة مما كان في أيدي الناس ويستقبل بهم العدل).

وعد إلهي

أحمد جويد، مدير مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات:

ورد في ورقة الباحث فكرة الإمام المهدي أو الإمام المنقذ، فهي ليست فكرة وإنما هي أساسا وعد إلهي، الآخرون أعابوا على الشيعة أنه فكرة، لأنهم يعانون من مظلومية على طول التاريخ، وأنهم أوجدوا هذه الفكرة حتى يجدوا أملا ليتعلقوا به.

قضية الإمام المهدي (عجل الله فرجه) أو المشروع المهدوي، هي قضية ترتبط بالعقيدة، وبالصراع بين الخير والشر، وبالوعد الإلهي الذي يُظهر هذا الدين على الدين كله، فالقضية هي أشمل وأوسع.

في زمن الإمام الصادق (عليه السلام) سأل أبا حنيفة وقال له: أين تقع الأرض التي يقول الله سبحانه وتعالى عنها، سيروا فيها ليال وأياما آمنين؟، فأجابه بأنها تقع بين مكة والمدينة، فساروا في هذه الأرض أياما وليال آمنين، وذكر له عدة أشياء لا ينطبق عليها الأمر، ثم سأله: أين تقع يا بن رسول الله؟، فقال له: في دولة قائمنا عجل الله فرجه.

(وإن المرأة لتسير من العراق إلى الشام وتضع حملها على رأسها وهي آمنة ولا تضع قدميها إلا على النبات) يعني حتى الأرض مخضرّة أو مكسوّة بالاخضرار، هذه واحدة من الروايات.

اليوم لا يوجد إنسان في الكون يخلو من قضية التبني لعقيدة معينة، سواء كانت العقيدة سماوية أو عقيدة وضعية أو أي عقيدة أخرى، لكنها هي معتقد، ومعظم الناس تؤمن بالحياة الأخروية، وأن لهذا الكون مدبّر ومخطط والإله هو صانع هذا الكون، وتنطلق لدينا نحن كمسلمين فكرة المشروع المهدوي من فكرة التوحيد، لأن فكرة التوحيد هي فكرة أساسية في قضية كيفية أن الإسلام هو الدين الأول أو الدين العادل.

السؤال الأول ينص على قضية التشابك والصراع في وضع التقدم التكنولوجي وغيره، فهذا الصراع قائم على قضية المصالح، والأطماع، وما دامت الغرائز موجودة في النفس البشرية ولا يمكن تشذيبها ولا يمكن احتوائها من قبل أصحاب الأطماع الكبيرة، سوف تبقى هذه الصراعات مستمرة، سواء كانت صراعات على السلطة، صراعات على الأموال، صراعات على أي شيء فسوف تبقى هذه الصراعات قائمة.

نلاحظ أن الإنسان يبحث عن العدالة دائما، ويبحث عما ينقذه من الفساد والشرور وغيرها، وربما لاحظنا وجود شعور في فترات سابقة يبحث عن دولة عظمى تنقذهم، بعض الشعوب مثلا تقول لو يأتي لنا الأمريكان ويخلصوننا من هذا النظام سوف تحل علينا العدالة والازدهار وغير ذلك.

في فترات سابقة بعض البلدان كانت تنتظر الدولة العثمانية كي تنقذها، في أزمنة غابرة كانوا ينظرون إلى قائد أو دولة متطورة أو سواها أو شعوب أخرى تنقذهم، فالوعد الإلهي أنه هناك منقذ، وهذا المنقذ هو من سلالة الأنبياء ومن سلالة النبي (ص)، وهذا ما أكده أئمتنا، ونحن معتقدين تماما بهذا الشيء.

الشعوب دفعت ثمن الصراعات

الكاتب محمد علي جواد تقي:

لماذا تتفاقم الصراعات؟، أرى أن الإجابة نأخذها تقريبا من نفس السؤال، فالتشابك العالمي والتقدم التكنولوجي هل وفر الاستقرار الذي هو مغاير للصراعات وعدم الاستقرار، والحقيقة هو الذي تسبب بالأزمات والصراعات الموجودة في العالم والسبب هو التقدم التكنولوجي والعلمي القائم على مصالح شخصية ومصالح مادية واضحة، والشعوب دفعت ثمن الصراعات المادية الموجودة بين الدول.

وكذلك بين الشركات، وبين المساهمين الاقتصاديين، هذا هو ما حصل، ونحن الآن نتكلم عن قضية الظهور، وعن قضية الإمام الحجة (عج)، ونريد أن نرى هذه الصراعات الموجودة بسبب التقدم التكنولوجي الذي نريده أن يكون سببا للرفاهية وللرخاء.

إن الشيء الذي يسبب الصراعات هو الظلم الذي نتحدث عنه، ونبحث فيه في هذه المناسبة الجليلة، مناسبة ذكرى المولد الشريف للإمام الحجة، لأنه هو الذي يقيم العدل الحقيقي بين الناس والبشرية كلها، بشكل كامل في العالم كله بغض النظر عن انتمائهم أو هوياتهم.

تطلعات البشرية

الباحث حسين علي حسين:

يتميز عصرنا بالانفتاح التام على مستوى البشرية كلها حيث الثقافات تداخلت فيما بينها، مما جعل من الثقافة المادية تنتشر بطريقة اسرع من الثقافات الأخرى كونها تغري الناس بالمنافع السريعة وتستخدم كل السبل والأساليب للهيمنة على البشرية كلها. 

لذلك حدث تضارب كبير في المصالح وادى ذلك إلى أزمات هائلة اثقلت العالم كله واشتعلت الصراعات بين القوى الدولية المتصارعة فيما بينها على نهب ثروات وخيرات الأرض الاستحواذ عليها بشتى الأساليب ومنها الصراع المادي واشعال الحروب والأزمات. 

يقوم المشروع المهدوي على مبدأ كبير ومهم جدا وهو مبدأ العدالة الاجتماعية.. حيث يسعى هذا المشروع لتعويض خسارة الناس الذين وقعوا تحت الاستبداد والظلم بكل انواعه.

لذا فإن هذا المبدأ كفيل بإنجاح المشروع المهدوي وانتشاره في المعمورة كلها كونه يستجيب لتطلعات البشرية التي تسعى للعيش في ظل العدالة والسلام الذي يحققه المشروع المهدوي إن شاء الله.

آثار رحمة الله

باسم حسين الزيدي، مدير مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث:

التكنولوجيا وُجِدت لخدمة الإنسانية، هذا هو المنطق، كل شيء يتعلق بالتكنولوجيا، كل تقدم، كل تطور في هذا المجال، المفروض أن الهدف العقلي منه أنه يخدم الإنسانية.

لكن الذي لاحظناه هو العكس، فكلما تقدمت البشرية باتجاه التكنولوجيا والاختراعات والأساليب الحديثة في كل المجالات، السياسية والاقتصادية وكل القطاعات الأخرى، وجدنا أن الصراعات تتفاقم، والأغرب من هذا أن الإمام الحجة (عج) عندما يظهر يستخدم ذات التكنولوجيا، يعني لا يأتي بالخرافة ولا يأتي بالبدع، ولا يأتي بالأمور الخارجة على العقل، بالعكس سوف يواكب التطور ويتفوق على التطور الموجود في وقت ظهوره.

إذن لماذا تزايدت أو تفاقمت الصراعات؟، السبب أن الهدف يختلف، فالبشر استخدموا التكنولوجيا لهدف سرّع من عملية الظهور، فواقع الظلم ازدادت وتيرته، مع التقدم التكنولوجي، وقد بدأ الناس حتى في الأسر البسيطة، الذي يقرأ ويكتب فقط، يقول (يا ليتنا عدنا إلى الزمن الجميل)، أو نعود إلى زمن ليس فيه هذا التطور التكنولوجي. وهذا في حد ذاته بين قوسين، اعتراف بوجود الظلم الذي سرعت منه عملية التكنولوجيا.

طبعا العملية صعبة جدا، ولا يمكن سردها بتفاصيلها، إلا الراسخون في العلم، ولكن الجواب على هذا السؤال بسيط، كيف يكون السؤال بسيطا؟، لأنه الإمام الحجة (عج) مشروعه هو مشروع الإسلام، وقد جاء ليحقق العدالة، ويُحق الحق ويُبطل الباطل، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، يرفض الظلم، يرفض العصبية.

طبعا هذه الأمور كلها يضعها في إطار الأخلاق، لأنه إذا لايوجد إطار أخلاقي كل هذه الأعمال تذهب هباءً منثورا، فعندما يأتي الإمام الحجة كل الوسائل التي استخدمها السابقون، والتي سيستخدمونها في وقته، وفيما بعده، سوف يؤطرها بإطار أخلاقي، لذلك سوف ينجح نجاحا باهرا.

باعتبار أنه بالضبط سيقود حركة احتجاج عالمية لرفض الظلم، وعلى هذا الأساس سوف يؤسس مشروعه الذي هو مشروع الإسلام والذي ابتدأه جده رسول الله والأئمة (عليهم السلام) ويختم به إن شاء الله.

هناك آية قرآنية جميلة من الممكن أن نخاطب العقل بها، ولها علاقة بالإمام الحجة (عجل الله فرجه)، تقول هذه الآية: (بسم الله الرحمن الرحيم، وانظر إلى آثار رحمة ربك كيف يحيي الأرض بعد موتها) سبحان الله كأنه كل شيء في العالم يصل إلى مرحلة الموت ويحتاج إلى من يحييه، ولكن عملية الإحياء لا تتم إلا بالرحمة.

وهنا أضم صوتي إلى رأي سماحة الشيخ مرتضى معاش الذي قال إن الإمام الحجة يأتي بالرحمة وليس بالسيف وهذا دليل آخر، ولا يحيي الإنسان فقط، بل حتى الأرض البوار، حتى الزرع، وحتى الجماد، حتى باطن الأرض، وكل شيء سوف يكون سهلا وفي متناول اليد، وتأتي أضعاف أضعاف الخيرات. لذا هذه هي آثار رحمة الله عز وجل.

بعد أن وصل البشر إلى نهاية مسدودة، واعترفوا بعجزهم، عن ترجمة خيرات رب العالمين والوصول إلى الراحة والعدل والمساواة، فتتدخل هنا العدالة الإلهية ويقول الإنسان (فانظر إلى آثار رحمة ربك كيف يحيي الأرض بعد موتها).

طرح المشروع المهدوي عالميا

السيد ضياء الموسوي: 

المشروع المهدوي يحتاج إلى أن نطرح مشاريع عالمية، وهنا أعني مؤسساتنا الدينية بصورة عامة، دائما مشاريعنا مشاريع محدودة وتكون في أضيق الحالات، عادة الغرب عندما يكون عنده مشروع كبير يطرحه بشكل كبير أيضا، يعني مثلا في فترة من الفترات كان الغربيون يريدون أن ينشروا ثقافتهم، فركزوا على نشر الديمقراطية في بلدان العالم. 

لذلك كان هذا المشروع بالنسبة لهم مهم جدا تبنته الولايات المتحدة الأمريكية، والدول الغربية عموما، وأثر بشكل كبير في دولنا الإسلامية وفي كثير من الدول الأخرى، أيضا في هذه الأيام أخذوا يهتمون في موضوع (الجندر)، فنلاحظ أنهم ركزوا على هذا الأمر بشكل كبير حتى في رسوم الكارتون وملاعب الكرة والرياضيين.

وهكذا اعتبروه مشروعا عالميا وليس مشروعا محدودا، نحتاج في المشروع المهدوي حتى ننشر هذه المفاهيم، نحتاج إلى مشاريع عالمية، لكن نحن دائما تركيزنا يكون على أشياء محدودة، مثلا موضوع الحريات كواحد من المواضيع المهمة في الحضارة الإسلامية، هذا الموضوع يجب علينا أن نعيد إحيائه.

وهناك الكثير من المفاهيم الأخرى، مثلا مفهوم الوحدة الإسلامية، مفهوم الوحدة والتقارب والتعاون، كان الإمام الشيرازي (رحمه الله) يركز على هذه المسائل، ولذلك كان يؤكد على طباعة الكتب ويقول نحتاج لطبع مليار كتاب، لكي نوجِد الوعي في الأمة.

نحن علينا أن ننشر المشروع المهدوي، عبر مؤسساتنا الدينية، والمنابر، لكن الاهتمام يكون بالشكليات، ويظن هؤلاء أن هذا العمل سوف يوصلنا إلى الظهور، لكن أنا باعتقادي أننا سوف نصل إلى الظهور يوم يكون عندنا أرضية تسمح بنشر ثقافة وحضارة الإسلام.

الشيء الذي سوف يخرج به الإمام (عليه السلام)، حيث جاء في الأحاديث بأنه (يأتي بما جاء به جده) فهذه الحضارة التي بناها الرسول صلى الله عليه وآله، وهذا هو مشروع الإمام الحجة (عجل الله فرجه)، نحن نحتاج إلى مشاريع بهذا المستوى، حتى نستطيع أن نقول بأننا حققنا شيئا، أو تقدمنا خطوة نحو الظهور.  

* مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث/2002–Ⓒ2024

http://shrsc.com

اضف تعليق