يصعب تحقيق حلم الصينيين بعودة الابن التايواني الضال، بعد تلك الرحلة الخلافية الطويلة، نعم، تعيش الامم قصصا غريبة وتترك وراءها تواريخ من الكوارث المختلفة، اذا ما حكمتها عقائد حادة متناشزة، وان الخاسر الاكبر دائما وباستمرار، هي الشعوب التي يبقى الرابط الوطني بينها هو الاقوى، وهو ايضا الضحية الاكبر!.

في العام 1912 وبعد رحلة نضال استمرت نحو عشر سنوات، اطاح الزعيم صن يات صن، باسرة تشينج التي حكمت الامبراطورية الصينية من العام 1644 حتى العام 1911، وقام بتشكيل اول حكومة وطنية.

ينقل عن الرجل، انه كان فيلسوفا ومنظرا وقائدا سياسيا، وايضا كان مناضلا صاحب قضية كبرى، احبه الصينيون ومنحوه لقب (ابو الامة) .. وفي العام 1913 اعلن عن قيام (جمهورية الصين الديمقراطية الموحدة)، وامسك بالبلاد من خلال حزبه القومي المعروف ب(الكومنتاج)، وبدات الصين رحلة جديدة.

في العام 1921 تاسس الحزب الشيوعي الصيني، الذي شارك من قبل في اجتماعات الاممية الثالثة في العام 1919 في روسيا، بصفته حزبا اشتراكيا، قبل ان تنبثق عن تلك الاممية، منظمة الشيوعية الدولية (الكومنترون) ويتحول الحزب الاشتراكي الصيني الى حزب شيوعي، يتبنى الماركسية اللينينية، اسوة بالاحزاب الاخرى المشاركة .. لقد كان هدف الحزب الاخير تاسيس نظام شيوعي في الصين، لكن العقبة التي امامه هي، الحزب القومي الديمقراطي (الكومنتاج)، الذي يقوده صن يات صن، الزعيم القوي والمحبوب من قبل الشعب .. ولان من غير الممكن ان يستقر سيفان في غمد واحد، كما يقول المثل العربي القديم! فكان لابد من اطاحة احد الحزبين بالاخر والانفراد بحكم هذا البلد الكبير، او هذا ما حصل لاحقا.

في العام 1925 توفي الزعيم صن يات صن، وتسلم مقاليد الحزب والدولة، خلفه، شيانج كاي شيك، بينما كان الحزب الشيوعي (حزب الشعب) يتمدد وتتعاظم قدراته، لكن (الكومنتاج) لم يكن باقل قوة او نفوذا. وفي العام 1927 انفجر الخلاف بينهما وتحول الى حرب اهلية. ولكن بعد غزو اليابان لمقاطعة منشوريا الصينية، في العام 1931 ،اوعز الزعيم السوفييتي ستالين، لرفاقه الصينيين بايقاف قتالهم ضد (الكومنتاج) والاسهام معهم في تحرير منشوريا، لانهما باتا في مواجهة عدو مشترك. لكن ستالين تعرض لانتقادات شديدة، بسبب نصيحته تلك، بعد ان استثمر الزعيم شيانج كاي شيك تلك الظروف، لاضعاف حزب الشعب وتصفية الكثير من اعضائه، وتحولت تلك الحرب الوطنية ضد الغزاة اليابانيين الى بداية لحرب مؤجلة قادمة بين الحزبين .. في نهاية الحرب العالمية الثانية، وبمساعدة السوفييت، تحررت منشوريا، وخرج الحزب الشيوعي، او حزب الشعب، هو الاقوى، طبعا، لتبدا الحرب الاهلية من جديد، وهذه المرة ستكون حاسمة، والغالب هو من سينفرد بحكم الصين.

لقد بدات الحرب الاهلية الثانية، ان جازت تسميتها، في العام 1946 واستمرت الى العام 1949 وحسمت بشكل شبه نهائي في العام 1950 لصالح حزب الشعب بقيادة ماو تسي تونغ، وهرب قادة الحزب القومي الصيني (الكومنتاج) الى جزيرة تايوان الصينية، ليعلنوا بان الذي حصل هو انقلاب على الشرعية، وان عودتهم رهينة باسقاط الانقلاب، وهو ما لم يحصل حتى اليوم!!

لقد وقف الغرب مع النظام المنهار وقياداته الهاربة لجزيرة تايوان، بصفتهم الممثلون الشرعيون للدولة الصينية، ومنحت الجزيرة عضوية الصين في الامم المتحدة ومجلس الامن، وبات لها حق النقض فيه ايضا الى جانب الاربعة الكبار الاخرين. بينما كانت القيادة الشيوعية تمارس مسؤوليتها في العاصمة بيجين او بكين، ويعترف بها العالم الشيوعي والاشتراكي، وظل الامر معلقا حتى العام 1971 حيث اعيدت الشرعية الى النظام الشيوعي، لان من غير المعقول، استمرار حكومة هاربة لجزيرة صغيرة لايتجاوزعدد نفوسها بضعة ملايين وقتذاك، بتمثيل شعب يتجاوز السبعمائة مليون انسان، وهو فعليا خارج سلطتها.

مؤخرا، سمعنا حديثا عن محاولة تايوان الاستقلال تماما عن الصين، بعد ان باتت (دولة) راسمالية ونفوسها اكثر من 23 مليون نسمة، وتكرس فيها نمط من الحياة يختلف عن نمط الحياة التي عرفها الصينيون طيلة العقود الطويلة التي مرت، وسمعنا ايضا بتهديد صيني باستخدام القوة لمنع ذلك .. لكن الشيء اللافت في الامر، هو ان قادة تايوان الذين ظلوا يتحدثون عن ضرورة عودة الديمقراطية للصين الموحدة، وبضمنها تايوان طبعا، ويدافعون عن عقيدتهم تلك، كيف يمكن ان يجعلوا من تايوان دولة مستقلة، ويسلخونها عن الصين، البلد الام، وكيف ستكون عقيدة (الكومنتاج) الجديدة اذا ما استقلت الجزيرة وباتت دولة مجاورة للصين، او يفصلها عنها البحر فقط؟!

الدولة الصينية الشيوعية، لم تغادر روحها القومية، بل عملت على لملمة اجزاءها المبعثرة، مثل هونغ كونغ، التي عادت الى سيادتها في العام 1997 بعد ان كانت تحت السيطرة البريطانية منذ العام 1842 ومن ثم عودة جزيرة ماكاو في العام 1999 بعد ان كانت تحت السيطرة البرتغالية. ولم يبق سوى تايوان التي يبدو ان حلم عودة الصين الديمقراطية الراسمالية، غادرت عقول الكثيرين فيها، ساسة ومواطنين، وبات هناك حلم جديد يعيش معهم، الا وهو حلم الاستقلال التام عن الوطن الام. وهو حلم يصعب توقع تحققه، ويصعب ايضا حلم الصينيين بعودة الابن التايواني الضال، بعد تلك الرحلة الخلافية الطويلة.

نعم، تعيش الامم قصصا غريبة وتترك وراءها تواريخ من الكوارث المختلفة، اذا ما حكمتها عقائد حادة متناشزة، وان الخاسر الاكبر دائما وباستمرار، هي الشعوب التي يبقى الرابط الوطني بينها هو الاقوى، وهو ايضا الضحية الاكبر!.

اضف تعليق


التعليقات

الكاتب الأديب جمال بركات
مصر
أحبائي
الصين دولة قديمة طويلة البال
تضع خططا طويلة الأجل لإتمام ماتريده من أعمال
تايوان الجزيرة الصغيرة المنفصلة عنها تضخمت في الثراء والمال
والصين تريد استعادتها كما استعادت هونج كونج دون نقص فلس أو ريال
ولكن استخدام القوة وارد اذا شعرت الصين في قادم الأيام بخطوات متطرفة للإنفصال
أحبائي
دعوة محبة
أدعو سيادتكم الى حسن الحديث وآدابه.....واحترام بعضنا البعض
ونشر ثقافة الحب والخير والجمال والتسامح والعطاء بيننا في الأرض
جمال بركات....مركز ثقافة الألفية الثالثة2019-01-10