q
اقتصاد - مقالات اقتصادية

حروب إعانات الدعم

الدعم هو تحويل الموارد من حكومة إلى كيان محلي دونما مساهمة معادلة في المقابل. ويمكن أن يتخذ أشكالا كثيرة، من بينها المنح المباشرة للشركات المحلية، أو الحوافز الضريبية، أو شروط التمويل الميسرة. وتلجأ الحكومات إلى استخدام الدعم لعدة أسباب، وتتحدد شروطه حسب الهدف الذي تأمل الحكومة في تحقيقه...
بقلم: إليزابيث فان هيوفلين

لا تزال زيادة الدعم التي تلجأ إليها بعض أكبر اقتصادات العالم تساهم في ما تشهده التوترات التجارية العالمية من زيادة كبيرة. فأنواع الدعم الجديدة، والرسوم التعويضية، والتشريعات على غرار قانون خفض التضخم في الولايات المتحدة الأمريكية، وخطة الصفقة الخضراء الصناعية في الاتحاد الأوروبي، واستراتيجية صنع في الصين 2025 أثارت كلها مخاوف بشأن احتمال نشوب حروب الدعم - أي المنافسة في مجال الدعم التي تؤدي إلى سباق نحو القاع.

وقد تزايد هذا القلق بسبب ما أدت إليه عمليات الدعم التي نفذها تكتل تجاري رئيسي من دفع تكتلات أخرى إلى تنفيذ عمليات دعم خاصة بها في غضون ما لا يزيد على ستة أشهر. ولنزع فتيل هذه الديناميكيات التي تدعو إلى القلق والتخفيف من آثارها، من المهم تفهم المخاوف والأهداف التي تكمن وراء هذه الإجراءات. فما الذي يدفع الحكومات إلى دعم اقتصاداتها المحلية؟ وما المشكلات التي يمكن أن يسببها هذا الدعم؟ وما الذي يمكن فعله لمنع حرب شاملة في مجال الدعم؟

لماذا تقدم الحكومات الدعم؟

الدعم هو تحويل الموارد من حكومة إلى كيان محلي دونما مساهمة معادلة في المقابل. ويمكن أن يتخذ أشكالا كثيرة، من بينها المنح المباشرة للشركات المحلية، أو الحوافز الضريبية، أو شروط التمويل الميسرة. وتلجأ الحكومات إلى استخدام الدعم لعدة أسباب، وتتحدد شروطه حسب الهدف الذي تأمل الحكومة في تحقيقه.

قد ترغب الحكومات في تحقيق هدف استراتيجي وطني أو اكتساب ميزة تنافسية في الأسواق الدولية. فلنفكر، على سبيل المثال، في دعم الإنتاج في الصناعات ذات التكنولوجيا المتقدمة، مثل صناعات الفضاء والاتصالات، الذي يمكن استخدامه لضمان توافر سلاسل إمداد مضمونة أو يمكن التنبؤ بها، أو لحماية مصالح الأمن القومي الأخرى.

وواقع الأمر أن بعض أنواع الدعم تفتقر إلى سبب منطقي واضح، وربما تأتي استجابة لكسب التأييد أو لضغوط سياسية. وقد تظهر أنواع دعم أخرى مدفوعة بأهداف للسياسات العامة يمكن تفهمها، مثل الحاجة إلى تصحيح حالات إخفاق الأسواق أو الاستجابة لحالات طوارئ وطنية، تتراوح من الطوارئ الصحية إلى تغير المناخ. ويُعد الدعم المقدم للقاحات كوفيد-19، عندما تدخلت الحكومات لمواجهة قصور الطاقة الإنتاجية، من أحدث الأمثلة في هذا السياق. وبغض النظر عن السبب، يمكن أن تؤدي أنواع الدعم سيئة التصميم التي تُحدث تأثيرا سلبيا على بلدان أخرى إلى استدعاء تدابير انتقامية مضادة.

ما المشكلة في الدعم؟

تتمثل الحجة الاقتصادية التقليدية ضد استخدام الدعم في أنه يسبب اختلالا بين الأسعار وتكاليف الإنتاج. وبهذا، فإنه من الممكن أن يسبب تشوه الأسواق، ويحول دون تحقيق نتائج تتسم بالكفاءة، ويؤدي إلى تحويل الموارد إلى استخدامات أقل إنتاجية. وإذا كان الدعم يفيد بعض الشركات أكثر من غيرها، فبإمكانه أن يقضي على الابتكار ويدفع الشركات التي تتمتع بالكفاءة إلى أن تكلف جهات خارجية بالعمل أو الخروج من الأسواق تماما. ويمكن أن يؤدي هذا الأمر، بدوره، إلى تقليل الإنتاجية الكلية. وقد يوجِد أيضا فرصا للسلوك الريعي - أي الأنشطة التي تستغل توزيع الموارد الاقتصادية لتحقيق عوائد إيجابية لأفراد بعينهم، وليس للمجتمع - ويُلحق الضرر بالاقتصادات الأصغر التي ليس باستطاعتها تقديم دعم.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن لأنواع الدعم المختلفة أيضا أن تزيد الممارسات التي تضر بالصالح العام وأن تُحدِث تأثيرات سلبية على البيئة والصحة. ووفقا لما ذكره خبراء اقتصاديون في صندوق النقد الدولي، كان من الممكن، على سبيل المثال، أن يخفض العالم انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 28% والوفيات بسبب تلوث الهواء بنسبة 46% لو أن صانعي السياسات وافقوا على أن يحل سعر للكربون يتسم بالكفاءة محل دعم الوقود الأحفوري.

غير أن أثر الدعم على العلاقات التجارية لا يزال محفوفا بالمخاطر. أولا، يمكن لأنواع الدعم المختلفة أن تؤدي إلى تشوه قرارات التجارة والاستثمار في اقتصادات أخرى. ويصدُق هذا الأمر بصفة خاصة متى تضمن الدعم بنودا تمييزية مثل اشتراط أن تستخدم السلع المصنعة مكونات صُنعت حصريا أو بصفة أساسية داخل البلد المعني. على سبيل المثال، إذا منح البلد "أ" خصومات ضريبية لمشتري المواد التي تُصنع مكوناتها بالكامل في ذلك البلد، فمن المحتمل حدوث عدد من النتائج التي تفتقر إلى الكفاءة وهي: قد يعيد المصنِّعون تصميم سلاسل الإمداد لإعطاء الأولوية للشركاء المحليين، وقد ينقل المنتجون الأجانب الإنتاج إلى البلد "أ"، وقد يصبح لدى المستهلكين المحليين في البلد "أ" تفضيل غير مبرر للمواد المنتجة محليا.

ثانيا، يقوض الدعم المنافع التي تحققت من التعريفات الجمركية السابقة والمفاوضات بشأن النفاذ إلى الأسواق التي تمت في إطار الاتفاقيات الإقليمية ومتعددة الأطراف. ويحدث هذا الأمر في أغلب الأحيان عندما يقوض الدعم القدرة المحسنة على النفاذ إلى الأسواق التي تنشأ من تخفيض التعريفات الجمركية. وبمرور الوقت، يمكن أن يزيد هذا الوضع من التصورات التي تقضي بأن التجارة تفتقر إلى العدل، وأن يؤدي إلى تراجع التأييد الشعبي للتجارة.

ثالثا، قد يدفع الدعم الشركاء التجاريين إلى الاعتقاد بأن الحكومة تشجع المنافسة غير العادلة وأنها قد تضطرهم إلى اتخاذ رد فعل مماثل. ولمزيد من الشرح للمثال السابق، إذا قرر البلد "ب"، وهو شريك تجاري رئيسي للبلد "أ"، أن صناعته المحلية من المواد تتضرر بسبب رخص ثمن واردات المواد التي يقدم لها البلد "أ" الدعم، فقد يفرض رسوما تعويضية بهدف تحييد تأثيرات هذا الدعم. ويمكن أيضا للبلد "ب" دعم إنتاجه من المواد واتخاذ تدابير مماثلة لما يتخذه البلد "أ". ومن الممكن أن تدفع ردود الأفعال هذه البلد "أ" إلى الانتقام عن طريق اتخاذ تدابير مماثلة أيضا، وأن تؤدي إلى تصاعد حرب إعانات الدعم بينهما.

هل يمكن للقواعد الدولية المساعدة؟

توفر اتفاقية الدعم والتدابير التعويضية الصادرة عن منظمة التجارة العالمية والاتفاق المعني بالزراعة المنبثق منها أساسا جيدا للقواعد المنظمة للدعم الذي يؤثر على تجارة السلع. وهذه الاتفاقية، على سبيل المثال، تعرِّف ما يُعد دعما، بما في ذلك الدعم المحظور (مثل دعم الصادرات ودعم المحتوى المحلي) والدعم الذي يمكن الاعتراض عليه لما له من تأثيرات سلبية على بلد آخر. وتتطلب الاتفاقية أيضا من الحكومات إخطار منظمة التجارة العالمية بأنواع معينة من الدعم، وتحدد إجراءات للتعويضات الأحادية أو متعددة الأطراف، من بينها استخدام التدابير التعويضية ونظام منظمة التجارة العالمية لتسوية المنازعات.

على الرغم من هذا، توجد بعض أوجه القصور الكبيرة في هذه الاتفاقية. ويتمثل أحد بواعث القلق الرئيسية في أن بعض أشكال تدخل الدولة، بما في ذلك الدعم المقدم للمؤسسات المملوكة للدولة والدعم الذي تقدمه تلك المؤسسات، لا يتم اعتباره تلقائيا "دعما" في إطار التعريف الحالي الذي وضعته منظمة التجارة العالمية. وقد تتضمن هذه التدخلات توفير تمويل ميسر للأراضي أو المعدات للمؤسسات المملوكة للدولة التي تنتج سلعا بغرض التصدير. وتشعر بعض البلدان بالقلق بشأن مدى تطبيق قواعد الدعم على هذه المؤسسات، وهو ما حدا بها إلى أن تدرج في اتفاقيات التجارة الأخيرة تدابير للحد من سلوك تلك المؤسسات الذي يُحدث تشوهات في الأسواق. وهذه الاتفاقيات تتضمن الاتفاقية الشاملة والتقدمية للشراكة عبر المحيط الهادئ والاتفاقية بين الولايات المتحدة والمكسيك وكندا. وفي بعض الأحيان، لا تُخطر البلدان منظمة التجارة العالمية عندما تقدم الدعم. وقد ساهم هذا الأمر في الافتقار إلى الشفافية وأحدث حالة من انعدام الثقة.

على الرغم من هذا، فإن القواعد ما هي إلا جزء من القصة. فعدم توافر المعلومات يجعل من الصعب على صانعي السياسات اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن استخدام الدعم. على سبيل المثال، لا يوجد تحليل شامل لأنواع الدعم وما لها من تأثيرات. وعلى الصعيد الدولي، يوجد القليل من التوجيه بشأن إمكانية تحسين عمليات الدعم والحد إلى أقصى قدر ممكن من التداعيات السلبية العابرة للحدود. وبدون هذه المعلومات، تصبح الأدوات المتاحة لصانعي السياسات المحليين محدودة.

هل يمكن إيقاف حرب إعانات الدعم؟

ينطوي المشهد الحالي على تحديات كثيرة. فالتحقيقات في المنازعات بشأن الدعم والرسوم التعويضية التي تُجرى في منظمة التجارة العالمية تشهد زيادة مطردة منذ عام 2010. وفي الوقت الذي تتوسع فيه الحكومات في تقديم الدعم، يبدو أن المنافسة الانتقامية بين الحكومات الكبرى ستتواصل.

وعلى الرغم من ذلك، قد يوجد طريق للخروج من هذه الديناميكية الخطيرة. ويقترح تقرير مشترك صدر مؤخرا عن "الدعم والتجارة والتعاون الدولي"، أعدته أربع منظمات دولية من بينها صندوق النقد الدولي، طرقا لزيادة الشفافية وإجراء تحليل أفضل وتعزيز التعاون بهدف تحسين تصميم الدعم والحد من تأثيراته الضارة. إن التعاون والتفاهم المشترك سيكون لهما باع كبير في تخفيف حدة التوترات والمساهمة في الانفتاح وإمكانية التنبؤ اللذين تشتد الحاجة إليهما على صعيد التجارة العالمية.

* إليزابيث فان هيوفلين، تعمل اقتصادية في إدارة الاستراتيجيات والسياسات والمراجعة بصندوق النقد الدولي.
https://www.imf.org/

اضف تعليق