ما استنتجته من ما قرأته ومن ما شاهدته وسمعته ومن اتصلاتي مع اصدقاء كثر هو ان انتشار هذا الوباء حدث بالاساس بسبب فشل مختلف حكومات العالم في ادراك فداحة الامر وفشلها ايضا في ادارة الطوارئ كما يضاف الى ذلك في كثير من الاحيان عدم تعاون الجمهور ايضا....

قرأت خلال الايام الماضية الكثير عن تجارب مختلف دول العالم في التصدي لوباء الكورونا. كما اتابع بحكم اقامتي في الولايات المتحدة ما يجري هنا في هذا الصدد وخصوصا في نيويورك وولايتي كاليفورنيا وواشنطون.

ما استنتجته من ما قرأته ومن ما شاهدته وسمعته ومن اتصلاتي مع اصدقاء كثر هو ان انتشار هذا الوباء حدث بالاساس بسبب فشل مختلف حكومات العالم في ادراك فداحة الامر وفشلها ايضا في ادارة الطوارئ كما يضاف الى ذلك في كثير من الاحيان عدم تعاون الجمهور ايضا.

ففي الصين وبسبب طبيعة نظامها الديكتاتوري وعدم وجود صحافة حرة عوقب الطبيب الذي اكتشف الفايروس وعاشت السلطات هناك (حالة انكار) دامت اسابيع انتشر فيها المرض. وعندها فقط بدأت الصين تتصرف بشكل صحيح. ومع هذا لا تزال الصين تروج لنظريات المؤامرة القائلة ان الفايروس مصنع عمدا في الولايات المتحدة.

كما ان هذا الانكار ساهم في نشر الوباء الى ارجاء العالم بسبب كثرة الصينين المغتربين لاسباب متعددة (طلاب، عمال، رجال اعمال، سياح... الخ) وبسبب الاجانب الذين زاروا الصين وعادوا لاوطانهم.

وفي ايران كانت هناك حالة انكار مماثلة كما نظمت الانتخابات البرلمانية مع انتشار الوباء. اضف الى ذلك ان المراقد المقدسة لم تغلق الا جزئيا وعلى نحو متأخر ولم يؤمر بحظر تجوال الى حد اليوم. ورفض النظام الايراني مساعدات العالم له ولا يزال يردد سخافات نظرية المؤامرة الى اليوم عن ان الفايروس مصنع في الولايات المتحدة.

في الولايات المتحدة هناك فشل على مستويين. اولا ترامب استهان بالموضوع على مدى اسابيع كاملة ولم يأمر بتشديد الاجراءات على المنافذ الجوية وغيرها (وهذا امر غير سهل) والنتيجة ان الفايروس دخل الى الولايات المتحدة من عدة منافذ ولعدد من الولايات. اضافة الى ذلك ساهمت طبيعة شخصية ترامب (كذب مستمر، القاء اللوم على الاخرين) الى تفاقم الامر وتحويله الى هلع عام.

فمثلا عندما قال انه حظر السفر من اوروبا قال بالخطأ ان ذلك يشمل حركة البضائع فادى ذلك الى انهيار البورصات. وفي مرة ثانية قال ان احتواء الوباء قد يمتد لشهر اب فادى ذلك لانهيار جديد في البورصات وزيادة الهلع. وفي مرة ثالثة قال ان علاج الملاريا صرح باستخدامه لعلاج الكورونا ثم نفى رئيس وكالة الادوية الامريكية – الواقف بجانبه – ذلك بعد دقائق وقال انه صرح به للتجارب فقط.

كل هذا ساهم في زيادة عدم الثقة بين الجمهور الامريكي والرئيس وادى الى انهيار البورصات وارتفاع البطالة بالاضعاف وحالة حمى تخزين الطعام والشراب وورق الحمام والمعقمات والمنظفات والكمامات والقفازات واخيرا الاسلحة والاعتدة بسبب الاعتقاد السائد ان ما يحدث سيؤدي الى تفاقم الجريمة. كما ان هذا له ما يبرره لان ولايات مثل نيويورك وكاليفورنيا بدأت بالافراج عن بعض المحكومين. واهم من ذلك كله هو عامل الخوف من المجهول لان الامريكيين لايثقون بترامب ولا يعرفون حقا ان كانت البلاد ستجتاز هذه الازمة ام لا ومتى.

وفي مقابل ذلك ورغم ان ترامب ادرك فداحة اخطائه في الاسبوع او الاسبوعين الاخيرين ورغم بعض الاجراءات التي يتخذها مثل اعلان الطوارئ واعلان ولايات معينة مناطق كوارث و تفعيل قانون الدفاع واجراءات عقابية لمخزني الكمامات والمعقمات الا انه يستمر في القاء اللوم على الصحافة وعلى الصين في كل ما يحدث.

وعلى المستوى المحلي وفي مدينة نيويورك ورغم ظهور عدد من الحالات منذ بداية هذا الشهر الا ان عمدة المدينة ظل يعاند اغلاق المدارس التي ينتظم فيها مليون تلميذ رغم اعتراض المدرسين وحاكم الولاية. وفي النهاية اغلقها ولكن متأخرا جدا بعد ان وصل عدد الحالات ال 500. وهنا فان اغلب سكان نيويورك – ولانهم ديموقراطيين ويكرهون ترامب – يوجهون اللوم لترامب وليس للعمدة رغم ان ترامب لا علاقة له بقرار اغلاق المدارس. ويقولون ان هذا القرار صعب لان بعض التلاميذ مشردين وسيعودون الى الملاجيء وبعضهم فقراء وسيخسرون وجبة الغداء المجاني وانه لاتتوفر خدمة الانترنت لبعضهم للاستمرار بالدراسة من المنازل وان العمل سيتعطل في نيويورك لان الاباء سيضطرون للبقاء مع ابنائهم...الخ. وواضح ان كل هذه حجج غير مهمة امام فداحة الثمن الذي دفعه الجميع الان وهو خسارة الارواح وانهيار النظام الصحي. ورغم كل ذلك فان الاغلاق حصل في النهاية.

كل هذا يثبت ان هناك مشكلة متأصلة في ادارة الطوارئ. فالعمدة في نيويورك كان ناجحا وله انجازات في المدينة مثل رفع الحد الادنى للاجور والتعليم المجاني للاسر في كليات جامعة نيويورك الحكومية وغيرها لكنه فشل في ادراك مدى ضخامة الازمة القادمة وفشل في اتخاذ القرارات الصحيحة في الوقت المناسب.

الامر الاخر الذي يدهش الكثيرين هو ان البلد الذي ارسل سفن الفضاء الى القمر قبل 50 سنة يصنع اغلب كماماته في الصين! والحقيقة انه يكاد يكون كل شيء في الاسواق الامريكية مصنعا في الصين! وهذا كان احد اسباب ازمة الكمامات واجهزة الفحص واجهزة التنفس وبدلات الوقاية والقفازات...الخ.

اضف الى كل ذلك ان النظام الصحي الامريكي متقدم تقنيا لكنه فاشل من حيث التطبيق لان معدلات الامراض المزمنة عالية ولان شركات التأمين والمؤسسات الصحية والدوائية جشعة مما يحول بين بعض الامريكيين والحصول على العلاج.

وكل عيوب النظام الصحي الامريكي وهو الاكثر غلاء في العالم برزت في هذه الازمة. فرغم المبالغ الطائلة التي تصرف على هذا النظام فانه فشل من حيث مفهوم الصحة العامة (الوقاية وغيرها) وفشل في التصدي الصحيح لمثل هذه الازمة او الاستعداد لها.

واخيرا وعلى الجانب الايجابي نلاحظ ان دول مثل تايوان وكوريا الجنوبية نجحت فيما فشل فيه العالم. ففي تايوان استخدمت التطبيقات الهاتفية لتعقب المصابين ولتوفير الكمامات ولتبادل المعلومات مما ادى الى خلق حالة من الاطمئنان. كما ان هناك حالة من المسؤولية بين المواطنين فهم يثقون بالمسؤولين (والرئيس الكوري لا يخرج مثل ترامب كل يوم في مؤتمر صحفي بل ترك هذا الامر للمسؤولين عن قطاع الصحة) وينفذون نصائح الحكومة دون تذمر.

وفي كوريا الجنوبية نجحت البلاد في التصدي للوباء عبر توفير مئات من الالاف من اجهزة الفحص ووفرت اماكن تشبه اكشاك الهاتف العمومي للذين يشكون بمرضهم وبهذا تم معرفة الحالات الحقيقية بسرعة وحجرها ومعالجتها والسيطرة على الوباء.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق