العسكر لديهم مفهوم للتعامل مع الحياة اليومية، وحتى المستقبلية معاكس للمفهوم الذي يتعامل به المدنيون، وبينما يكونوا أكثر طاعة للأوامر العسكرية وأكثر انضباطا لكنهم أكثر تمردا عندما تنفلت الأمور، وتصبح بيدهم مقاليد السلطة وإدارة الحكم، فالثقافة والبناء العسكري لشخصياتهم يجعلهم في الوقت الذي يطيعون طاعة عمياء لقياداتهم...

دوما يحذر الذين يتحلون بالوعي السياسي والرؤية المستقبلية الصائبة من خطورة حكم العسكر للدول، مثلما هي صورة الحكم العسكري في السودان منذ سنوات ما بعد إسقاط حكم الرئيس السابق عمر حسن البشير جراء انتفاضة شعبية في نيسان 2019 تعد من بقايا شرارة الخريف العربي الذي أبتدأ في نهاية 2011 بتونس.

فالعسكر لديهم مفهوم للتعامل مع الحياة اليومية، وحتى المستقبلية معاكس للمفهوم الذي يتعامل به المدنيون، وبينما يكونوا أكثر طاعة للأوامر العسكرية وأكثر انضباطا لكنهم أكثر تمردا عندما تنفلت الأمور، وتصبح بيدهم مقاليد السلطة وإدارة الحكم.

فالثقافة والبناء العسكري لشخصياتهم يجعلهم في الوقت الذي يطيعون طاعة عمياء لقياداتهم، لكنهم يصبحون أكثر تمسكا وعنفا حيال من يواجههم ويعاديهم، حتى من صنفهم العسكري، فهم يصلحون في نظام حكم يتمتع بقيادة مدنية قوية تفوق سلطتهم العسكرية لكي تجعلهم ضمن الواجبات العسكرية المكلفين بها بعيدين كل البعد عن السياسة.

إذ أنهم بالقدر الذي يفقهون فيه بالسوق العسكري من حيث الخطط وإدارة الميدان، وكذلك يحسنون الضبط ضمن البروتوكول العسكري، لكنهم ضعفاء لا يفقهون شيئا في السياسة والاقتصاد والتنمية، فالبندقية لا تبني مدرسة ولا مستشفى ولا محطات ماء و كهرباء، وحكم العسكر للبلدان يعني "حكم البندقية" والشعوب التي تحكمها البندقية أنما هي شعوب اختطف منها قرار الرأي والحكم الرشيد، وأصبحت تعيش وضع الطوارئ الذي يتهدد فيه السلم المجتمعي في أية لحظة، وان للعسكر دور في حماية الدول وشعوبها، وليس حكم الدول، فدورهم يكون حاضرا في ظروف الحروب والطوارئ يدافع الجيش فيه عن السيادة والاستقرار، بشرط أن يكون في ظل حكم مدني تسود فيه سلطة القانون والدستور.

كما انه ليس بالضرورة ان نحصر مفهوم انتهاك السيادة والاستقلال لأي بلد بواقع الاحتلال والغزو الخارجي، على صيفة الغزو الأميركي البريطاني للعراق مطلع 2003، فهناك بلدان لا تخضع لواقع الاحتلال والغزو، بينما سيادتها منتهكة بحكم تواطؤ قادتها وارتباطهم بأجندات خارجية، وهذا الشطر الأخير يتحكم بالوضع السوداني لأطراف حكم عسكري بالوقت الحاضر، وصفه الحقيقي "حكم الجهلة" الذين ارتبطوا بأجندات خارجية غذت آلة الحرب التي يحسنون استخدامها، فاختلفوا فيما بينهم ودمروا عبر أيام من الحرب الداخلية العاصمة الخرطوم، وقتلوا شعبهم، ونسفوا كل أمل في عقول الشعب السوداني الرائع. إذ يقول أبن خلدون أن ظلم الأفراد بعضهم بعضا يمكن رده بالشرع، أما ظلم السلطان فهو أشمل، وغير مقدور على رده وهو المؤذن بالخراب.

وتبدو الفرضية الحاضرة، بأن الأطراف الخارجية " صناع الأزمات والحروب الكونية" أرادت ان تفتح جبهة حرب جديدة في جغرافية خارجية، ولتكن هذه المرة في المنطقة الرخوة (السودان) من القرن الأفريقي في محاولة لتحويل الأنظار عن الحرب الأوروبية بين روسيا وأوكرانيا، وربما هناك فرضية أخرى تقود الى أن جهل قادة الحكم العسكري بالسودان، لطالما أطالوا تمسكهم بحكم دولة ليسوا بقدر إدارتها، وتحولوا الى مدراء شركات تدير مناجم الذهب والسلاح والتجارة، دون أن يخطر ببالهم أنهم وقعوا في فخ الارتباط بقرارات دول خارجية تحركهم مثل الدمى، وتدفع بهم نحو الخلاف، وتكون الحرب هي خيارهم لحرق البلاد، وهنا يحضرني قول افلاطون قبل 2400 عام، "أن الجهل أساس كل الشرور".

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق