ولتحديد مفهوم الشغب المعرفي المطلوب، ينبغي التأكيد على وجود منهجين متعارضين، الأول إيجابي والثاني سلبي. فالشغب المعرفي الإيجابي المنتج يتمثل بإثارة الاسئلة الجديدة الجادة، وإن كانت مشاغبة وحادة، وطرح فرضيات غير نهائية، ثم استنتاجات مبدئية غير نمطية، بهدف استفزاز الساحة المعرفية، وإثارتها، ودفعها عنوة باتجاه الحراك السريع...

الحاجة الى الشغب المعرفي أساسية وضرورية لتحريك السكون الفكري الذي يساوي الموت. ولايعني السكون الفكري حالة استقرارٍ فكرية؛ لأن الإستقرار يعبر عن حالة إيجابية، وهو شبيه بالإطمئنان الفكري؛ بل لا يلغي الإستقرار الفكري الحراك في إطاره. أي أن الحراك الفكري الإبداعي التجديدي ممكن في إطار الإستقرار، ولايتعارض مع حالة الإطمئنان. بينما يمثل السكون الفكري حالة سلبية خطيرة، فهو يعني توقف النمو المعرفي، والإصرار على استهلاك المعرفة الموروثة وإعادة تدويرها، برغم تراكم المتغيرات الزمانية وضغوطاتها الشاملة، والتي ينبغي أن يتبعها تحولاً معرفياً متسقاً، بل تحولاً استباقياُ غالباً. أما الأخطر من السكون الفكري البسيط فهو السكون الفكري المركب، أي الجمود في إطار الإطمئنان، والتوقف عند الإستقرار.

والحيلولة دون الموت المعرفي الذي يكمن فيه انهيار الأمم والشعوب وتراجعها قياساً بسرعة حركة الزمن، تستدعي كسر الصمت وتحطيم الجمود، وتحريك الراكد الفكري بطريقة ثورية. وهذه الحالة يمكن تسميتها بالشغب المعرفي.

ولتحديد مفهوم الشغب المعرفي المطلوب، ينبغي التأكيد على وجود منهجين متعارضين، الأول إيجابي والثاني سلبي. فالشغب المعرفي الإيجابي المنتج يتمثل بإثارة الاسئلة الجديدة الجادة، وإن كانت مشاغبة وحادة، وطرح فرضيات غير نهائية، ثم استنتاجات مبدئية غير نمطية، بهدف استفزاز الساحة المعرفية، وإثارتها، ودفعها عنوة باتجاه الحراك السريع المركّز.

هذا الشغب يعني العبث المعرفي الهادف، والفوضى الفكرية المقصودة. ونقول هادفاً ومقصوداً؛ لأنه يدفع من يجد نفسه في دائرة الشغب والعبث والفوضى، جغرافياَ أو معرفياً، وسواء كان مستهدفاً أو مراقباً، يدفعه نحو المراجعة والتفكير والتأمل والبحث والتحقيق، والتنافس المعرفي الوجودي الفكري، لإيجاد الإجابات والردود والتكييفات، وصولاً الى الإنتاج الإبداعي المعرفي الجديد، غير النمطي وغير التقليدي، والذي ينسجم مع متطلبات الزمان والمكان، ويستبق الوقائع.

وهناك شغب معرفي سلبي غير منتج، وهو الشغب الجدلي السوفسطائي، والحفر العشوائي، والأسئلة الإستعراضية الفارغة، والعبث المعرفي غير الهادف. هذا الشغب السلبي يشوش الأذهان والأفكار، ويمزق نسيج المجتمع، ويغيِّب بوصلته الفكرية والعقدية قسراً، ويجعله في حالة تيه على كل الصعد. أي أن الشغب المعرفي السلبي الفوضوي العبثي، لا يحفز الفكر إيجابياً، ولايدفع نحو التأمل والبحث والمراجعة والإنتاج الإبداعي، بل يدفع الى المناكفات والصراعات والعناد والتفكير السلبي وتدوير الموضوعات الجدلية.

وينفتح الشغب المعرفي على كل أنواع المعرفة الإنسانية ومناهجها، بدءاً بالمعارف الدينية والإجتماعية والإنثروبولوجية، وانتهاءً بالمعارف العقلية والتجريبية والتطبيقية. ولاتوجد ثمة مرجعية مطلقة في الحراك المعرفي هنا، سوى النصوص المقدسة والقوانين التجريبية الثابتة.

إن النظريات الرفيعة والاختراعات العظيمة والاكتشافات الكبرى، بدأت غالباً بشغب معرفي إيجابي، ومغامرة هادفة، وحلم يقظة منظم. أي أنها ـ غالباً ـ ليست نتاجات عمل معرفي تقليدي نمطي؛ لأن الأعمال التقليدية تكون نتاجاتها تقليدية أيضاً، وإن كان بعضها مهماً. أما النتاجات الثورية الخالدة فهي بنت الشغب المعرفي الهادف. ويمكن القول أن أوساطنا، بغالبية توصيفاتها، تسيطر عليها حالة الشغب المعرفي السلبي غير المنتج. لذلك؛ نرى ندرة في الإنتاج الإبداعي على كل الصعد، ووفرة في الصراعات والمناكفات والإستعراضات المعرفية السطحية.

الحاجة الى الشغب المعرفي أساسية وضرورية لتحريك السكون الفكري الذي يساوي الموت. ولايعني السكون الفكري حالة استقرارٍ فكرية؛ لأن الإستقرار يعبر عن حالة إيجابية، وهو شبيه بالإطمئنان الفكري؛ بل لا يلغي الإستقرار الفكري الحراك في إطاره. أي أن الحراك الفكري الإبداعي التجديدي ممكن في إطار الإستقرار، ولايتعارض مع حالة الإطمئنان. بينما يمثل السكون الفكري حالة سلبية خطيرة، فهو يعني توقف النمو المعرفي، والإصرار على استهلاك المعرفة الموروثة وإعادة تدويرها، برغم تراكم المتغيرات الزمانية وضغوطاتها الشاملة، والتي ينبغي أن يتبعها تحولاً معرفياً متسقاً، بل تحولاً استباقياُ غالباً.

أما الأخطر من السكون الفكري البسيط فهو السكون الفكري المركب، أي الجمود في إطار حالة إستقرار متخيّلة، سواء كان جموداً بدافع تخيّل وجود مصلحة عليا في الجمود، أو جموداً بدافع تخيّل حصول استقرار حقيقي؛ بينما هو استقرار زائف ومضر. وعند هذا اللون المركب من السكون الفكري يكمن تحديداً الموت المعرفي للأمم والشعوب.

وللحيلولة دون الموت المعرفي الذي يتسبب في انهيار الأمم والشعوب وتراجعها قياساً بسرعة حركة الزمن؛ ينبغي كسر الصمت وتحطيم الجمود، وتحريك الراكد الفكري بطريقة ثورية. وهذه الحالة يمكن تسميتها بــ ((الشغب المعرفي))، والذي ينفتح على كل أنواع المعرفة الإنسانية ومناهجها، بدءاً بالمعارف الدينية والإجتماعية والإنثروبولوجية، وانتهاءً بالمعارف العقلية والتجريبية والتطبيقية.

ولتحديد مفهوم الشغب المعرفي المطلوب، ينبغي التأكيد على وجود منهجين متعارضين إيجابي وسلبي من الشغب المعرفي:

الأول: الشغب المعرفي الإيجابي المنتج، الذي يتمثل في إثارة الاسئلة المشاغبة غير المألوفة الجادة، وإن كانت بمنهجية صادمة حادة، وطرح فرضيات غير نهائية، ثم استنتاجات مبدئية غير نمطية، بهدف استفزاز الساحة المعرفية، وإثارتها، ودفعها عنوة باتجاه الحراك السريع المركّز؛ سواء دفاعاً عن نفسها أو محاولةً لمعرفة ماهية الأسئلة واستنطاقها أو إعجاباً وتماهياً وانبهاراً.

هذا الشغب الإيجابي يعني العبث المعرفي الهادف العميق، والفوضى الفكرية المقصودة. ونقول هادفاً ومقصوداً؛ لأنه يدفع من يجد نفسه حاضراً في دائرة الشغب والعبث والفوضى، سواء كان حضوراً جغرافيّاَ أو حضوراً معرفيّاً؛ يدفعه نحو المراجعة والتفكير والتأمل والبحث والتحقيق، والتنافس المعرفي الوجودي الفكري، لإيجاد الإجابات والردود والتكييفات، وصولاً الى الإنتاج الإبداعي المعرفي الجديد، غير النمطي وغير التقليدي، والذي ينسجم مع متطلبات الزمان والمكان، ويستبق الوقائع. وبالتالي؛ فإن من يقوم بهذا الدور؛ إنما يدفع عن وجوده وفكره ومعتقده أعراض التقهقر والإنحطاط والموت.

الثاني: الشغب المعرفي السلبي غير المنتج، وهو الشغب الجدلي السوفسطائي، والحفر العشوائي، والأسئلة الإستعراضية الفارغة، والعبث المعرفي غير الهادف. هذا الشغب السلبي يشوش الأذهان والأفكار، ويمزق نسيج المجتمع، ويغيِّب بوصلته الفكرية والعقدية قسراً، ويجعله في حالة تيه على كل الصعد. أي أن الشغب المعرفي السلبي الفوضوي العبثي، لا يحفز الفكر تحفيزاً إيجابياً، ولايدفع نحو التأمل والبحث والمراجعة والإنتاج الإبداعي؛ بل يدفع باتجاه المناكفات والصراعات والعناد والتفكير السلبي وتدوير الموضوعات الجدلية. وهو مايعني أن الشغب المعرفي السلبي يعجل من انحطاط الشعوب وموتها معرفياً.

وبالتالي؛ فإن وجود المنهجين السلبي والإيجابي في معادلة الشغب الفكري؛ يؤكد أن الشغب الفكري سيف ذو حدين؛ فهو أما يساهم في إعادة الحياة للأمم ويرفعها، أو يساهم في تخلّفها دمارها. ولذلك ينبغي التأكيد على اشتراط الحكمة والدقة الفائقة والتخصص ووعي متطلبات الزمان والمكان عند ممارسة الشغب الفكري.

إن النظريات الرفيعة والاختراعات العظيمة والاكتشافات الكبرى، بدأت غالباً بشغب معرفي إيجابي، ومغامرة ثورية معرفية هادفة، وحلم يقظة منظم. أي أنها ــ غالباً ــ ليست نتاجات عمل معرفي تقليدي نمطي؛ لأن الأعمال التقليدية تكون نتاجاتها تقليدية أيضاً، وإن كان بعضها نتاجاً مهماً. أما النتاجات الثورية الخالدة فهي بنت الشغب المعرفي الهادف.

ويمكن القول أن الأوساط الإسلامية، بغالبية توصيفاتها، تسيطر عليها حالة السكون المعرفي أو الشغب المعرفي السلبي غير المنتج. فهي ــ مثلاً ــ في خطاب النهضة والتنمية والحكم؛ أما أنها تحاول تجاوز مرجعية الدين وثوابته، في محاولة عبثية للتشبه بالخارجي المتفوق المهيمن، وإما تغلق أبواب القراءات والإجتهادات النهضوية التنموية، بدعوى التمسك بالثوابت. لذلك؛ نرى ندرةً في الإنتاج الإبداعي في هذه الاوساط على كل الصعد، ووفرة في الصراعات والمناكفات والإستعراضات المعرفية السطحية. ولاتوجد ثمة مرجعية مطلقة في الحراك المعرفي هنا، سوى النصوص المقدسة والقوانين التجريبية الثابتة. وهذا يعني أن الشغب المعرفي حتى في وجهه الإيجابي ينبغي أن لا يتجاوز المقدس والثابت الديني.

والحديث عن المرجعية المعيارية أو الإطار المصدري الذي يتحرك الشغب المعرفي في أجوائه، يقود الى الحديث عن الأهمية الوجودية الستراتيجية للمصدرية المعرفية، ولاسيما في مجالات الفلسفة الكونية والفكر الإنساني والإجتماعي. فمما لاشك فيه أن جميع المذاهب الفكرية الأساسية في العالم لها مرجعية معيارية تمثل القواعد العامة التي يستند اليها المذهب ومحدداته الفكرية ومصادر معرفته الحاكمة.

لكن؛ الملفت للنظر أن المذاهب والفلسفات الفكرية والإجتماعية الوضعية، وفي مقدمتها الليبرالية والديمقراطية والعقلانية، تمارس نفاقاً فكرياً ناعماً؛ فهي تزعم أنها متحررة من أية مرجعية معيارية، وتطالب أتباع الدين بالتحرر أيضاً من مرجعياتهم وثوابتهم ومصادرهم أسوة بها، واحتراماً لقدرات العقل البشري وضرورة إطلاقه دون أية قيود وقبليات. وفي الوقت نفسه فإن هذه المذاهب الوضعية التي تدعي أنها حرة وغير ايديولوجية في مساراتها النظرية ومخرجات حراكها؛ تخضع لأكثر المرجعيات المعيارية ضغطاً وتعسفاً؛ بل أن مرجعيات الليبرالية ـ مثلاً ـ في الفكر الاقتصادي والفكر السياسي والفكر الاجتماعي، باتت آلهة مقدسة معصومة تفتك وتقمع وتقصي وتمارس أبشع صنوف الإرهاب ضد من يخالفها في الفكر والممارسة، برغم أنها أفكار بشرية. وهو أبشع ألوان النفاق الفكري والتناقض في البنى المؤسِسة، إذ تبقى مقولات حرية الفكر وديمقراطية الرأي التي تتبجح بها؛ مجرد ورقة توت تتستر بها؛ لكنها تسقط في كل اختبار.

أما الدين فإن مرجعيته المعيارية السماوية بديهية، ولولاها لما كان الدين ديناً، ولأصبح اسمه شيئا آخر، كما حصل مع كثير من الانشقاقات عن الأصول الدينية، والتي تحولت بالتدريج الى مذاهب فكرية وضعية لا علاقة لها بفلسفة الدين ومعايير تعريفه. لذلك لا معنى للدين بدون مرجعية معيارية ثابتة، ولا صحة لمزاعم المذاهب الوضعية البشرية بأنها متحررة من كل أنواع المرجعيات المعيارية.

بل أن المذاهب الوضعية نفسها، إذا تجاوزت مرجعياتها المعيارية؛ فإنها ستتبخر وجودياً. نعم هي متحررة في قراءة مصادرها وتفسيرها لهذه المصادر، وفي إصلاح فكرها وتجديده؛ لكنها ليست حرة في تجاوز مرجعياتها. وبالتالي يتكرس نفاق المذاهب الوضعية ومفكريها وساستها حين يطالبون أتباع الدين بالتحرر من مرجعيتهم وتجاوز ثوابتهم. ولكن؛ في الوقت نفسه تتمسك هذه المذاهب بمرجعياتها وثوابتها، ومستعدة لشن أشرس الحروب الفكرية والدعائية ضد أية قراءة واجتهاد يتجاوزان الثوابت، وإن كان اجتهاداً من الداخل الفكري.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق