لا يختلف اثنان في إدانة ومحاربة الانحطاط في اي خطاب يعمد إلى نشر كل ما هو سلبي والتلاعب بمقدرات وقيم ووعي المجتمع.. بدعوى أن الجمهور يريد أن يتمتع ويتسلى، في ظل ظروف اقتصادية وامنية وتربوية وصحية واجتماعية متدهورة، كما لا يختلف أحد على اصدار قوانين تحفظ للمجتمع قيمه وكرامته وعزة نفسه؛ لكنهم يختلفون في...

لا يختلف اثنان في إدانة ومحاربة الانحطاط في اي خطاب يعمد إلى نشر كل ما هو سلبي والتلاعب بمقدرات وقيم ووعي المجتمع.. بدعوى أن الجمهور يريد أن يتمتع ويتسلى، في ظل ظروف اقتصادية وامنية وتربوية وصحية واجتماعية متدهورة.

كما لا يختلف أحد على اصدار قوانين تحفظ للمجتمع قيمه وكرامته وعزة نفسه؛ لكنهم يختلفون بكل تأكيد عندما يتعلق الامر بإدانة وتجريم المحتوى الرقمي والاعلامي تحديدا، ذلك ان هذا المحتوى قد يتوجه إلى تكميم الأفواه وحجب الرأي الآخر، والإبقاء على مشهد أحادي فقط، ازاء كل من يخرج عنه ليقع تحت طائلة قانون تعسفي يحمل معه الكثير من الاجتهادات والتأويلات والمسوغات.

في حين يتغاضى القانون عن سلوك يتعلق بالفساد الاداري والمالي، حتى اصبح من لا يرتشي شاذا وخارجا عن القاعدة، ومن لا يدفع الرشى هو الاخر انسان بخيل ولا يحب الا نفسه، وانه مغفل وبعيد عن الواقع الراهن.

المحتوى الهابط، متوفر ومشاع وممتد يوما بعد اخر، حتى عد من يقع ضمن هذه الدائرة لا ينتمي إلى هذا الكلام الزائف، والذي يعد كل ما هو رذيلة ومنحط جزءا من واقع شجاع وجريء، وسواه معقد وفائض عن الحاجة، ويتمسك بأهداب الحق والفضيلة والعدل.

الهبوط.. لم يعد في خطاب رقمي قد يأخذ صورة من الانهيار الاجتماعي الذي لا ندينه فحسب وانما نبحث عن حقيقة صورته في الواقع المنظوري.

الهبوط.. مرآة لواقع مترد وفرع من كل، من ظاهرة اكبر واوسع مدى واكثر وطأ على حياة الناس من دون ادانة ومن دون حساب.

واذا ما كشفت جريمة ما وتمت مواجهتها بالحقائق والوثائق و(الملفات التي يجري الحديث عنها كثيرا)، فإن مال ما يكشف يقع في مسلسل اخر يتعلق بالهروب أو الاعفاء بسبب الشيخوخة أو المركز السياسي أو الاجتماعي أو العشائري.

الانحطاط في محتواه الاصلي، بتنا نشهده ونعيشه ونبتلى في بلواه كل يوم ولا حاجة لأي منا إلى شاهد أو دليل.

قصور عامرة وسيارات فارهة، وحتى طائرات شخصية ونعم بوسع ما لا يتسع.. أصحابها كانوا بالامس جديرين بالرأفة والمساعدة.. كانوا في قاع المدينة، فإذا هم بين ليلة وقبل ان نتبين ضحاها؛ نجدهم في ما لا نصدق عقولنا ولا عيوننا في كل ما نشهد.. وما لم نشهده اكثر بكثير.. وليس هناك اكثر من يفعل قانون (من أين لك هذا؟)

وعندما نتحدث عن الحال من الانحطاط؛ نقع في محظور يتعلق بـ(المحتوى المنحط)، فهل هناك انحطاط اكثر مما نرى ونعيش ونفهم و.. ونتألم حسرة ونموت كمدا؟ بشر يموتون من تخمة ومن ثراء فاحش، بينما يعاني سواهم من فاقة تفوق كل ما مررنا عليه من ازمنة مرة.. لماذا لا ندعو إلى قانون (ينظم) المحتوى، في وقت لا ننظم فيه واقعا اجتماعيا وامنيا وتربويا يتسع فيه الانحطاط كل يوم؟ لماذا لا نعترف أننا عاجزون عن محاربة: الفقر والمرض والامية والبطالة والامن والتربية..؟ لماذا لا نعترف أن ما يجري امام انظارنا، فاسد على كل المستويات، وليس بوسعنا فتح مستوى واحد يعالج ويشفي وينفع يوم لا ينفع مال ولا عشيرة ولا انتماء..؟ بنا حاجة ماسة واساسية إلى اعادة بناء الانسان العراقي، بناء محكما جديدا، نعيد اليه قيمه، التي كانت تميزه عن سواه من المجتمعات التي تعيش حالات فردية مجردة.

وهذا يعني أن توجد علاقة حميمية بين افراد المجتمع ذاته، وبين من يرعى شؤونه ويفترض أن يعنى بأحواله وممتلكاته.. أن نبني علاقة صميمية بين قوانين تحقق له الرفاهية والحقوق الانسانية حتى يستجيب لها.. ذلك انه لا يمكن للمرء أن يعيش بلا ماء نقي ولا رغيف خبز ولاعافية ولا ضوء واقع مرير، ونريد منه أن يتحدث عن محتوى سليم لا يتناقض مع (اولي الامر)، الذين يريدون كل شيء لهم، من دون أن يقدموا أي شيء للآخرين.

هل هذا انصاف.. هل هذه مروءة..؟ ومع ذلك يتم البحث عن سبل لإدانة من يدين كل ما هو سلبي في هذا الحاضر، الذي لا تحضر فيه هذه السلبيات القاتلة، في حين تحظر عليه الرفاهية المطلقة.. أهذا انصاف يا من تطالبون بتكميم الحواس كلها؟

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق