q
الأساس الفكري الذي انطلقت منه نظرية المسؤولية الاجتماعية هو أن الحرية حق وواجب ونظام ومسؤولية في وقت واحد، أي أن الحرية حق وراءه واجب لابد وان يشعر به المستمتع بهذه الحرية، وإنّ مفهومي الحرية والمسؤولية يكمل أحدهما الآخر، وأن أحدهما سبب ونتيجة للآخر، ذلك لأن الحريات التي اعترفت...
تحرير: حسين علي حسين

عقد مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث جلسة حوارية في ملتقى النبأ الأسبوعي تحت عنوان (دور المسؤولية الاجتماعية في الإصلاح والتغيير)، وذلك في مقر مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام وبحضور نخبة من الكتاب والمفكرين ومدراء المراكز البحثية والأكاديميين، قدم فيها الباحث في المركز محمد علاء الصافي ورقة جاء فيها:

"تتحدد المسؤولية الاجتماعية من منطلق نظرية اخلاقية تقول: (ان أي كيان، سواء كان منظمة أو فرد، يقع على عاتقه العمل لمصلحة المجتمع ككل).

هذا العمل هو في محصلته النهائية يهدف الى (الحفاظ على التوازن ما بين الاقتصاد والنظام البيئي (أو النظام الإيكولوجي).

يرى علماء النفس والاجتماع، أن الإنسان بطبيعته يحب الأفضل لنفسه، ما لم تصقل لديه هذه الغريزة لتحويلها إلى مفهوم أشمل، يقرن حب الخير للنفس بحب الخير للغير، إهمال هذه الغريزة يؤدي إلى الممارسات السلبية، التي يشكو منها المجتمع وتشوه مرافقه، مثل الاستهتار بنظافة الأماكن العامة، وترك المخلفات بعد مغادرتها.

وانطلاقا من كون المسؤولية الاجتماعية في جانب كبير من نشأتها ونموها إنتاجا اجتماعيا وتربويا ونفسيا، تؤكد الابحاث النفسية والاجتماعية على ضرورة التركيز على عدد من المؤثرات التربوية، التي تسهم في تنمية حس المسؤولية الاجتماعية لدى الأفراد، ومنها الأسرة والمدرسة والجامعة والمسجد والمؤسسة الإعلامية، نظرا لما تؤديه من دور تثقيفي في إعداد وتنشئة الأبناء.

تعد المسؤولية الاجتماعية نظرية أخلاقية تقوم على فكرة أن أي كيان، سواء كان فردًا أو منظمة، يتحمل المسؤولية تجاه المجتمع بأكمله. بالإضافة إلى ذلك، فإنه يجب على كل منظمة أو فرد أن يقوم بهذه المسؤولية للحفاظ على التوازن بين الجانب الاقتصادي والاجتماعي والبيئي. فالمسؤولية الاجتماعية ليست مقتصرة على المنظمات التجارية، بل تتعلق بكل فرد وكيف تؤثر أعماله على البيئة. يمكن أن تكون هذه المسؤولية إيجابية عن طريق اتخاذ إجراءات تعزز أهداف المجتمع مباشرةً، أو سلبية من خلال تجنب الأفعال الضارة.

تعتبر المسؤولية الاجتماعية جزءًا من الثقافة الأصيلة في الدين الإسلامي، وحث عليها النبي محمد (صلى الله عليه وآله) بقوله: (كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته). في الإسلام، تعني المسؤولية أن المسلم مسؤول عن كل ما تولاه الشرع سلطة أو قدرة على التصرف فيه، سواء كان ذلك مسؤولية فردية أو جماعية.

من خلال دورنا في نشر ثقافة المسؤولية الاجتماعية وتعزيزها، نسعى لتسليط الضوء على جوانب المسؤولية الاجتماعية ونشر الوعي بين أفراد المجتمع حول طبيعتها وأهدافها وأنواعها وكيفية تطبيقها. كما نعمل على تحديد المعوقات التي قد تعترض تطبيقها. الهدف الرئيسي من تناولنا هذا الموضوع هو تعزيز واقع المسؤولية الاجتماعية في مجتمعنا، وتقديم الوسائل والسبل التي يمكنها استعادة مفهومها وتحويلها إلى واقع تطبيقي. يتطلب الوعي بهذا المفهوم جهودًا مشتركة وعملًا مخلصًا وصبرًا، فضلاً عن التفاؤل بمستقبل أفضل، حتى ولو كان ذلك في المستقبل البعيد.

حول المسؤولية الاجتماعية كتب الامام الراحل السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره) في كتابه (حكومة الأكثرية) في معرض حديثه عن العراق، "يرى ان المسؤوليات الاجتماعية تعد من المسؤوليات الصعبة والمهمة؛ وسبب تلك الصعوبة برايه لأنها تتطلب التضحية والبذل والعطاء؛ وليس الكل قادراً على تفهمها، وعدم التفهم ليس وحده المانع من تحمل تلك المسؤولية، بل يذهب الامام الراحل الى القول (إن بعضهم ليس على استعداد حتى لبحثها والخوض فيها، ولو كانوا مستعدين يوماً لتعلّم هذه المسائل، فهم غير مستعدين لإبداء نشاط إيجابي واضح وصحيح للعمل في هذا المجال).

ويعتقد الامام الشيرازي، أن تأخّر المسلمين في بعض المجالات وبالخصوص في مجالات -الحقوق، والسياسة، والاقتصاد أو التجارة، وغيرها- (ناشئ من عدم أداء بعضهم للواجب الملقى على عاتقهم بشكل صحيح ومتقن).

وعند القول بالمسؤولية المجتمعية أي مسؤولية الانسان امام خالقه أولاً وما تنعكس عليه أمام المجتمع ثانياً.

حيث يكون الانسان مسئول عن تصرفاته وملزم بكل ما ينتج عنها. والتزامه بقوانين المجتمع وعاداته وتقاليده. كما نذكر أيضاً أن المسؤولية الاجتماعية مختلفة وهي كالتالي:

1- مسؤولية اجتماعية دينية: وهي تعني التزام المرء بأوامر الله عز وجل واجتناب نواهيه.

2- مسؤولية اجتماعية اخلاقية: وهي تعني مسؤولية المجتمع في تربية الفرد، والتي تبدأ من تربية الوالدين للطفل وتعزيز الأخلاق الحميدة وتنميتها لخلق جيل ناشئ قويم الأخلاق، فالتربية في الصغر كالنقش على الحجر.

3- مسؤولية اجتماعية تعليمية: وهي مسؤولية المجتمع في توفير التعليم ونشره بين أفراد المجتمع وتنمية القيم لدى طلاب المدارس والجامعات لما في ذلك من رفع قيمة الفرد وما ينعكس على مجتمعه اقتصادياً وتنموياً.

4- مسؤولية اجتماعية مهنية: وهي مسؤولية المجتمع في توفير مجالات العمل المختلفة للشباب حسب المؤهلات التعليمية التي يحملونها وما يعود ذلك من رفع اقتصاد الدولة.

ويمكن ملاحظة المسؤولية المجتمعية من خلال مسؤولية كل فرد من أفراد المجتمع نحو المجتمع الذي يعيش فيه من حيث الالتزام بقوانين المجتمع المفروضة، ومدى تعاون الفرد مع المجتمع والمساهمة برفع الاقتصاد. ويتضح هدف المسؤولية الاجتماعية من مسؤولية كل فرد من أفراد المجتمع في إصلاح المجتمع في شتى المجالات سواء الدينية، الاقتصادية، الاجتماعية، السياسية..الخ.

فعلى كل فرد مسلم ناضج تحقيق الهدف السامي من وجوده على هذه الدنيا بعبادة الله عز وجل، وتكوين مجتمع قوي متعلم ومتماسك.

ان الأساس الفكري الذي انطلقت منه نظرية المسؤولية الاجتماعية هو أن الحرية حق وواجب ونظام ومسؤولية في وقت واحد، أي أن الحرية حق وراءه واجب لابد وان يشعر به المستمتع بهذه الحرية، وإنّ مفهومي الحرية والمسؤولية يكمل أحدهما الآخر، وأن أحدهما سبب ونتيجة للآخر، ذلك لأن الحريات التي اعترفت بها الدساتير المدنية للأفراد ليست حريات مطلقة فحسب، وإنما حريات محددة بحريات الأخرين وبالمصلحة العامة التي ينبغي أن يراعيها الفرد، وأن المسؤولية هي من ضروريات الحرية وهي في الوقت نفسه نتيجة طبيعية لها، فلا مسؤولية إذا لم تكن هنالك حرية.

طالما أن حياتنا جماعية متداخلة، ومصالحنا مشتركة، وحياتنا قائمة على التعاون بين الفرد ومجتمعه، أي بين أفراد المجتمع دون استثناء، فهذه الخاصيات تستوجب الالتزام التام بمسؤولية الفرد تجاه الآخرين.

مفهوم المسؤولية الاجتماعية أعمق وأشمل من كوّنه القيام بأعمال تطوعية أو مساعدة الآخرين او التبرع بالمال للجمعيات الخيرية والمؤسسات او الأفراد بل هو منهج او سلوك ينتهجه الفرد او المنظمة. في سبيل القيام بواجباته تجاه نفسه وتجاه المجتمع الذي ينتمي اليه بكل مكوناته، فهو ببساطه (ممارسة المواطنة الحقة). فمتى شعر الفرد او المنظمة بهذا الامر فإنه سوف يقوم بواجبة البيئي والاجتماعي والاقتصادي؛ وهذه المحاور الرئيسيّة التي يقوم عليها مفهوم المسؤولية الاجتماعية.

المسؤولية الاجتماعية هي (أساس اخلاقي تستند إليه المواطنة، وهي التي تدفع المواطنين إلى تبنى مفاهيم إيجابية، وإلى ممارسات سلوكية تتصف بالاندماج في الحياة الاجتماعية والسياسية، والوعي بأهمية هذا الاندماج. وتتحدد مسؤوليات الأفراد والجماعات وفقاً للأدوار التي يقومون بها، والتي تحددها التوقعات المتبادلة المرتبطة بقيم المجتمع ومعاييره).

وأيضاً المسؤولية الاجتماعية Social Responsibility هي وعي وممارسة الافراد والمجتمعات والقطاعات الحكومية والخاصة بالواجبات الإنسانية والبيئية والاستمرار في الدور الذي يؤديه ويقوم به تجاه المجتمع والصالح العام ويتحمل نتائجها، لتعود عليه في صورة حقوق يستفاد منها المجتمع والحفاظ على حق الاجيال القادمة.

إيجابيات المسؤولية الاجتماعية: المسؤولية الاجتماعية للفرد تعكس توازن بين التكوين البيولوجي للإنسان والتكوين الاجتماعي يؤكد ذلك امتلاك الإنسان للعقل المدرك والقادر على إدراك المسؤولية.

للمسؤولية الاجتماعية دوائر تبدأ من مسؤولية الفرد في نطاق الأسرة وحتى مسؤولية الفرد في العالم أجمع، وإذا تأملنا هذه القضية فسوف نجد أن اتساع المسؤولية للفرد يتضافر مع اتساع مساحة التفاعل الاجتماعي وذلك يجعل اهتمامه بقضايا البيئة والحفاظ عليها امر حتمي لديهم.

إن للمسؤولية الاجتماعية بنية تتأسس عبر التوازن بين الحقوق والواجبات، وإذا كانت الواجبات هي إلزام من الفرد تجاه المجتمع، في مقابل ذلك فإننا نجد أن من حق الفرد على المجتمع أن يحصل على الفرص التي تتيح له إشباع حاجاته الأساسية، وفي هذا الإطار فإننا نجد كلما تحقق التوازن بين الحقوق والواجبات كلما قوّي ارتباط الفرد بمجتمعه وتأكد انتمائه له، أما إذا اهتز التوازن بين الحقوق والواجبات في مقابل الضغط على الفرد وحرمانه من حقوقه فإن ذلك يؤدي إلى حالة من الاسترخاء وتقل الارادة ويضعف الانتماء.

يشكل الوازع الأخلاقي بعداً أساسياً في تنمية المسؤولية الاجتماعية، ذلك لأنه يشكل الضمير الداخلي الذي يدفعه إلى السلوك، وهو أداة من أدوات المسائلة في حالة التقصير، كما أنه يساهم في تطابق أداء الفرد لأدواره التي تعكس وفاءه بمسؤوليته الاجتماعية تطابقاً مع توقعات الآخر.

هناك جانب مهم وأساس في المسؤولية الاجتماعية ألا وهو دور الشركات التجارية وتأثيرها على الجانب الاقتصادي والبيئي للإنسان وجوانب أخرى أقل تأثيراَ، تُمكّن المسؤولية الاجتماعية للشركات من إدراك التأثير الذي تُسببه في كافة جوانب المجتمع، كالجانب الاقتصادي، والبيئي، والاجتماعي، وبالتالي فإن الشركة يفترض أن تُحفّز المجتمع إيجابياَ وليس سلبياَ، بينما ما يشهده عالم اليوم من إنعدام كبير للمسؤوليات الاجتماعية للشركات العالمية الكبرى التي تقدم مصالحها الخاصة فقط دون أي مسؤولية تجاه التلوث الكبير وما يرافقه من تغييرات مناخية تزيد من مشاكل البشر وتهدد مستقبل الأجيال القادمة في الوجود، يجعلنا أمام تحديات أكبر بضرورة الزام المجتمعات والشركات بالخضوع للقوانين الصارمة والعودة للاتفاقيات الدولية للحفاظ على موارد الأرض وصحة البشر.

المسؤولية الاجتماعية تشمل الجميع دون استثناء.. الجميع لديهم حقوق وواجبات ومتى ما احترم الجميع ادوارهم ورسالتهم في الحياة سيتحقق لدينا مجتمع متقدم.

ثم فُتح باب الحوار من خلال طرح السؤالين الآتيين:

السؤال الاول: ما هو دور السياسات التعليمية في بناء المسؤولية الاجتماعية؟

السؤال الثاني: كيف يمكن استنهاض الرأي العام في عملية بناء المسؤولية الاجتماعية؟

المداخلات:

دور الوعي الديني والوطني

- الدكتور نجم عبد الحسين، أستاذ في جامعة كربلاء:

كانت الورقة البحثية مركّزة وفيها اختصار جيد جدا ورائع في نفس الوقت لموضوع المسؤولية الاجتماعية، وأيضا هذا الموضوع وعنوانه حقيقة يحتاج إلى مزيد من الجهد، حيث تطرقت الورقة البحثية إلى موضوعين أساسين أثارا انتباهي، ولا أدري إذا كانت هناك جوانب أخرى، لكن نحن نستشهد بالآية الكريمة التي تقول:

(ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس لنذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون)،الروم 41.

هذه الآية ربما هي واحدة من الآيات التي تشير إلى أنه المسؤولية تقع على الناس كما جاء في الورقة والمقصود هو المجتمع، فالمسؤولية تركزت في جانبين أساسين وهما جانب الدين، والجانب الوطني، فمن لا دين له على الأقل يوجد عنده وطن.

لكن للأسف في الجانب الديني لدينا سلاح فعال جدا لم يستخدم بشكله الصحيح وهو المنبر الحسيني، وهو سلاح فعال أشار له الإمام الصادق (ع)، عندما كان جالسا في أحد المساجد سُئل حين قال (أحيوا أمرنا) حين كان يخاطب الناس، قيل وكيف نحيي أمركم يا بن بنت رسول الله؟، فقال (تعلّموا علمنا وعلّموه)، الحقيقة أن هذا الأمر لم يتم تفعليه، ولو تم تفعيل هذا الأمر لاستجاب له عشرات الناس. إذن نحن نحتاج إلى الوعي الديني على الأقل من خلال المنابر.

الجانب الثاني هو الجانب الوطني وهو أيضا يمكن استثماره، وحين نقول كما ورد في الحديث الشريف (النظافة من الإيمان)، باعتبار يجب أن تكون نظيفا، لذلك نلاحظ التوجيهات تركز على النظافة، فحين تقرر الذهاب إلى زيارة الأئمة عليهم السلام يجب أن تغتسل وتتنظف، والمكان الفلاني الذي تتواجد فيه يجب أن يكون نظيفا، وهنالك غسل يوم الجمعة فيه ثواب وكذلك (تنظّفوا فإن الإسلام نظيف).

فالنظافة لا تشمل فقط الجسد، وقد يتصور البعض أن النظافة تشمل الجسد، كلا بل النظافة تشمل كل المنطقة التي نعيش ونتواجد فيها، وتشمل كل الكرة الأرضية، لذلك قال الله سبحانه وتعالى (ظهر الفساد في البر والبحر) بمعنى لا يوجد مكان مخصص للنظافة.

اما السياسة التعليمية فيجب ان تصب في جانبين، الجانب الأول هو الجانب الوطني والجانب الثاني هو الديني، فنحن إذا تكامل لدينا هذان الجانبان من الممكن أن نصل إلى نتيجة.

يجب على المؤسسات التربوية أن تعود إلى ماضيها في دروس التربية الإنسانية وما يسمى بالتربية الوطنية ودرس الدين، وهما درسان فعالان حقيقة في توجيه الطلبة، وكما ورد في الورقة البحثية التعلم في الصغر كالنقش على الحجر.

دور المؤسسات التعليمية في تكريس المواطنة

- الدكتور علاء الحسيني، أكاديمي وباحث في مركز آدم للدفاع عن الحريات والحقوق:

هنالك أمران لابد من التركيز عليهما:

الأمر الأول: أننا نبحث عن المسؤولية نفسها، أم نبحث عن ما يحرك هذه المسؤولية أو يعطي لهذه المسؤولية مضمونها الحقيقي، هذه المسؤولية نريد أن نسميها بتسمية اليوم تسمية حديثة، فنقول هي المواطنة، وهي تنشئة روح المواطنة، ودور المؤسسات التعليمية في تكريس روح المواطنة لدى المواطن العراقي، خصوصا الفئات العمرية الصغيرة المتواجدين في المراحل الابتدائية أو المتوسطة أو الإعدادية، كيف نستثمر بعض الدروس، ودورها في تنشئة روح المواطنة لدى هؤلاء الطلبة، بالانتماء لهذا الوطن، وبالتالي إذا استطعنا من ترسيخ المواطنة سوف نحصل بالتأكيد على مواطن إيجابي. من الممكن أن يحافظ على كل شيء يخص البلد، ويخص المصلحة العامة.

المصلحة العامة التي نتكلم عنها وهي المحور الثاني من كلامي، هذه المصلحة ليس حكرا على شخص معين من الاشخاص وإنما هي مسؤولية، وهذه المسؤولية لها عناصر، لما نشاهد بعض الأشخاص أو بعض الفئات الاجتماعية تمارس بعض السلوكيات، هنا نتساءل عن المسؤولية، ولا أقصد المسؤولية الاجتماعية فقط.

فقد تكون تارة مسؤولية أخلاقية، وتارة قانونية، وتارة تكون هذه المسؤولية ذات طابع ديني أو ما شاكل ذلك، فالمسؤولية تعتمد أولا على السلوكيات، وهذه السلوكيات تارة تكون إيجابية فتكون هذه المسؤولية هي المواطنة في حقيقتها، ومرة تكون هذه السلوكيات غير إيجابية بل سلبية فتثير المسؤولية الأخلاقية، والمسؤولية القانونية.

لذلك اليوم نحن عندنا أن المسؤولية تُثار لما يأتي الشخص بسلوك إيجابي أو سلبي يخالف حكم القانون، فتقوم مسؤوليته، وبالتالي من الممكن أن يتعرض للمساءلة القانونية، ولابد من القول أن ذلك يعتمد على إرادة وعلم، والإرادة والعلم لا تتحقق إلا لدى الأشخاص البالغين، لكن هذه الإرادة وهذا العلم لا يتكون دفعة واحدة، وإنما على شكل مراحل يمر بها الإنسان، وهي المراحل العمرية التي يمر بها كل إنسان.

وبالتالي سوف تدخل كل العوامل التي من الممكن أن تُنشئ هذه الإرادة وهذا العلم، ونقصد بها العوامل الأسرية أولا ثم البيئة المدرسية، ثم البيئة الاجتماعية التي ينبغي أن تتضافر لتنشئة جيل يشعر بالانتماء لهذا البلد ويحافظ على كل ما هو جميل في هذا البلد.

فيما يتعلق بقضية استنهاض الرأي العام، فإنه يحتاج أيضا إلى مقومات كثيرة، وأولى هذه المقومات الإصلاح الشامل الذي نحتاجه، ونقصد بذلك الإصلاح الشامل للمؤسسات سواء المؤسسات الاجتماعية أو التي لها علاقة بالمجتمع، وكذلك المؤسسات الأخرى التي ترتبط بالإنسان، والتركيز ينبغي أن يكون على بناء الإنسان قبل بناء العمران.

وهذا الأمر يتطلب تكاتف الجهود التي تتصدى للجوانب الاجتماعية والجوانب النفسية والجوانب التكوينية لدى الإنسان، حتى نحصل على مواطن إيجابي، وهذا المواطن الإيجابي من الممكن أن يؤثر في المجتمع ويكون حقيقة محركا للمجتمع في الاتجاه الصحيح.

من أين يبدأ التغيير؟

- الأستاذ عدنان الصالحي، مدير مركز المستقبل للدراسات والبحوث الاستراتيجية:

لا يختلف اثنان أصحاب فهم على أنه اليوم المسؤولية الاجتماعية العامة هي أساس التغيير في كل ما نتعرض له، ولا أعتقد أن البلاء الذي يتعرض له المجتمع العربي والإسلامي والعراقي، ينحصر على مجموعة أشخاص أو مجموعة أفراد أو طبقة معينة، كلا الأمر ليس كذلك لأن الكلّ يخضع اليوم لهذا التغيير.

بدء من التغيير المناخي، إلى التغيير الاجتماعي وحدّث ما شئت، فالقضية كانت قضية جماعية حول قضية التخريب، فالإصلاح أيضا لابد أن يكون جماعيا، ولا يمكن لأفراد أن يصلحوا ما أفسده الجمع.

كان من الممكن أن يكون السؤال الأول كالتالي: كيف يمكن إشراك الرأي العام في عملية بناء المسؤولية الاجتماعية؟، لأن الرأي العام سوف يحدد أولوياته، وجزء من هذه الأولويات هي السياسات التعليمية، وجزء منها التصرفات الاجتماعية وبناء الأسرة وغير ذلك.

وبهذه الطريقة من الممكن أن يتشكل طريق أو بداية، وأهم سؤال يمكن أن يُطرح من أين نبدأ؟، وقد يختلف في الأشخاص في هذا الأمر لكن المهم الوصول إلى نقطة مهمة وارتكاز مهم.

قد يقول البعض كما جاء في الحديث المروي: (اثنان إذا فسدا فسدت الأمة، وإذا صلحا صلحت الأمة، العلماء والأمراء)، فعلا أنا قرأت رواية تتعلق بهذا الجانب، وبالنتيجة أتذكر حادثة معينة خطرت في بالي عندما كنت في الثانوية، تحدث لنا أستاذ مادة الكيمياء، فقال: (حين يدخل الأستاذ للصف اعتبر نفسك أنت القدوة، واعتبر نفسك تنجح أم ترسب، واعتبر نفسك أن المدرسة قائمة عليك، وإذا اخذت الأول في درجة النجاح هذا يعني أن المدرسة كلها نجحت، وإذا فشلت أنت يعني المدرسة فشلت).

بهذه الطريقة يمكن للفرد أن ينجح، فإذا اعتبر نفسه مؤثرا في العالم، وإن أخطأ يؤذي الناس، وإذا أصلح فإنه سوف يفيد العالم، المسؤولية الفردية هي التي تولّد الأساس في قضية المسؤولية الجماعية ويبدأ لدينا الإصلاح والتغيير في هذا الجانب.

المسؤولية غريزة تدمرها البيئات السيئة

- الشيخ مرتضى معاش:

إن المسؤولية الاجتماعية تبدأ من إحساس الفرد بهذه المسؤولية الفردية وادراكها، بحسب شعوره وفهمه لهذه المسؤولية، فالمسؤولية عند الإنسان هي غريزة، وليست اكتساب وليست تعلّم، فكل الفضائل بحد ذاتها والسلوكيات الأخلاقية عند الإنسان هي قيم فطرية، أو غرائز فطرية موجودة في داخل الإنسان.

الصدق، الأمانة، الشجاعة، كل هذه الفضائل موجودة في داخل الإنسان، لذلك نلاحظ أن الإنسان في أوقات معينة عندما يُستنفَر أو يُستفَز أو يتعرض إلى خطر معين أو إلى قضية معينة تظهر هذه الغرائز، مثال عن ذلك إذا حصل حادث معين لا سمح الله في الشارع، نلاحظ أن هذا الإنسان بمجرد أن يرى إنسانا آخر تعرّض لحادث يهب ويستنفر لإنقاذ ذلك الشخص ويتعاطف معه، لأنه يشعر بالمسؤولية تجاه الآخر دون حاجة ان ينتبه لها. فهذه غريزة موجودة في الإنسان، وأن الآخر هو أخوه، شبيه له أو هو نظير له.

ولكن لماذا نرى هذا الإنسان يتخلى عن مسؤوليته؟، أنا أتصور التعليم المرتدّ، أو الاكتساب المرتد ضد هذه القيمة الفطرية والسلوكية، يجعله يتخلى عن مسؤوليته من خلال التعليم أو التربية أو التغذية الفكرية أو التغذية الانفعالية عند الإنسان في داخل الأسرة، أو في داخل المدرسة، أو في داخل المجتمع. فيُعلَّم قيما وسلوكيات ضد هذه الغريزة الأساسية والقيمة الفطرية.

لكن المشكلة الأساسية أن التعلّم الاجتماعي العام للإنسان، أو التنشئة الاجتماعية العامة هي مجموعة تراكيب وتراكمات مستمرة، تتراكم كالجبل ويتواصل هذا التراكم إلى أن تصبح شيئا ثقيلا في داخل المجتمع بحيث لا يمكن تغييره، لذا نلاحظ بعض المجتمعات توجد لديها صفات معينة خاصة بها، وسلوكيات خاصة هي ليست من طبيعتها وإنما هي بسبب النشأة في المجتمع على هذه القيم والسلوكيات الموجودة في هذا المجتمع.

مثلا معروف عن اليهود بأنهم بخلاء وماديين ويحبون المال كثيرا، وقد مرت آلاف السنين بحيث تعلّموا على هذه القضية، واعتادوا ذلك إلى أن أصبح امرا جينيا راسخ في داخلهم.

لذا فإن عملية انتزاع المسؤولية من الإنسان وقلعها من داخله يتم من خلال توارث السلوكيات الأنانية، سواء تم ذلك في أسرته أو في مجتمعه وفي الحاضنات التي يعيش فيها والبيئات التي ينمو بها.

مثال عن ذلك نفترض أن هذا الإنسان اليوم يتعلم سلوكا أنانيا ويعيش في مجتمع ثان أو في حاضنة ثانية فيها نوع من المسؤولية الاجتماعية ونوع من العطاء ونوع من المشاركة الجماعية فهذا الإنسان يتفاعل مع البيئة الجديدة ويتغير مع تلك الحاضنات الموجودة في ذلك المجتمع.

على سبيل المثال نلاحظ أن الإنسان العراقي في ايام شهريّ محرّم وصفر يتغيّر، وينتقل من سلوك إلى سلوك آخر، بسبب التغيّر الذي حصل في الحاضنة، وهذه الحاضنة البديلة فيها قيم وأفكار وقوانين وقواعد تعطي للإنسان جوّا جديدا، فيحدث عنده نوع من العطاء والشعور بالمسؤولية، ونوع من التضامن والتكافل الإنساني.

في شهر رمضان كذلك، نلاحظ أن الإنسان الذي يكون أنانيا ونفعيا على مدى أيام وشهور السنة، ولا يهتم بالآخرين، لكنه ما أن يدخل في شهر رمضان سوف يتغيّر سلوكه وأخلاقياته، وهذا يعني أن الحاضنة لها تأثير كبير في عملية تحريك المسؤولية الاجتماعية.

النظام السياسي السيّئ المستبد العنيد هو دائما يصنع بيئات سيئة يزرع فيها روح الأنانية والفردية عند الإنسان، ويبعد الإنسان من الحالة الفردية للتضامن الاجتماعي ويجعل منه لا شيء، والنظام السياسي الفاسد كذلك حتى لو كان ديمقراطيا، ولكنه فاسد في انتخاباته يؤدي الى تدمير المسؤولية الاجتماعية عند الإنسان.

كذلك الأيديولوجيات التي تتحرك باستمرار، وتزرع بعض الأفكار في عقل الإنسان، مثلا الأيديولوجية التي تظهر في علم النفس في دراسات وكتابات فرويد، فهي تحرك الغريزة الجنسية أو تحرك الغرائز الأنانية عند الإنسان، بمعنى إنه يقرأ الإنسان من خلال غرائزه الأنانية، ولا يقرأ الإنسان من ناحية كونه إنسانا يتفاعل مع الآخرين.

فهذا الأمر يؤدي إلى قراءة بأن هذا الإنسان جنسي، أو إنسان غريزي فقط، وهو لا يمتلك قيمة فطرية، وليس لديه قيمة إنسانية، ولا يمتلك قيمة اجتماعية، كذلك أيضا الرأسمالية فهي أيديولوجية تفرّغ الإنسان من حالته الاجتماعية والأخلاقية، وتجعله في حالة الاستهلاك والنفع واللذة فقط، فيتحول الإنسان إلى مجرد سلعة تتحرك في هذا العالم.

فالايديولوجيات في نظريات ما بعد الحداثة رسخت الفردية، والفردية هي مذاهب تحرك الإنسان نحو التخلي عن الجماعة بل يكون ضدها، تحت زعم أنه يحقق فرديته ووجوده الذاتي.

وبالنتيجة فإن الفردية هي عملية ارتداد الإنسان عن دوره الاجتماعي ومسؤوليته الاجتماعية، فكما نلاحظ اليوم الأنظمة في دول العالم مثلا النظام الرأسمالي وكثير من الأفكار الاقتصادية تؤكد على قضية الربح والاستفادة، كما نلاحظ أن النظرية الاقتصادية تؤكد على عملية الربح دون أن يكون هناك اي شيء مرتبط بالأخلاق عند الإنسان.

ولذلك توصف الرأسمالية بالمتوحشة، بمعنى ليس فيها أخلاق، ولا توجد فيها مسؤولية تجاه الآخرين، بينما المصلحة الموجودة عند الإنسان لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال التفاعل والاشتراك الاجتماعي أو المشاركة الاجتماعية فيما بين جميع الأفراد، سواء كان المجتمع المحلي أو المجتمع الإقليمي أو المجتمع الدولي، فلا يمكن لأي مجتمع دولي أو أي دولة في العالم، أن تقول أنا افكر في مصالحي، فهذا الاقتصاد مرتبط كله في نمو عالمي واحد، وهذا هو معنى المسؤولية.

بمعنى أن أمريكا تقع عليها مسؤولية تجاه كل دول العالم، وكذلك روسيا أيضا مسؤوليتها تشمل كل العالم، فلا يصح ولا يجوز أن تتصرف تصرفات خارج إطار هذه المسؤولية العالمية، وإلا فإن أي شيء أو اي إجراء سوف يضرها، كما لاحظنا ذلك فيما سمّي بجائحة كورونا، فكورونا هو تعبير عن اختلال مفهوم المسؤولية في العالم.

بالنتيجة لا يمكن لحد أن يقول أمريكا أولا أو أوربا أولا أو بريطانيا أولا أو فرنسا أولا، فهذا بالنتيجة كله يؤدي إلى الفوضى ويؤدي إلى الصراعات المتكاثرة التي تحدث فيما بين الدول.

من ناحية التربية والتعليم فإن التعليم هو اللبنة الأساسية، لتربية قيمة المسؤولية، فهذه القيمة إذا لم تربَّ بطريقة صحيحة تصبح فاقدة لمحتواها.

فلابد للتعليم أن يكون أساس التربية، لأنه إذا تعلّم الإنسان أن يكون مسؤولا سوف يكون ناجحا في حياته، وسيكون ناجحا اجتماعيا، أما إذا تعلَّم أن يفكر بنفسه فقط، بالنتيجة سوف يكون فاشلا وغير قادر على الاستمرار في التفاعل والتعاون الاجتماعي، وأهم نقطة في أن يتعلّم الإنسان المسؤولية الاجتماعية أن مصلحة الفرد ومصلحة الإنسان تتحقق من شيء أساسي وهو المصلحة العامة.

حيث تتحقق المسؤولية الاجتماعية من خلال المصلحة العامة ولا يمكن لأي شخص أن يحقق مصالحه من دون أن يقرأ المصالح العامة ومن دون أن يحمي الإطار العام الاجتماعي الموجود.

اما بالنسبة إلى السؤال الثاني فإن الرأي العام هو قائد التغيير، وليس النخب هي القائدة، فالنخب خصوصا في هذا العصر لم تنجح، أما الذي قاد التغيير فهو الرأي العام، وهو قادر على أن يضغط من خلال تفاعل المجموع، فالنخب الجيدة هي التي تغذي الرأي العام بالأفكار الجيدة والأفكار الصالحة والإيجابية.

بالنتيجة فإن الراي العام هو الذي يقود التغيير ويفرض نفسه على كثير من الأجندات الموجودة، بل يفرض نفسه وأهدافه حتى على النخب، لذا من الضروري للرأي العام أن تكون لديه هذه الرؤية حتى لا يقود نفسه، والشعوب لا تقود نفسها ولا الأجيال المقبلة إلا بعد مواجهة الكوارث، والكوارث الموجودة اليوم هي صنيعة هذه الشعوب التي صنعت هذا الرأي العام بتخليه عن مسؤوليته، فقيادة التغيير تتحقق من خلال وعيه وفهمه لمسؤوليته، وان الجميع يركب في سفينة واحدة أو مركب واحد.

وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعية والمنابر الحسينية والمساجد لها دورها الكبير أيضا، في تسليط الأضواء على اهمية المسؤولية، ولا نعني هنا المسؤولية المتجزئة، فبعضهم يتحمل المسؤولية والبعض الآخر لا يتحمل المسؤولية، كما يحدث الآن في العراق الآن حول ملف الكهرباء، لا أحد يتصدى لهذا الملف ولا يتحمل مسؤوليته ولهذا تكون النتيجة انطفاء مستمر وخلل دائم في الطاقة الكهربائية.

هذا يعني بأنه اي شيء لن يتحقق الا من خلال مسؤولية جماعية مشتركة، من خلال وجود نظام عام لحماية المصالح العامة، فالفوضى هي نتيجة ان الكل يفكر في مصلحته الشخصية أو الفردية.

ان إطلاق حملات المسؤولية العامة جيدة، إذا تم التحرّك في هذا الاتجاه، ولكن هذا الشيء مفقود في مجتمعنا، لذا يجب أن تكون لدينا حملات عن المسؤولية العامة، مثلا حملات النظافة حملات التوعية حملات تنظيف البيئة والمدينة. وفعاليات وحملات اجتماعية أخرى تكون مهمة جدا، وهذه الأمور يمكن أن تدعمها الدوائر الحكومية والهيئات المدنية والمواكب الحسينية وحتى المنظمات الأهلية، الأحزاب، الجامعات. وهكذا يمكن القيام بعمليات تكون مضمونة وجادة في محتواها لترسيخ المسؤولية الاجتماعية.

دور الأطر الأخلاقية في بناء المسؤولية الاجتماعية

- الباحث حسن كاظم السباعي:

إن كانت للسياسات التعليمية صبغة أخلاقية وتربوية، فإن ذلك أهم دور لبناء المسؤولية الاجتماعية، ذلك لأن المسؤولية الاجتماعية قبل أن تكون اجتماعية فإنها فردية ويمكن مراعاتها من خلال الأطر الأخلاقية أو ما يؤمن به الفرد والذي سوف لن يبقى في دائرة الفرد وإنما سينتقل نفعه للمجتمع وذلك سيؤدي في نهاية المطاف إلى سعادة الجميع.

ونقطة بدايته أن يؤمن الفرد أنه مسؤول عما يجري حوله من أحداث اجتماعية وبيئية وثقافية وإنسانية، ولا شيء قادر على أن يسلب منه هذه المسؤولية وجعله متجاهلا أو غير مهتم.

من هنا؛ فإن التعليم هو مجرد جناح من جناحَي هذه المهمة، أما الجناح الآخر فهو الحافز والوازع الفردي وهذا الآخر جاء نتيجة أفكاره ومعتقداته ومبادئه التي يؤمن بها.

وفيما يرتبط بكيفية استنهاض الرأي العام في عملية بناء المسؤولية الاجتماعية؛ فإنه بالرغم من أن المسؤولية الاجتماعية أمر تطوعي بحت والفرد نفسه هو الذي يقرر ما عليه فعله؛ إلا أن المحيط أو الرأي العام لو استطاع أن يزرع فيه روح وجوب تحمل المسؤولية كما لو كانت بمثابة عهد بينه وبين المجتمع، وإن عدم تحمُّلها يعتبر ذنب أو جريمة سيعاني نتائجها الفرد قبل المجتمع، فإن ذلك الشعور الإيجابي يتحول إلى فرض عيني سيزيده تحفيزا واهتماما لمراعاة هذه المسؤوليات والحقوق.

وبعبارة أخرى فإن الرأي العام يجب أن يقوم بدور المراقب والمتابع للفرد ليحمّله تلك المسؤولية على أتم وجه حتى وإن كان ما يقوم به هو مجرد أمر تطوعي وبدون مقابل مادي أو معنوي. إذ عبر المجتمع مثلا: يمكن توجيه الأفراد واقناعهم أن مسؤولياتهم هي عبارة عن عهد واتفاق بين الفرد والمجتمع بما يعود نفعه على كلا الطرفين فإن ذلك كفيل لإنجاز عملية استنهاض الرأي العام في هذا المجال.

ومن الجدير أن يذكر في هذا الوادي كتاب رسالة الحقوق حيث لا يخفى على متدبر أن رسالة الحقوق للإمام السجاد عليه السلام تضمنت مختلف الأبعاد باختصار بليغ متقن، فوجهت المؤسسات التعليمة والرأي العام ضمن ضوابط الشارع المقدس. من هنا لو ترجم هذا الكتاب إلى لغة تكلم الناس على قدر عقولهم ويعرض عليه احتياجات العصر الحالي، فإن ذلك يتحول إلى منهج تعليمي وتطبيقي في نفس الوقت.

انماء السياسات التعليمية واستنهاض الرأي العام

- الباحث صادق الطائي:

(١) لا يمكن صنع الدور التعليمي للمسؤولية إلا من خلال توفر شرطين هما:-

١- البيت الامثل

٢- المجتمع الاقدر

من خلال ايجاد تلك العناصر في حياة اي مجتمع يراد منه صنع حالة تعليمية رائدة تبني حالة من المسؤولية في صنع مجتمع فاعل وقادر.

(2) اي جزء بسيط من اي مجتمع نامي يحتاج الى دفعات من رأي عام يشجعه والى عناصر اجتماعية تدعمه في دوره الجديد، اذ لابد من وجود أسباب تدعم الفكرة:-

١- يمكن من خلال نشر القصص ذات القدرة على الاستنهاض وتكوين رأي عام منفتح وايجابي وقادر على تحريك عناصر المجتمع الى قوة فاعلة.

٢- نشر افلام هادفة بكثافة لتوضيح الفكرة داخل المجتمع من خلالها يمكن استنهاض الرأي العام وزراعة المسؤولية الاجتماعية.

٣- لابد من وجود محاضرات مكتوبة ومسموعة تطرح داخل المجتمع المراد صناعة إستنهاضه وبناء المسؤولية الاجتماعية لديه هذه المحاضرات ضرورية جداً لتعليم كشف حالات النكوص والتلكؤ عن الدور.

٤- النقطة الاخيرة والمهمة هي المراقبة والإرشاد اعتبرها نقطة مهمة لمعرفة مقدار تأثير والقدرة الناجحة في إمكانية انماء السياسات التعلمية في المجتمع، ربما هناك خطأ او خلل من طريقة طرح السياسة التعلمية او وجود نقص في القدرات البشرية او المادية او المراقبة يمكن معرفتها ووضع الحلول لها والتخلص منها.

من مفردات الأخلاق

- أحمد جويد، مدير مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات:

بالنسبة للمسؤولية أعتبرها جزء من الأخلاق، وأفضل من استنهض المسؤولية الاجتماعية هو الإسلام. يقول الله سبحانه وتعالى: (قفوهم إنهم مسؤولون)، هذه الآية الكريمة تأخذ معانٍ كثيرة، وتشمل كل شيء، الرسول(ص) يقول: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) ويقسّم مهام الجميع، المرأة في بيتها، والرجل تجاه عائلته، والجميع.

قضية الأخلاق هي القضية الأساسية التي بُنيت عليها أو الركيزة التي بنيت عليها الشريعة السماوية، (إنما بُعثتُ لأتمّم مكارم الأخلاق)، فالمسؤولية الجيدة هي جزء من مكارم الأخلاق، فمن يقوم بدوره تجاه المسؤولية بصورة جيدة، فهذا هو جزء من مكارم الأخلاق.

اليوم ذكر سماحة الشيخ مرتضى معاش مثالا حول جائحة كورونا، فالمسؤولية تجاه هذه القضية مسؤولية إنسانية، أخلاقية، لا تخص مجتمعا واحدا، وإنما هي مسؤولية تجاه كل المجتمعات، تجاه العالم كله.

بمعنى أن الدول الكبرى التي تقع على عاتقها مسؤولية مواجهة الكارثة، تخلت عن مسؤوليتها وحولت الأزمة أو الكارثة أو الجائحة إلى قضية اتهامات متبادلة في بداية الأمر وتسقيط سياسي، ثم بعد ذلك حولتها إلى قضية تجارية عن طريق شركات الأدوية.

لذلك من غير الممكن للإنسان أن يتخلى عن مسؤوليته الاجتماعية بأي حال من الأحوال، ولو على المستوى البسيط، سواء على مستوى المدينة، أو على مستوى الشارع، او المنطقة السكنية، أو الحي، هذه المسؤوليات متعددة من باب مسؤولية النظافة، او الحث عليها، وهناك مسؤوليات أخرى تتعلق بنشر الفضيلة.

كل هذه مسؤوليات وهي بالتالي جزء من هذه المنظومة الأخلاقية التي بإمكانها أن ترتقي بالمجتمع، ومن الممكن حقا ان نرتقي بالمجتمع، فسابقا كانت المجالس التي كنا نحضرها، كانت تقدم لنا قضايا أخلاقية جيدة، وفيها الكثير من الحِكَم المتميزة، وربما اولئك الذين كانوا يحضرون هه المجالس والدواوين استفادوا منها كثيرا.

وما يخص المدارس أيضا، كان هناك أساتذة أفاضل قدموا دروسا مهمة في التربية على المسؤولية، أما في الوقت الحالي فنحن نحاول أن نعود الطفل الاتكال على غيره، ونحاول أن نمنعه عن تحمّل المسؤولية، وهذا خطأ، فكل شخص علينا أن نعلمه على تحمل المسؤولية على قدر هذه المسؤولية الخاصة به.

بالإضافة إلى أننا نفتقد حاليا إلى الأسوة الحسنة في جميع النواحي، وأعني الأسوة الحسنة التي يفتقدها الطفل أو الشاب أو غيرهما، في تخلي المسؤول عن مسؤوليته، وبالتالي تصبح هذه القضية سلبية للتنصل والتخلي عن المسؤولية، وكثير من الأفراد، إذا ناقشته في أبسط قضية يقول لك (أنظر للكبار ماذا يفعلون اليوم)؟ وهذه القضية تتعلق بالأسوة الحسنة في المجتمع، فالقدوة محور للمسؤولية ومحور للصلاح ومحور للتغيير.

بين الإعلام المحلي والعالمي

حيدر الأجودي، باحث في مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية:

إن المسؤولية الاجتماعية مبدأ مهم وحاضر في كل الأديان والشرائع، لما له من دور كبير في إصلاح الفرد والمجتمع، والدين الإسلامي حث على ذلك وكان له تأكيد كبير على هذه المسؤولية الاجتماعية، وحديث الرسول صلى الله عليه وآله عن المسؤولية (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)، حديث متفق عليه حيث يؤكد على أهمية هذه المسؤولية الاجتماعية.

لكن للأسف المسؤولية الاجتماعية تعيش في مجتمعنا حالة من الأزمة، حالة من الدنى نتيجة اللامبالاة والفوضى، عدم احترام الممتلكات العامة، عدم الاهتمام بالأخلاق الشخصية، عدم الاهتمام حتى بالعلم، وهذه الأزمة قد تؤدي إلى خلق حالة من الفوضى الخلاقة إذا ما عولجت هذه المشاكل، لكن إذا عولجت بصورة صحيحة ومناسبة، فقد يؤدي ذلك إلى التعافي الاجتماعي إن صح التعبير.

أكثر من يعاني من هذه الأزمة هو جيل الشباب، هناك فجوة في عدم تحمل المسؤولية، الحقيقة أعتقد أن المسؤولية الاجتماعية تنطلق من مؤسسات التنشئة وهي الأسرة بداية والمدارس والإعلام، أما الأسرة فمن الضروري إعطاء كل فرد داخل الأسرة مساحة محدودة من المسؤولية، كل على قدر استطاعته وإمكانياته.

لذلك لابد من توزيع المهام والأدوار، وإن كانت بسيطة، لكن تعليم الفرد مهم داخل المنزل، أما المدارس فلابد من التدريب وليس التعليم فقط، التدريب على المسؤولية، مثلا المشاركة في زراعة حدائق المدارس، أو غيرها من الفعاليات والأنشطة الأخرى، فهذه الأمور تؤدي إلى تحفيز الطالب او التلميذ على مشاركة زملائه في تحمل المسؤولية.

ما يخص الإعلام أعتقد هناك جنبتين، جنبة أولى الإعلام المحلي، هناك تأثير محلي وهناك تأثير عالمي، ما يخص التأثير المحلي فإن أغلب وسائل الإعلام تسلط الضوء على الحقوق من دون ذكر الواجبات، لك حقوق كذا وكذا، ولكن لا يتم تسليط الضوء على الواجبات، ماذا يراد من المواطن، ما هي واجباته، وهذه تصب في صلب موضوع المسؤولية الاجتماعية وليس التركيز على الحقوق فقط، لابد من التركيز على الواجبات.

اما ما يخص الجانب العالمي أو الإعلام الخارجي، انطلاقا من حديث أمير المؤمنين (عليه السلام: (الناس صنفان أما اخ لك في الدين وأما نظير لك في الخلق)، ما يحد مثلا في حرب غزة هناك كثير من وسائل الإعلام أو وسائل التواصل الاجتماعي يتخلون عن هذه المسؤولية حول ما يتعرض له الفلسطينيون بحجة أن الأمر لا يتعلق بنا أو أنهم فعلوا بنا كذا.

اعتقد أن هذا التصرف خطأ، الناس صنفان، لماذا لا تكون لدينا مسؤولية تجاه هذا الصنف من البشر والوقوف معه، والمطالبة بحقوقه والوقوف ضد الظالم، من هنا يكون البناء صحيحا لتحمل المسؤولية، ليس الشخصية فقط، بل المسؤولية تجاه الآخرين أيضا.

النوع وليس الكم

- باسم الزيدي، باحث في مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث:

لدي ملاحظة بسيطة، عندما نسأل عن المسؤولية الاجتماعية، فما هي المسؤولية الاجتماعية وما هو تأثيرها، وما دورها في الإصلاح والتغيير، بالطبع يمكن لأي شخص أن يقول ببساطة إن المسؤولية الاجتماعية هي نظرية أخلاقية، تدعو الفرد والمجتمع إلى التعاون في قضية الإصلاح وإلى آخره.

هذه النظرة العامة أو السائدة، ولكن إذا حاولنا ان نكون أكثر واقعية، ونريد أن نصل إلى نتيجة أو خلاصة فعلية ما هو دور المسؤولية الاجتماعية في الإصلاح والتغيير، لنأتِ ونطبقها مثلا على مجتمعنا، باعتبار أنه مجتمع إسلامي، ويعاني من مشاكل عديدة.

دعنا نسأل هذا السؤال ونضعه بين قوسين، فنقول (إن المسؤولية الاجتماعية إذا أردنا ان نطبقها على المجتمع، هل هي عمودية أم أفقية، بمعنى نستهدف بها أفراد أو مجتمع؟، أو بمعنى أدق نحن نبحث عن الكمية أو النوعية؟)

الواقع أن تراث أهل البيت(ع) والرسول(ص)، حتى القرآن الكريم دائما كان يركز على النوع وليس الكم، يعني أن الله عز وجل أرسل الأنبياء نوع، الرسول ربى الصحابة أفراد، نوع وليس كم، اهل البيت أيضا أفراد وليس كم، حتى الإمام الحسين (ع)، عندما صال صولته المعروفة وهو إمام الكون خاض صولته بأفراد قلائل مقابل عدد هائل، بمعنى نوع مقابل عدد والإمام طبعا استهدف الإصلاح.

هناك فرق بين عملية الإصلاح والتغيير، عملية الإصلاح تستهدف تعديل ما اعوجّ من الواقع الجيد فيتم تعديل المسار، أما عملية التغيير فهي عملية جذرية، يعني حذف الماضي أو كما تسمى بعملية الهدم والبناء، هدم ما موجود والشروع في بناء جديد، هذا ما نريد أن نركز عليه، فإذا استهدفنا النوع كيف يمكن تنفيذ هذه المسؤولية الاجتماعية على الأفراد؟

بمعنى نحن نذكر مثلا التعليم، والرأي العام وكذا و كذا، فأعتقد أن أساس المسؤولية الاجتماعية يستهدف صنع قادة، او ناس مصلحين ومؤثرين، هذا هو الذي ينبع منه الإصلاح الحقيقي أو التغيير فيما بعد.

طبعا هذا لا يجافي المجتمع، فأنا ليس ضد المسؤولية الاجتماعية عند المجتمع، ولكن المجتمع بصورة عامة يتعرض إلى هزات وزلازل وعملية تغيير من الداخل.

الإمام الشيرازي (رحمه الله) عنده كلمة يتحدث فيها عن المجتمع، وتحديدا عن المجتمع الإسلامي يقول فيها: (إن أكثر مشاكل المجتمعات الإسلامية تنبع من مسألتين هما قلة الوعي واستبداد الحكام الظالمين، الذين يمارسون عملية التسلط، وقد يغيّرون الحقائق ويجعلون من المسؤولية الاجتماعية هي الجانب السلبي، فيضع مسؤوليته الاجتماعية في شن الحروب مثلا العنصرية وبعض الأمور السلبية الأخرة ويحولها إلى مسؤولية اجتماعية.

أتوقع وهذا رأيي الشخصي أن المسؤولية الاجتماعية هي تبحث عن النوع وليس الكم.

السياسات التعليمية أساس النجاح المجتمعي

- حسين علي حسين، مركز الفرات للتنمية والدراسات والبحوث الاستراتيجية:

جميع البلدان ذات التجارب الناجحة في تعزيز المسؤولية الاجتماعية، قد كان أساسها هو السياسات التعليمية، بكافة مراحلها وتفاصيلها، إن كانت مدارسا، أو جامعات.

فمتى ما كان الأساس التعليمي جيدا، كانت المسؤولية الاجتماعية أكثر نضوجا وحضورا، وبالرجوع إلى اسم الوزارة الخاصة بنا والتي هي (التربية والتعليم)، نجد إن التربية تقدمت على التعليم، في هذه الحالة من الممكن تأويل المسؤولية الاجتماعية كأساس للتربية.

لأن العائلة متى ما كانت ذات مسؤولية في تربية أفرادها، إن كان ذلك من رب الأسرة الأب، إن كان من الأفراد أنفسهم، الأخ الكبير أو غيره، سوف تنبني المسؤولية الاجتماعية على مستوى المجتمع ككل أو بصورة عامة.

أما الإجابة عن السؤال الثاني، فأتوقع أن تحقيق هذا الهدف يعتمد على عنصرين:

العنصر الأول: هو دور الإعلام في تطوير المسؤولية الاجتماعية، متى ما كان الإعلام يعزز من ثقافة صنع الرأي سوف تكون هناك إنتقالة جيدة في الرأي العام.

العنصر الثاني: هو دور الدولة في التخطيط والتنظيم في بناء المسؤولية الاجتماعية، فمتى ما كانت الدولة تحث وتشجع على بناء رأي الأفراد وحمايتهم قانونيا، لأن إبداء الرأي من الممكن أن تترتب عليه أمور قانونية معينة، فكل ذلك سوف يعزز من تطوير الرأي العام لدى المجتمع ويهم في بناء المسؤولية الاجتماعية.

وختم الباحث بملاحظات اخيرة، بالقول ان أغلب مفاصل الإعلام الموجودة لدينا تقوم ببث القضايا السلبية، في حين عليها أن تبث الجانب الإيجابي وتحرك المجتمع نحو صناعة التغيير والإصلاح على جميع المستويات. وصناعة النوع يقع على عاتق المؤسسات خاصة التعليمية والمؤسسات الدينية في مجتمعنا. فمن الممكن أن تصنع قادة مؤثرين يمكنهم أن يتأثر بهم المجتمع، وتتم تنمية العادات الجيدة لديهم.

* مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث/2002–Ⓒ2024
http://shrsc.com

اضف تعليق