هناك تنازع بين السلطة والمثقف على المجتمع، السلطة تخاطب المجتمع بخطاب غرائزي (الامن–الغذاء–العيش)، بينما وظيفة المثقف ان يخاطب المجتمع بخطاب العقل والتفكير والتدبر والتأمل والنقد، وهذا الصراع بين السلطة والمثقف على المجتمع مستمر وغالبا تتغلب السلطة على المثقف، لان المثقف تأثيره بطيء وتراكمي ويحتاج الوقت الكثير...

من هو المثقف؟ هل هو المفكر أم الأكاديمي أم رجل الدين؟

المثقف هو من يتحمل مسؤولية والتأثير الإيجابي على الناس، ومن يملك إمكانية تغيير حياة الآخرين وواقعهم، مثل المعلم، الذي يقوم بدور تربوي مسؤول من خلال تغيير ثقافة انسان معين ونقله الى مرحلة أخرى أكثر تقدما في حياته.

فالمثقف هو الذي يملك رسالة تؤدي الى تغيير حياة انسان، عبر صناعة الأثر الصحي في شخصيته من خلال آليات المعرفة ومناهجها، فالمعرفة هي أساس التغيير الجيد لدى الانسان.

الفهم المعاصر

من ضمن الأساسيات التي يجب أن نراها في المثقف هي الوعي التاريخي، ليس فقط كمعلومات بل كعبرة يستفيد منها الانسان ونقل تجارب الآخرين الناجحة الى مجتمعه.

كما يجب ان يتمتع المثقف بالفهم المعاصر، والقدرة على استيعاب الأمور التي تدور حوله وإدراك مداليلها، هناك الكثير ممن يدّعون الثقافة نجدهم لا يفهم ماذا يجري من حوله، ولا يستوعب حركة التاريخ أو ديناميكيات المجتمع، او فهم جوهر الصراعات السياسية محليا ودوليا، وكيف تتأثر وتترابط هذه المؤثرات مع بعضها، بحيث يكون المثقف قادرا على تفكيكها في محاولة لفهم تعقيداتها وعدم الوقوع في فخ التبسيطات الساذجة.

استقلال المثقف

المثقف هو من يكون مستقلاً، سواء كان مستقلا عن السلطة او مستقلا مالياً، لكن بلا نزعة ذاتية، والتي قد تتحول بمرور الوقت الى نرجسية تلتبسها الاوهام، تعزز لديه الشعور بالفوقية والنخبوية وأنه مثقف استثنائي.

المثقف يجب ان يتوفر لديه استقرار نفسي وان لا يكون لاعناً وساباً للمجتمع وهذا النوع من المثقفين بالأساس ليس مثقفاً، بل المثقف الحقيقي هو من يكون فاعلا ومؤثرا وايجابيا كما طرحنا في نموذج المعلم الناجح، وعدم الركون لثقافة الإحباط واليأس والانهزام النفسي نتيجة للواقع المتخلف.

المثقف المستلب

وان لايكون المثقف خانعا للاستلاب أمام المنجز الغربي في جميع المجالات الفكرية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية وهذا هو أحد مشاكل وازمات الثقافة العربية والإسلامية.

دور المثقف هو إصلاحي بناء للمجتمع لا تهديمي، معتمداً على العلم والمعرفة لا على المزاجيات والاهواء والعواطف التي تستهدف تفكيك الثوابت وتحطيم الماضي من اجل تغيير الحاضر، بالاعتماد على نسبويات تقود التغيير نحو انتاج المزيد من التخلف.

المثقف هو المنتج للثقافة وليس مستهلكا لها فحسب، وعن الامام علي (ع): (يَا كُمَيْلَ بْنَ زِيَادٍ: إِنَّ هَذِهِ الْقُلُوبَ أَوْعِيَةٌ فَخَيْرُهَا أَوْعَاهَا فَاحْفَظْ عَنِّي مَا أَقُولُ لَكَ النَّاسُ، ثَلَاثَةٌ فَعَالِمٌ رَبَّانِيٌّ وَمُتَعَلِّمٌ عَلَى سَبِيلِ نَجَاةٍ وَهَمَجٌ رَعَاعٌ أَتْبَاعُ كُلِّ نَاعِقٍ يَمِيلُونَ مَعَ كُلِّ رِيحٍ)، والعالم الرباني هو من يصنع التأثير والمعرفة والثقافة في مجتمعه ولذلك لا توجد ثقافة مأزومة بل هناك مثقف مأزوم، وهو من يقرر ان يكون تابعا للسلطة الفاسدة مثلا من عدمها لا العكس.

الخطاب الغرائزي

هناك تنازع بين السلطة والمثقف على المجتمع، السلطة تخاطب المجتمع بخطاب غرائزي (الامن–الغذاء–العيش)، بينما وظيفة المثقف ان يخاطب المجتمع بخطاب العقل والتفكير والتدبر والتأمل والنقد، وهذا الصراع بين السلطة والمثقف على المجتمع مستمر وغالبا تتغلب السلطة على المثقف، لان المثقف تأثيره بطيء وتراكمي ويحتاج الوقت الكثير لكي يتحول تأثيره الى ثقافة مترسخة وسلوك اجتماعي عام. واذا استسلم المثقف لضغوط السلطة واليأس من عدم استجابة الكثير من المجتمع لأفكاره فعندها سيكون قد خرج من وظيفته الأساسية التي وجد من اجلها.

* مداخلة (بتصرف) مقدمة الى الجلسة الحوارية التي عقدها مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث في ملتقى النبأ الاسبوعي تحت عنوان (المثقف ودوره في التغيير الاجتماعي.. مكافحة الاستبداد طريقا)

اضف تعليق


التعليقات

محمد علي
اقرأ في بداية المقال: المثقف هو من يمتلك الامكانية على تغيير الآخرين.
وفي الفقرة التالية اقرأ: المثقف هو الذي يملك رسالة تؤدي الى تغيير حياة انسان. فهل التغيير يأتي من المثقف وامكاناته، أم من الناس وتفاعلهم مع رسالة المثقف؟ تحياتي2023-07-12