يُتهم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بالميكافيلية(*) "على الرغم من أنها ليست تهمة سيئة" في شق طريقه إلى الحكم خلافاً لوالده سلمان بن عبد العزيز "أخر ملوك الجيل الأول" الذي تولى السلطة في 23 كانون ثاني/يناير 2015 بعد وفاة أخيه الملك عبد الله بن عبد العزيز.

هذا الاتهام له شواهد سياسية واقعية استغلها ولي العهد الحالي محمد بن سلمان خلال فترة حكم والده الملك سلمان ليتدرج في مناصب البيت السياسي السعودي، ويطيح من خلالها بأسماء كبيرة لعل أبرزها ولي العهد السابق محمد بن نايف "الموضوع تحت الإقامة الجبرية"، إذ أطاح به بن سلمان مع مجموعة من الاسماء المقربة منه سياسياً؛ وذلك من خلال ملفات الفساد الذي فتحها ولي العهد مؤخراً، كذلك لا ننسى حادث سقوط طائرة الأمير منصور بن مقرن، فضلاً عن تهم الفساد الذي استغلها بن سلمان للإطاحة بكل الاسماء والتجار المقربين من خصومه أو المنافسين له سياسياً.

وبغض النظر عن عدم الاتفاق السياسي حول الوصف الدقيق لميكافيلية بن سلمان من عدمها أو اتقانه لميكافيلية المفكر الايطالي "نيقولا ميكيافيللي" من غيرها، إلا أن تصرفات وسلوك للأمير بن سلمان الشخصية، ربما تطيح بمكانة المملكة العربية السعودية أو قد تعزز من مكانتها الإقليمية والدولية؟. إن الإجابة على فرضية المقال، لا يمكن التنبؤ بها سلباً أو إيجاباً دون الإشارة إلى الشواهد السياسية التي اجتهد بها محمد بن سلمان منذ أن تولى والده السلطة في العام 2015. ولعل أبرز هذه الشواهد هي:

أولا: الحرب في سوريا

على الرغم من أن الحرب في سوريا انطلقت شرارتها قبل تولي الملك سلمان الحكم في المملكة، إلا أن التطورات الأخيرة في الأزمة السورية وبالتحديد منذ العام 2015 بدأت ملامحها تتغير، وبدأت موازين القوى تتبدل، لصالح القطب المنافس للمملكة، لاسيما بعد تدخل الدب الروسي في سوريا. وعلى الرغم من أن محمد بن سلمان اعتمد على سياسة دعم الحركات المتطرفة المعارضة للنظام السوري بشكل كبير للإطاحة بالأسد وتقويض السيطرة الإيرانية في المنطقة، إلا أن جهوده باءت بالفشل. فالأسد ما يزال في السلطة وكل المؤشرات تؤكد بقاءه لسنوات قادمة، والحركات المتطرفة المدعومة من الرياض فقدت شرعيتها السياسية وسيطرتها العسكرية، فضلاً عن ذلك فقدانها لعنصر المناورة والتهديد اللذان كانت تلوح بهما في السنوات الماضية، وإن إعلان روسيا نجاحها في طرد عناصر "داعش والنصرة" من الأراضي السورية مثل ضربة قوية لأهداف المملكة في سوريا.

ثانيا: الحرب في اليمن

عاصفة الحزم التي اعلنت عنها المملكة العربية السعودية في العام 2015 لمواجهة التمدد الحوثي في اليمن، ‘‘كان مهندسها ولي العهد محمد بن سلمان عندما تسنمه وزارة الدفاع في بداية صعود نجمه السياسي‘‘ لم تنجز اهدافها السياسية والعسكرية لحد الآن، بل على العكس من ذلك، فالمملكة العربية تواجه صعوبات وتحديات كبيرة في الخروج من المأزق اليمني، لاسيما بعد مقتل الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، إذ ارادته المملكة أن يكون ورقتها الأخيرة ضد الحوثيين. وعلى ما يبدو بأن لا بوادر انفراج قريبة في الأزمة اليمنية، ومع استمرار ضبابية المشهد اليمني قد تتعقد المهمة السعودية هناك، وتتعقد معها مهمة محمد بن سلمان الذي أشرف على الضربة الأولى ضد الحوثيين في العام 2015.

ثالثا: الحصار على قطر

لا يمكن الركون إلى الاسباب التي تتبجح بها الإدارة السعودية في حصارها ضد قطر، فجميع الاسباب والحجج التي تذرعت بها الرياض ضد الدوحة واهية. وإن الحصار الذي فرضته السعودية على قطر، ربما يكون مؤشر على العجر السياسي السعودي في المنطقة وضعف كبير في الإدارة السياسية المتحكمة في المشهد السياسي السعودي، وربما هذا الحصار لن يحدث لو لم يكن محمد بن سلمان ولياً للعهد أو لم يكن المتحكم الخلفي بالقرار السياسي السعودي. وربما تظهر تداعياته السياسية على المملكة العربية السعودية مع مرور الوقت. فقطر بدأت تتأقلم مع سياسة الحصار، وبدأت قريبة من أي وقتاً مضى من طهران، بموازاة ذلك قد يكون موقع الدوحة الجغرافي سبباً لمشاكل جيوسياسية واستراتيجية مع السعودية في المستقبل، لاسيما في حال استمر التصعيد السعودي ضدها واستمر التقارب مع طهران سياسياً. وهذا يكشف مدى الضعف والتخبط الذي يعاني منه القرار السياسي السعودي.

رابعاً: التقلبات الداخلية والانبطاح المفرط لترامب

مرت المملكة العربية السعودية في الكثير من التقلبات السياسية سواء كانت على الصعيد السياسي في العائلة الحاكمة أو على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي والعسكري، لاسيما بعد وفاة الملك عبد الله بن عبد العزيز، وإن تولي الملك سلمان وصعود نجم ابنه محمد كان له الدور الكبير في كل التقلبات السياسية التي حدثت في البيت السياسي السعودي، ولربما لذات الاسباب وغيرها دفعت بمحمد بن سلمان إلى الانصياع بشكل كامل لإرادة الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب، المحكوم سلفاً بأيديولوجية ضد السعودية والمنطقة بشكل عام. فالرئيس الأمريكي الحالي اعتمد على سياسة التخويف والتهديد مع المملكة العربية السعودية في دعايته الانتخابية، إذ اتهمها بالتطرف والإرهاب، فضلاً عن ذلك، فإن السعودية كانت متخوفة من الرئيس الحالي بسبب السياسة التي اتبعتها الإدارة الأمريكية السابقة برئاسة باراك أوباما، وتوتر العلاقة بين الرياض وواشنطن، لاسيما بعد الاتفاق النووي الذي ابرمته واشنطن مع إيران، وتخوف الرياض من الدور الإيراني في المنطقة وخشيتها من التقارب السياسي بين طهران وواشنطن. مع ذلك، لا يمكن للمملكة العربية السعودية أن تعيش سياسياً على الإرادة الأمريكية فقط وتجاهل الدول الأخرى أو استمرارها بمعاداة دول المنطقة والمحيط الإقليمي، فالمملكة بحاجة إلى علاقات خارجية متوازنة مع دول المنطقة، والابتعاد عن العداء التاريخي مع طهران، وأن تنأى بنفسها عن الصراع الأمريكي – الإيراني، والعمل على تهدئه المنطقة سياسياً وعسكرياً.

هذه الشواهد التي حدثت في فترة الملك سلمان ربما تكون بمثابة خارطة طريق أمام محمد بن سلمان لرسم طموحه السياسي "بأن يصبح الرجل رقم واحد في المملكة" بواقعية وتحمس سياسي مفرط، قد تدفع المملكة نتائجها وتداعياتها فيما بعد أو ربما تكون شواهد حقيقية على المجد السياسي الذي ينتظر بن سلمان مستقبلاً، لاسيما مع الرؤية الواقعية التي يمتلكها ولي العهد اتجاه أمريكا وأوروبا بشكل عام، فضلاً عن رؤيته بعملية السلام الخاصة بالصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، وإمكانية تطبيع المملكة مع إسرائيل بشكل رسمي في المستقبل القريب، وليبراليته اتجاه القضايا الداخلية في المملكة، سواء تلك المتعلقة بالمرأة السعودية أو نظرته المتعلقة بالحد من نشاط المؤسسة الدينية المتطرفة، على الرغم من أن الشواهد التي اشرنا إليها أعلاه، كانت شواهد متهورة سياسياً بالنسبة للأعراف السياسية السعودي السابقة، لكنها تستند إلى تأييد ودعم أمريكي.

ولهذا ربما تكون ميكافيلية بن سلمان المتهورة عبارة عن سياسة براغماتية تعكس وجهة نظر ولي العهد دون غيره، إذ يريد من خلالها معانقة المجد السياسي العالمي وشق طريقه نحو الساحة الدولية من خلال كسب الدعم الأمريكي والغربي بشكل عام؟

* باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/2004-Ⓒ2017
www.fcdrs.com

................................

(*). هذا المبدأ الذي تبناه نيكولو دي برناردو دي ميكيافيللي (3 مايو 1469 - 21 يونيو 1527) المفكر والفيلسوف والسياسي الإيطالي في القرن السادس عشر، إذ يعتقد أن صاحب الهدف باستطاعته أن يستخدم الوسيلة التي يريدها أيا كانت وكيفما كانت دون قيود أو شروط. فكان هو أول من أسس لقاعدة الغاية تبرر الوسيلة، وأول من استخدم مفهوم الدولة بمفهومها الحديث.

اضف تعليق