هل بالإمكان اليوم أن نتنبأ بمستقبل العالم عام 2021 في ضوء علم المستقبليات؟ أم أن الأمر لا يعدوا تنجيما في الغيب، لأن المتغيرات أصبحت سريعة ومزاجية. فما يحدث من غرائب تبدو وكأنها طلاسم صعبة الفهم والتحليل، أحداث مهمة ربما تؤدي إلى إعادة تشكيل المستقبل سياسياً واجتماعياً واقتصادياً في العقود المقبلة...

الكل يترقب عام 2021 بالأمل والحذر. ينتظر دخول اليوم الأول منه ليغادر العام الماضي الذي كان عاما جميلا بالأرقام 2020 فقط. لكنه كان عاما تعيسا بالأحداث للجميع. حيث تصاعد حديث الكثير في إن هذا العام كان نذير سوء، ونوائبه محزنة في استمرار الجائحة دون انتهاء. فلا الأبراج الترابية (الجدي، الثور، العذراء) كانت خارج النحس كما توقعت الأبراج، أنما كانت جميعها في دورة النحس والتشاؤم والكآبة.

فقد غادرنا الملايين وهم يودعون الأهل والأحباب بالجلطات الدموية وقلة الأوكسجين. وآخرون يعيشون رعب السجن الإجباري بانتظار الأمل. هناك من لا يغادرنا جسديا، لكنه غادر وظيفته وقطّع رزقه. وهناك الجوع والفقر تأكل بالأمم. فيزداد الفقير جوعا وفقرا، والغني رعبا في التفكير بالموت.

هل بالإمكان اليوم أن نتنبأ بمستقبل العالم عام 2021 في ضوء علم المستقبليات؟ أم أن الأمر لا يعدوا تنجيما في الغيب، لأن المتغيرات أصبحت سريعة ومزاجية. فما يحدث من غرائب تبدو وكأنها طلاسم صعبة الفهم والتحليل.

أحداث مهمة ربما تؤدي إلى إعادة تشكيل المستقبل سياسياً واجتماعياً واقتصادياً في العقود المقبلة. وسنقرأ المزيد من المانشيتات الحمراء تتصدر أخبار العالم أبرزها على الإطلاق وباء فيروس كورونا (كوفيد 19) وحروب شركات اللقاح وفضائحها وخفاياها السرية. وعودة بايدن وحقيبته المملوءة بالعناوين الجديدة، وكوراث صدمات الاقتصاد وأثاره المدمرة. وتحديات التكنولوجيا الجديدة التي ستبقى هي الأقوى. والتائهون من عرب 2021 وانقساماتهم المأزومة في مواجهة الصدمات.

المانشيت الأول: هل نقترب أكثر في 2021

سؤال يفكر به أكثر من مليار شخص في العالم. بعد أن تعرض الكثير منهم إلى أثار اجتماعية ونفسية مدمرة بسبب التباعد الاجتماعي. أبرزها القلق والتوتر والانفعال والكآبة. ومع ذلك هناك بحوث علمية ترى بأن هذا التباعد قد يكون نقطةَ تحفيز لآخرين على التواصل المجتمعي. مفسرةً ذلك بأن الاحتمال الأكثر تفاؤلًا هو أن الوعي المتزايد بطبيعة الوباء سيدفع الناس إلى البقاء على اتصال واتخاذ إجراءات أخرى إيجابية.

حقا كان عام 2020 حزينا وكئيبا ومرعبا بسبب كورونا. هو أشد وأصعب من الأعوام المنصرمة. فلا غابت عنه الكوارث الطبيعية، والثورات المشتعلة، والأوضاع المعيشية والاقتصادية السيئة. لذلك تغير منظورنا للحياة بطرق لم تخطر لنا على بال. ومع ذلك كان مصدر اختلاف البشر. البعض اعتبر 2020 سنة الخسائر، والبعض الآخر اعتبره سنة تعليمية بامتياز. فقد علّم البشر ما لا يعلم، ولقّن الحكومات دروسا بليغة في مواجهة الأزمات، واستخدام حكمة السلام والتضامن بعيدا عن الحروب وعنجهية السلاح.

فلا حديث في عام2020 غير حديث فيروس كورونا الذي سيطر على جميع الأجواء والمجالات، حتى قيل إنه احتل الطرقات وسكن الأسطح وجدران البنايات، محاصرًا ابن آدم الذي وقف أمامه مذعورًا، قليل الحيلة، ومعدوم الصلاحية حتى إشعار آخر. فقد أصبح بقاء بلايين البشر حول العالم في منازلهم ضرورةً حتمية، استجابةً للتنبيه العالمي المتزايد للحد من الانتشار السريع لهذا الفيروس العجيب المراوغ. فما يطلبه المختصون ومسؤولو الصحة من ضرورة (التباعد الاجتماعي) ليس أمرًا سهلًا؛ إذ يتنافى مع الطبيعة البشرية، (فالإنسان كائن اجتماعي بطبعه).

هل ينتهي الكورونا باللقاح المنتظر؟

سؤال يطرحه الملايين حول العالم، بعد شهور من المعاناة على جميع الأصعدة. ففي جميع أنحاء العالم؛ يقوم علماء الأوبئة ببناء السيناريوهات، وتخيل ما يُمكن أن يحدث في الفترة القادمة. ويضعون توقعات طويلة أو قصيرة الأمد. فمعظم العلماء يتفقون على الرغم من اختلاف توقعاتهم وجداولهم الزمنية، بأن كورونا سيكون قرينًا للبشر في المستقبل الذي يعتمد على الكثير من المجهول. فالمستقبل يعتمد إلى حد كبير على مقدار استئناف التباعد الاجتماعي؛ ونوع الوقاية التي سيبتكرها البشر.

لتنذكر بأن هذا الفيروس المستجد الذي أصاب 75 مليون شخص، ووفاة 1.66 مليون شخص يبدو أنه مستمر معنا حسب تقديرات الدوريات العلمية. لكن الفكرة الآن تكمن في تحييده، بحيث يكون مرضا غير قاتلا. فهو سيظل باقيا في عام 2021 و2022. وقد يكون هناك زيادات سنوية في الإصابات حتى عام 2025 وربما ما بعده من أعوام لكن هناك مشكلة أخرى تتعلق بتوزيع اللقاح ومقدرة الدول على توفيره لمواطنيها.

هناك أخبار تبعث على الأمل مع تخفيف الإغلاق. تشير الدلائل المبكرة إلى أن التغييرات السلوكية الشخصية، مثل غسل اليدين وارتداء الأقنعة، ستستمر إلى ما بعد الإغلاق الصارم، مما يساعد على وقف موجة العدوى. ولإنهاء الوباء يجب إما القضاء على الفيروس في جميع أنحاء العالم، وهو سيناريو يتفق معظم العلماء على أنه شبه مستحيل بسبب مدى انتشاره الحالي، أو يجب على الناس بناء مناعة كافية من خلال العدوى أو اللقاح. وبالتالي؛ فالمناعة هي ما ستحدد ما سيكون عليه العالم في الفترة المقبلة.

حروب تجارة اللقاحات

تقول منظمة الصحة العالمية إن هناك 26 لقاحاً قيد التجارب البشرية؛ منها 12 في المرحلة الثانية و6 في المرحلة الثالثة حتى اللقاح الذي يوفر حماية غير كاملة من شأنه أن يساعد في تقليل شدة المرض ومنع التفشي. غير أن تصنيع لقاح ناجح وتوزيعه سيستلزم شهوراً، وهو ما يعني مزيداً من الإصابات والوفيات. ومزيدا من الصراع المحموم بين صنّاع اللقاحات.فالكل يريد أن يسيطر على هذه السوق الكبيرة التي ستدر مئات المليارات على صاحب اللقاح الأنجح والأكثر فعالية.والجائزة الكبرى المعروضة هي فرصة السيطرة على جائحة الفيروس.

وسترافق دبلوماسية اللقاحات المعارك بين البلدان حول من يجب أن يكون الأول. بحيث يتحول اللقاح إلى فعل دولي لاستثماره سياسيا وماليا في نفس الوقت. وسيدخل العالم في معركة جديدة عام 2021 بشأن امتلاك اللقاحات والتربح منها. وستظهر حروب جديدة هي حروب سرقة أسرار أبحاث اللقاح مع قيام الصين وروسيا بتوسيع جهودهما لسرقة الأعمال الأمريكية في كل من معاهد البحوث والشركات.

تذكروا هذه الفقرة: سيكون 2021 هو عام كشف الأسرار والفضائح بما يتعلق بظهور كورونا، وأسرار بحوث اللقاح. والكشف عن لعبة الدول والشركات مع جينات البشر. ولن يكون عام القضاء على فيروس كورونا. بل هو عام تناسل الكورونا إلى سلالات جديدة من صنع الطبيعة، أو الدول والشركات للاستحواذ على المليارات لتعويض خسائرها، وأنفاذ اقتصاداتها من الانهيار والركود الاقتصادي. وستبقى البشرية لسنوات تحت كابوس الفيروسات الجديدة وارتداء الكمامات. سنعيش دوامة التفكير السلبي والأمل الخادع. عالم ينتهي بكورنا، وآخر يتشكل بالفيروسات الجديدة!

المانشيت الثاني: بايدن ينزل من السماء

مثلما أصبح كورونا حديث الناس ومثار خوفهم ورعبهم وقلقهم. أصبحت الانتخابات الأمريكية هوس العالم في متابعتها وترقب مآلاته عن كثب، وانتظار من هو الفائز: ترامب أو بايدن. وانقسمت الدول والطوائف والأعراق والأجناس حول أمنيه فوز المرشح. دول تاسست فيها الطائفية فقد مالت طائفة بعينها لأحد المرشحين. فقد أصبح ترامب سنيا وبايدن شيعيا. وفي أخرى ترامب ابيضا وبايدن اسودا. كذلك انتقلت إلى الأجناس والقوميات. فما الذي حدث في هذا العالم المهووس بالرؤساء والشقاق والنفاق؟

ترامب صعد إلى السماء بعد خسارته المثيرة للجدل، وتمسكه بجاه السلطة. فقرأ معارضيه الفاتحة عليه. بينما نزل بايدن من السماء، فوجد فيه محبيه رجل الخلاص من الفوضى والعنصرية، ووجدت أخرى نهاية لعصر التهديدات الترامبية والوعيد والحصار. كل يبكي على ليلاه!

لا جدال، أن نقرر بأن ولاية الرئيس دونالد ترامب كانت فوضوية في القرارات والمزاج، واتسمت قيادتها بعقلية تاجر يبحث عن الربح. لذلك شقت في قشرة الكون الجيوسياسي شقوقاً سنحتاج إلى سنوات من العمل الشاق والصبر العتيد حتى نتعرف إلى أعماقها ومنحنياتها وأسرارها قبل أن نجرب العيش في عصر بايدن الضعيف الواقعي.

باستشراف المستقبل، وتحليل الأحداث وربطها، واستيعاب أفكار الحزب الديمقراطي، فإن عام 2021 سيشهد متغيرات دولية وإقليمية. تتمثل الدولية منها في بدء السياسة الأمريكية مرحلة جديدة في إطار إعادة ترتيب الأولويات في العالم بدء من الغاء فكرة ترامب (أمريكا أولا) إلى الانفتاح على العالم والانخراط في الشأن العالمي، واصلاح ما أفسده ترامب مع الحلفاء في الناتو. ستدخل أمريكا في تحالفات مع قوى مثل اليابان والهند في مواجهة الصين، ولكن بشكل أكثر هدوء وعقلانية. وستعيد ترتيب علاقاتها مع روسيا باتجاه سلبي وبتوترات جديدة وعقوبات أخرى. سنشهد أيضا محاورة جديدة كروسيا والصين وكوريا الشمالية. وتكتلات أخرى بين تركيا وإيران وباكستان. خبطة لا يعلم بها إلا الله!

هناك متغيرات كثيرة ستطرأ على العلاقات الدولية خلال عام 2021 في عهد بايدن، على رأسها هدوء في وتيرة العلاقات الدولية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين. لكن هناك صراعا على مستوى الشركات، وليس فقط الأمثلة الواضحة على (هواوي) و(تيك توك)، حيث تصبح الأعمال التجارية أكثر من ساحة معركة جيوسياسية. ومن غير المتوقع من الرئيس بايدن أن يلغي الحرب التجارية مع الصين بسهولة. لكن سياسة بايدن اتجاه الصين ستكون قائمة على فكرة الجمع بين التعاون والمنافسة والمواجهة. وتجنب المواجهة الخطيرة مع الصين، والتعاون معها في مجال الصحة وتغير المناخ

وتشير الوقائع والتحليلات السياسية إلى إمكانية عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي مع إيران وفق شروط جديدة تضمن ألا تنتج إيران سلاحاً نووياً وتتوقف عن صناعة الصواريخ البلاستكية. من ناحية أخرى، ستكون إيران في موقف صعب في 2021 إذا ما حرص بايدن على التوصل إلى اتفاق. لكن نظرا للحالة المتردية لاقتصادها وخنقها بالعقوبات الاقتصادية الأمريكية فقد يتم إقناع طهران بالعودة إلى المفاوضات مقابل تخفيف العقوبات على صادراتها النفطية. وستكون هذه على الأرجح أفضل استراتيجية تتبعها جميع الأطراف: تحول بطيء خلال عام 2021 مع حوافز لتهدئة التوترات الإقليمية وللمساعدة على التعافي الاقتصادي، ولكن ليس إعادة إيران لأسواق النفط.

فيما ستصبح العلاقات أقوى بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وداخل حلف الأطلنطي، باستثناء تركيا. وسيكون هناك شكل جديد لأوروبا في الفترة القادمة. ستشهد الإدارة الألمانية رحيل المستشارة أنغيلا ميركل، لكن ليس من الواضح إذا كانت الإدارة الجديدة ستكون حازمة مثل إدارة ميركل.بينما ستشهد بعض الدول الخليجية بعض التجاذبات مع الولايات المتحدة فيما يتعلق بملف إيران وحقوق الإنسان والحريات مع الاحتفاظ بثوابت العلاقة القديمة مع هذه الدول.

العالم ينتظر أفعال بايدن. ماذا سيفعل عام2021. فالملفات الكثيرة تنتظره: كورنا واللقاح المنتظر، ركود الاقتصاد، تفكيك التقاطعات وحل المشكلات التي تركها ترامب، علاقات أمريكا مع الصين وروسيا والاتحاد الأوربي والعرب وإيران.

البعض يرى في بايدن صاحب خبرات سياسية كبيرة وسياسي واقعي. كما انه ليس نسخة كاربونية من سياسة أوبا لأن عالم اليوم ومشكلاته ما عادت بصبغة الماضي. كل شيء تغير من الباب الرئيسي للسياسة الدولية إلى نوع المفتاح المشفر. بينما يرى اخرون إن عهد بايدن استمرار لثوابت الحزب الديمقراطي ونسخته القديمة. وبايدن في النهاية هو الجسد الذي يتحرك وعقله محفوظ في خزانة حزبه. فما عاد الرجل ديناميكيا أيام شباب السياسة ونضوجها. هو الآن في أضعف لياقته البدنية والفكرية. فالعمر (78) يأخذ منه الكثير، فهو أكبر من أي رئيس في التاريخ الأمريكي. لذلك يعتقد البعض انه من غير المرجح أن يكمل ولايته الأولى. أما لياقته العقلية فهي مأساة أخرى. فقطار أفكاره كان يخرج دوما عن السكة، وبصعوبة بالغة كان يتمكن من صياغة عبارة ذات معنى.

المانشيت الثالث: صدمة سقوط الاقتصادات

دون شك فإن أكبر كارثة شهدتها الدول عام 2020 هو انهيار الاقتصاد الذي يعتبر الأسوأ منذ الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي. فقد ضاعت مليارات الدولارات من الدول. وسقطت أنظمتها الاقتصادية وشركاتها، وتوقفت الحياة، وغلقت منافذ تنفسها. فما عادت عجلة الاقتصاد تدور. مما يعني زيادة الفقر وتضخم البطالة.

سبحان الله مغيّر الأحوال، تغيّرت حياة البشر، وانقلبت موازين الدول رأسا على عقب. فاختفت اقتصادات الدول تحت ضغط هائل أدى إلى خسائر فادحة في أنظمتها الاقتصادية بسبب تباطؤ الاقتصاد العالمي. وضرب مقومات العرض والطلب في آن واحد، بسبب فرض قيود الحجر الصحي وحالة الذعر لدى المستهلك. فبينما كافحت الهند لإطعام مواطنيها، أغلقت إيطاليا أكبر اقتصاد في منطقة اليورو ومصدرا رئيسيا للآلات والمنسوجات والسلع الأخرى معظم صناعتها. وهي أول دولة غربية متطورة تعطل معظم صناعتها، مما أدى إلى توسيع نطاق الإغلاق على الشركات الصغيرة غير الضرورية لشركات الصناعات الثقيلة.

أما اوربا والعالم فقد تم إغلاق جميع المطاعم والفنادق وشركات الطيران والسلاسل العملاقة والمحلات التجارية الصغيرة، حيث أمرت مدن وولايات ودول بأكملها بإغلاق الشركات غير الضرورية وأوعزت الناس بالبقاء في منازلهم. ومعها تسرح الملايين من العمل. وتقدم 3.3 ملايين أميركي بطلبات للحصول على إعانات بطالة في أسبوع واحد. وقدرت الأمم المتحدة أنه يمكن فقدان ما يصل إلى 25 مليون وظيفة، أي أكثر مما حدث خلال الانهيار المالي العالمي عام 2008.

وتوقعت المستشارة الاقتصادية في صندوق النقد الدولي جيتا جوبيناث أن الاقتصاد العالمي قد يتكبد بسبب الأزمة حوالي 12.5 تريليون دولار خلال عام 2020 و2021. وعلى المدى المتوسط ستكون الآفاق قاتمة نظرا إلى التباعد الاجتماعي الذي سيظل معمولا به حتى نهاية 2022 على الأرجح، ما يحول دون نهوض اقتصادي حقيقي.

وبالأرقام المزعجة، سيكون هناك تراجع عالمي في الناتج 3% وخسارة الاقتصاد العالمي 20 تريليون دولار، والدين العالمي إلى مستويات قياسية تبلغ 100في المائة من حجم الناتج المحلي الإجمالي، و1.25 مليار شخص مهددون بالبطالة. ولتقريب حجم الخسارة قال الصندوق النقد المالي (خسارة الاقتصاد العالمي توازي حجم اقتصادي ألمانيا واليابان).ونظرا لعدم قدرة العالم على تحديد موعد نهاية الفايروس ستكون الأزمة الاقتصادية طويلة. وسيصبح كل من المستهلك والمستثمر أكثر حذرا وترقبا لاحتمال حصول موجة أخرى. مما سيؤجل عودة النمو الطبيعي وتحريك العجلة الاقتصادية. وستكون أكثر القطاعات تأثرا بهذه الأزمة حتى نهاية عام 2021 هي السياحة والنقل والنفط والمطاعم. وسوف تتسع الفجوة بين الشركات القوية والضعيفة. وتتقلص السياحة ويتغير شكلها، مع مزيد من التركيز على السفر الداخلي.وستواجه شركات الطيران وسلاسل الفنادق وشركات تصنيع الطائرات صعوبات كبيرة. كذلك الجامعات التي تعتمد بشكل كبير على الطلاب الأجانب.

أما القطاعات التي ستستفيد ولن تتأثر فهي التسويق الرقمي والتجارة الرقمية. وشركات الأدوية وتقنيات المعلومات وشركات المايكروسوفت والهواتف المحمولة والاتصالات والمخابرة عبر الفيديو التي تستخدم للطلبة والاجتماعات الافتراضية مثل زوم وشركات الأفلام من المنازل (نيتفليكس). كذلك ستبرز الشركات في المستقبل بمجال الأبداع والبحث. ما يتعلق بالدول، فأن الصين التي انتصرت على الفيروس بسرعة هي المستفيد الأكبر من هذه الأزمة. ومازالت تنتج معظم السلع المطلوبة في العالم بسعر تنافسي، ولديها صندوق استثماري في السندات الأمريكية والاستثمارات هو الأكبر في العالم.

توقعاتنا، إن تعافي الاقتصاد العالمي سيكون بطيئا ومتذبذبا بين الدول، وستطيل مدة الانكماش إلا إذا أنتهى الفيروس نهائيا. وسيكون الانتعاش جزئيا وغير منتظم في 2021. وهذا ما يعكس بوضوح الضبابية للاقتصاد العالمي في ظل عدم حسم أمر الوباء.

نعم أن الأسوأ قد انتهى. ربما ستتراجع المخاطر بصورة طفيفة، لكن هذا لا يعني انتهاء الأزمة. وبصراحة فأن الاقتصاد العالمي يحتاج إلى معجزة في ضوء السيناريو الحالي، ووقائع الميدان، والفيروسات المتحورة، وأرقام المنظمات الدولية.

المانشيت الرابع: البقاء للتكنولوجيا الرقمية

في عام 2020 سرَّع الوباء تبني العديد من السلوكيات التكنولوجية، من مؤتمرات الفيديو والتسوق عبر الإنترنت إلى العمل عن بُعد والتعلم عن بعد. ففي عام 2021 سيتضح مدى استمرار هذه التغييرات. وتوقع الاقتصاديون والاستشاريون منذ فترة طويلة أن التكنولوجيا ستسحب الوظائف، إلا أن الجائحة سرّعت في تحقق هذه التوقعات. ويحتاج صانعو السياسة في العالم إلى التفكير باستثمار التكنولوجيا الرقمية للتقليل من خسائر الأنسان والاقتصاد.

والتوقع أن تتغير النظرة إلى البنية التحتية للاتصالات في عام 2021 نتيجة للانتشار الواسع لمفهوم (الواقع الممتد) القائم بالأساس على التواصل الحي عن بعد بين المستخدمين، حيث الحرص على تقديم حزم مخصصة للعمل عن بعد ومن المنزل للشركات. وكذلك للمدارس والجامعات. يتم فيها التمييز بين الاستخدام الشخصي واستخدامات العمل، بحيث يمكن لأصحاب العمل تزويد الموظفين بالخدمات المناسبة، مثل الأمن وأدوات التعاون ودعم تكنولوجيا المعلومات.

سيكون 2021 عام انتشار الذكاء الاصطناعي، وأداة مهمة في تفسير وفهم العالم، خاصة أوقات كورونا وانتشار الأمراض والفيروسات الجديدة. حيث سيكون داعما لمؤسسات الرعاية الصحية من خلال تعلمه خوارزميات المعلومات وكيفية إدارة الأزمات.

كما ستستخدمه الشركات في التوظيف وفهم سلوك المستخدمين، وتحليل الكم الهائل من البيانات الضخمة.

بالمقابل ستشهد البشرية روبوتات وطائرات ومركبة مسيرة عند البعد. واعتماد كبير على التكنولوجيا والحوسبة والخدمات السحابية. كما سترتفع مبيعات أدوات وأجهزة الميل الأخير للعمل من المنزل، سواء كانت أجهزة اتصالات، أو خدمات تقنية متنوعة. فيما يزداد استخدام البرمجيات القائمة على (الكود المنخفض) أو عمليات البرمجة الأخف تعقيداً، والأقل حجماً.مع استمرار التعليم عن بعد وتطوير أساليبه وخدماته الرقمية.

ومن بين التوقعات التي جاءت في قائمة الشركات المنتجة، ظهور الأدوات المتطورة للعمل والتعاون عن بعد لفترة طويلة، ومنها على سبيل المثال أجهزة (السبورة البيضاء) المتصلة بالإنترنت وشبكات المعلومات، مثل سبورة (جامب بورد) من شركة غوغل، و(سيرفس هب) من شركة مايكروسوفت، و(فليب) من شركة سامسونغ.

والتوقع أن مبيعات هذه النوعية من المنتجات ستزدهر طوال عام 2021? مدفوعة بإطلاق أجهزة أفضل وأكثر تطوراً من (فيس بوك) و(أبل)على مدار العام وما بعده. وستستمر الشبكات الخاصة الافتراضية (VPN) في المحافظة على مكانتها في عام 2021. وستحتاج الشركات إلى قضاء المزيد من الوقت وبذل المزيد من الجهد في بناء الوعي بوجودها السحابي، وتدريباً إضافياً هاماً على الوعي الأمني.

المانشيت الخامس: التائهون من عرب 2021

أسئلة كثيرة تتبادر إلى الذهن عند تقديم دراسة استشرافية حول مستقبل العرب عام2021 ليس فقط نتيجة انعكاسات الواقع العربي، وما تعيشه الدول من حروب وانقسامات ومحاور وأزمات. أنما نتيجة استمرار كورونا من جهة، ومعالم التوجهات الأمريكية في المنطقة على ضوء المستجدات الجديدة بفوز بايدن حول الاستراتيجيات الأمنية والسياسية للولايات المتحدة الأمريكية، ونظرتها للشرق الأوسط وحروبها وصراعاتها وأوضاعها الداخلية من جهة أخرى.

فالكل متفق على ثوابت السياسة الأمريكية. لكن الاختلاف في أساليب الوصول للهدف الأخير بين الحزب الجمهوري والديمقراطي. كلاهما، على سبيل المثال لا الحصر، لهم هدف مشترك: تقسيم المنطقة العربية، وتشكيل منطقة شرق أوسطية، وتأهيل إسرائيل في المنطقة ودمجها عربيا. وهذا لا يتم إلا بإثارة المشاكل الطائفية والمذهبية والسياسية، وتأهيل القوى الدينية المتطرفة في المجتمعات العربية بهدف أضعاف العرب، لتكريس خارطة جديدة لمنطقة الشرق الأوسط على غرار اتفاقية سايكس بيكو.من اهم التحديات التي تواجه المنطقة هو الإسلام السياسي وتداعياته. وسيبقى الدين المُسيَّس والسياسات المنحرفة قوة أيديولوجية قوية ومتنقلة بين المجتمعات العربية، مقابل تصاعد مقبول للوطنية والوعي الاجتماعي الشامل كقيم مهيمنة على المجتمعات العربية. وهذا يتطلب معالجة الأسباب الجذرية للتعصب وهزيمة التطرف العنيف، والقضاء على قدرته على استدراج الشباب المحرومين أو الحاقدين أو المستضعفين.

بالمقابل هناك استمرار للأحزاب االطائفية التي تمتلك أذرع قوية من المليشيات في الكثير من المجتمعات العربية. وهي قوى فاعلة وصاعدة من غير الدول نفسها أحيانا. وكثير منها تعمل على تقويض سيادة الدولة، وتعطيل أو اغتصاب السلطة الوطنية التابعة للحكومات المركزية. وهذا من شأنه العمل على تآكل الدولة في العالم العربي ويعزز فشلها، كما يعمل على تأجيج الطائفية بين الطوائف العربية المختلفة.

أما التحدي الثاني، فهو الفساد بأنواعه، الإداري والمالي والاقتصادي والأخلاقي وحتى القضائي. فلم يعد ظاهرة عابرة وإنما أصبح مرضاً مزمناً وآفة مستحكمة تعمقت في معظم مفاصل الدولة والمجتمع. وأحياناً ما يكون برعاية متنفذين في بعض الأجهزة الحكومية وخارجها. وترتبط ظاهرة الفساد بشكل مباشر بنظام الحكم.

وبدون شك أصبح الفساد يمثل المعوق الرئيسي لأي محاولة تدفع باتجاه إرساء أسس الدولة. فهو بهذا الفعل التخريبي العام يجعل الدولة مقيدة بالشكل الذي يمكن أصحاب النفوذ الوصول إلى جميع أجهزة الدولة باستعمال كافة الطرق. مما يؤسس جمهوريته النافذة إلى مختلف مؤسسات الدولة، بدءا من الحكومة إلى المؤسسة التشريعية والعدالة، عن طريق إرساء أسس العمل الموازي للأنشطة الاقتصادية، والعمل غير الشرعي في كافة النواحي من أجل تقويض المستهدفات الأساسية للدولة. وهو ما يجري اليوم في العديد من البلدان (ومنها العراق)

ويشكل التحدي الثالث، وهو تنافس القوى العالمية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية والصين وروسيا على المنطقة العربية واتجاهاتها السياسية والاقتصادية. فالعوامل الجيوسياسية لا تزال الاعتبار الأقوى في تحديد مسارات الأحداث العالمية؛ بمعنى أن العوامل المجردة، سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو حتى التطورات التقنية وما تفرضه من معطيات وبيئة جديدة مختلفة، لا تزال بعيدة عن توجيه مسار الأحداث العالمية وحدها. من هنا، فإن استشرافات المستقبل هي بالقدر نفسه استشراف لعقل القوة الأميركية، واستطلاع لأولوياتها، وجسّ لتوجهاتها، وتوقع لخياراتها ومواقفها، وخاصة على المنطقة العربية.

ويحتل الملف الإيراني أولوية خاصة في أحداث المنطقة، باعتبار أن هذا الملف يتشابك مع مجموعة ليست قليلة من الملفات في المنطقة. منها ما هو موضع اهتمام أميركي، ومنها ما هو موضع اهتمام القوى الإقليمية في المنطقة نفسها.فإيران لن تلجأ للعودة إلى المفاوضات مجدداً، إلا في حالة وجود ضغوط داخلية، ولا سيما الضغوط الاقتصادية. وفي هذه الحالة فإنها ستعود من خلال وسيط يرجح أن تؤديه دول أوربية.

إن التدخلات الإيرانية تفاقمت، وليس هناك سبب وجيه للاعتقاد بأنه سيتم التخلي عن هذه الاستراتيجية أو ستصبح أقل تأثيراً، ما لم تعانِ إيران من بعض النكسات الاستراتيجية الخطرة. وقد أظهرت طهران أن لديها القدرة والاستعداد لصنع الأزمات. وستحاول نقل أزماتها إلى المنطقة، وبالذات إلى العراق بهدف التقليل من أزماتها السياسية والاقتصادية. والتحكم على الدول التي تساند سياستها، وامتصاص قدراتها المالية بطرق عديدة، وتحت واجهات وممارسات مختلفة للالتفاف على العقوبات.

ربما سيكون بايدن هو المنقذ الوحيد لبعض أزماتها، ويكون أكثر اعتدالا معها، لكنه لا يستطيع التراجع عن الكثير من قرارات ترامب لأنها بالأصل ضمن الثوايت الأمريكية المؤجلة! ومن المؤمل إضافة نقاط إضافية على الاتفاق النووي بما يتعلق بالصواريخ البالستية وعدم التدخل في شؤون الدول، وهو مطلب أوربي أيضا. وربما ستضاف السعودية والإمارات على مجموعة (الخمس زائد واحد)، لتكون (7زائد واحد).

إيران لن تكون سهلة في التعامل السياسي والدبلوماسي مع الغرب وأمريكا، والعودة إلى طاولة الاجتماعات إلا بالحرب الشاملة معها وشل قدراتها الحربية. ولن يقدر أحد أن يفعلها إلا ترامب قبل خروجه من السلطة. ربما سيفعلها من اجل تمديد فترة رئاسته حسب الدستور الأمريكي، والبقاء مدة أطول في الحكم. أما تطبيع بعض الدول العربية مع إسرائيل فأنها ازمه جديدة تضاف إلى الأزمات الجديدة في المنطقة. وربما نشهد المزيد من هذا التطبيع. والمزيد من التناحرات والمزايدات والتقسيم في المواقف، خاصة مع الفلسطينيين ودول ما تسمى (محور المقاومة). ليصبح التطبيع مشكلة يتم استثمارها في التسقيط السياسي وتفعيل التناحرات وإشعال الحرائق في المنطقة.

عراق الأزمات 2021

لا يحتاج العراق إلى مفكر استراتيجي ليتنبأ بالقادم التعيس. ولا إلى مفكر مالي ليكتشف خطأ السياسة المالية والاقتصادية. فالعراق المأزوم المتأزم فتح أبواب جهنم على نفسه بعد كسر أقفال الدولة من قبل الأحزاب والدولة العميقة، وارتهان القرارات بيد الأجنبي. وأصبح مفتاح باب الدولة ملكا رسميا لسلطة مافيا الفساد. وكما ذهب عام 2020 بأزماته وصراعاته وفساده، فأن عام 2021 لن يكون عام الأحلام الوردية، بل هو عام التعاسة والتقشف للفقراء والغنى للأغنياء.

ستستمر الأزمات المتوالية بقوة. وستبدأ الأزمة المالية تأخذ صيغة خطيرة في الحياة السياسية والمجتمعية. ويتولد منها صراعات سياسية لاستثمارها في الانتخابات القادمة، ليس حرصا على حياة الشعب، وإنما محاولة للعودة إلى السلطة من جديد. بينما تتفاقم حياة المواطن المعيشية، ويزاد الفقر إلى درجة قياسية. هو عام الفقر بامتياز، وعام الأزمات الكبرى.

ستستغل الأحزاب أزمات المال والاقتصاد المنهار في استثمار قوتها المادية لكسب الأصوات، وتزوير الانتخابات. ومع ذلك سنشهد انقسامات وصراعات بينها. بالمقابل سيبقى وجودها مرتبط بمصالح الدول الكبرى والإقليمية التي لا تريد ان ينتهي دورها الا بعد مخطط التقسيم بالرؤية الأمريكية. والسيطرة الكاملة للحفاظ على الامن الايراني بالرؤية الإيرانية. ومن يتحدث خارج هذه الرؤية فأنه متأثر (بحدوتات) الاعلام الأمريكي والغربي، واساليبه في خلط الأوراق والخداع. وكما قلت في أكثر من مرة علينا ان نقرأ الاعلام بالمقــلوب لمعرفة الحقيقة.

وما يقال عن انتهاء (داعش)، فهي نظرية سياسية واهمة وجاهلة في معرفة ما يخطط للعراق، وسيكون عام 2021 عاما المفاجآت لنشاطاته، وسيبقى ورقة لكل القوى بدون استثناء للتحكم بمسارات العملية السياسية للضغط والابتزاز والقتل على الهوية والفساد وتمرير المخططات الشيطانية. وللتذكير فأن داعش كان من صنع أصحاب القرار في عهد الحزب الديمقراطي (أوباما)، ولاحقا استثمر من قبل إيران كورقة سياسية.

الخوف أن تستمر سياسة بايدن في تقوية القوى الدينية الإرهابية واستثمارها في السياسة الخارجية، وزعزعة أمن الدول العربية، والضغط عليها بهدف الابتزاز والضغط. ومن سوء الحظ ماتزال الأيديولوجية (الجهادية) قوية بمختلف أشكالها المتكررة.

اما التحدي الأكبر للعراق هو الفساد، الذي أصبح ثقافة سياسية ومجتمعية. فهي أخطر من الإرهاب. رسخه الاحتلال لأهداف استراتيجية بهدف تدمير العراق اقتصاديا، وتفكيك الحياة المجتمعية وافسادها. فضلا ًعن المنظومة السياسية العراقية الجاهلة والفاسدة التي جلبها الاحتلال بعد عام 2003 وما رسختها من ثقافة فساد عميقة الجذور، مع تقاليد طائفية، وبناء ميليشيات مسلحة، ودولة عميقة تتحكم بمسارات الحكم والعملية السياسية.

باختصار شديد، وبلغة الاستشراف والوقائع على الأرض، فأن عام 2021 سيكون عام الأزمات القوية بين الأحزاب التقليدية. والمزيد من التشطير السياسي الذي سينعكس على حكومة الكاظمي الذي لن يكتب لها النجاح، وربما ستؤدي إلى استقالته أو إقالته مبكرا او تصفيته. خاصة وإنها لم تحقق أهدافها المعلنة في توفير الازدهار للمواطن العراقي. بل إن المؤشرات السياسية والمالية والاقتصادية تؤكد بأن الحالة العراقية بوضعها الحالي، كنظام وعملية سياسية مشلولة ستخلق المزيد من الأزمات الاقتصادية والخدمية، مع بقاء الفساد كثقافة في المنظومة السياسية.

ومن المؤمل ازدياد الضغط الشعبي الداخلي في العراق من قبل الشباب مع ازدياد التآمر عليهم من قبل الأحزاب الدينية عن طريق الاختراق والقتل والترهيب. مادامت ثورة الشباب تصّعد من مطالبها السياسية في تغيير العملية السياسية، وتسجل احتجاجات صاخبة ضد النفوذ الإيراني المتغلغل في البلاد.

المشكلة إن الاحتجاجات الشعبية دون تأطير فكري وسياسي وتنظيمي لا تؤدي إلى تغيير إيجابي في معظم الأحيان لأن النظام السياسي القمعي قادر على وأد أي محاولة للتغيير. كما إن الشعب عموما مازال مرتبطا بفكرة الغيبيات، وفعله محبط بسيكولوجيا الخوف على الطائفة أكثر من الوطن. يكفي أن نعاين ما يحيطنا من تعاسة وشقاء كي نتأكد من دقة التوصيف. شعب يشتكي وغارق بالفقر والمذلة. مختل العلاقة بين القول والفعل. ومع ذلك لا يعيقه التفجيرات وفصول السنة القاسية المتقلبة لزيارة الثائر المصلح ورمز المظلومين بالملايين، ويرفع شعار (هيئات منا الذلة) وهو يعيش ذلة الجوع والظلم والاستبداد، ولايتجرأ بزيارة المنطقة الخضراء لأسقاط من أفقرهم وأذلهم وظلمهم. أنه التنويم المغناطيس الجماعي الذي يجعلهم يتلذذون بأفعال جلاديهم ليناقدوا ويقيّدوا، ويترك سلاسل قيدهم تنغرز عميقا في لحمهم.

بانتظار أمل 2021

تجارب التاريخ والحياة تقول لنا: لابد من الأمل. فالحياة جميلة على الرغم ما تحمله من مآس والآم وكوراث. هي رحلة طويلة يتخللها الكثير من المتعة والملذات والفرح. فالأمل يكبر وتتعاظم الحاجة اليه أكثر كلما كان مشهد الحياة يوحي بالقلق والضياع. هو يتجاوز حدود المنطق والممكن والمعقول لأنه يتعدى مساحة العقل البشري. لذلك لم يختفي الأمل من حياة الأنسان عام 2020 على الرغم من انه عاش كارثة نووية في الأزمات والخوف والفقر والبطالة. ولأنه لديه الأمل فقد كان الكل يعّد الأيام بالدقائق والساعات لكي يجتاز عام النحس كما يقولون.

من المتوقع أيضا أن يكون العام المقبل غير قابل للتنبؤ بشكل خاص بالنسبة للمخاطر والفرص المستقبلية. بالنظر إلى التفاعلات بين الوباء والانتعاش الاقتصادي غير المتكافئ، والجغرافيا السياسية المنقسمة. إن فترة انتباه الناس قصيرة، وصبرهم حتى أقصر … قلة من الناس لديها الوقت للنقاشات التاريخية أو للتفسيرات التحليلية.

نعم علينا أن نحلم ونتحصن بالأمل. لكن علينا أن نجّهز أنفسنا لمانشيتات حمراء كثيرة، وصدمات جديدة وقاسية. لن يكون العالم بعد الكورونا كما كان قبله. ولا ندري ما يخبئه العام الجديد.

ينبغي على الجميع أن يتدرب على فكرة الأمل. ويعتاد على المفاجآت غير السارة. فما من شيء يضمن إن يكون عام 2021 هو الأكثر استقرارا وأمانا!

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق