هل ستتحقّق أحلامنا القديمةِ جدّاً، والمُتجدِّدة أبداً في المستقبل القريب، بل وحتّى البعيد؟ ربّما، ولكن الظروف الموضوعية غير متوفرّة لتحقّقها الآن، لاحِظوا تواضع قدرات روسيا والصين (الاقتصادية والعسكرية بل وحتّى السياسية) التي جسّدتها، وعكستها بوضوح، الحرب الروسيّة الأوكرانيّة، أتمنى مثلكم سقوط الإمبريالية الأمريكيّة، وحلفائها على امتداد العالم، وبأقربِ وأسرع وقتٍ ممكن...

هل نحنُ على أعتاب نظام دولي- مالي- نقدي- جديد؟ هذا احتمالٌ وارد.. ولكنّهُ غيرُ قابلٍ للتحقّقِ الآن.

لا توجد (إلى الآن) عملة تسويات دولية مقبولة، وكافية، ومُعزّزة بقوة اقتصاديّة، وسياسية وعسكرية هائلة، غير الدولار الأمريكي، ولا توجد دولة قادرة على "زعامة" العالم، غير الولايات المتّحدة الأمريكيّة، الراعية والداعمة لأذرع اقتصادية وعسكريّة كبيرة (وحليفة ثابتة لها) يُجسِّدها حلف الناتو.. إضافةً لدول "حواشي" تابعة أخرى عديدة على امتداد العالم.

كل حديث عدا ذلك هو حديث سياسة، وإعلام، وأحلام و"أُمنيات" سعيدة، وليس حديث اقتصاد.. ولا حتّى حديث سياسة (بمعنى "السياسة" العلمي، وليس بمعناها التهريجي السائد الآن).

منذ بدأتُ بدراسة الاقتصاد قبل خمسين عاماً، وأنا أقرأ، وأُصغي لـهذيانات و"ابتهالات" كهذه.. وها أنذا قد تجاوزتُ السبعين، ولم يُصغِ لها أحد، ولم يستَجِب لها أحد.. ولم يتحقّق منها شيء، ولا شيء (أيّ شيء) على أرض الواقع، إلى الآن.

أستطيعُ أن أكتبَ لكم مئات القصائد، وآلاف الأناشيد الثورية حول ذلك.. ولكنّ الواقع شيءٌ آخر، لاصلة له بـ "عقائدنا"، وتراثنا، وقيمنا، وعقائدنا المضادة "جينيّاً" للإمبرياليّة الأمريكيّة، ولحلف الناتو، وللاتّحاد الأوروبي "العجوز".

إسألوا وليد حسين، وفلاح بلال، وغالي الخزعلي.. اسألوهم فكلّهم هنا، معنا الآن.. وهم الذين "حقنوني بـ "مُمكنات" الثورة العمّالية، والشروط الموضوعيّة للزوال الحتمي للرأسمالية، وبالقدرات الخارقة للأنظمة "الجيفارية - الكاسترويّة" على إحداث التغيير المطلوب بأبسط الوسائل وأقلّها كُلفة، وأكثرها قدرة على إلحاق الهزيمةِ بـ "الأعداء".. وهُم الذين أرضعوني كلّ ذلك يومها بـالأنابيب، وليس بالرضّاعات فقط.. لينتهي المطاف بنا جميعاً، للعيشِ بمرارةٍ (فاقت كُلّ مرارات عيشنا السابقة)، تحت خيمةِ "نظام سياسيّ" بائس، نعيشُ تحت ظلّ اشتراطاتهِ المُذِلّةِ الآن.

قبل خمسين عاماً دخلتُ في جدالٍ "جيفاريٍّ- تروتسكيٍّ" حادّ مع أستاذ مادة الجغرافية الاقتصادية الراحل الأستاذ الدكتور خطّاب صكّار العاني، دافعتُ فيهِ عن إيماني "المطلق" بقدرة حلف "وارشو" على البقاء إلى الأبد، وقيادته لـ "الثورة الدائمة" ضدّ "الفاشيّات الوطنيّة"، وتغيير العالم "الرأسمالي" البغيض، إلى عالم "اشتراكي" سعيد.. وفي "القريب العاجل"، وبأسرع وتيرة ممكنة.

أخبرني الأستاذُ الراحلُ بهدوء، أنّني واهم، وأستعرَضَ لي الأسبابَ الموضوعيّة التي تُسوِّغُ لي (وتدحَضُ أيضاً) أوهامي بالتفصيل.. فعارضتهُ بفظاظة.. وانتهت "ملحمتي" الثوريّة تلك (بتحريضٍ مُباشر من "عصابة الثلاثة" المُشار إليهم في أعلاه) بطردي من "القاعة" على الفور.. بينما بقي هؤلاء الثوّار "الثلاثة" داخل القاعة، وأكمَلوا "الدرس".

بعد أقلّ من عشرين عاماً على "مُناظرتي" الراديكاليّةِ تلك، ماتَ حلف وارشو (الذي كان مجرّد ذراع عسكري وسياسي للإمبرياليّة السوفياتيّة السابقة) غير مأسوفٍ عليه.. وأصبحت وارشو "قلعة" رأسماليّة صاعِدة، بينما ما زال حلف الناتو يتنفّس ويعيش (بدعم أمريكي - امبريالي مُطلَق) إلى هذه اللحظة.. بل ويُحارِبُ بضراوة كُلاًّ من العقيد "مُعَمّر القذّافي"، والجنرال "سيرجي شويغو"، و"القوى العالمية الجديدة الصاعدة" على حدٍّ سواء.. ويُكبِّدُ "الأعداء" خسائر ثقيلة (على مختلف الجبهات)، ويُلحِقُ بهم جميعاً هزائم فادحة.

هل ستتحقّق أحلامنا القديمةِ جدّاً، و"المُتجدِّدة" أبداً في المستقبل القريب، بل وحتّى البعيد؟

ربّما.

ولكن الظروف الموضوعية غير متوفرّة لتحقّقها الآن.

لاحِظوا تواضع قدرات روسيا والصين (الاقتصادية والعسكرية.. بل وحتّى السياسية) التي جسّدتها، وعكستها بوضوح، الحرب الروسيّة الأوكرانيّة.

أتمنى مثلكم "سقوط" الإمبريالية الأمريكيّة، وحلفائها على امتداد العالم، وبأقربِ وأسرع وقتٍ ممكن..

ولكنّني أتمنى في الوقت ذاته أن تكون "حماوتكم" الثوريّة في حدود مُعدّلاتها المقبولة والمنطقيّة، لكي لا "ينفَجر "مُحرِّكَ" سيّارات "التغيير" لديكم، قبل أن تقطع هذه "السيّارات" متراً واحداً في طريقها الطويل، نحو "الفراديس" الإمبرياليّة البديلة.

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق