q

المشاعر المعادية للمسلمين في ألمانيا وباقي الدول الغربية، تصاعدت بشكل كبير وخطير في الفترة الأخير، بسبب تنامي وانتشار الأحزاب والحركات اليمينية المتطرفة المعادية للهجرة وللمسلمين في أوروبا ومنها حركة "بيغيدا"، التي استفادت كثيرا من الهجمات الإرهابية الأخيرة التي استهدفت العاصمة الفرنسية باريس، حيث سعت هذه الحركة الى تعميق مشاعر الخوف من الإسلام داخل المجتمع الألماني، الذي يعيش اليوم في حالة من القلق بسبب التحركات الأخيرة لهذه الحركة، والتي دعت الى مظاهرات مناهضة للإسلام.

حيث حذرت بعض الجهات من خطورة هذا الأمر الذي قد يسهم بتفاقم حالة العداء ضد المسلمين وباقي الأقليات الأخرى في ألمانيا التي شهدت بعض الأعمال العدائية المختلفة ضد المسلمين، وهو ما ينذر بحدوث أزمات ومشكلات أمنية خطيرة في هذا البلد، خصوصا مع وجود أطراف إسلامية متشددة تتبنى الفكر السلفي لها القابلية على استخدام العنف واللجوء إلى الجهاد كما يقول بعض المراقبين.

وبيغيدا PEGIDA وكما تشير بعض المصادر، وهي مختصر لكلمة" وطنيون أوروبيون ضد أسلمه الغرب" هي حركة سياسية ألمانية متطرفة ضد المسلمين نشأت في مدينة درسدن، وتعتقد هذه الحركة بأنه "يجب طرد المسلمين من أوروبا نظرًا لعددهم المتزايد الذي قد يؤدي إلى اسلمة أوروبا مستقبلًا وتحولها إلى قارة ذات أكثرية إسلامية". وتجدر الإشارة إلى أنه رغم موجة النقد الموجهة لحركة بيغيدا على مستوى الولايات الألمانية بسبب توجهاتها العنصرية، فإن الحركة الرافضة لوجود جاليات أجنبية في ألمانيا وأوروبا بشكل عام، قد شهدت تطورا كبيرا من ناحية المشاركين في فعالياتها أو المتعاطفين مع أفكارها. التي أحرجت بعض الإطراف السياسية والحزبية في ألمانيا ودفعتها الى اتخاذ مواقف جديدة ضد أفكار وتطلعات هذه الحركة، وهو ما اعتبره البعض مجرد تحرك إعلامي، خصوصا وان العديد من التقارير تشير الى ان هناك اطراف سياسية كثيرة في أوربا تؤيد توجهات وأفكار هذه الحركة وتعمل على دعمها.

برلين قلقة

وفي هذا الشأن فقد اعرب وزير الخارجية الالماني فرانك فالتر شتاينماير عن القلق لتأثير حركة بيغيدا المعادية للإسلام على صورة المانيا في الخارج في حديث لصحيفة بيلد الشعبية. وقال شتاينماير "نقلل في المانيا من الاضرار التي سببتها شعارات ويافطات بيغيدا العنصرية والمعادية للأجانب". واضاف "شئنا ام أبينا، العالم يتابع المانيا باهتمام كبير تحديدا في هذه المسائل" مؤكدا "انه غالبا ما تطرح عليه اسئلة في هذا الخصوص". واكد "من الاهمية بمكان ان نقول بوضوح وبقوة : بيغيدا لا تتكلم باسم المانيا".

وحول الموقف الواجب اعتماده حيال الحركة اكد على نهج المستشارة انغيلا ميركل التي انتقدت مطلع العام "القلب المليء بالحقد" و"الاحكام المسبقة" للمنظمين موضحة انها "تتفهم" موقف المحتجين. وقال شتاينماير "اتحدث مع الذين يشعرون بخيبة امل وقلق وبأنهم اهملوا كما يفعل العديد من المسؤولين السياسيين الآخرين".

لكنه يرفض "التحدث مع ينصبون نفسهم قادة لهم"، متهما اياهم باستخدام مسألة طالبي اللجوء "لتعبئة" الجماهير "بسهولة اكبر من المواضيع المعقدة مثل قلة البنى التحتية او زيادة عدد المسنين بين السكان". وانتشر فكر بيغيدا في كافة انحاء المانيا مع انشاء فروع محلية لها مثل ليغيدا في لايبزيغ او برغيدا في برلين. وفي كل ارجاء البلاد يبقى عدد المتظاهرين المعارضين لبيغيدا اكبر بكثير من انصار هذه الحركة.

وربما لا تنتشر المسيرات الأسبوعية التي تنظمها حركة أوروبيون وطنيون ضد أسلمة الغرب (بيجيدا) الألمانية المناهضة للإسلام خارج حدود مدينة درسدن حيث بدأت، غير أن الرسالة التي تبثها لها أثر عميق على الأحزاب السياسية العادية. فالمشهد يترك انطباعا قويا إذ يلوح 25 ألف شخص بالأعلام الألمانية في الظلام وهم يهتفون "لوجينبرس" وهو تعبير نازي يعني (صحافة كاذبة) و"فير زيند داس فولك" وهو هتاف تردد قبل سقوط سور برلين معناه (نحن الشعب). وارتفعت أعداد المشاركين في المسيرات إلى مستوى قياسي إذ شجعهم الهجوم الذي شنه إسلاميان على صحيفة شارلي إبدو الفرنسية. بحسب فرانس برس.

ويقول لوتز باخمان (41 عاما) الذي شارك في تأسيس حملة (بيغيدا) التي خرجت للنور على فيسبوك إن الحركة تمثل الأغلبية الصامتة ولها إمكانيات هائلة في مختلف أنحاء ألمانيا وأوروبا. قال باخمان - الذي سبق أن أدين بالسرقة - "ما خفي كان أعظم." وينفي زعماء الحركة أنهم عنصريون ويحرصون على التمييز بين الاسلاميين ومسلمي ألمانيا البالغ عددهم أربعة ملايين نسمة غير أن شعارات مثل "لا للشريعة" و"في 2035 سيكون الألمان أغلبية" تكشف عن عداء للأجانب. ودعا باخمان السياسيين إلى إرغام الوافدين على الإندماج في المجتمع. وقالت كاترين أورتل التي شاركت في تأسيس الحركة "أهلا بكل دين في ألمانيا. لكن لا يمكنك أن تحاول التأثير على الثقافة والحياة الألمانية."

حركة عنصرية

من جانب اخر فحركة بيغيدا تبدو عنصرية بجلاء في نظر 35 ألف شخص شاركوا في احتجاج نظمته الدولة لمناهضة بيغيدا في درسدن وحوالي 100 ألف في مختلف أنحاء ألمانيا. وقال مايكل ناتكه من المكتب الثقافي في درسدن "هم يستخدمون الخوف من الاسلام لنقل الغلو في الوطنية والعنصرية إلى الشارع." ونددت المستشارة الألمانية انجيلا ميركل بالحركة ووصمتها بالعنصرية "والكراهية الكامنة في قلوبهم" وهي عبارات قوية لم تعتد المستشارة على استخدامها.

وكشف النقاش عن انقسامات بين أنصارها من المحافظين بشأن كيفية معالجة الهجرة المتنامية ونتيجة لذلك حقق حزب احتجاجي جديد هو حزب البديل لألمانيا مكاسب على الارض. وتدين حركة بيغيدا بجانب كبير من نجاحها لخصوصية درسدن وهي مدينة يجمع بين عمارة مبانيها طراز الباروك وقد دمرها الحلفاء في عام 1945 وأعيد بناؤها وترميمها فيما بعد بجهود شاقة.

ويقول مارك ارنهوفل أستاذ السياسة في الجامعة التقنية في درسدن إن المدينة أقل تنوعا في الأجناس من المدن الأخرى. ويضيف "مشاعر الخوف من الأجانب فيها أكثر من بعض المدن الأخرى ولذلك فإمكانية التعبئة وحشد التأييد كبيرة." وفي العهد الشيوعي كانت درسدن تعرف باسم "وادي الجهلة" لأن المدينة لم تكن تلتقط بث وسائل إعلام الغرب.

وتشهد المدينة تقليدا تنظم فيه بعض من أكبر مسيرات النازيين الجدد في أوروبا في 13 فبراير شباط لإحياء ذكرى قصف المدينة خلال الشهور الثلاثة الأخيرة من الحرب العالمية الثانية. ويقدر ناتكه أن حوالي 2000 من النازيين الجدد ومشجعي كرة القدم اليمينيين المتعصبين يشاركون في مسيرات حركة بيجيدا إلى جانب المحافظين العاديين. ولا ينوي لوتز باخمان احد المؤسسيين منع أي من النازيين الجدد من المشاركة في المسيرات.

ويقول "لا أحد مكتوب على جبهته ’أنا نازي أو أنا مشجع كروي متعصب’. وهذا اجتماع عام وبصفتي المنظم لا أملك السلطة لمنع الناس." وبالإضافة إلى التحفظ التقليدي فقد كثير من سكان درسدن وولاية ساكسونيا المحيطة بها اهتمامهم بالسياسة لأن حزبا واحدا هو حزب المستشارة ميركل حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي حكم الولاية منذ توحيد الالمانيتين قبل 25 عاما.

وقالت لافتة رفعها جورج شولتز وهو من سكان درسدن "لست نازيا لكن كل من يتمتع بضيافتنا عليه أن يندمج ويحترم ثقافتنا." ويغذي الخوف من الأجانب أيضا انخفاض عدد الوافدين في المدينة وانخفاض عدد سكانها من المسلمين نسبيا.

وأظهر استطلاع للرأي أن نحو 70 في المئة من الألمان غير المسلمين في ساكسونيا يشعرون بالخطر من المسلمين. وكانت الزيادة الحادة في عدد الوافدين وطالبي اللجوء سببا في نقاش عام في ألمانيا وغيرها من الدول الاوروبية حتى أن بعض الساسة طالبوا بتشديد قواعد الهجرة إلى بلادهم. ورغم أن قوانين اللجوء في ألمانيا من بين أكثر القوانين تحررا في العالم الغربي فلم تصبح ألمانيا قط بوتقة تنصهر فيها الثقافات بالمعنى الحقيقي للكلمة.

ويرفض زعماء الحركة - الذين كانوا في الماضي يصوتون لصالح الحزب الديمقراطي الحر المؤيد لقطاع الأعمال - تأييد أي حزب منفرد. وقال باخمان "نحن فوق سياسة الأحزاب لكن لدينا أرضية مشتركة مع كل حزب حتى الخضر واليسار. لكننا نريد التأثير في جدول الأعمال السياسي." ومن بين المطالب التي هتف باخمان بها أمام جمهور المشاركين في المسيرة من سيارته الفان المكشوفة قانون جديد للهجرة يقوم على نظام نقاط حسب مهارات الناس ويفرض على الوافدين التزاما بالاندماج ويوجه حكم الشعب من خلال الاستفتاءات.

ويتنبأ المحللون بأن قواهم ستخور ويشيرون إلى أن من يشاركون في مظاهرات بيغيدا في المدن الالمانية الأخري بضع مئات. غير أن بيغيدا كشفت عن انقسامات عميقة بين المحافظين الذين تتزعمهم ميركل وبعض من ينادون بقوانين هجرة جديدة أكثر تقييدا وآخرين يتهمون ميركل بتعزيز وضع حزب البديل لألمانيا من خلال تجاهل الجناح اليميني في حزبها. بحسب رويترز.

وقال كثيرون من المشاركين في مسيرة درسدن إن حزب البديل لألمانيا يغريهم إذ أن بعض قادته التقوا مع زعماء بيغيدا وبدأوا يعملون على استمالة الناخبين بتبني خطاب بيغيدا فيما يتعلق بالهجرة. وفي خطوة تهدف إلى استمالة أنصار بيغيدا أعلن بيرند لوك زعيم حزب البديل لألمانيا أن "الإسلام غريب على ألمانيا".

ميركل ومظاهرة التنديد

على صعيد متصل تظاهر آلاف الأشخاص بحضور المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل في برلين ضد حركة "بيغيدا" المنددة بالإسلام، وقد دعت إلى التظاهرة منظمات إسلامية للتنديد بالإسلاموفوبيا بعد الاعتداءات التي استهدفت فرنسا. وقام المسؤولون في المنظمات المسلمة بوضع باقة من الزهور البيضاء أمام مقر السفارة الفرنسية قرب بوابة براندبورغ كتب عليها "الإرهاب: لا يحدث باسمنا". وقال رئيس المجلس المركزي لمسلمي ألمانيا أيمن مازياك في كلمة قصيرة "إن الإرهابيين لم يربحوا ولن يربحوا" قبل أن يطلب الوقوف دقيقة صمت تكريما لذكرى الضحايا الـ17 للاعتداءات التي وقعت في فرنسا.

وأضاف "هل كان الإرهابيون يريدون الانتقام للنبي؟ لا! بعملهم هذا ارتكبوا أكبر معصية". ورفع علم فرنسي كبير على بوابة براندبورغ رمز ألمانيا. ويعيش في ألمانيا 81 مليون شخص بينهم نحو أربعة ملايين مسلم. وكان نحو 25 ألف شخص شاركوا في دريسدن في تظاهرة ضد "أسلمة ألمانيا" تلبية لدعوة من حركة "بيغيدا".

من جانب اخر قالت المستشارة أنجيلا ميركل ان حكومتها ستستخدم كل الوسائل المتاحة لها لمكافحة التعصب والتمييز ووصفت استبعاد جماعات معينة من المجتمع بأنه "يستحق الشجب انسانيا". وتأتي تصريحاتها بعد يوم من متظاهر مناهض للإسلام في مدينة دريسدن بشرق ألمانيا في مسيرة وهم يحملون صورا تهكمية لميركل ترتدي غطاء للرأس يشبه الحجاب ويطالبون بفرض قيود أشد على الهجرة ووضع نهاية لتعدد الثقافات في ألمانيا التي يقيم فيها أربعة ملايين مسلم معظمهم من أصل تركي.

وعبرت ميركل عن رفضها الشديد لحركة (أوروبيون وطنيون ضد أسلمة الغرب) والمتعاطفين معها. وقالت "ما نحتاج الى عمله الان هو استخدام كل الوسائل المتاحة لنا لمحاربة عدم التسامح والعنف". وأضافت "استبعاد مجموعات من الأشخاص بسبب الدين مسألة لا تليق بالدولة الحرة التي نعيش فيها. هذا أمر لا يتماشى مع قيمنا الأساسية. وأمر يستحق الشجب انسانيا." وأضافت "رهاب الاجانب والعنصرية والتطرف لا مكان لها هنا."

وقالت ميركل ان الاسلام جزء أساسي من المجتمع الحديث في ألمانيا وهو تعليق نقلته الصحف الكبرى في صفحاتها الاولى. لكنه جلب انتقادا من عدد من السياسيين اليمينيين بينهم أعضاء في حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الذي تتزعمه. وقال فولفجانج بوسباخ وهو عضو بارز في الحزب "ما هو الاسلام الذي تقصده؟ هل يشمل التيار الاسلامي الاصولي والتيارات السلفية؟". واضاف "ألمانيا لديها ثقافة يهودية-مسيحية وليس تراثا ثقافيا اسلاميا." بحسب رويترز.

وقال بيرند لوك وهو من زعماء حزب (البديل لألمانيا) "اذا كنا أمناء بشأن ذلك فان الاسلام غريب على ألمانيا." وستواجه ألمانيا التي بها واحد من أقل معدلات المواليد في أوروبا أزمة ديموغرافية خلال العقد القادم وتشجع حكومة ميركل الهجرة للتعامل مع ذلك. وفي عام 2013 استقبلت ألمانيا 437000 شخص معظمهم من شرق أوروبا وهو أعلى مستوى في 20 عاما. كما رحبت بما يقرب من 200000 طالب لجوء في العام الماضي كثيرون منهم من سوريا التي تمزقها الحرب.

في السياق ذاته قال الرئيس الالماني يواكيم غوك للمسلمين المشاركين في المسيرة المنددة بالاسلاموفوبيا في المانيا "نحن جميعا المانيا"، داعيا الى الوحدة في مواجهة تصاعد العداء للمسلمين. وقال غوك في المسيرة التي جرت عند بوابة براندبورغ في برلين "نحن جميعا المانيا -- نحن الديموقراطيون بخلفياتنا السياسية والثقافية والدينية المختلفة -- نحترم ونحتاج بعضنا البعض". وتابع "نحن من يؤمن بقدرتنا على العيش بالطريقة التي نرغب فيها جميعا : في اطار الوحدة والقانون والحرية" وهو شعار المانيا الفدرالية.

اضف تعليق