تختلف التشكيلات الأمنية التي تتعامل مع التهديدات الطارئة أو المستحكمة وفقاً لأساس وجودها، فالجميع يدرك أن الدول تعمل على إنشاء بعض الوحدات الخاصة التي تكلف بحماية أمن الدولة من التهديدات، وتختلف البنية التي تعتمد فيها إنشاء هذه الوحدات بحجم ومستوى التهديد الذي تواجهه، لكنها بشكل عام تكون ذات مهام خاصة من حيث الأداء أو النوعية في التنفيذ.

ويعد جهاز مكافحة الإرهاب واحداً من هذه التشكيلات الذي أصبح الحديث عنه اليوم يتجه نحو مسارات جديدة بفعل الإنجازات التي حققها في الحرب على الجماعات الإرهابية لاسيما الحرب التي خاضها العراق على تنظيم داعش الإرهابي، والتي تعد من أخطر الحروب بسبب الظروف التي يواجهها العراق وطبيعة التعقيدات الجيوبوليتيكية والأمنية التي ترافق المنطقة برمتها. الأمر الذي جعل من طريقة إدارته للحرب إنموذجاً يمكن الإحتذاء به من قبل الدول التي تعاني من الأزمات الأمنية، أو تهديدات الجماعات الإرهابية.

القوة التي لم تخسر معركة

قد لا نبالغ الوصف حين نصف جهاز مكافحة الإرهاب بأنه القوة التي لم تخسر معركة منذ تأسيسها، إذ تشهد العديد من المراكز المتخصصة في شؤون الحرب بأن طبيعة التدريبات التي تلقاها عناصر جهاز مكافحة الإرهاب تؤهله للإشتراك في أي معركة، خصوصاً عندما تقترن تلك المعارك بإنتشار الجماعات الإرهابية التي تستخدم الدروع البشرية، وتعمل على توظيف المناطق السكنية في تنفيذ هجماتها.

تختلف الحرب على الجماعات الإرهابية عن غيرها من الحروب، فالمعروف عن الجماعات العشوائية أنها تستخدم أسلوب الفوضى في الحرب، الأمر الذي يجعل العدو غير واضح مما يتطلب إستراتيجيات وتكتيكات معقدة في إدارة المعارك -سواء بالمداهمات أو الحرب الخاطفة- وهذا يتطلب تدريبات خاصة ومستمرة قد تكون صعبة بسبب إستمرار التهديدات الإرهابية للعراق.

تمكن جهاز مكافحة الإرهاب من كسر الطوق الذي يعتمده تنظيم داعش في المواجهات وفي معظم المناطق المحررة، ولعل ذلك يبدو واضحاً في معركة الموصل، إذ استطاع من كسر حاجز الصدّ، الذي تقيمه عناصر (داعش) على طول نهر دجلة الفاصل بين جانبي المدينة، ومن ثم التمكن من أن يكون رأس الحربة في العمليات الخاصة ضد تنظيم داعش. كما أنه كان عاملاً مهماً في دعم جهود بقية التشكيلات المشاركة في الحرب ضد تنظيم داعش الإرهابي. وكذلك الدور الذي قام به الجهاز في معركة الفلوجة ضد تنظيم داعش الإرهابي، والذي تمكن من دحر هذه الجماعات بعد أن أكملت القوات الأمنية الأخرى الطوق الأمني، مما منح جهاز مكافحة الإرهاب مهمة الإقتحام والدخول في حرب مباشرة مع الجماعات الإرهابية هناك.

الحرب على داعش وتفوق الذات

لم يكن من السهل لأي قوة عسكرية الإستمرار في المواجهة من دون وجود عوامل مساعدة في هذا الجانب تعمل على تقديم الدعم المعنوي للعناصر المقاتلة، خصوصاً وأن الجهاز في مواجهة مفتوحة ومباشرة مع الجماعات الإرهابية، فالمعروف أن معظم التشكيلات الخاصة في العالم تخصص واجباتها بمهام معينة، في حين يلاحظ أن دور جهاز مكافحة الإرهاب كان الدور الرئيسي في المعركة، وانتقلت بفعل إحترافيته الكثير من المهام العسكرية والأمنية لتكون على عاتقه سواء في قيادة العمليات المشتركة أو في مراكز القرار كالحالة مع إختيار وزير الدفاع عرفان الحيالي الذي كان يشغل منصب مدير التدريب والتطوير في جهاز مكافحة الإرهاب. مما يعني أن إحترافية الجهاز في الميدان سوف تنتقل من مستوى التنفيذ إلى مستوى القرار من خلال صياغة الإستراتيجيات الخاصة بالمؤسسات الأمنية.

إن هذا الإنتقال في الأداء المقترن برضا المواطنين خصوصاً في المناطق المحررة من سيطرة تنظيم داعش الإرهابي، سوف يساعد الجهاز على تقوية دوره في صياغة القرار الأمني خصوصاً إذ ما أخذنا بعين الإعتبار وجود إهتمام كبير من قبل القوات الدولية به، سواء من قبل الولايات المتحدة الأمريكية أو القوات الفرنسية أو القوى الأخرى المشاركة في التحالف الدولي، إذ يبدو أن هنالك إجماع دولي على ضرورة دعم هذا الجهاز بمديريات لها القدرة في الجانب الإستخباري، فقد منح قانون جهاز مكافحة الإرهاب عام 2016صلاحيّات واسعة للجهاز، منها: إستحداث مديريّة للإستخبارات والتدريب، وطيران حربيّ تابع للجهاز. وهذا من شأنه أن يزيد من فاعلية الجهاز في ضرب الجماعات الإرهابية.

إن طبيعة التلازم بين ماحققه جهاز مكافحة الإرهاب من إنتصارات على تنظيم داعش الإرهابي والقبول الشعبي في جميع مناطق العراق بشكل عام والمناطق المحررة بشكل خاص سيساهم في رفع أهمية الجهاز على مستوى صنع القرار الأمني، إذ سوف يزيد من جانب الإحترافية في إتخاذ القرارات الخاصة بهذا الجانب وستزداد هذه الإحترافية بعد إستكمال متطلبات الجهاز الأساسية لتمكينه من مكافحة الإرهاب والقضاء على الخلايا النائمة المنشئة له.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية/2001–2017Ⓒ
http://mcsr.net

اضف تعليق